صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ولا يجوز بيع اللبن في الضرع ، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال { لا تبيعوا الصوف على ظهر الغنم ، ولا تبيعوا اللبن في الضرع } ولأنه مجهول القدر ، لأنه قد يرى امتلاء الضرع من السمن فيظن أنه من اللبن ولأنه مجهول الصفة لأنه قد يكون اللبن صافيا ، وقد يكون كدرا ، وذلك غرر من غير حاجة فلم يجز ) .


( الشرح ) هذا الأثر عن ابن عباس صحيح ، رواه الدارقطني والبيهقي ، وروياه عنه مرفوعا بإسناد ضعيف قال البيهقي : تفرد برفعه عمر بن فروخ ، وليس بقوي ، قال : والمحفوظ أنه موقوف واتفقت نصوص الشافعي [ ص: 396 ] والأصحاب على بطلان بيع اللبن في الضرع ، لما ذكره المصنف ، ولأنه لا يمكن تسليمه حتى يختلط بغيره مما يحدث ، وهذه العلة هي المرضية عند إمام الحرمين ، فلو قال : بعتك من اللبن الذي في ضرع هذه الشاة أو البقرة رطلا فطريقان ( المذهب ) بطلانه ، وبه قطع الأكثرون لأنه مجهول ، ولأنه لا يتيقن وجود ذلك القدر ( والطريق الثاني ) فيه قولا بيع الغائب ، وحكاه المتولي وغيره . ولو حلب شيئا من اللبن فأراه ثم قال : بعتك رطلا مما في الضرع ، فوجهان مشهوران في كتب الخراسانيين ذكرهما القاضي حسين وإمام الحرمين والفوراني والروياني وآخرون ( أحدهما ) يصح ، كما لو رأى أنموذجا من خل أو لبن في إناء ( وأصحهما ) لا يصح ، لأنه يختلط بغيره مما يدر في الضرع لحظة بلحظة ، صححه القاضي حسين والروياني وآخرون ، ولو قبض قدرا من الضرع وأحكم شده ثم باع ما فيه فقد ذكر الغزالي في الوسيط في صحته وجهين ، وهذا نقل غريب لا يكاد يوجد لغيره ( والصحيح ) بطلان هذا البيع .

( فرع ) أجمع المسلمون على جواز بيع حيوان في ضرعه لبن ، وإن كان اللبن مجهولا ، لأنه تابع للحيوان ، ودليله من السنة حديث المصراة .

( فرع ) في مذاهب العلماء في بيع اللبن في الضرع ، وقد ذكرنا أن مذهبنا بطلانه ، وبه قال جمهور العلماء منهم ابن عباس وأبو هريرة ومجاهد والشعبي وأحمد وإسحاق وأبو حنيفة وأبو ثور وابن المنذر ، وقال طاوس : يجوز بيعه كيلا ، وقال سعيد بن جبير : يجوز بيعه ، وقال الحسن البصري : يجوز شراء لبن الشاة شهرا ، ومثله عن مالك ومحمد بن مسلمة المالكي ، [ ص: 397 ] قالوا : لأنه معلوم القدر والصفة في العادة ، وقاسوه على ما إذا استأجر امرأة للإرضاع شهرا ، فإنه يصح ويستحق اللبن . واحتج أصحابنا بما ذكره المصنف وذكرناه من الأثر عن ابن عباس وكونه مجهولا مختلفا مع الحديث الصحيح في النهي عن بيع الغرر ( وأما ) قولهم : معلوم القدر والصفة في العادة فغير مسلم ، والفرق بينه وبين استئجار المرأة للإرضاع أن الحاجة تدعو إلى استئجارها بخلاف مسألتنا ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية