صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن جمع بين بيع وإجارة أو بين بيع وصرف ، أو بين عبدين بشرط الخيار في أحدهما دون الآخر بعوض واحد ، ففيه قولان ( أحدهما ) أنه يبطل العقدان ، لأن أحكام العقدين متضادة ، وليس أحدهما بأولى من الآخر فبطل الجميع ( والثاني ) أنه يصح العقدان وينقسم العوض عليهما ، على قدر قيمتها ، لأنه ليس فيه أكثر من اختلاف حكم العقدين ، وهذا لا يمنع صحة العقد ، كما لو جمع في البيع بين ما فيه شفعة وبين ما لا شفعة فيه ، وإن جمع بين البيع والنكاح بعوض واحد فالنكاح لا يبطل ، لأنه لا يبطل بفساد العوض ، وفي البيع قولان ، ووجههما ما ذكرناه وإن جمع بين البيع والكتابة ( فإن قلنا ) في البيع والإجارة : إنهما يبطلان بطل البيع والكتابة ( وإن قلنا ) : إن البيع والإجارة يصحان بطل البيع هاهنا ، لأنه لا يجوز أن يبيع السيد من عبده ، وهل تبطل الكتابة ؟ يبني على تفريق الصفقة ( فإن قلنا ) : لا تفرق بطل ( وإن قلنا ) : تفرق ، بطل البيع وصحت الكتابة ) .


( الشرح ) فيه ثلاث مسائل : ( إحداها ) إذا جمع في العقد مبيعين مختلفي الحكم كثوبين شرط الخيار في أحدهما دون الآخر ، أو بين بيع وإجارة ، أو بيع وسلم ، أو إجارة وسلم ، أو صرف وغيره فقولان مشهوران ( أصحهما ) صحة العقد فيهما ، ويقسط العوض عليهما بالقيمة ( والثاني ) يبطل فيهما ، وصورة البيع والإجارة : بعتك عبدي وأجرتك داري سنة بألف . وصورة البيع والسلم بعتك ثوبي ومائة صاع حنطة سلما بدينار ، وصورة الإجارة [ ص: 484 ] والسلم : أجرتك داري سنة وبعتك مائة صاع سلما بمائة درهم . ولو باع حنطة وثوبا بشعير ففي صحة البيع القولان لأن التقابض في الحنطة وما يقابلها من الشعير واحد ، ولا يجب في الباقي ، فهو كبيع وصرف ( والثانية ) إذا جمع بيعا ونكاحا وقال : زوجتك جاريتي هذه وبعتك عبدي هذا بمائة ، وهو ممن تحل له الأمة ، أو قال : زوجتك بنتي وبعتك عبدها ، وهي في حجره ، أو رشيدة وكلته في بيعه ، صح النكاح بلا خلاف ، وفي البيع والصداق القولان السابقان في البيع والإجارة ( أصحهما ) الصحة فإن صححناهما وزع المسمى على قيمة المبيع ومهر المثل وإلا وجب في النكاح مهر المثل ( وإذا قلنا ) بالتوزيع فهو إذا كانت حصة النكاح في صورة تزويج ابنته مهر المثل فأكثر فإن كانت أقل وجب مهر المثل بلا خلاف ، فهذه صورة الجمع بين البيع والنكاح وهي أن يكون العوضان لشخص كما ذكرنا ، فلو كانا لاثنين بأن قال : بعتك عبدي وزوجتك بنتي بألف . فقد قطع الشيخ أبو حامد ببطلان البيع ، ولعله فرعه على الصحيح ، وإلا فتحقيقه أن يبني على أنهما لو كانا لشخص ( فإن قلنا : ) لا يصح البيع فهنا أولى وإلا ففيه القولان فيما لو كان لرجلين عبدان ، لكل واحد عبد ، فباعهما بثمن واحد ، والأصح البطلان .

( الثالثة ) لو جمع بيعا وكتابة فقال لعبده : كاتبتك على نجمين إلى كذا وكذا ، وبعتك ثوبي هذا جميعا بألف ( فإن قلنا ) في المسألتين السابقتين بالبطلان فيهما ، فهنا أولى ، وإلا فالبيع باطل ، وفي الكتابة القولان ( أصحهما ) الصحة وهذا الذي ذكروه من القطع ببطلان البيع تفريع على المذهب المشهور أن البيع يفسد بالشرط الفاسد ، وفيه القول الشاذ السابق

( فرع ) في شيء من مسائل الدور يتعلق بتفريق الصفقة . [ ص: 485 ] فإذا باع مريض عبدا لا مال له غيره بعشرة ، وهو يساوي ثلاثين ، بطل البيع ، في بعض المبيع ، وفي الباقي طريقان ( أصحها ) عند الجمهور أنه على قولي تفريق الصفقة ( والثاني ) القطع بالصحة ، وصححه البغوي لأن المحاباة هنا وصية ، وهي تقبل من الغرر ما لا يقبل غيرها ، فإن صححنا بيع الباقي ففي كيفيته قولان ، وقيل وجهان ( أحدهما ) يصح البيع في القدر الذي يحتمله الثلث ، والقدر الذي يوازي الثمن بجميع الثمن ، ويبطل في الباقي فيصح في ثلثي العبد بالعشرة ، ويبقى مع الورثة ثلث العبد ، وقيمته عشرة ، والثمن وهو عشرة ، وذلك مثل المحاباة وهي عشرة ، ولا تدور المسألة على هذا القول .

( والثاني ) أنه إذا أزيد البيع في بعض المبيع وجب أن يزيد إلى الشراء ما يقابله من الثمن ، فتدور المسألة لأن ما ينفذ فيه البيع يخرج وما يقابله من الثمن يدخل فيها ، ومعلوم أن ما ينفذ فيه البيع يزيد بزيادة التركة ، وينقص بنقصها ، ويتوصل إلى معرفة المقصود بطرق ( منها ) أن ينسب ثلث المال إلى قدر المحاباة ، ويصح البيع في المبيع بمثل نسبة الثلث من المحاباة ، فنقول في هذه الصورة ثلث المال عشرة ، والمحاباة عشرون ، والعشرة نصف العشرين ، فيصح البيع في نصف العبد وقيمته خمسة عشر بنصف الثمن ، وهو خمسة ، كأنه اشترى سدسه بخمسة ، ووصى له بثلثه ، ويبقى مع الورثة نصف العبد ، وهو خمسة عشر ، والثمن وهو خمسة . فالمبلغ عشرون وذلك مثل المحاباة . واختلفوا في الأصح من هذين القولين أو الوجهين في الكيفية ، فرجح كثيرون الأول . وبه قال ابن الحداد قال القفال والأستاذ أبو منصور وغيرهما : هو المنصوص للشافعي رحمه الله قالوا : والثاني خرجه ابن سريج ورجح آخرون الثاني واختاره أكثر الحساب وبه قال ابن القاص وابن اللبان وإمام الحرمين قال الرافعي : وهو في المعنى ، والله سبحانه أعلم .

[ ص: 486 ] الربا مقصور وهو من ربا يربو فيكتب بالألف ، وتثنيته ربوان ، واختار الكوفيون كتبه وتثنيته بالياء بسبب الكسرة في أوله ، وغلطهم البصريون ، قال الثعلبي : كتبوه في المصحف بالواو ، وقال الفراء : إنما كتبوه بالواو لأن أهل الحجاز تعلموا الخط من أهل الحيرة ، ولغتهم الربوا ، فعلموهم صورة الخط على لغتهم ، قال : وكذلك قرأها أبو سماك العدوي بالواو ، وقرأ حمزة والكسائي بالإمالة بسبب كسرة الراء ، وأقر الباقون بالتفخيم لفتحة الباء قال : وأنت بالخيار في كتبه - بالألف والواو والياء والرماء - بالميم والمد - والربية بالضم والتخفيف لغة في الربا ، وأصله الزيادة ، وأربى الرجل وأرمى عامل بالربا .

التالي السابق


الخدمات العلمية