صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( ولا يجوز بيع عين مجهولة كبيع عبد من عبيد ، وثوب من أثواب ، لأن ذلك غرر من غير حاجة ، ويجوز أن يبيع قفيزا من صبرة ، لأنه إذا عرف الصبرة عرف القفيز منها فزال الغرر ) .


( الشرح ) القفيز مكيال معروف ، ومراد الفقهاء به التمثيل ، وأصل القفيز مكيال يسع اثني عشر صاعا ، والصاع خمسة أرطال وثلث بالبغدادي ، هكذا ذكره أهل اللغة ، وأصحاب الغريب وغيرهم ، قال الأزهري : الإردب أربعة وعشرون صاعا ، وهو أربعة وسبعون منا ، والمنا رطلان ، والعنقل نصف إردب ، قال : والكرستون قفيزا ، والقفيز ثمانية مكاكيك ، والمكوك صاع ونصف . وهو ثلاث حجليات والعرق ثلاثة آصع وقول المصنف ( لأن ذلك غرر من غير حاجة ) احتراز من السلم ومن أساس الدار .

( أما الأحكام ) فقد سبق أن من شروط المبيع كونه معلوما ، قال أصحابنا : وليس معناه أنه يشترط العلم به من كل وجه ، بل المشترط علم عينه وقدره وصفته ، وقد ذكر المصنف ذلك كله في فصول متراسلة فبدأ باشتراط عين المبيع ، قال أصحابنا : لا يجوز بيع عين مجهولة ، فلو قال : بعتك أحد عبيدي أو أحد عبدي هذين أو شاة من هذا القطيع أو من هاتين الشاتين أو ثوبا من هؤلاء أو من هذين أو ما أشبه ذلك ، فالبيع باطل ، وكذا لو قال : بعتكهم إلا واحدا منها ، وسواء تساوت قيمتهم وقيم الشياه والأثواب أم لا ، وسواء قال : ولك الخيار في التعيين أم لا ، فالبيع [ ص: 347 ] باطل في كل هذا عندنا بلا خلاف إلا قولا قديما حكاه المتولي أنه إذا قال : بعتك أحد عبيدي أو عبيدي الثلاثة على أن تختار من بينهم في ثلاثة أيام أو أقل ، صح العقد ، وهذا شاذ مردود لأنه غرر . ولو كان له عبد فاختلط بعبيد لغيره ولم يعرفه فقال : بعتك عبدي من هؤلاء والمشتري يراهم كلهم ولا يعرف عينه فوجهان ، قطع المتولي بأنه كبيع الغائب ففيه الخلاف ، وقال البغوي : عندي أن هذا باطل وهذا أصح ، ولو فرقت صيعان الصبرة المتماثلة فباع صاعا منها ، فالمشهور في المذهب بطلان البيع ، وبه قطع الجمهور ، كما ذكرنا في نظائره ، وحكى المصنف في تعليقه عن شيخه القاضي أبي الطيب الطبري في صحة بيعه لعدم الغرر ، وكما لو باع بدرهم فإنه يحمل على درهم من نقد البلد ، ولا يضر عدم تعينه ، والمذهب : البطلان لأنه قد يختلف به غرض بخلاف الدراهم ، ولأنه يمكنه أن يبيع أحد الصيعان بعينه ، ولا يجوز إبهامه ، وأما الدراهم فتحتاج إلى إثباته في الذمة ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

( فرع ) قال أصحابنا : يجوز بيع الجزء الشائع من كل جملة معلومة من دار أو أرض أو عبد أو صبرة أو ثمرة وغيرها ، لعدم الغرر ، لكن لو باع جزءا شائعا من شيء بمثله من ذلك الشيء بأن كانت دار بين اثنين نصفين فباع أحدهما نصيبه لشريكه بنصيبه ، ففي صحة البيع وجهان ( الصحيح ) الصحة وسبقت المسألة بفروعها وفوائدها في آخر باب ما يجوز بيعه ، ولو باع الجملة واستبقى منها جزءا شائعا جاز ، مثاله : بعتك هذه الثمار إلا ربعها وقدر الزكاة منها ، ولو قال : بعتك ثمرة هذا البستان بثلاثة آلاف درهم إلا ما يخص ألفا ، فإن أراد ما يخصه إذا وزعت الثمرة على المبلغ المذكور صح وكان استثناء للثلث وإن أراد ما يساوي ألفا عند التقويم فلا ، لأنه مجهول ، والله سبحانه أعلم .

[ ص: 348 ] فرع ) إذا باع قفيزا من صبرة فقد قطع المصنف بالصحة ، ومراده إذا كانت الصبرة أكثر من قفيز وهي متساوية وكانت مجهولة الصيعان فباع صاعا منها فيصح على المذهب ، وبه قطع الأكثرون ، وهو المنصوص وفيه وجه أنه لا يصح ، وهو اختيار القفال ، وسنعيد المسألة واضحة إن شاء الله تعالى ، حيث بسطها المصنف بعد هذا في فصل بيع مجهول القدر .

( فرع ) قد ذكرنا أن مذهبنا أنه لا يجوز بيع عبد من عبيد ولا من عبدين ولا ثوب من ثياب ، ولا من ثوبين ، سواء شرط الخيار أم لا وقال أبو حنيفة : إذا باع عبدا من عبدين أو ثلاثة بشرط خيار ثلاثة أيام صح . وإن باعه عبدا من أربعة فأكثر لم يصح ، وقال مالك : إذا باع عبدا من عبيد أو ثوبا من ثياب وكلها متقاربة في الصفة وشرط الخيار للمشتري صح البيع .

التالي السابق


الخدمات العلمية