صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ولا يجوز بيع الحمل في البطن ، لما روى ابن عمر رضي الله عنه : { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المجر } والمجر اشتراء ما في الأرحام ، ولأنه قد يكون حملا وقد يكون ريحا ، وذلك غرر من غير حاجة ، فلم يجز ، ولأنه إن كان حملا فهو مجهول القدر ، ومجهول الصفة ، وذلك غرر من غير حاجة ، فلم يجز ، وإن باع حيوانا وشرط أنه حامل ففيه قولان ( أحدهما ) أن البيع باطل ، لأنه مجهول الوجود مجهول الصفة ( والثاني ) أنه يجوز لأن الظاهر أنه موجود ، والجهل به لا يؤثر ، لأنه لا تمكن رؤيته فعفي عن الجهل به كأساس الدار ) .


( الشرح ) حديث ابن عمر رواه البيهقي ، وأشار إلى تضعيفه وضعفه يحيى بن معين والمجر - بميم مفتوحة ثم جيم ساكنة ثم راء - وهو بيع الجنين ، كما فسره المصنف ، وأجمع العلماء على بطلان بيع الجنين ، وعلى [ ص: 392 ] بطلان بيع ما في أصلاب الفحول ، نقل الإجماع فيهما ابن المنذر والماوردي وغيرهما ، لأنه غرر وللأحاديث ، ولما ذكره المصنف ( أما ) إذا باع حيوانا من شاة أو بقرة أو ناقة أو فرس أو جارية أو غيرها وشرط أنها حامل ففي صحة البيع خلاف مشهور ، حكاه المصنف والجمهور قولين ، وحكاه جماعة وجهين ، ودليلهما في الكتاب ( أصحهما ) عند الأصحاب الصحة ( والثاني ) البطلان . قيل : يصح في الجارية قولا واحدا ، حكاه الروياني وآخرون ، قالوا : لأن الحمل في الجارية عيب ، فيكون إعلاما بالعيب والمشهور أنها على القولين . قال أصحابنا : هما مبنيان على القولين المشهورين في أن الحمل هل يعرف أم لا ؟ ( أصحهما ) يعرف ، وله حكم ، وله قسط من الثمن ( والثاني ) لا يعرف ، ولا حكم له ، ولا قسط من الثمن ، وقد ذكر المصنف القولين في آخر الباب الأول من كتاب البيوع ، وسبق شرحهما هناك ( وإن قلنا ) يعرف صح هنا ، وإلا فلا .

( أما ) إذا قال : بعتك هذه الجارية وحملها أو هذه الشاة وحملها أو مع حملها أو بعتك هذه الشاة وما في ضرعها من اللبن ، فوجهان مشهوران ( أصحهما ) لا يصح البيع ، وبه قال ابن الحداد والشيخ أبو علي السنجي ، لأنه جعل المجهول مبيعا مع المعلوم ، بخلاف البيع بشرط أنها حامل ، فإنه وصف بائع فاحتمل ( والثاني ) يصح ، وبه قال الشيخ أبو زيد ، ونقله في البيان عن الأكثرين ، لأنه يدخل عند الإطلاق في البيع فلا يضر ذكره ، بل يكون توكيدا وبيانا لمقتضاه ، قال هؤلاء : وهذا كما لو قال : بعتك هذه الرمانة وحبها ، أو هذا الجوز ولبه ، فإنه يصح قطعا ، مع أنه لو أفرد اللب بالبيع لم يصح ، قال القاضي أبو الطيب : وينبغي أن يطرد الخلاف في مسألتي الرمانة والجوز أيضا ( والمذهب ) الجزم بالصحة فيهما .

[ ص: 393 ] أما ) إذا قال : بعتك هذه الجبة وحشوها أو بحشوها فطريقان ( أحدهما ) أنه على الوجهين في قوله : بعتك الشاة وحملها ( والثاني ) يصح قولا واحدا ( وأصحهما ) الصحة قطعا ، لأن الحشو داخل في مسمى الجبة ، فيكون ذكره توكيدا للفظ الجبة بخلاف الحمل ، ولأن الحشو متيقن بخلاف الحمل ( فإذا قلنا ) بالبطلان في هذه الصور قال أبو علي السنجي : يكون في مسألة الجبة في صحة البيع ، في الظهارة والبطانة قولا تفريق الصفقة ، وفي صورة الجارية والشاة يبطل البيع في الجميع ، لأن الحشو يمكن معرفة قيمته ، قال إمام الحرمين : هذا التفصيل حسن ، قال أصحابنا : لو باع حاملا وشرط وضعها لرأس البيع لم يصح بلا خلاف ، واستدل له صاحب الشامل والأصحاب بأنه شرط لا يقدر على الوفاء به ، قال أصحابنا : وبيض الطير كحمل الجارية والدابة في كل ما ذكرناه .

( فرع ) قال أصحابنا لو باع بشرط أنها لبون فطريقان مشهوران ( أصحهما ) أنه على القولين في البيع بشرط الحمل ، لكن الصحة هنا أقوى ( والطريق الثاني ) يصح قطعا ، لأن هذا شرط صفة فيها لا يقتضي وجود اللبن حالة العقد ، فهو كشرط الكتابة في العبد ، فإن شرط كون اللبن في الضرع في الحال كان فيه القولان في شرط الحمل ( أصحهما ) الصحة ، ولو شرط كونها تدر كل يوم قدرا معلوما من اللبن بطل البيع بلا خلاف ، لأن ذلك لا يمكن معرفته ، ولا ضبطه فلم يصح كما لو شرط في العبد أن يكتب كل يوم عشر ورقات .

( فرع ) إذا شرط كونها حاملا أو لبونا - وصححنا البيع - فلم يجدها كذلك ثبت الخيار بلا خلاف ، كما لو شرط أن العبد كاتب فاختلف .

( فرع ) قد ذكرنا أن بيع الحمل باطل بالإجماع ، قال أصحابنا : سواء باعه لمالك الأم أو لغيره ، بخلاف ما إذا باع الثمرة قبل بدو [ ص: 394 ] الصلاح لمالك الشجرة ، فإنه يصح البيع على أحد الوجهين ، لأن الثمرة متيقنة الوجود ، معلومة الصفات بالمشاهدة بخلاف الحمل .

( فرع ) إذا باع حاملا بيعا مطلقا دخل الحمل في البيع بالإجماع ، ولو باعها إلا حملها لم يصح البيع على الصحيح ، وبه قطع المصنف في الفصل الأخير من هذا الباب وجمهور الأصحاب ، كما لو باعها إلا عضوا منها ، فإنه لا يصح باتفاق ، وحكى إمام الحرمين وغيره فيه وجهين ، والمذهب ولو كانت الأم لإنسان ، والحمل لآخر بالوصية ونحوها ، فباع الأم لمالك الحمل أو لغيره ، أو باع جارية حاملا بحر ، فطريقان ( أصحهما ) وبه قطع الجمهور لا يصح البيع ، لأنه لا يدخل في البيع ، فيصير كأنه استثناه ( والثاني ) فيه وجهان حكاهما إمام الحرمين والغزالي ، واختار الصحة ، وصرح الغزالي في مواضع كثيرة من الوسيط أن الأصح صحة بيع الجارية الحامل بحر ، وليس كما قال ، بل الصحيح الذي قطع به الجماهير بطلان بيعها .

ولو باع سمسما واستثنى لنفسه منه الكسب ، أو باع قطنا واستثنى لنفسه من الخشب ، فالبيع باطل بلا خلاف . ولو باع شاة لبونا واستثنى لبنها ، لم يصح البيع على المذهب وبه قطع الجمهور ، وفيه وجه شاذ ضعيف جدا أنه يصح ، حكاه الرافعي وجعله صاحب الشامل احتمالا لنفسه ، قال : لأنه يمكن تسليم الأصل دونه بأن يخليه في الحال ، بخلاف الحمل .

( فرع ) إذا قلنا بالمذهب إنه لا يجوز بيع الجارية دون حملها إذا كانت الأم لواحد والولد لآخر ، فوكلا رجلا ليبيعهما معا بصفقة واحدة ، أو وكل أحدهما الآخر في بيع ملكه فباعها ، لم يصح البيع ، ذكره الروياني ، وغيره ، قالوا : لأنه لا يملك العقد بنفسه ، فلا يصح توكيله فيه .

[ ص: 395 ] فرع ) قال الشافعي في كتاب الصرف : لا خير في أن يبيع الدابة ويشترط عقاقها ، قال أصحابنا وغيرهم : العقاق - بكسر العين - الحمل ، وهو أحد القولين ، وهو منع بيعها بشرط الحمل ، هكذا أطبق أصحابنا على تفسيره ، ويجوز أن يفسر بأنه شرط استثناء حملها للبائع .

( فرع ) ذكر أصحابنا هنا النهي المشهور عن بيع الملاقيح والمضامين ، قالوا : والملاقيح بيع ما في بطون الحوامل من الأجنة ، والمضامين ما في أصلاب الفحول من الماء هكذا فسره أصحابنا وجماهير العلماء وأهل اللغة ، وممن قاله من أهل اللغة أبو عبيدة ، ، وأبو عبيد ، والأزهري ، والهروي ، والجوهري ، وخلائق لا يحصون ، قال مالك بن أنس وصاحبا المجمل والمحكم : المضامين ما في بطون الإناث ، وهذا ضعيف ، لأنه يكون مكررا مع الملاقيح ، قال العلماء : وواحدة الملاقيح ملقوحة ( وأما ) المضامين فواحدها يجوز أن يكون مضمانا ومضمونا ، الأول كمقدام ومقاديم ، والآخر كمجنون ومجانين ، وقد أشار إلى الأول صاحب المحكم ، وإلى الثاني الأزهري سميت بذلك لأن الله تعالى أودعها ظهورها فكأنها ضمنتها .

التالي السابق


الخدمات العلمية