صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن قال : بعتك هذا السمن مع الظرف كل منا بدرهم - نظرت فإن لم يعلما مقدار السمن والظرف - لم يجز ، لأن ذلك غرر ، لأن الظرف قد يكون خفيفا ، وقد يكون ثقيلا ، وإن علما وزنها جاز ، لأنه لا غرر فيه ) .


( الشرح ) ( المنا ) على وزن العصا هو رطلان بالبغدادي ، وفيه لغة ضعيفة ( منا ) بتشديد النون ، قال أصحابنا : فيبيع السمن في الظرف مسائل : ( إحداها ) إذا كان السمن أو الزيت أو غيرهما من الأدهان ونحوها مما لا يختلف في ظرف ، فرآه ثم اشترى رطلا أو أرطالا صح البيع ، [ ص: 387 ] كما سبق بيانه في مسائل الصبرة ، هكذا قطعوا به ، ويجيء فيه الوجه السابق عن القفال في بيع صاع من الصبرة ، وقد أشار إليه صاحب التتمة .

( الثانية ) إذا رآه ثم اشتراه مع ظرفه بعشرة دراهم مثلا صح البيع ، سواء كان ظرفه من فخار أو خشب أو حديد أو نحاس ، أو كان زقا ، وسواء عرفا وزنهما أم لا ، هذا هو المذهب ، وبه قطع الجمهور ، قال الروياني : وحكى بعض أصحابنا الخراسانيين قولين فيما إذا لم يعلما الوزن ، قال : وليس هذا بشيء ، ولو اشترى نصفه أو ربعه صح .

( الثالثة ) إذا قال : بعتك جميع هذا السمن كل رطل بدرهم صح البيع ، ويوزن السمن في شيء آخر ، ويوزن في ظرفه ثم يسقط وزن الظرف بعد تفريغه ، هكذا قطع به الأصحاب ، وينبغي أن يجيء فيه الوجه السابق عن أبي الحسين بن القطان في مثله في الصبرة .

( الرابعة ) إذا قال : بعتكه كل رطل بدرهم على أن يوزن معه الظرف ، ثم يحط وزن الظرف ، صح البيع بالاتفاق كالصورة التي قبلها ، لأنها هكذا تباع في العادة ، ولأنه لا غرر .

( الخامسة ) إذا قال : بعتك هذا السمن كل رطل بدرهم على أن يوزن الظرف معه ويحسب على المشتري وزنه ، ولا يكون الظرف مبيعا ، فالبيع باطل باتفاق الأصحاب ، لأنه شرط في بيع السمن أن يزن معه غيره ، وليس ذلك الوزن معه مبيعا فلم يصح ، كما لو قال : بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم على أن أكيل معها شعيرا ، هكذا أطلقه الأصحاب ، ولم يفرقوا بين أن يعلما وزن الظرف أم لا ، قال ابن الصباغ : وينبغي أن يجوز إذا علما وزن الظرف والسمن ، ويكون كقوله : بعتك الصبرة على أن أنقصك صاعا وأحسب ثمنه عليك ، وهي معلومة الصيعان ، لأنه لا غرر [ ص: 388 ] حينئذ ، وحكى المتولي هذا وجها لبعض الأصحاب ، وحكى الروياني كلام الأصحاب ثم حكى كلام ابن الصباغ عن بعض الأصحاب ، ولم يسمه ، ومراده ما نقله المتولي أو ما قاله ابن الصباغ فهو كثير النقل عنهما .

( السادسة ) إذا قال : بعتك هذا السمن بظرفه ، كل رطل من المجمد بدرهم فثلاثة أوجه ( أصحها ) عند الجمهور وأشهرها ، وبه قطع المصنف والشيخ أبو حامد والماوردي والقاضي أبو الطيب في المجرد ، وجمهور سائر العراقيين وصححه المتولي وآخرون ، أنهما إن علما وزن كل واحد صح البيع ، وإلا فلا لما ذكره المصنف ( والثاني ) يصح مطلقا وهو الأصح عند البغوي ، وبه قال الدارمي ، واختاره ابن الصباغ ، لأن جملة المبيع مرئية ، ولا يضر اختلاف قيمتها ، كما لو اشترى فواكه من أجناس وهي مختلطة وزنا أو حنطة مختلطة بالشعير كيلا ، فإنه يصح ( والثالث ) أنه لا يصح مطلقا حكاه البغوي وغيره ، لأن المقصود السمن ، وهو مجهول بخلاف الفواكه ، فإنها كلها مقصودة ، قال أصحابنا : وصورة المسألة أن يكون للظرف قيمة ، فإن لم يكن له قيمة لم يصح البيع بلا خلاف ، لأنه شرط عليه ما لا قيمة له وأخذ الثمن في مقابلة وزنه .

( السابعة ) إذا قال : بعتك هذا السمن على أن أزنه بظرفه ، ثم أسقط الثمن بقسط وزن الظرف ، قال الروياني والأصحاب : إن كانا عند العقد عالمين قدر وزن الظرف وقدر قسطه صح البيع ، وإن جهلاه أو أحدهما لم يصح ، لأنهما لا يعلمان هل يكون المسقط درهمين فيكون الثمن عشرة أو أقل أو أكثر فصار الثمن مجهولا ، قالوا : وهذا بخلاف ما لو قال : بعتك هذا السمن كل رطل ثم أظرف كذا وزن الظرف ، فإنه يصح كما سبق ، لأن حاصله بيع السمن جميعه ، كل رطل بدرهم ، فلا يضر جهالة وزن الظرف .

[ ص: 389 ] فرع ) ذكرنا أنه إذا اشترى السمن ونحوه مع ظرفه جزافا صح البيع هكذا أطلقه الجمهور ، قال القاضي حسين والمتولي : هذا إذا كانا قد شاهدا الظرف فارغا ، وعرفا قدر ثخانته أو كانت ثخانته معلومة بالعادة ، وإن كان الظرف مما تختلف ثخانته وتتفاوت لم يصح البيع ، لأنه لو باع السمن وحده والحالة هذه لم يصح البيع ، للجهل بقدره ، فإذا باعهما فأولى بالبطلان . قال القاضي حسين : ولو كان الظرف يستوفيه ورأى أعلاها فإن كانت جوانبها مستترة لم يصح البيع وإن كانت مكشوفة ولكن أسفلها مستتر ، قال أصحابنا : لا يصح ، قال القاضي : وعندي أنه يصح ، لأنه يستدل بالجوانب على الأسفل لأن الغالب استواؤهما فإن خرج أغلظ من الجوانب ثبت الخيار ، كما لو اشترى صبرة فخرج تحتها دكة .

( فرع ) قال البغوي والأصحاب : لو قال : بعتك المسك مع فأرته ، كل مثقال بدينار ، فهو كبيع السمن بظرفه كل رطل بدرهم ، ويجيء فيه باقي المسائل .

( فرع ) قد ذكرنا أنه إذا باع السمن مع ظرفه جزافا صح البيع ، قال أصحابنا : ولو باع لبنا مخلوطا بالماء لم يصح بلا خلاف ، والفرق أن المقصود وهو اللبن غير متميز ولا معلوم ( وأما ) هنا فالمقصود السمن ، وهو متميز ، فصار كما لو باع عبدا وعليه ثوب مع الثوب ، فإنه يصح بالإجماع .

( فرع ) إذا اشترى جامدا في ظرفه كالدقيق والحنطة والتمر والزبيب وغير ذلك موازنة ، كل رطل بدرهم ، بشرط أن يوزن مع ظرفه ، ثم يسقط قدر وزن الظرف ، فوجهان حكاهما الماوردي والروياني ( أحدهما ) لا يصح البيع ، لأن الجامد لا يحتاج إلى وزنه مع ظرفه ، لإمكان وزنه بدونه ، قالا : وإلى هذا مال أبو إسحاق المروزي ( والثاني ) [ ص: 390 ] يصح وهذا مقتضى كلام جمهور الأصحاب ، وهو الصواب إذ لا مفسدة فيه ولا غرر ولا جهالة .

( فرع ) إذا اشترى سمنا أو غيره من المائعات أو غيرها في ظرفه ، كل رطل بدرهم مثلا ، على أن يوزن بظرفه ، ويسقط أرطال معينة بسبب الظرف ، ولا يوزن الظرف فالبيع باطل بلا خلاف ، لأنه غرر ظاهر ، وهذا من المنكرات المحرمة التي تقع في كثير من الأسواق .

التالي السابق


الخدمات العلمية