صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وأما بيع رطبه برطبه فينظر فيه ، فإن كان ذلك مما يدخر يابسه كالرطب والعنب لم يجز بيع رطبه برطبه . وقال المزني : يجوز لأن معظم منافعه في حال رطوبته ، فجاز بيع بعضه ببعض كاللبن ، والدليل على أنه لا يجوز أنه لا يعلم التماثل بينهما في حال الكمال والادخار ، فلم يجز بيع أحدهما بالآخر كالتمر بالتمر جزافا ، ويخالف اللبن فإن كماله في حال رطوبته لأنه يصلح لكل ما يراد به ، والكمال في الرطب والعنب في حال يبوسته ، لأنه يعمل منه كل ما يراد منه ، ويصلح للبقاء والادخار ) .


( الشرح ) الطعام الرطب منه ما يخرج عن الرطوبة في حال يصير يابسا . وهذا ينقسم إلى ما يدخر يابسه وإلى ما لا يدخر ، فذكر المصنف من المأكول والمشروب الذي يكون رطبا أبدا . قال المصنف : من المأكول والمشروب الذي يكون رطبا أبدا إذا ترك لم ينتن مثل الزيت والسمن والشيرج والأدهان واللبن والخل وغيرها مما لا ينتهي بيبس في مدة جاءت عليه إلا أن يبرد ، فيجمد بعضه ثم يعود ذائبا كما كان ، أو بأن يقلب بأن يعقد على نار أو يجعل عليه يابس ، فيصير هذا يابسا بغيره وعقد نار فهذا الصنف خارج من معنى ما يكون رطبا بمعنيين : [ ص: 306 ] أحدهما ) أن رطوبة ما يبس من التمر رطوبة في شيء خلق مستحيلا إنما هو رطوبة طرأت كطروء اغتذائه في شجره وأرضه ، فإذا زال موضع الاغتذاء من مسه عاد إلى اليبس ، وما وصفت رطوبته مخرجة من أمات الحيوان أو ثمر شجر أو زرع ، قد زال الشجر والزرع الذي هو لا ينقص بمزايلة الأصل الذي هو فيه نفسه ولا يجف به . بل يكون ما هو فيه رطبا انطباع رطوبته .

( والثاني ) أنه لا يعود يابسا كما يعود غيره إذا ترك مدة إلا بما وصفت ، فلما خالفه لم يجز أن نقيسه عليه ، وجعلنا حكم رطوبته حكم جفوفه ، ولأنا كذلك نجده في كل أحواله لا متنقلا إلا بتنقل غيره ا هـ . فهذا القسم لم يتعرض له المصنف ، في كلامه بل ذكر شيئا من مسائله فيما بعد كالخلول والألبان كما سيأتي إن شاء الله تعالى ، واقتصر على الرطب الذي يكون منه يابسه . وقسمه قسمين ( الأول ) الذي يدخر يابسه كالرطب والعنب ، والحنطة والشعير والفول والجوز واللوز والرمان الحامض والفستق والبندق ونحو ذلك ، وكل ما غالب منافعه في حال يبسه فهذا لا يجوز بيع رطبه برطبه . قال الشافعي رضي الله عنه في الأم في باب بيع الآجال : وكل شيء من الطعام يكون رطبا ثم ييبس فلا يصلح منه رطب بيابس ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرطب بالتمر فقال " أينقص الرطب إذا يبس ؟ فقيل : نعم . فنهى عنه " فنظر في المتعقب فكذلك ننظر في المتعقب فلا يجوز رطب برطب لأنهما إذا تيبسا اختلف نقصهما ، فكانت فيهما الزيادة في المتعقب ، وقد تقدم من كلامه في الأم نحو ذلك أيضا . وقال في باب الرطب بالتمر : وهكذا كل صنف من الطعام الذي يكون رطبا ثم ييبس ، فلا يجوز فيه إلا ما جاز فيه الرطب بالتمر والرطب نفسه ببعض لا يختلف ذلك . وهكذا ما كان رطبا ، فرسك وتفاح ، وتين وعنب وإجاص وكمثرى وفاكهة ، لا يباع شيء منها بشيء رطبا ، ولا رطب منها بيابس ، ولا جزاف منها بمكيل [ ص: 307 ] قلت ) وجمع الشافعي ، في ذلك بين ما يدخر يابسه وما لا يدخر ومقصوده منع بيع الرطب بالرطب واليابس مطلقا والله أعلم .

وقال في الإملاء : وبين عندي والله أعلم أن لا يشترى رطب برطب لأن أحد الرطبين أقل نقصا من الآخر ، وقد اشتمل هذا الكلام على ما يجفف مطلقا سواء كان تجفيفه غالبا أم لا ، ولم يفصل العراقيون بين القسمين ، فلذلك أطلق المصنف ، وسيأتي عن الإمام تفصيل في ذلك فنؤخر الكلام فيما جفافه نادر ، ونجعل الكلام الآن فيما جفافه غالب ، كالرطب والعنب ، وهو أصل ما يتكلم عليه في المسألة ، فقد اتفق جمهور الأصحاب غير المزني من المتقدمين والروياني من المتأخرين على أنه لا يجوز بيع بعضه ببعض في حال الرطوبة فلم يحكوا فيه خلافا ، وكذلك قال الجوري : إن المنع من ذلك قول واحد ، وإمام الحرمين قال : إنهم لم يختلفوا فيه ; ومحل الكلام في الزائد على خمسة أوسق . وأما إذا باع خمسة أوسق فما دونها رطبا مقطوعا على الأرض بمثله فسيأتي في العرايا فيه خلاف عن شرح التلخيص للقفال وقد خالف الشافعي رحمه الله في هذه المسألة أكثر العلماء ، فذهب مالك وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وأحمد بن حنبل في المشهور والمزني ، واختاره الروياني من أصحابنا فقال في الحلية : وهو القياس والاختيار ، حتى قال ابن المنذر فيما حكى عنه القاضي حسين : إن العلماء اتفقوا على أن بيع الرطب جائز إلا الشافعي وقد وافق الشافعي على ذلك عبد الملك بن الماجشون وأبو حفص العكبري من الحنابلة . قال الشيخ أبو حامد : والكلام مع أبي حنيفة في ذلك ضرب من التكلف ، لأنه إذا أجاز بيع الرطب بالتمر فالرطب بالرطب أجوز . فأما مالك وغيره فقد منعوا بيع الرطب بالتمر وأجازوا هذا ، فالكلام معهم .

أما حجة الشافعي فظاهرة من القياس على بيع الرطب بالتمر ، وإن لم يكن في الرطب بالرطب حقيقة المفاضلة ، ففيه الجهل بالمماثلة في الحالة المعتبرة ، وهي حالة الجفاف ، فإن في الأرطاب ما ينقص كثيرا ، وهو إذا كان كثير الماء رقيق القشرة فإذا يبس ذهب ماؤه ولحمه حتى لا يبقى منه شيء ، [ ص: 308 ] ومثله الأصحاب بالهلياث وهو والإبراهيمي وهو نوع كثيرها وغيرهما ، ومنه ما ينقص قليلا وهو ما كثر لحمه وقل ماؤه وغلظ قشره ، ومثلوه بالمعقلي والبرني والطبرزدي ، وهذا ما أراده المصنف بقوله : إنه لا يعلم التماثل بينهما في حال الكمال والادخار ، وزاد الأصحاب فقالوا : { إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الرطب بالتمر } لأجل النقصان في أحد الطرفين ، فكان المنع إذا وجد النقصان في الطرفين أولى وأحرى . وروى أبو بكر الإسماعيلي في كتابه المستخرج على البخاري حديث ابن عمر المتقدم في بيع الرطب بالتمر بلفظ يدل على منع بيع الرطب بالرطب قال " { نهى رسول صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة بالثمرة } فيشمل الرطب وسائر أحواله ، وهذه الرواية أصرح من روايته المذكورة في البخاري وغيره " { نهى عن بيع التمر بالتمر } " فإنه يحتمل أن يكون جميعا بالثاء المثلثة ، فتكون موافقة لها . ويحتمل أن يكون إحداهما التمر بالمثناة ، وكذلك ضبطه جماعة أن الأولى بالمثلثة والثانية بالمثناة ، يعني بيع الرطب بالتمر . وأما رواية الإسماعيلي هذه فصريحة ، فإنها بزيادة الهاء في آخرها ، ولما لم يتمسك الأصحاب بغير القياس اعترض المخالفون على القياس الذي ذكره الأصحاب بأن النقصان في أحد الطرفين موجب للتفاوت والنقصان في الطرفين غير موجب له .

وأجابوا عن هذا الاعتراض بجوابين ( أحدهما ) ما تقدم من تفاوت النقص في الأرطاب ( والثاني ) أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يراع التفاوت في الثاني ، وإنما راعى النقصان إذا يبس . وذلك موجود في الرطبين ، ولك أن تقول هذا ، الجواب الثاني جمود على الوصف وظاهرية محضة ، ولا شك أن النقص إنما اعتبر بحصول التفاوت في الربوي ، فالأولى الاقتصار على الأول ، أو نقول إن النبي صلى الله عليه وسلم منع من بيع الرطب بالتمر مطلقا ، وذلك يشتمل ما إذا بيع كيلا بكيل ، وما إذا بيع خرصا . كما إذا باع صاع تمر بصاعين رطبا ، فظن أنه يجيء منها صاع ، والأول فيه الجهل [ ص: 309 ] بالتماثل بين الرطبين لأنه لما لم يكن معتبرا في حال الأرطاب صار غير معلوم فيكون كما لو تبايعا جزافا . واحتمال المساواة عند الجفاف كاحتمال كون الصبرتين متساويتين في نفس الأمر ، وأيضا فكل جنس اعتبر التماثل في بيع بعضه ببعض فالجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل ، بدليل النهي عن التمر بالتمر جزافا .

وذكر المصنف لحالة الكمال والادخار تحقيق لعدم العلم بالمماثلة ، لا لأنه مشترك بينه وبين الصورة المقيس عليها . واعترضوا على هذا القياس أيضا بأنه منقوض بالعرايا ، فإنه يصح مع الجهل بالمساواة ، لأن مع الخرص لا تتحقق المساواة ، بل هي مشكوك فيها ، وأجاب الشيخ أبو حامد بأنه في العرايا غلب على ظنه المساواة بالخرص ، وغلبة الظن فوق الشك ، فإذا غلب على ظنه أن في هذه النخلة رطبا يجيء منه مثل هذا التمر المكيل على الأرض جوزناه .

( واعلم ) أن هذا الجواب يقتضي أن يجوز بيع الرطب بالرطب المقطوعين باعتبار الخرص ، أو تكون العلة منقوضة كما هي ، فيحتاج إلى جواب غير هذا فنقول إن الشارع اكتفى بالظن الحاصل من الخرص رخصة في العرايا وغيرها ليس في معناها فلا يحسن إيرادها نقضا ، ومقصود الشيخ أبي حامد دفع النقض المذكور فقط بالفرق ، لا أن وصف علية الظن مصحح مطلقا ، والله أعلم .

واحتج المخالفون بالقياس الذي ذكره المصنف ، قال المزني وقال أيضا : ولأنه إذا بيع الرطب بالرطب فهما متماثلان في كل حال لأنهما إذا بقيا يبسا جميعا ونقصا نقصانا واحدا وما يحصل بينهما من التفاوت في حال اليبس يسيرا معفو عنه بمنزلة النقصان الحاصل في التمر الحديث إذا بيع بعضه ببعض ، وربما أورد ذلك على جهة النقض على علتنا فقالوا : النقصان الذي ذكرتموه موجود في التمر الحديث بالتمر الحديث ، ومع هذا البيع جائز فانتقضت العلة .

( وأجاب ) الأصحاب عن قياسهم على اللبن بما ذكره المصنف : قالوا : لأن التمر يصلح لما يصلح له الرطب ، وزيادة الادخار ولا يصلح الرطب لما يصلح له [ ص: 310 ] التمر ، واللبن يصلح لأشياء كثيرة ، وإذا جبن أو جعل لباء أو غير ذلك لم يصلح لكل تلك الأشياء وليس للبن حالة أخرى ينتهي إليها بنفسه بخلاف الرطب . وعن كلام المزني في أنهما يتساويان في النقصان إذا يبسا بما تقدم أن الأرطاب تتفاوت في اليبس ، فيؤدي إلى التفاضل في حال كمالها ، والتفاضل المحتمل هنا أكثر من الحاصل في الحديث ، فإن فرض أن التمر الحديث يتناهى في الجفاف بعد ذلك إلى حالة يظهر فيها التفاوت في الكيل فإنه لا يجوز بيع بعضه ببعض وهي المسألة ، ومع هذا لا يرد النقض المذكور .

( وأما ) الشيخ أبو حامد فإنه أجاب عن النقض المذكور بأن العلة علتان : مستنبطة ومنصوصة ، فالمستنبطة لا يجوز تخصيصها واختلف أصحابنا في المخصوصة فقيل كالمستنبطة وقيل : لا يجوز تخصيصها ، لأن المستنبطة إنما جعلت علة لاطرادها ، والمنصوصة علة بالنص فجرت مجرى الأسماء بها إذا قام دليل على خصوصها تخصصت ، والنقض مندفع في كلا الطريقين ، لأنا وإن قلنا بأنه لا يجوز أن يخص فليست العلة مجرد النقصان وإنما هو نقصان قبل حالة الادخار قال صلى الله عليه وسلم " أينقص الرطب إذا يبس ؟ " وفي المسألة التي ذكروها نقصان يحدث بعد بلوغ حالة الادخار .

( فرع ) هذا القسم الذي تجفيفه غالب إذا جفف ، فلا خلاف في جواز بيع بعضه ببعض في حالة الجفاف ، إذا كان له معيار شرعي ، وإن لم يكن له معيار شرعي فيأتي فيه الخلاف فيما ليس بمكيل ولا موزون هل يجوز بيع بعضه ببعض أو لا ؟ والذي يغلب على الظن أن كل ما يجفف غالبا فهو مقدر كالرطب والعنب والقمح والشعير فليس ثم ما يجفف غالبا ، وهو غير مقدر حتى يتردد في بيعه حالة جفافه ، فإن فرض جرى فيه الخلاف والله أعلم .

( فرع ) أما ما لا يغلب تجفيفه ، بل تجفيفه في حكم النادر الذي يستعمل في التفاضل عند الأكل من رطب لجنس ، وأكثر الغرض في رطبه ، فقد ذكر الإمام فيه ثلاثة أوجه ، ومثله بالمشمش والخوخ .

( أحدها ) الجواز رطبا ويابسا .

[ ص: 311 ] والثاني ) المنع رطبا ويابسا فإنه لم تتقرر له حالة كمال لا رطبا ولا يابسا .

( والثالث ) المنع رطبا والجواز يابسا . قال الإمام : ولم يصر أحد من أئمة المذهب إلى الجواز رطبا والمنع جافا ، ثم الرطب الذي لو جفف فسد يجتمع فيه أربعة أوجه ، وستأتي إن شاء الله تعالى ، وحكى القاضي حسين في حالة الخوخ وجهين في المشمش والخوخ والكمثرى والبطيخ الذي يتفلق والرمان الحامض ، وهما الوجهان اللذان في التنبيه فيما لا يكال ولا يوزن .

( فرع ) قال الإمام : قال العراقيون : جفاف البطيخ حيث يعتاد من البلاد في حكم جفاف المشمش ، قال : والأمر على ما ذكره .

( فرع ) الذي جزم به صاحب العدة في البطيخ والمشمش امتناعه رطبا والجواز يابسا فخرج من هذا أن ما كان جافا كاملا ذا معيار جاز بيعه قطعا ، وإن فقد المعيار كما مثل أو الكمال كالفواكه التي لا تدخر والرطب الذي لا يجنى منه في الأقسام الثلاثة خلاف ، وإن فقد الكمال والجفاف امتنع قطعا كالرطب والعنب غالبا .

( فرع ) قول الشيخ رحمه الله تعالى رطبة برطبة يشمل اليبس والرطب والطلع والخلال وغير ذلك إذا بيع كل منها بمثله أو بالآخر ، وإذا امتنع بيع الشيء من ذلك بمثله فلأن يمتنع بالآخر بطريق أولى ، فإن النقصان في أحد الطرفين أكثر وقد ورد في بعض طرق حديث سعد المتقدم " { تبايع رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ببسر ورطب فقال صلى الله عليه وسلم : هل ينقص الرطب إذا يبس ؟ قالوا : نعم قال : فلا إذن } رواه الحاكم في المستدرك من طريق إسماعيل بن أمية بالسند المشهور ، فإن لم يكن لفظ البسر تصحيفا فهو حجة في هذه المسألة .

( فرع ) قال الشافعي : كل ما لم يجز التفاضل فيه فالقسم فيه كالبيع ، فذكر الأصحاب لذلك فروعا ( منها ) لو كانت ثمرة على أصولها مشتركة بين رجلين فاقتسماها خرصا ( وقلنا ) القسمة بيع وهو القول الذي [ ص: 312 ] ادعى الماوردي هنا أنه الأشهر وقال صاحب التهذيب : إنه الأصح ، لم يصح ، ( وإن قلنا ) إفراز فإن كانت الثمرة مما لا زكاة فيه لم يصح ، لأن خرصه لا يجوز ، وإن كانت مما يجب فيه العشر كالرطب والعنب فإن كان قبل بدو الصلاح لم يجز ، قاله المحاملي ، وإن كان بعد بدو الصلاح فقولان ( نقلوا ) عن نصه في الصرف الجواز ، لأنه إذا جاز خرصها لمعرفة حق الفقراء وتضمينه جاز لتمييز أحد الحقين عن الآخر ، نقله القاضي أبو الطيب وغيره . ونقل المحاملي عن نصه في سائر كتبه أنه لا يجوز ، وغير المحاملي لم يفصل بين ما بعد بدو الصلاح وقبله ، ورجح صاحب التهذيب أنه لا يجوز ، وإن فرعنا على أن القسمة إفراز ، لأن الخرص ظن لا يعلم نصيب كل واحد على الحقيقة ، وفي الزكاة جوزنا الخرص . لأن الخرص للمساكين فيه حقيقة الشركة بدليل أنه يجوز أداء حقهم من موضع آخر وهو الصحيح وقال في الإبانة : ومن أصحابنا من قال قولا واحدا يصح ( وإن قلنا ) إنها بيع لأن هذا موضع ضرورة .

( قلت ) فيخرج من هذا ثلاث طرق فكل ربوي لا يجوز بيع بعضه ببعض لا يجوز قسمته على القول بأن القسمة بيع ، ويجوز على قول الإفراز ، وهل تجوز قسمة أموال الربا المكيل وزنا ، والموزون كيلا ( إن قلنا ) القسمة إفراز جاز ( وإن قلنا ) بيع فلا ; اتفق عليه الأصحاب ; فعلى الأول يجوز قسمة الرطب ونحوه والله أعلم .

ولا يجوز قسمة الطعام ولا غيره جزافا ، صرح به المحاملي ، يعني على القولين جميعا ; ومأخذ الخلاف في أن القسمة بيع أو إفراز اختلاف قول الشافعي كما قال الماوردي هنا في خرص رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمار المدينة ; هل كان لمعرفة قدر الزكاة ؟ أو لإفراز حقوق أهل السهمان ، فعلى الأول لا يجوز قسمة الثمار خرصا وتكون القسمة بيعا ، وعلى الثاني يجوز قسمة الثمار ، وتكون إفراز حق ، وتمييز نصيب ( فرع ) فإذا قلنا : القسمة بيع وتقاسما مالا ربويا مما يجوز بيع بعضه ببعض قال الماوردي : لهذه القسمة خمسة شروط ( أحدها ) الكيل [ ص: 313 ] في المكيل والوزن في الموزون ، فإذا كانت الصبرة بينهما نصفين وأراد قسمتها أخذ هذا قفيزا وهذا قفيزا ، وإن كانت أثلاثا أخذ هذا قفيزا وهذا قفيزين ، ولا يجوز لأحدهما أن يستوفي جميع حصته من الصبرة ثم يكال للآخر ما بقي ، لاحتمال أن يتلف الباقي قبل أن يكتاله الشريك الآخر ، ولأنهما قد استويا في الملك فوجب أن يستويا في القبض فإن اتفقا على المبتدئ منهما بأخذ القفيز الأول وإلا أقرع بينهما في أخذه . ويكون استقرار ملك الأول على ما أخذه موقوفا على أن يأخذ الآخر ملكه . فلو أخذ الأول قفيزا فهلكت الصبرة قبل أن يأخذ الثاني مثله لم يستقر ملك الأول على القفيز ، وكان الثاني شريكا له .

( الشرط الثاني ) أن يتساويا في قبض حقوقهما من غير تفاضل ، وكذلك إذا كانت بينهما أثلاثا أخذ هذا الثلثين ، وهذا الثلث من غير أن يزداد شيئا أو ينقص شيئا .

( الشرط الثالث ) أن يكون كل منهما أو وكيله قابضا لنصيبه مقبضا لنصيب شريكه ، فلا يصح انفراد أحدهما ، ولا أن يأذنا لشخص واحد يتولى القبض والإقباض .

( الشرط الرابع ) أن يتقابضا قبل التفرق ، وتقابضهما بالكيل وحده دون النقل بخلاف البيع ، حيث كان النقل فيه معتبرا ، فإن المبيع مضمون على بائعه باليد ، فاعتبر في قبضه النقل لترتفع اليد فيسقط الضمان ، وليس في القسمة ضمان يسقط بالقبض ، وإنما هي موضوعة للإجازة وبالكيل تحصل ; فلو تقابضا بعض الصبرة ولم يتقابضا الباقي صح فيما تقابضا قولا واحدا وكانت الشركة بينهما فيما بقي .

( الشرط الخامس ) وقوع القسمة ناجزة من غير خيار لا بالشرط ولا بالمجلس ، وإن كانت بيعا لانتفاء المحاباة والغبن عنها . هذا كلام الماوردي ، وقال ابن الرفعة : وهذا ظاهر فيما يخير عليه دون ما لا يخير عليه ، ولا جرم . قال ابن الصباغ بثبوتهما يعني الخيارين إذا اقتسما بأنفسهما ، والغزالي حكى في ثبوت خيار المجلس وجهين . قال : ودعوى الماوردي أنه لا يد مضمنة [ ص: 314 ] في القسمة فيه نظر ; لأن يد كل واحد على حصته فقط ، فلا فرق حينئذ بين يد القاسم والبائع فيما نظنه ( قلت ) هذا الذي قاله ابن الرفعة هو الذي يترجح ، والله أعلم .

( فرع ) إذا أراد قسمة الثمار وقد قلنا على هذا القول بأنه لا يجوز . قال الماوردي : فالوجه في ارتفاع الشركة بينهما أن يجعلا ذلك حصتين متميزتين ثم يبيع أحدهما حقه من إحدى الحصتين على شريكه بدينار ويبتاع منه حقه من الحصة الأخرى بدينار ثم يتقاصان فيكون هذا بيعا يجري عليه أحكام البيوع .

( فرع ) من الحاوي أيضا ( فإن قلنا ) بأن القسمة إفراز يجوز لأحدهما أن ينفرد بأخذ حصته عن إذن شريكه ; بخلاف ما تختلف أجزاؤه كالثياب والحيوان لأن ذلك يفتقر إلى اجتهاد ; فلم يجز لأحدهما أن ينفرد وإن أذن الشريك ، وبخلاف ما إذا قلنا بالقول الأول . لأن البيع لا ينفرد به أحدهما ، ولو انفرد بأخذ نصيبه من غير إذن شريكه فوجهان ( أحدهما ) لا يجوز للإشاعة ، فعلى هذا ما أخذه مشترك مضمون عليه حصة شريكه فيه ( والثاني ) يجوز ، لأنه لو استأذنه لم يكن له منعه . قال الروياني : وعندي الأصح الوجه الأول ( وإن قلنا ) القسمة بيع لم يجز لأحدهما أن ينفرد بحال لا بالإذن ولا بغير الإذن ، قاله الروياني . وذكر جميع ما ذكره الماوردي .

( فرع ) جميع ما تقدم من كلام وخلاف العلماء لا فرق فيه بين الرطب بالرطب . والبسر بالبسر يمتنع عندنا ، وجائز عند أبي حنيفة رضي الله عنه ومالك . وقال أبو حنيفة : يجوز البسر بالرطب مثلا بمثل ، وهو قول داود . وقال مالك وأبو يوسف ومحمد : لا يجوز الرطب بالبسر على حال . نقل ذلك ابن عبد البر .

التالي السابق


الخدمات العلمية