صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وأما الألبان ففيها طريقان : من أصحابنا من قال : هي كاللحمان ; وفيها قولان ، ومنهم من قال : الألبان أجناس قولا واحدا ، لأنها تتولد من الحيوان والحيوان أجناس فكذلك الألبان ، واللحمان لا تتولد من الحيوان ، والصحيح أنهما كاللحمان ) .


( الشرح ) نص الشافعي - رحمه الله - في الأم والمختصر جازم بأن الألبان أجناس قال في الأم في باب ما يكون رطبا أبدا : والصنف الواحد لبن الغنم ماعزه وضانيه والصنف الذي يخالفه البقر درنانية وعرابية وجواميسه ، والصنف الواحد الذي يخالفهما معا لبن الإبل : أواركها وعواديها ومهريها [ ص: 195 ] ونجيبها وعرابها . قال في باب بيع الآجال : والألبان مختلفة وذكر أصنافها وصرح ببيعها متفاضلا ، وقال أبو حامد : إنه لا يعرف أنه نص على غير ذلك ، وقال القاضي الماوردي : إنه نص في القديم على أنها صنف واحد ، وهذا غريب ، وبتقدير ثبوته لما اقتصر الشافعي في الجديد فيها على قول واحد ونص في الأم في اللحمان على القولين المتقدمين . قال الشيخ أبو حامد الإسفراييني وابن الصباغ والقاضي أبو الطيب : قال أصحابنا : يجب أن تكون الألبان أيضا على قولين لأنه لا فرق بينها وبين اللحمان .

وتوجيه القولين ، كما مر في مسألة اللحمان حرفا بحرف ، والصحيح من القولين أنها أجناس كما في اللحمان . قاله القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وممن جزم بهذه الطريقة وتخريجها على قولي اللحمان المحاملي في المجموع . ورجحها أبو إسحاق المروزي والمصنف وقال الرافعي : إنها الأظهر عند الأكثرين وذهب آخرون إلى القطع بأنها أجناس مختلفة ، وفرقوا بينها وبين اللحمان بفرقين ( أحدهما ) ما ذكره في الكتاب . وممن ذكره القاضي أبو الطيب . وذكر القاضي أبو الطيب عن أبي إسحاق أنه قال يمكن أن يقال لا يجوز بيع شاة لبون بشاة لبون ، ويجوز بيع الشاة بالشاة إذا لم يكن فيهما لبن ولا يمنع ما فيها من اللحم من بيع إحداهما بالأخرى تولد على افتراقهما . ثم قال أبو إسحاق : الأقوى تخريجها على قولين ( والثاني ) أن الأصول التي حصل اللبن منها باقية بحالها ، وهي مختلفة فيدام حكمها على الفروع بخلاف أصول اللحم ، قاله الرافعي وفي كل من الفرقين نظر . أما الأول الذي في الكتاب فلأن لقائل أن يغلب ذلك ، لأن الألبان تتولد من الحيوان بانتقالها عما كانت عليه حين كانت جزء حيوان دما إلى أخرى . فناسب أن تعتبر بنفسها ، واللحمان لا تتولد ، بل هي عين جزء الحيوان فارقته الروح ، فكان إجراء حكمها عليها أولى من الفروع المتولدة عنها . وأما الفرق الثاني فلأن الوصف المذكور لا تأثير له بدليل أنه مفقود في الأدقة وهي أجناس . وذكر القاضي حسين فرقا ثالثا وهو أن اللبن يجري فيه [ ص: 196 ] الربا وإن كان متصلا بالحيوان بخلاف اللحم . قال الإمام : وهذا الفرق رديء فإن الألبان في الضروع ، وقد اشتركت في الاسم الخاص من أول حصولها ، وهذا معتمد اتحاد الجنس ، ولا منفعة في إجراء الربا فيها في الضروع بعد القطع باختلاف أصولها وقد تقدم عن القاضي حسين أن في اللحمان أيضا طريقة قاطعة فعلى تلك الطريقة الألبان أولى ، وعلى طريقة إجراء القولين يأتي الطريقان المذكوران هنا .

( التفريع ) إن قلنا : إنها صنف واحد فلا يجوز بيع لبن بلبن إلا متماثلا ، وله أحكام تذكر في كلام المصنف في الفصل الثاني عشر بعد هذا الفصل قال القاضي أبو الطيب : على هذا القول كل ما يسمى لبنا جنس واحد ( وإن قلنا : ) أصناف فلبن البقر الأهلية جنس ، ولبن البقر الوحشية باختلاف أنواعها جنس ، ولبن الغنم الأهلية جنس ولبن الغنم الوحشية وهي الظباء وأنواعها جنس ، ولبن الإبل بأنواعها جنس ، ولا يكون للإبل وحش ، فيجوز بيع أحد الجنسين بالآخر متفاضلا ، وبيعه بما يتخذه من الآخر ، وقد تقدم تفصيل ذلك في اللحوم ولكني أقصد زيادة البيان ، وتأسيت أيضا بالأصحاب فإنهم ذكروه كذلك ، ولبن الضأن والمعز جنس واحد ، ولبن الوعل مع المعز الأهلي جنسان اعتبارا بالأصول ، قاله الرافعي وصاحب التهذيب ، ولبن الآدميات جنس ، قاله ابن سراقة ، ولا شك في ذلك إذا قلنا إن الألبان أجناس ، أما إذا قلنا الألبان جنس واحد فسيأتي الكلام في بيع اللبن بعضه ببعض من جنسه ، سيأتي في كلام المصنف إن شاء الله تعالى ، ومذهب مالك وأحمد - رحمهما الله تعالى - أنها صنف ، ومذهب أبي حنيفة رضي الله عنه أنها أصناف .

( فائدة ) قال أبو محمد عبد الله بن سعيد الأموي في نوادره : ولا أقول صنفا إنما هو صنف - بالفتح - وصنوف وأنشد :

( إذا مت كان الناس صنفين )

البيت ( فرع ) إن قلنا الألبان جنس واحد فلبن الآدمي مع غيره فيه وجهان [ ص: 197 ] أحدهما ) أن الكل جنس واحد ( والثاني ) لا ، لأن لبن الآدمي جنس وسائر الألبان جنس آخر ، لأن ما يستخرج منه هذا اللبن لا يؤكل لحمه ، ويخالف سائر الألبان في الحكم ، فكان جنسا آخر ، قاله القاضي حسين

التالي السابق


الخدمات العلمية