صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ويكره بيع العنب ممن يعصر الخمر ، والتمر ممن يعمل النبيذ ، وبيع السلاح ممن يعصي الله تعالى به ، لأنه لا يأمن أن يكون ذلك معونة على المعصية فإن باع منه صح البيع ، لأنه قد لا يتخذ الخمر ولا يعصي الله سبحانه وتعالى بالسلاح ) .


[ ص: 432 ] الشرح ) قال الشافعي رحمه الله في المختصر : أكره بيع العنب ممن يعصر الخمر والسيف ممن يعصي الله تعالى به ، ولا أنقض هذا البيع ، هذا نصه قال أصحابنا : يكره بيع العصير لمن عرف باتخاذ الخمر ، والتمر لمن عرف باتخاذ النبيذ ، والسلاح لمن عرف بالعصيان بالسلاح ، فإن تحقق اتخاذه لذلك خمرا ونبيذا وأنه يعصي بهذا السلاح ، ففي تحريمه وجهان حكاهما ابن الصباغ والمتولي والبغوي في شرح المختصر والروياني وغيرهم ( أحدهما ) نقله الروياني والمتولي عن أكثر الأصحاب : يكره كراهة شديدة ، ولا يحرم ( وأصحهما ) يحرم وبه قطع الشيخ أبو حامد والغزالي في الإحياء وغيرهما من الأصحاب فلو باعه صح على الوجهين ، وإن كان مرتكبا للكراهة أو التحريم ، قال الغزالي في الإحياء وبيع الغلمان المرد الحسان لمن عرف بالفجور بالغلمان كبيع العنب للخمار ، قال : وكذا كل تصرف يفضي إلى معصية .

( فرع ) ذكرنا أن بيع السلاح لمن عرف عصيانه بالسلاح مكروه ، قال أصحابنا : يدخل في ذلك قاطع الطريق والبغاة ( وأما ) بيع السلاح لأهل الحرب فحرام بالإجماع ، ولو باعهم إياه لم ينعقد البيع على المذهب الصحيح ، وبه قطع جماهير الأصحاب في الطريقتين ، ونقله إمام الحرمين والغزالي عن الأصحاب وحكينا وجها لهما والماوردي والشاشي والروياني شاذا أنه يصح مع أنه حرام ، قال الغزالي : هذا الوجه منقاس ، ولكنه غير مشهور . واحتجوا للمذهب بأنهم يعدون السلاح لقتالنا ، فالتسليم إليهم معصية ، فيصير بائعا ما يعجز عن تسليمه شرعا ، فلا ينعقد ، قال الماوردي والروياني : هذان الوجهان مخرجان من قول الشافعي في صحة بيع العبد المسلم للكافر قال الروياني : فإن صححناه أمر بإزالة الملك فيه ، كما في شرائه العبد المسلم ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

( وأما ) بيع السلاح لأهل الذمة في دار الإسلام ففيه طريقان ( أحدهما ) [ ص: 433 ] وبه قطع إمام الحرمين والجمهور صحته ، لأنهم في أيدينا فهو كمبيعه لمسلم ( والثاني ) في صحته وجهان ، حكاهما المتولي والبغوي في كتابيه التهذيب وشرح المختصر والروياني وغيرهم

( وأما ) بيع الحديد لأهل الحرب فاتفق الأصحاب على صحته ، لأنه لا يتعين لاستعماله في السلاح ، وقد يستعملونه في آلات المهنة كالمساحي وغيرها ، وممن صحح المسألة وجزم بها إمام الحرمين والبغوي في كتابيه وآخرون ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية