صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( فإن شرط ما سوى ذلك من الشروط التي تنافي مقتضى البيع بأن باع عبدا بشرط أن لا يبيعه أو لا يعتقه ، أو باع دارا بشرط أن يسكنها مدة ، أو ثوبا [ ص: 452 ] بشرط أن يخيطه له أو فلعة بشرط أن يحذوها له بطل البيع ، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه نهى عن بيع وشرط } وروي " أن عبد الله بن مسعود اشترى جارية من امرأته زينب الثقفية وشرطت عليه : أنك إن بعتها فهي لي بالثمن ، فاستفتى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقال : لا تقربها ، وفيها شرط لأحد " . وروي أن عبد الله اشترى جارية واشترط خدمتها ، فقال له عمر رضي الله عنه : لا تقربها وفيها مثنوية ، ولأنه شرط لم يبن على التغليب ولا هو من مقتضى العقد ولا من مصلحته ، فأفسد العقد . كما لو شرط أن لا يسلم إليه المبيع فإن قبض المبيع لم يملكه ، لأنه قبض في عقد فاسد ، فلا يوجب الملك كالوطء في النكاح الفاسد ، فإن كان باقيا وجب رده وإن هلك ضمنه بقيمته أكثر ما كانت من حين القبض إلى حين التلف ، ومن أصحابنا من قال : يضمن قيمته يوم التلف ; لأنه مأذون في إمساكه فضمن قيمته يوم التلف كالعارية ، وليس بشيء ; لأنه قبض مضمون في عين يجب ردها فإن هلكت ضمنها بأكثر ما كانت من حين القبض إلى حين التلف ، كقبض الغاصب . ويخالف العارية فإن العارية مأذون في إتلاف منافعها ، ولأن في العارية لو رد العين ناقصة بالاستعمال لم يضمن ، ولو رد المبيع ناقصا ضمن النقصان . وإن حدث في عينها زيادة بأن سمنت ثم هزلت ضمن ما نقص ، لأن ما ضمن عينه ضمن نقصانه كالمغصوب ، ومن أصحابنا من قال : لا يضمن ; لأن البائع دخل في العقد ليأخذ بدل العين دون الزيادة ، والمنصوص هو الأول ، وما قاله هذا القائل يبطل بالمنافع ، فإنه لم يدخل في العقد ليأخذ بدلها ثم تستحق .

فإن كان لمثله أجرة لزمه الأجرة للمدة التي أقام في يده ; لأنه مضمون عليه غير مأذون في الانتفاع به فضمن أجرته كالمغصوب . فإن كانت جارية فوطئها لم يلزمه الحد ، لأنه وطء بشبهة ; لأنه اعتقد أنها ملكه ، ويجب عليه المهر لأنه وطء بشبهة فوجب به المهر كالوطء في النكاح الفاسد ، وإن كانت بكرا وجب عليه أرش البكارة لأن البكارة جزء من أجزائها وأجزاؤها مضمونة عليه فكذلك البكارة ، وإن أتت منه بولد فهو حر لأنه اعتقد أنها جاريته ويلزمه قيمة الولد لأنه أتلف عليه رقه باعتقاده ويقوم بعد الانفصال لأنه لا يمكن تقويمه قبل الانفصال ، ولأنه يضمن قيمة الولد للحيلولة وذلك لا يحصل إلا بعد الانفصال ، فإن ألقت الولد ميتا لم يضمنه ; لأنه لا قيمة له قبل الانفصال ولا توجد الحيلولة إلا بعد الانفصال ، فإن ماتت الجارية من الولادة لزمه قيمتها لأنها هلكت بسبب من جهته ، ولا تصير الجارية أم ولد في الحال ، لأنها علقت منه في غير ملكه ، وهل تصير أم ولد إذا ملكها ؟ فيه قولان ) .


[ ص: 453 ] الشرح ) أما الحديث فغريب ، وأما الأثران عن عمر رضي الله عنه فصحيحان روى الأول مالك في الموطأ ورواهما جميعا البيهقي وعبد الله في الموضعين هو ابن مسعود ، والذي أفتاه في الصورتين هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد يقع في بعض نسخ المهذب مصحفا بابن عمر وهو غلط فاحش ، والفلعة - بكسر الفاء وإسكان اللام - جمعها فلع وهي جلدة النعل ، ومعنى يحذوها يجعلها حذاء .

( وقوله : ) ( لأنه شرط لم يبن على التغلب ) ، احتراز من العتق ( وقوله ) ولا هو مقتضى العقد احتراز من سقي الثمرة ونحوه ( وقوله : ) ولا من مصلحته احتراز من شرط الرهن ، والضمين ونحوهما ( وقوله : ) لأنه قبض مضمون في عين يجب ردها ، احتراز بالمضمون عن الوديعة ، وبقوله في عين ، عن المنفعة فإنه تجب قيمتها يوم الاستيفاء لا أكثر الأمرين ، وبقوله : يجب ردها عن المقبوضة ببيع صحيح ( قوله : ) سمنت ثم هزلت هو - بضم الهاء - ( وقوله : ) لأنه مضمون عليه غير مأذون في الانتفاع به احتراز من العارية .

( أما الأحكام ) فقد ذكرنا أن الشرط في البيع خمسة أضرب ومرت أربعة وهذا الخامس ، وهو أن يشترط ما سوى الأربعة من الشروط التي تنافي مقتضى البيع بأن باعه شيئا بشرط ألا يبيعه ولا ينتفع به أو لا يعتقه أو لا يقبضه أو لا يؤجره أو لا يطأها أو لا يسافر به أو لا يسلمه إليه ، أو بشرط أن يبيعه غيره ، أو يشتري منه أو يقرضه أو يؤجره أو خسارة عليه إن باعه بأقل أو إذا باعه لا يبيعه إلا له أو ما أشبه ذلك ، فالبيع باطل في جميع هذه الصور وأشباهها لمنافاة مقتضاه ، ولا فرق عندنا بأن يشرط شرطا واحدا أو شرطين .

وحكى إمام الحرمين والرافعي وغيرهما قولا غريبا حكاه أبو ثور عن [ ص: 454 ] الشافعي أن البيع لا يفسد بالشروط الفاسدة بحال ، بل يلغو الشرط ويصح البيع لقصة بريرة رضي الله عنها وهذا ضعيف ، وحينئذ البيع عكس النكاح ، فإن المشهور أنه لا يفسد بالشروط الفاسدة ، وفيه قول شاذ ضعيف أنه يفسد بها ، فإذا جمع البيع والنكاح حصل فيهما ثلاثة أقوال ( أحدها ) يفسدان بالشروط الفاسدة ( والثاني ) لا ( والثالث ) وهو المذهب والمشهور يفسد البيع دون النكاح والتفريع على هذا القول وبالله التوفيق . ولو باع بشرط خيار المجلس أو خيار الرؤية ففيه خلاف سبق في بابه . هذا كله فيما إذا شرط شرطا فاسدا وكان الشرط مما لا يفرد بالعقد فإن كان مما يفرد كالرهن والضمين فهل يفسد البيع لفسادهما ؟ فيه قولان مشهوران ذكرهما المصنف في بابهما ( أصحهما ) يفسد كسائر الشروط الفاسدة ( والثاني ) لا ، كالصداق الفاسد لا يفسد به النكاح .

( فرع ) إذا باع دارا واشترط البائع لنفسه سكناها أو دابة واستثنى ظهرها فإن لم يبين المدة المستثناة ويعلما قدرها فالبيع باطل بلا خلاف وإن بيناها فطريقان ( أصحهما ) وبه قطع المصنف والعراقيون فساد البيع ( والثاني ) فيه وجهان حكاهما الخراسانيين أصحهما هذا ( والثاني ) يصح البيع والشرط لحديث جابر وقصة جمله التي سنذكرها في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله تعالى ، وحكى القاضي أبو الطيب هذا الوجه عن ابن خزيمة من أصحابنا ، وبه قال ابن المنذر

( فرع ) لو باع بشرط أن لا يسلم المبيع حتى يستوفي الثمن ، فإن كان الثمن مؤجلا بطل العقد ، لأنه يجب تسليم المبيع في الحال ، فهو شرط مناف لمقتضاه ، وإن كان حالا بني على أن البداءة في التسليم بمن ؟ ( فإن قلنا : ) بالبائع لم يفسد ، وإلا فيفسد للمنافاة .

( فرع ) متى اشترى شيئا شراء فاسدا لشرط مفسد أو لسبب [ ص: 455 ] آخر ، لم يجز له قبضه ، فإن قبضه لم يملكه بالقبض ، سواء علم فساد البيع أم لا ، ولا يصح تصرفه فيه ببيع ولا إعتاق ، ولا هبة ولا غيرها ، ويلزمه رده إلى البائع وعليه مؤنة الرد كالمغصوب ، وكالمقبوض بالسوم ، ولا يجوز له حبسه لاسترداد الثمن ولأنه يقدم به على الغرماء ، هذا هو المذهب وبه قطع وفيه قول غريب ووجه للإصطخري أن له حبسه ويقدم به على الغرماء وهو شاذ ضعيف ، ويلزمه أجرته للمدة التي كان في يده سواء استوفى المنفعة أم تلفت تحت يده لأنه مضمون عليه غير مأذون في الانتفاع به فضمن أجرته كالمغصوب ، وإن كان تعيب في يده لزمه أرش نقصه لما ذكرناه وإن تلف لزمه ضمانه بلا خلاف ، لما ذكرناه . وفي القيمة المعتبرة ثلاثة أوجه ( أصحها ) باتفاق الأصحاب تجب القيمة أكثر مما كانت من حين القبض إلى حين التلف كالمغصوب ; لأنه مخاطب في كل لحظة من جهة الشرع برده ( والثاني ) تجب قيمته يوم التلف كالعارية لأنه مأذون في إمساكه ( والثالث ) يوم القبض حكاه المصنف في التنبيه وآخرون وهو غريب ( والمذهب الأول ) وهو المنصوص ، ونقل بعض الأصحاب هذه الأوجه أقوالا والمشهور أنها أوجه قال الشافعي رحمه الله في كتاب الغصب يضمن المغصوب بقيمته أكثر ما كانت يوم الغصب إلى التلف ، قال : وكذلك في البيع الفاسد ، قال القاضي أبو الطيب : حمل أكثر أصحابنا نص الشافعي على ظاهره ، فأوجبوا قيمته أكثر ما كانت كالمغصوب ، وقال بعضهم : تجب قيمته يوم التلف ، وحملوا نصه على أن المراد أنه كالمغصوب في أصل الضمان دون كيفيته ، وفرق المصنف والأصحاب بينه وبين العارية بفرقين ( أحدهما ) أن العارية مأذون في إتلاف منافعها مجانا ، بخلاف هذا ( والثاني ) أنه لو رد العارية ناقصة الاستعمال لم يضمن بخلاف هذا ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

[ ص: 456 ] أما ) الزوائد الحادثة منه فيلزمه ضمانها إذا تلفت عنده ، سواء كانت منفصلة كاللبن والثمرة والولد والصوف وغيرها ، أم متصلة بأن سمنت عنده ثم هزلت ، أو تعلم صنعة ثم نسيها ، وسواء تلفت العين أو ردها ، فيلزمه ضمان الزيادة الفائتة عنده هذا هو المذهب والمنصوص ، وفيه وجه ضعيف حكاه المصنف والأصحاب أنه لا يضمن الزيادة إذا تلفت العين ، وإنما يضمنها إذا رد العين وقد ذهبت الزيادة ( والصواب ) الأول ، لأنه كالمغصوب ، فلو زادت عنده ثم نقصت ثم زادت فردها كذلك ، فإن كانت الزيادة الثانية من غير جنس الأولى ضمنها قطعا ، وإن كانت من جنسها وعلى قدرها فوجهان حكاهما الدارمي ( أصحهما ) يلزمه ضمانها أيضا ( والثاني ) لا ، كالوجهين في نظيره من الغصب

( فرع ) إذا أنفق على العبد أو البهيمة المقبوضتين ببيع فاسد لم يرجع على البائع بالنفقة إن كان المشتري عالما بفساد البيع ، فإن كان جاهلا فوجهان ( أصحهما ) لا يرجع أيضا ، لأنه متبرع .

( فرع ) لو كان المقبوض ببيع فاسد جارية فوطئها المشتري - فإن كان الواطئ والموطوءة جاهلين - فلا حد للشبهة ، ويلزمه المهر للبائع ، لأنه وطء شبهة ، فلو تكرر الوطء بهذه الشبهة لم يجب إلا مهر واحد ، سواء تكرر في مجلس أو مجالس ، وإن كانا عالمين لزمهما الحد إن كان اشتراها بميتة أو دم ، لأنه لا يملكها ولا يباح وطؤها له بالإجماع ، فإن اشتراها بخمر أو شرط فاسد فلا حد لاختلاف العلماء في حصول الملك له ، فإن أبا حنيفة رحمه الله يقول في هذه الحال : إنه يملكها ملكا حقيقيا ، فصار كالوطء في النكاح بالأولى ، ونحوه قال إمام الحرمين ، ويجوز أن يقال : يجب الحد لأن أبا حنيفة لا يبيح الوطء فإن كان يثبت الملك بخلاف الوطء في النكاح بالأولى ، فحيث قلنا : لا حد ، ويجب المهر فإن كانت ثيبا وجب مهرها ، وإن كانت بكرا وجب مهر بكر وأرش البكارة أيضا . [ ص: 457 ] أما ) أرش البكارة فلأنه أتلفها بغير حق ( وأما ) مهر البكر ، فلأنه وطئ بكرا بشبهة ، هكذا صرح بوجوب مهر بكر مع أرش البكارة في هذا الموضع الشيخ أبو حامد والماوردي والقاضي أبو الطيب والمحاملي وسائر المتقدمين ، وصاحب البيان والرافعي وغيرهما من المتأخرين ، ونقله القاضي أبو الطيب وغيره عن نص الشافعي قال القاضي والأصحاب : ( فإن قيل ) هذا يؤدي إلى ضمان البكارة مرتين ( قلت ) : إلا أنه أتلف جزءا من بدنها بغير إذن من له الإذن ، فلزمه أرشه ، ووطئها بكرا فحصل له كمال اللذة ، فلزمه مهر بكر ، ولا يتداخلان لأنهما وجبا بشيئين مختلفين ، لأن الأرش يجب بإتلاف الجزء وهو سابق لتغييب الحشفة الموجب للمهر .

( فإن قيل ) إذا فصلتم إتلاف البكارة عن الوطء فيجب أرش بكارة ومهر ثيب ، لأن تغييب كمال الحشفة صادفها ثيبا فصار كما لو أزال بكارتها بأصبعه ثم وطئها فإنه يلزمه أرش البكارة ومهر ثيب ، قال أصحابنا : ( فالجواب ) أنه حصل له لذة جماع بكر ويسمى واطئ بكر ، بخلاف مسألة الأصبع ( فإن قيل ) فقد نص الشافعي والأصحاب على أنه لو تزوج امرأة نكاحا فاسدا ووطئها وهي بكر لزمه مهر مثلها بكرا ، ولا يلزمه مع أرش البكارة ، مع أنه لا يستحق إتلاف بكارتها بخلاف المنكوحة نكاحا صحيحا ( فالجواب ) أن إتلاف البكارة مأذون فيه في النكاح الفاسد كما أنه مأذون فيه في النكاح الصحيح ، بخلاف البيع الفاسد ، فإنه لا يلزم منه الوطء فهي في النكاح الفاسد كمن قالت لإنسان : أذهب بكارتي بأصبعك ، وكمن قال لغيره ، اقطع يدي ، أو أتلف سوأتي ، فلا ضمان ، والله سبحانه أعلم .

فإن أحبلها فالولد حر للشبهة ، وهل عليه ولاء ؟ فيه وجهان حكاهما الدارمي ( الصحيح ) لا ولاء ، لأنه انعقد حرا ، وبهذا قطع القاضي أبو الطيب [ ص: 458 ] والجمهور ، فإن خرج الولد حيا لزمه قيمته يوم الولادة ، لأنه صار حرا بظنه فأتلف رقه على مالك الأمة ، وتستقر عليه القيمة ، فلا يرجع بها على البائع ، بخلاف ما لو اشترى جارية فاستولدها ، فخرجت مستحقة فإنه يغرم قيمة الولد ، ويرجع بها على البائع ، لأنه غره بخلاف مسألتنا ، قال المصنف والأصحاب : ولا تصير الجارية أم ولد للواطئ في الحال ، لأنه لا يملكها ، فإن ملكها بعد ذلك ففي مصيرها أم ولد القولان المشهوران فيمن أولد جارية غيره بشبهة ثم ملكها ( أصحهما ) لا تصير . فإن نقصت بالحمل أو الولادة لزمه أرشه . وإن خرج الولد ميتا فلا قيمة . لكن إن سقط بجناية وجبت الغرة على عاقلة الجاني ، ويجب حينئذ للبائع أقل الأمرين من قيمة الولد يوم الولادة ، والغرة ، يطالب به من شاء من الجاني والمشتري ، لأن ضمان الجاني له قام مقام خروجه حيا ، فإن كانت الغرة أقل أخذها البائع ولا شيء له غيرها ، وإن كانت أكثر أخذ قدر القيمة وكانت البقية لورثة الجنين . ولو رد المشتري الجارية إلى البائع فولدت عنده وماتت في الطلق ، وجبت قيمتها بلا خلاف وهل تكون في مال الجاني ؟ أم على عاقلته ؟ فيه القولان المشهوران في أن العاقلة هل تحمل قيمة العبد ؟ ( أصحهما ) تحملها . ولو وطئ أمة الغير بشبهة فماتت في الطلق لزمه قيمتها في ماله على قول ، وعلى عاقلته في الأصح ، وفيه وجه ضعيف أنه لا ضمان في الأمة الموطوءة بشبهة ، وهو شاذ مردود .

ولو وطئ حرة بشبهة ، أو في نكاح فاسد ، فماتت بالولادة ، ففي وجوب ديتها وجهان ، وحكاهما الشيخ أبو حامد قولين ( أحدهما ) تجب كالأمة ( وأصحهما ) لا تجب ، لأن الوطء سبب ضعيف ، وإنما أوجبنا الضمان في الأمة لأن الوطء استيلاء عليها ، والعلوق من آثاره ، فأدمنا الاستيلاء كالمحرم إذا نفر صيدا ، وبقي نفاره إلى الهلاك بالبعير وغيره ، [ ص: 459 ] فإنه يضمنه ( وأما ) الحرة فلا تدخل تحت الاستيلاء . ولو زنى بامرأة مكرهة فماتت بالولادة حرة كانت أو أمة ، ففيها قولان مشهوران ( أصحهما ) لا ضمان ، لأن الولادة غير مضافة شرعا لعدم النسب ( والثاني ) يجب لأنه مولد من فعله . ولو ماتت زوجته في الطلق من حملها منه ، لم يجب الضمان بلا خلاف ، لتولده من مستحق . وحيث أوجبنا ضمان الحرة فهو الدية على عاقلة الواطئ وحيث أوجبنا ضمان قيمة الأمة فهو على عاقلته في أصح القولين ، وفي ماله في الآخر ، ومتى تعتبر قيمتها ؟ فيه ثلاثة أوجه ( أصحها ) يوم الإحبال ، لأنه سبب التلف ، كما لو جرح عبدا قيمته مائة فبقي متألما إلى أن مات منه وقيمته عشرة ، يلزمه مائة ( والثاني ) يوم الموت ، لأنه وقت التلف ( والثالث ) يجب أكثرهما كالغصب ، والله أعلم .

( فرع ) إذا اشترى شيئا شراء فاسدا فباعه لآخر ، فهو كالغاصب يبيع المغصوب ، فإذا حصل في يد الثاني وعلم الحال لزمه رده إلى المالك ، ولا يجوز رده إلى المشتري الأول ، فإن تلف في يد الثاني - نظر إن كانت قيمته في يدهما سواء ، أو كانت في يد الثاني أكثر - رجع المالك بالجميع على من شاء منهما ، والقرار على الثاني لحصول التلف في يده ، وإن كانت القيمة في يد الأول أكثر ، فضمان النقص على الأول خاصة ، والثاني يرجع به على من شاء منهما والقرار على الثاني ، وكل نقص حدث في يد الأول يطالب به الأول دون الثاني ، وكل نقص حدث في يد الثاني يطالب به من شاء منهما والقرار على الثاني ، وكذا حكم أجرة المثل . ولو رد الثاني العين إلى الأول فتلفت عنده ، فللمالك مطالبة من شاء منهما ، والقرار على الأول .

( فرع ) إذا باعه شيئا بشرط أن يبيعه داره ، أو يشتري منه عبده ، فالعقد الأول باطل كما سبق ، فإذا عقد العقد الثاني المشروط في [ ص: 460 ] الأول - فإن كانا يعلمان بطلان الشرط - صح العقد الثاني ، وإلا فلا ، لأنهما بانيان به على حكم الشرط الفاسد ، هكذا قطع به البغوي وغيره ، وقطع إمام الحرمين بالصحة وحكاه عن والده في كتاب الرهن لأن المواطأة قبل العقد لا أثر لها عندنا ، والأول أصح ، لأن المواطأة ألا يعتقد لزوم الوفاء بخلاف مسألتنا ، فنظيرها من مسألتنا أن يعلما فساد الشرط .

( فرع ) لو اشترى زرعا وشرط على بائعه أن يحصده ، فالمذهب بطلان البيع ، وبه قطع جمهور المصنفين ، ونقله الماوردي وغيره عن جمهور أصحابنا المتقدمين ، وقال أبو علي بن أبي هريرة : فيه القولان فيمن جمع في عقد بين بيع وإجارة ، وقيل : شرط الحصاد باطل ، وفي البيع قولا تفريق الصفقة ، وسواء قال : بعتكه بألف على أن تحصده ، وقال الشيخ أبو حامد : لا يصح الأول قطعا ، وفي الثاني الطريقان . ولو قال : اشتريت منك هذا الزرع واستأجرتك على حصاده بعشرة ، فقال : بعتك وأجرتك فطريقان ( أحدهما ) أنه على القولين في الجمع بين مختلفي الحكم ( وأصحهما ) بطلان الإجارة ، وفي البيع قولا تفريق الصفقة ، ولو قال : اشتريت هذا الزرع بعشرة واستأجرتك على حصده بدرهم فقال : بعت وأجرت ، قال البغوي وغيره : صح الشراء ، لأنه لا شرط فيه ، ولم تصح الإجارة ، لأنه استئجار على العمل فيما لم يتم ملكه فيه ، لأن أحد شقي الإجارة وجد قبل تمام البيع ، فصار كما لو قال : استأجرتك لتخيط لي هذا الثوب ، والثوب غير مملوك له في الحال ، فلو أفرد الشراء بعوض والاستئجار بعوض بعقد ، فقال : اشتريته بعشرة على أن تحصده بدرهم أو اشترى ثوبا وشرط عليه خياطته وصبغه ، أو لبنا وشرط عليه جعله آجرا ، أو نعلا وشرط عليه أن ينعل به دابته ، أو جلدة وشرط عليه خرزها خفا ، أو عبدا رضيعا وشرط عليه إتمام رضاعته ، أو متاعا على أن يحمله إلى بيته ، وهما يعلمان البيت ، فالمذهب بطلان العقد [ ص: 461 ] في كل هذه الصور ونظائرها ، فلو لم يعرف أحدهما البيت في مسألة المتاع بطل العقد بلا خلاف ، وممن صرح بهذه المسائل مجموعة البغوي وتابعه الرافعي ولو اشترى حطبا على ظهر بهيمة ، وشرط عليه حمله إلى بيته بطل على المذهب ، كما ذكرنا ، فلو شرط وضعه موضعه صح قطعا ، فلو أطلق فوجهان ( أصحهما ) يصح ، ويسلمه إليه موضعه ، لأنه مقتضى الإطلاق ( والثاني ) لا يصح العقد حتى يصرح باشتراط تسليمه في موضعه ، لأن العادة تقتضي حمله إلى داره ، فيصير ذلك كالمشروط ، وهذا الخلاف له تعلق بمسألة السر والعلانية في الصداق ونظائرها .

( فرع ) الشرط المقارن للعقد يلحقه ، فإن كان شرطا صحيحا لزم الوفاء به ، وإن كان فاسدا أفسد العقد ( وأما ) الشرط السابق فلا يلحق العقد ، ولا يؤثر فيه ، فلا يلزم الوفاء به ، ولا يفسد العقد به إن كان شرطا فاسدا ، لأن ما قبل العقد لغو ، هكذا نص عليه وقطع به الأصحاب ( وأما ) الشرط الذي يشترط بعد تمام العقد فإن كان بعد لزوم العقد بانقضاء الخيار فهو لغو قطعا ، وإن كان قبله في مدة خيار المجلس أو الشرط فثلاثة أوجه ( أحدها ) لا يلحق وصححه المتولي ( والثاني ) يلحق في خيار المجلس دون خيار الشرط . قاله الشيخ أبو زيد والقفال ( والثالث ) وهو الصحيح عند الجمهور ، وبه قطع أكثر العراقيين ، يلحق في مدة الخيارين جميعا ، وهو ظاهر نص الشافعي فعلى هذا في محل صحة الإلحاق وجهان ( أحدهما ) قاله أبو علي الطبري ، وصححه الشيخ أبو علي السنجي البغوي وغيرهما أنه مفرع على قولنا : الملك في زمن الخيار للبائع ، أو موقوف وفسخ العقد فأما ( إن قلنا : ) للمشتري أو موقوف وأمضي العقد فلا يلحق بعد [ ص: 462 ] انقضاء الخيار والوجه ( الثاني ) أن جواز الإلحاق مطرد على الأقوال كلها وهذا هو الصحيح صححه العراقيون . ولو ألحقا بالعقد زيادة في الثمن أو المثمن أو ازدادا بباب من أبواب الخيار أو الأجل أو قدرهما أو فعلا ذلك في المسلم فيه أو في رأس مال السلم أو الصداق أو في الإجارة أو غيرها من العقود ، فحكمه حكم إلحاق الصحيح بالفاسد كما سبق ، فإن كان بعد لزوم العقد فهو لغو ، وإن كان قبله ففيه الخلاف .

( فإذا قلنا : ) يلحق فالزيادة تلحق الشفيع ، كما تلزم المشتري ، ولو حط من الثمن شيء فحكمه كذلك ، فإن كان بعد لزوم العقد فلغو فلا يسقط شيء من الثمن ، ويأخذ الشفيع بجميع ما سمي في العقد ، ويختص المشتري بفائدة الحط ، وإن كان قبل لزوم العقد ففيه الخلاف ، فإن ألحقناه بالعقد انحط عن الشفيع ولو حط جميع الثمن فهو كالبيع بلا ثمن ، وسبق حكمه في أول البيوع ، وحيث فسد العقد لشرط فاسد ثم أسقطا الشرط لم ينقلب العقد صحيحا ، سواء كان الإسقاط في المجلس أو بعده ، وحكى الرافعي وجها أنه ينقلب صحيحا بالإسقاط في المجلس ، وهو شاذ ضعيف . والله سبحانه أعلم .

( فرع ) لو قال : بع عبدك لزيد بألف على أن علي خمسمائة ، فباعه على هذا الشرط فوجهان ( أصحهما ) فساد البيع ، لأنه ينافي مقتضى البيع ، فإن مقتضاه أن جميع الثمن على المشتري ، ولا يلزم غيره شيء ( والثاني ) يصح ويجب على زيد ألف وعلى الآمر خمسمائة بالتزامه ، وقد يكون له غرض صحيح في ذلك ، فهو كما لو قال : ألق متاعك في البحر وعلي كذا عند إشراف السفينة على الغرق بسبب ذلك المتاع ، وكما لو خالع الأجنبي [ ص: 463 ] بمال في ذمته ( أما ) إذا قال : بع عبدك لزيد بألف في ذمتي ، فباعه كذلك ، فالبيع باطل قطعا .

( فرع ) قد ذكرنا أنه يصح البيع بشرط الرهن والكفيل والإشهاد ، فيصح البيع بشرط أن يرهن المشترى بالثمن ، أو يقيم كفيلا به ، أو يشهد عليه سواء كان الثمن حالا أو مؤجلا ، ويجوز أيضا أن يشترط المشتري على البائع كفيلا بالعهدة ، ويشترط تعيين الرهن والكفيل ، والمعتبر في الرهن المشاهدة أو الوصف بصفة المسلم فيه وفي الكفيل المشاهدة أو المعرفة بالاسم والنسب ، ولا يكفي الوصف ، كقوله : رجل موسر ثقة ، هكذا ذكره الأصحاب ونص عليه ونقله الرافعي عنهم ثم قال : ولو قال قائل : الاكتفاء بالوصف أولى من الاكتفاء بمشاهدة من لا يعرف لم يكن مبعدا ، وقالابن كج : لا يشترط تعيين الكفيل ، فإذا أطلق أقام من شاء كفيلا وهذا شاذ مردود لأن الغرض يختلف به اختلافا ظاهرا ، ولا يشترط تعيين الشهود على أصح الوجهين ، وادعى إمام الحرمين أنه لا يشترط قطعا ، وجعل الخلاف في أنه لو عين شهودا هل يتعينون ؟ ولا يشترط كون المرهون عند المرتهن ، أو عند عدل على أصح الوجهين بل إن اتفقا على يد المرتهن ، أو عدل ، وإلا جعله الحاكم في يد عدل ( والثاني ) يشترط ليقطع النزاع ، فلو لم يرهن المشتري ما شرطه ، أو لم يشهد ، أو لم يقم كفيلا أو لم يتكفل الذي عينه لم يجبر على شيء من ذلك بل للبائع الخيار في فسخ البيع ولا يقوم رهن آخر ولا كفيل آخر مقام المعين ، فإن فسخ فذاك ، وإن أجاز لزم البيع ، ولا خيار للمشتري . ولو عين شاهدين فامتنعا من التحمل - فإن قلنا : يشترط تعيينهما - فللبائع الخيار وإلا فلا .

( فرع ) في مذاهب العلماء فيمن باع شيئا بشرط ينافي مقتضاه ، بأن شرط أن لا يبيعه أو لا يبيعه لغيره أو لا يطأها أو يزوجها أو يخرجها [ ص: 464 ] من البلد . قد ذكرنا أن مذهبنا المشهور بطلان هذا البيع وسواء شرطا واحدا أم شرطين ، وبه قال ابن عمر وعكرمة والأوزاعي ومالك وأبو حنيفة وجماهير العلماء ، قال الماوردي : هو مذهب جميع الفقهاء ، وقال ابن سيرين وعبد الله بن شبرمة التابعيان وحماد بن أبي سليمان : البيع صحيح والشرط صحيح وقال الحسن البصري والنخعي وابن أبي ليلى وأبو ثور وابن المنذر : البيع صحيح والشرط باطل لاغ . وقال أحمد وإسحاق : إن شرطا شرطا واحدا من هذه الشرائط ونحوها صح البيع ولزم الشرط ، وإن شرطا شرطين فأكثر بطل البيع وإلا فلا ، فإذا باع ثوبا بشرط أن يخيطه البائع ويقصره فهما شرطان ، فيبطل العقد ، فإن شرط أحدهما فقد صح ولزم . واحتج من صحح البيع وأبطل الشرط بقصة بريرة في قوله صلى الله عليه وسلم : { واشترطي لهم الولاء } رواه البخاري ومسلم قالوا : فصحح النبي صلى الله عليه وسلم البيع وأبطل الشرط . واحتج من صححهما بحديث جابر رضي الله عنه أنه قال : { كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فاشترى مني جملا واستثنيت حملانه يعني ركوبه إلى أهلي } رواه البخاري ومسلم ، وبحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { المسلمون على شروطهم } رواه أبو داود بإسناد حسن أو صحيح . واحتج أحمد بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا يحل سلف وبيع ، ولا شرطان في بيع ، ولا ربح ما لم يضمن ، ولا بيع ما ليس عندك } حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم بأسانيد صحيحة قال الترمذي : حديث حسن صحيح .

[ ص: 465 ] واحتج أصحابنا بحديث عائشة في قصة بريرة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب فقال : { ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ، وإن كان مائة شرط فهو باطل ، قضاء الله أحق ، وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق } رواه البخاري ومسلم وبحديث النهي عن بيع وشرط ، وبالأثرين المذكورين في الكتاب عن عمر رضي الله عنه وهما صحيحان كما سبق لأنه شرط يمنع كمال التصرف فأبطل البيع كما لو شرط أن يسلم بعض المبيع دون بعض .

( والجواب ) عن قصة بريرة بجوابين ( أحدهما ) أن الشرط لم يكن في نفس العقد بل كان سابقا أو متأخرا ( والثاني ) أن معنى اشترطي لهم أي عليهم وهذا منقول عن الشافعي رضي الله عنه والمزني وغيرهما .

( والجواب ) عن قصة جابر من وجهين ( أحدهما ) أنه لم يكن بيعا مقصودا وإنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم بره والإحسان إليه بالثمن على وجه لا يستحي من أخذه وفي طرق الحديث دلالة على هذا ( والثاني ) أن الشرط لم يكن في نفس العقد ، ولأنها قضية عين يتطرق إليها احتمالات ولا عموم لها ، فلا دلالة فيها مع أن الحديث فيه اضطراب .

( والجواب ) عن حديث : { المسلمون على شروطهم } أنه عام مخصوص والمراد به الشروط الجائزة وليس هذا منها .

( والجواب ) عن حديث عمرو بن شعيب أن هذا مفهوم اللقب والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه لا يدل على نفي الحكم عما عداه فلا يلزم النهي " عن بيع وشرطين " جواز شرط واحد فهذا هو الجواب المعتمد ، وأما الخطابي وغيره فمعناه أن يقول بعتك هذا بدينار نقدا وبدينارين نسيئة فيكون بمعنى بيعتين في بيعة وحملهم على هذا التأويل أن العلة في النهي عن شرطين موجودة في شرط وهي الغرر .

[ ص: 466 ] فرع ) في مذاهبهم فيمن اشترى شيئا شراء فاسدا . قد ذكرنا أن مذهبنا أنه لا يملكه ولا يصح تصرفه فيه ، ويلزمه رده ، فإن تلف لزمه بدله وبه قال أكثر العلماء ، وقال أبو حنيفة : يملكه بالقبض ملكا ضعيفا خبيثا ، ويصح تصرفه ، ويلزم كل واحد منهما فسخ الملك ورد العوض على صاحبه ، وحقيقة مذهبه أنه لا يملكه بالعقد ، ولا يجب الإقباض ، فإن أقبضه ملكه ملكا ضعيفا ، ومعناه أن للبائع انتزاعه عن المشتري لكن لو تصرف فيه المشتري قبل ذلك ببيع أو عتق أو غيرهما نفذ تصرفه ، فإن تلف عنده ضمنه بالقيمة ، هذا إذا اشتراه بشرط فاسد أو بخمر أو خنزير ، قال فإن اشتراه بميتة أو دم أو عذرة أو نحو ذلك مما ليس هو مالا عند أحد من الناس لم يملكه أصلا ، ولم يصح تصرفه ، فوافقنا في الدم ونحوه وشبهه ، واحتج له بقصة بريرة ، فإن " عائشة رضي الله عنها شرطت لهم الولاء " وهو شرط فاسد بالاتفاق ، ثم أعتقتها ونفذ عتقها ، وأقر النبي صلى الله عليه وسلم كل ذلك . وقياسا على النكاح فإن الوطء في فاسده يترتب عليه أحكام الوطء في صحيحه وقياسا على الكتابة فإن فاسدها كصحيحها في حصول العتق إذا وجدت الصفة . واحتج أصحابنا بقوله تعالى : { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } فلو كان المقبوض بعقد فاسد يملكه ، لما توعده . قياسا على ما إذا اشتراه بميتة أو دم . ولأن كل قبض أوجب ضمان القيمة لم يحصل به شرط الخيار عند تمنع حصول الملك في الصحيح والفاسد .

( والجواب ) عن قصة بريرة من أوجه ( أحدها ) أن الشرط لم يكن في نفس العقد ( والثاني ) أن لهم بمعنى عليهم ( والثالث ) هو اختيار [ ص: 467 ] الشيخ أبي حامد والمحققين أن هذا الشرط والعقد كانا خاصة في قصة عائشة لمصلحة قطع عادتهم ، كما جعل فسخ الحج إلى العمرة خاصا بالصحابة في حجة الوداع لمصلحة بيان جواز العمرة في أشهر الحج .

( والجواب ) عن قياسهم على النكاح أنا لا نسلم ما ادعوه وأن الأحكام في النكاح تتعلق بمجرد العقد لا بالوطء ، ولهذا يملك به الطلاق والظهار والخلع بخلاف الفاسد ، وقد أجمعنا على أنه لا يملك البضع بالوطء في النكاح الفاسد ( وأما ) ما تعلق به من وجوب المهر ولحوق النسب والعدة وسقوط الحد ، فلم يمكن ذلك بسبب العقد ، بل لكونه وطء شبهة ، ولهذا تترتب هذه الأحكام على وطء الشبهة من غير عقد . ( والجواب ) عن قياسهم على الكتابة أن العتق حصل بوجود الصفة لا بالعقد ، ولهذا لو مات السيد بطلت الصفة ولم يعتق بالأداء إلى الوارث .

( فرع ) في مذاهبهم فيمن باع دارا أو عبدا أو بهيمة واستثنى منفعة مدة معلومة ، قد ذكرنا أن الصحيح المشهور في مذهبنا بطلان البيع ، وبه قال أبو حنيفة وفقهاء العراق ، وقال الأوزاعي وأحمد وإسحاق : يصح البيع ويثبت الشرط ، وبه قال أربعة من أئمة أصحابنا الفقهاء المحدثين ، أبو ثور ، ومحمد بن نصر ، وأبو بكر بن خزيمة وابن المنذر ، ونقله ابن المنذر عن أصحاب الحديث ، وروي نحوه عن عثمان وصهيب رضي الله عنهما وقال مالك : إن شرط مدة قريبة كالشهر والشهرين ، أو ركوب الدابة إلى مكان قريب جاز ، وإن كانت مدة طويلة أو مكانا بعيدا فمكروه . واحتج المجوزون بحديث جابر السابق وبالقياس على من باع نخلا عليها ثمرة غير مؤبرة ، واستثنى البائع الثمرة له ، فإنه يصح البيع وتبقى [ ص: 468 ] الثمرة على النخل إلى أوان الجذاذ ، وهذا استثناء لمنفعة البيع ، واحتج أصحابنا بما سبق ، وأجابوا عن حديث جابر بما سبق ، وعن الإجارة بأنه ليس باستثناء ، بل المنافع كانت مستحقة قبل البيع ، وعن النخل أنها ليس باستثناء منفعة ، بل هو استثناء جزء معلوم من عين المبيع .

( فرع ) في مذاهبهم فيمن باع سلعة ، وقال في العقد للمشتري : إن لم تأت بالثمن في الوقت الفلاني فلا بيع بيننا ، فمذهبنا بطلان هذا البيع ، وحكى ابن المنذر عن الثوري وأحمد وإسحاق أنه يصح البيع والشرط ، قال : وبه قال أبو ثور إذا كان الشرط ثلاثة أيام ، وروي مثله عن ابن عمر ، وبه قال أبو حنيفة : إن كان الوقت ثلاثة أيام صح البيع وبطل الشرط ، وإن كان أكثر فسد البيع ، فإن نقده في ثلاثة أيام صح البيع ولزم ، وقال محمد : يجوز نحو عشرة أيام ، قال : وقال مالك : إن كان الوقت نحو يومين وثلاثة جاز ، دليلنا أنه في معنى تعليق البيع فلم يصح .

التالي السابق


الخدمات العلمية