صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ولا يجوز بيع الجارية إلا [ مع ] حملها لأنه يتبعها في البيع والعتق فلا يجوز بيعها دونه كاليد والرجل ، ولا يجوز أن يفرق بين الجارية وولدها في البيع قبل سبع سنين ، لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا توله والدة بولدها } وقال عليه السلام : { من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة } وإن فرق بينهما بالبيع بطل البيع لأنه تفريق محرم في البيع ، فأفسد البيع ، كالتفريق بين الجارية وحملها وهل يجوز بعد سبع سنين إلى البلوغ ؟ فيه قولان .

( أحدهما ) لا يجوز لعموم الأخبار ، ولأنه غير بالغ فلا يجوز التفريق بينه وبين أمه في البيع ، كما لو كان دون سبع سنين ( والثاني ) يجوز لأنه مستغن عن حضانتها ، فجاز التفريق بينهما كالبالغ ) .


( الشرح ) حديث أبي سعيد الخدري والحديث الآخر سنوضحهما [ ص: 442 ] مع غيرهما من الأحاديث الواردة في هذه في فرع بعد بيان الأحكام إن شاء الله تعالى .

( أما الأحكام ) ففي الفصل مسألتان : ( إحداهما ) لا يجوز بيع الجارية والبقرة وغيرهما من الحيوان دون حملها وقد سبقت المسألة واضحة بفروعها في مسألة بيع الحيوان بشرط أنه حامل .

( المسألة الثانية ) قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى : يحرم التفريق بين الجارية وولدها الصغير بالبيع والقسمة والهبة ونحوها بلا خلاف ، ولا يحرم التفريق بينهما في العتق بلا خلاف ، وتجوز الوصية على المذهب ، وقال المتولي والروياني : فيه قولان وطرداهما في الوصية بالحمل ، هل يصح أم لا ؟ ( والمذهب ) الصحة والجواز في صورتي الحمل والولد . وفي التفريق بينهما في الرد بالعيب وجهان . وقال الشيخ أبو إسحاق المصنف في كتابه في الخلاف : لو اشترى جارية وولدها الصغير ، ثم تفاسخا البيع في أحدهما جاز ، وأما التفريق بينهما في الرهن ففيه تفصيل يذكر في كتاب الرهن إن شاء الله تعالى ، حيث ذكره المصنف والأصحاب . وإذا فرق بين الجارية وولدها الصغير في البيع والهبة ونحوهما ، ففي صحة العقد طريقان ( أحدهما ) القطع ببطلانه ، لأنه تفريق محرم . فهو معجوز عن تسليمه شرعا وبهذا الطريق قطع المصنف وجماهير العراقيين ( والثاني ) حكاه الخراسانيين فيه قولان ، وبعضهم يقول وجهان ( أصحهما ) وهو الجديد بطلان العقد ، وبه قال أبو يوسف ( والقديم ) صحته .

وقال أبو حنيفة قال الإمام أبو الفرج الزاز - بزايين معجمتين - [ ص: 443 ] الخلاف إنما هو التفريق بعد أن يسقيه اللباء أما قبلهن يصح بلا خلاف ، هذا حكم التفريق في الصغر ، وهو ما قبل سن التمييز ، وهو نحو سبع سنين أو ثمان تقريبا . وفيما بعد التمييز إلى البلوغ قولان ( أصحهما ) يكره ولا يحرم وهو الذي نص عليه في رواية المزني ، وفي سير الواقدي ( والثاني ) يحرم حتى يبلغ فعلى هذا في صحته الطريقان ( وأما ) التفريق بعد البلوغ فلا يحرم بلا خلاف ولكن يكره باتفاق الأصحاب .

( فرع ) لو كانت الأم رقيقة ، والولد حرا أو بالعكس ، لم يحرم بيع الرقيق منهما ، بلا خلاف للضرورة .

( فرع ) إذا قلنا بالضعيف إنه يصح بيع الأم دون ولدها قال الماوردي لا يقر المتبايعان على التفريق بينهما ، بل يقال لهما إن تراضيتما ببيع ملك أحدكما للآخر فذاك ، وإلا فسخ البيع ، وقال ابن كج : يقال للبائع تتطوع بتسليم الآخر أو تفسخ البيع ، فإن تطوع فامتنع المشتري من القبول فسخ البيع .

( فرع ) لو رضيت الأم بالتفريق لم يزل التحريم على المذهب الصحيح رعاية لحق الولد ، وحكى الرافعي وجها شاذا أنه يزول .

( فرع ) اتفق أصحابنا على أن أم الأم عند عدم الأم كالأم في التفريق بينها وبين ولد بنتها ، فلو كان له أم وجدة ، فإن بيع مع الأم فلا يحرم وإن بيع مع الجدة وقطع عن الأم ففي تحريمه قولان ( الصحيح ) المشهور تحريمه ، لأنه تفريق بينه وبين أمه ، ولو كان له أب وأم حرم التفريق بينه وبين الأم ولا يحرم بينه وبين الأب لأن حق الأم آكد ولهذا قدمت عليه في الحضانة ، ولو كان له أب ولا أم له ، حرم التفريق بينه وبين الأب على الصحيح من القولين ، وقيل : من الوجهين ( والثاني ) لا يحرم لما ذكرناه من ضعف مرتبته عن مرتبة الأم [ ص: 444 ] وفي التفريق بينه وبين الأجداد والجدات من جهة الأب ومن جهة الأم إذا لم يكن أب ولا أم ثلاثة أوجه ( أحدها ) يحرم ( والثاني ) يجوز ( والثالث ) يجوز بينه وبين الأجداد دون الجدات ، لأنهن أصلح للتربية وأشد حزنا لفراقه ( وأما ) التفريق بينه وبين سائر المحارم كالأخ والعم وبينهما والخال وغيرهم ( فالمذهب ) أنه يكره ولا يحرم ، وبه قطع الجمهور ( والثاني ) فيهم وجهان كالأب حكاه الرافعي ( فرع ) قال أصحابنا التفريق بين البهيمة وولدها بعد استغنائه عن اللبن ، إن كان لغرض مقصود كالذبح جاز ، وإلا فهو مكروه ، ولا يحرم على المذهب ، وبه قطع جماهير الأصحاب وحكى الصيمري وصاحب البيان والرافعي فيه وجها شاذا أنه حرم ، والله سبحانه أعلم .

( فرع ) في بيان الأحاديث الواردة في المسألة ( منها ) عن أبي أيوب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة } رواه الترمذي وقال : حديث حسن . وعن الحجاج بن أرطاة عن الحكم عن ميمون بن أبي شبيب عن علي رضي الله عنه قال : { وهب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غلامين أخوين ، فبعت أحدهما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا علي ما فعل غلامك ؟ فأخبرته فقال : رده رده } رواه الترمذي وابن ماجه وآخرون ، قال الترمذي حديث حسن وليس بمقبول منه لأن مداره على الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف ، ولأنه مرسل ، فإن ميمون بن أبي شبيب لم يدرك عليا رضي الله عنه وقد ضعف البيهقي هذا الحديث .

وعن أبي موسى رضي الله عنه قال : { لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فرق بين الوالد وولده وبين الأخ وأخيه } رواه ابن ماجه والدارقطني بإسناد ضعيف . وعن ميمون بن أبي شبيب عن علي رضي الله عنه { أنه فرق بين [ ص: 445 ] جارية وولدها ، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم ورد البيع } رواه أبو داود وقال : ميمون لم يدرك عليا . وعن حسين بن عبد الله بن ضمرة عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا يفرق بين والدة وولدها } رواه البيهقي ، وهو حديث ضعيف ، وحسين بن عبد الله هذا مجمع على ضعفه .

وعن جابر الجعفي عن عبد الرحمن بن الأسود عن ابن مسعود { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى بالشيء أعطى أهل البيت جميعا ، وكره أن يفرق بينهم } رواه البيهقي ، وقال : تفرد به جابر هذا وهو مشهور بالضعف . وعن عبادة بن الصامت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { أنه نهى عن التفريق بين الأم وولدها حتى يبلغ الغلام ، وتحيض الجارية } رواه الدارقطني وضعفه فإن أحد رواته عبد الله بن عمرو بن حسان ، وهو كذاب ، وقد انفرد به . وعن سلمة بن الأكوع قال : { غزونا فزارة وعلينا أبو بكر أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا ، فلما كان بيننا وبين الماء ساعة أمرنا أبو بكر فعرسنا ثم شن الغارة ، فورد الماء ، فقتل من قتل عليه ، وأنظر إلى عنق من الناس فيهم الذراري ، فخشيت أن يسبقوني إلى الخيل ، فرميت بسهم بينهم وبين الخيل ، فلما رأوا السهم وقفوا فجئت بسهم أسوقهم وفيهم امرأة من بني فزارة معها بنت لها من أحسن العرب ، فسقتهم حتى أتيت بهم أبا بكر ، فنفلني ابنتها فقدمنا المدينة وما كشفت لها ثوبا ، فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق فقال : يا سلمة هب لي المرأة فقلت : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أعجبتني وما كشفت لها ثوبا ثم لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا سلمة هب لي المرأة فقلت : هي لك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث بها رسول الله إلى مكة ففدى بها ناسا من المسلمين كانوا أسروا بمكة } رواه مسلم ، وفيه دلالة للتفريق بين المرأة وولدها بعد البلوغ والله سبحانه وتعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية