صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( واختلف أصحابنا في بيع بيض دود القز وبيض ما لا يؤكل لحمه من الطيور التي يجوز بيعها ، كالصقر والبازي ، فمنهم من قال : هو طاهر ، ومنهم من قال هو نجس ، بناء على الوجهين في طهارة مني ما لا يؤكل لحمه ونجاسته ( فإن قلنا ) إن ذلك طاهر جاز بيعه ، لأنه طاهر منتفع به ، فهو كبيض الدجاج ( وإن قلنا ) إنه نجس لم يجز بيعه ، لأنه عين نجسة فلم يجز بيعه كالكلب والخنزير ) .


( الشرح ) اتفق أصحابنا على جواز بيع دود القز ، لأنه حيوان طاهر منتفع به ، فهو كالعصفور والنحل وغيرهما ( وأما ) بيض دود القز وبيض ما لا يؤكل لحمه من الطيور ففيه وجهان مشهوران ( أصحهما ) صحة البيع ( والثاني ) بطلانه ، وهما مبنيان على طهارته ونجاسته ، وفيها وجهان كمني ما لا يؤكل ، وقد سبق بيان الخلاف في باب إزالة النجاسة وأن الأصح طهارته ( وأما ) قول المصنف من الطيور التي يجوز بيعها فزيادة لا تعرف للأصحاب بل الصواب المعروف أنه لا فرق بين ما لا يؤكل لحمه كالرخمة وغيرها ، وفي الجميع الوجهان ( أصحهما ) جواز بيعه لأن الخلاف مبني كما ذكر المصنف والأصحاب - على طهارة هذا البيض ونجاسته ، والخلاف فيه شامل لما يجوز بيعه وغيره ، والله تعالى أعلم . وحكى المتولي عن أبي حنيفة أنه لا يجوز بيع دود القز ولا بيضه .

فروع في مسائل مهمة تتعلق بالباب ( فرع ) بيع لبن الآدميات جائز عندنا لا كراهة فيه ، وهذا هو المذهب وقطع به الأصحاب إلا الماوردي والشاشي والروياني فحكوا وجها شاذا عن أبي القاسم الأنماطي من أصحابنا أنه نجس لا يجوز بيعه ، [ ص: 305 ] وإنما يربى به الصغير للحاجة ، وهذا الوجه غلط من قائله ، وقد سبق بيانه في باب إزالة النجاسة فالصواب جواز بيعه ، قال الشيخ أبو حامد هكذا قاله الأصحاب قال : ولا نص للشافعي في المسألة ، وقال أبو حنيفة ومالك : لا يجوز بيعه ، وعن أحمد روايتان كالمذهبين ، هذا مذهبنا . واحتج المانعون بأنه لا يباع في العادة ، وبأنه فضلة آدمي فلم يجز بيعه ، كالدمع والعرق والمخاط ، وبأن ما لا يجوز بيعه متصلا لا يجوز بيعه منفصلا ، كشعر الآدمي ، ولأنه لا يؤكل لحمهما فلا يجوز بيع لبنها كالأتان . واحتج أصحابنا بأنه لبن طاهر منتفع به ، فجاز بيعه كلبن الشاة ، ولأنه غذاء للآدمي فجاز بيعه كالخبز ( فإن قيل ) هذا منتقض بدم الحيض فإنه غذاء للجنين ولا يجوز بيعه قال القاضي أبو الطيب في تعليقه : ( فالجواب ) أن هذا ليس بصحيح ولا يتغذى الجنين بدم الحيض ، بل يولد وفمه مسدود لا طريق فيه لجريان الدم ، وعلى وجهه المشيمة ، ولهذا أجنة البهائم تعيش في البطون ولا حيض لها ، ولأنه مائع يحل شربه فجاز بيعه كلبن الشاة قال الشيخ أبو حامد : ( فإن قيل ) ينتقض بالعرق ( قلنا ) لا نسلم بل يحل شربه ( وأما ) الجواب عن قولهم لا يباع في العادة ، فإنه لا يلزم من عدم بيعه في العادة أن لا يصح بيعه ، ولهذا يجوز بيع بيض العصافير ، وبيع الطحال ، ونحو ذلك مما لا يباع في العادة ( والجواب ) عن القياس على الدمع والعرق والمخاط أنه لا منفعة فيها بخلاف اللبن وعن البيض بأنه لا يجوز الانتفاع به بخلاف اللبن ، وعن لبن الأتان بأنه نجس بخلاف الآدمية ، والله تعالى أعلم .

( فرع ) في بيع القينة بفتح القاف ، وهي الجارية المغنية ، فإذا كانت تساوي ألفا بغير غناء وألفين مع الغناء ، فإن باعها بألف صح البيع بلا خلاف وإن باعها بألفين ففيها ثلاثة أوجه ذكرها إمام الحرمين وغيره [ ص: 306 ] ( أصحهما ) يصح بيعها ، وبه قال أبو بكر الأزدي لأنها عين طاهرة منتفع بها فجاز بيعها بأكثر من قيمتها ، كسائر الأعيان ( والثاني ) لا يصح ، قاله أبو بكر المحمودي من أصحابنا : لأن الألف تصير في معنى المقابل للغناء ( والثالث ) إن قصد الغناء بطل البيع وإلا فلا ، قال الشيخ أبو زيد المروذي : قال إمام الحرمين : القياس السديد هو الجزم بالصحة ذكره في فروع مبتورة عند كتاب الصداق ( وأما ) الحديث الذي يروى عن علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن ولا تعلموهن ، ولا خير في تجارة فيهن ، وثمنهن حرام } وفي مثل هذا أنزلت هذه الآية : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } رواه بهذا الإسناد الترمذي وابن ماجه والبيهقي وغيرهم ، واتفق الحفاظ على أنه ضعيف ; لأن مداره على علي بن يزيد وهو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه أحمد بن حنبل وسائر الحفاظ ، قال البخاري : هو منكر الحديث ، وقال النسائي : ليس هو ثقة ، وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث ، أحاديثه منكرة وقال يعقوب بن أبي شيبة : هو واهي الحديث ، قال الترمذي في تعليقه : هذا الحديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وعلي بن يزيد تكلم فيه بعض أهل العلم وضعفه . ونقل البيهقي عن الترمذي يعني من كتاب العلل له قال : سألت البخاري عن هذا الحديث فقال : علي بن يزيد ذاهب الحديث . قال البيهقي : وروي عن ليث بن أبي سليم عن عبد الرحمن بن سابط عن عائشة وليس بمحفوظ وخلط فيه ليث .

[ ص: 307 ] فرع ) الكبش المتخذ للنطاح ، والديك المتخذ للهراش بينه وبين غيره حكمه في البيع حكم الجارية المغنية فإن باعه بقيمته ساذجا جاز ، وإن زاد بسبب النطاح والهراش ففيه الأوجه الثلاثة ( أصحها ) صحة بيعه ، وممن ذكر المسألة القاضي حسين وآخرون ، وأما قول الغزالي في الوسيط في أول كتاب البيع : ( في بيع القينة والكبش الذي يصلح للنطاح كلام سنذكره ) فلم يذكره في الوسيط ، وكأنه نوى أن يذكره حيث ذكره شيخه إمام الحرمين عند كتاب الصداق ثم نسيه حين وصله .

( فرع ) بيع إناء الذهب أو الفضة صحيح قطعا ، لأن المقصود عين الذهب والفضة ، وقد سبقت المسألة في باب الآنية .

( فرع ) بيع الماء المملوك صحيح على المذهب وبه قطع الجمهور ، وستأتي تعاريفه إن شاء الله تعالى في إحياء الموات . فإذا صححنا بيع الماء ففي بيعه على شط النهر مع التمكن من الأخذ من النهر وبيع التراب في الصحراء وبيع الحجارة بين الشعاب الكبيرة والأحجار وجهان مشهوران في كتب الخراسانيين ( أصحهما ) جوازه ، وبه قطع العراقيون وجماعة من الخراسانيين لأنه وجد فيه جميع شرائط المبيع ، وإنما الاستغناء عنه لكثرته ، وذلك لا يمنع صحة البيع ( والثاني ) بطلانه ، لأن بذل المال فيه والحالة هذه سفه ، والله تعالى أعلم .

( فرع ) قال أصحابنا : السم إن كان يقتل كثيره وينفع قليله كالسقمونيا والأفيون جاز بيعه بلا خلاف ، وإن قتل قليله وكثيره فالمذهب بطلان بيعه وبه قطع الجمهور ، ومال إمام الحرمين ووالده إلى الجواز ليدس في طعام الكافر .

[ ص: 308 ] فرع ) آلات الملاهي كالمزمار والطنبور وغيرهما إن كانت بحيث لا تعد بعد الرض والحل مالا لم يصح بيعها ، لأنه ليس فيها منفعة شرعا ، وهكذا قطع به الأصحاب في جميع الطرق إلا المتولي والروياني فحكيا فيه وجها فيه أنه يصح البيع ، وهو شاذ باطل ، وإن كان رضاضها يعد مالا ففي صحة بيعها وبيع الأصنام والصور المتخذة من الذهب والفضة وغيرها ثلاثة أوجه ( أصحه ) البطلان وبه قطع كثيرون ( والثاني ) الصحة ( والثالث ) وهو اختيار القاضي حسين في تعليقه والمتولي وإمام الحرمين والغزالي أنه إن اتخذ من جوهر نفيس صح بيعها ، وإن اتخذ من خشب ونحوه فلا . قال الرافعي والمذهب البطلان مطلقا ، قال : وبه قطع عامة الأصحاب ، والله تعالى أعلم .

( فرع ) قال القاضي حسين والمتولي والروياني وغيرهم : يكره بيع الشطرنج قال المتولي . وأما الخرز فإن صلح لبيادق الشطرنج فكالشطرنج وإلا فكالمزمار .

( فرع ) قال المتولي لبن الأضحية المعينة يتصدق به على الفقراء في الحال ويجوز لهم بيعه قال وكذا لبن صيد الحرم إذا أبحنا للفقراء شربه ويجوز لهم بيعه لأنه طاهر منتفع به

. ( فرع ) يجوز بيع المشاع كنصف من عبد أو بهيمة أو ثوب أو خشبة أو أرض أو شجرة أو غير ذلك بلا خلاف سواء كان مما ينقسم أم لا ، كالعبد والبهيمة للإجماع فلو باع بعضا شائعا من الشيء بمثله من ذلك الشيء كدار بينهما نصفين فباع النصف الذي له بالنصف الذي [ ص: 309 ] لصاحبه ففي صحة البيع وجهان ، حكاهما إمام الحرمين وغيره ( أحدهما ) لا يصح لعدم الحاجة إليه ( وأصحهما ) يصح وبه قطع المتولي لوجود شرائطه كما لو باع درهما بدرهم من سكة واحدة أو صاعا بصاع من صبرة واحدة ، فعلى هذا يملك كل واحد النصف الذي كان لصاحبه ، وتظهر فائدته في مسائل : ( منها ) لو كانا جميعا أو أحدهما قد ملك نصيبه بالهبة من والده انقطعت سلطة الرجوع في الهبة لزوال ملكه عن العين الموهوبة .

( ومنها ) لو ملكه بالشراء ثم اطلع على عيب بعد هذا التصرف لم يملك الرد على بائعه .

( ومنها ) لو ملكه بالصداق ثم طلقها قبل الدخول لم يكن له الرجوع فيه .

( ومنها ) لو اشترى النصف ولم يؤد ثمنه ثم حجر عليه بالإفلاس لم يكن للبائع الرجوع فيه بعد هذا التصرف لو باع النصف الذي له بالثلث من نصيب صاحبه ففي الصحة الوجهان ( أصحهما ) الصحة ، ويصير بينهما أثلاثا ، وبهذا قطع صاحب التقريب والمتولي واستبعده إمام الحرمين والله سبحانه وتعالى أعلم .

( فرع ) قال أصحابنا : لا يصح بيع العبد المنذور إعتاقه كما لا يصح بيع أم الولد . وممن صرح به المتولي والروياني وقد سبقت الإشارة إليه عند ذكر شروط المبيع ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية