صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وهل يجوز ذلك في الرطب ؟ فيه ثلاثة أوجه : ( أحدها ) يجوز ، وهو قول أبي علي بن خيران لما روى زيد بن ثابت قال : { رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في العرايا بالتمر والرطب ، ولم يرخص في غير ذلك } .

( والثاني ) لا يجوز وهو قول أبي سعيد الإصطخري ، لما روى ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { لا تبايعوا ثمر النخل بثمر [ ص: 355 ] النخل } ولأن الخرص غرر ، وقد وردت الرخصة في جوازه في أحد العوضين ، فلو جوزنا في الرطب بالرطب لجوزناه في العوضين ; وذلك غرر كثير زائد على ما وردت فيه الرخصة ; فلم يجز كشرط الخيار فيما زاد على ثلاثة أيام .

( والثالث ) وهو قول أبي إسحاق أنه إن كان نوعا واحدا لم يجز ، لأنه لا حاجة به إليه لأن مثل ما يبتاعه عنده ، وإن كان نوعين جاز ، لأنه قد يشتهي كل واحد منهما النوع الذي عند صاحبه ، فيكون كمن عنده تمر ولا رطب عنده ) .


( الشرح ) حديث زيد المذكور بهذا اللفظ في سنن أبي داود بسند صحيح لكن فيه بحث رواه البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى فقالا فيه : " بيع العرية بالرطب ، أو بالتمر " ولم يرخص في غير ذلك هكذا ، ومع ذلك لا حجة فيه لهذا الوجه ، لأنه يحتمل أن يكون شك من الراوي ، ولا يكون للتخيير والرواية هكذا بأو في الصحيحين من رواية عقيل عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن زيد ، لكن النسائي رواه من جهة سالم عن أبيه عن زيد أيضا وقال فيه : بالرطب والتمر ، هكذا بالواو ، فنظرنا فوجدنا ذلك من رواية صالح وهو ابن كيسان عن الزهري ، وعقيل أحفظ منه ، فروايته مقدمة على رواية صالح ، ثم وجدنا الرواية عن نافع متفقة على التمر كأحد روايتي سالم ، فرجحنا ذلك على رواية صالح بن كيسان ، ثم رأينا الطبراني في المعجم الكبير روى رواية صالح بن كيسان كما رواها النسائي وزاد فرواها أيضا من رواية الأوزاعي عن الزهري وقال فيه : بالتمر والرطب كما قال المصنف . والأوزاعي - وإن كان إماما - لكنه غير متقن لحديث الزهري كإتقان [ ص: 356 ] عقيل وقد تابع عقيلا على ذلك سليمان بن أبي داود عن الزهري كذلك في معجم الطبراني والزبيدي أيضا ، وهو من جلة أصحاب الزهري فقال : ( { رخص في بيع العرايا بخرصها من التمر اليابس } ) رواه الطبراني ، وهذا نص ، وتابعهما معمر عن الزهري فقال : ( بخرصها تمرا ولم يرخص في غير ذلك ) رواه الطبراني ، وهذه الطرق كلها راجعة إلى رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن زيد بن ثابت ، وقد روى أبو داود ذلك كما قدمته من طريق يونس عن الزهري عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه وقال فيه : ( بالتمر والرطب ) وهي الرواية التي ذكرها المصنف ، والظاهر أنه نقلها من السنن ، فإنه سمعها وهذه طريقة قوية مقاومة لطريق عقيل ، فإن يونس في الزهري عظيم . ثم أمعنت الطلب ونظرت الحديث من مسند ابن وهب الذي هو الأصل ، فإن أبا داود رواه من طريقه وجدته فيه : ( بالتمر أو الرطب ) بألف ملحقة بخط كاتب الأصل ، والظاهر أن ذلك غلط من الناسخ ، فإن المتقدمين ذكروا رواية ابن وهب هذه مستدلين بها على الجواز ، ورواه الطبراني من طريق ابن وهب بالجمع بينهما ، لكن بطريق ضعيفة ، ورواه الطبراني بالجمع بينهما أيضا من طريق أسامة بن زيد عن الزهري عن خارجة بن زيد ، وفيه لا أدري أذكر أباه أم لا ؟ وهذا يقتضي الشك في اتصاله ، لكن طريقه لا تقاوم طريق أبي داود فالراجح حينئذ عن خارجة الجمع بينهما ، فبعد ذلك يمكن أن يقال : إن رواية ابن عمر عن زيد راجحة على رواية خارجة عن زيد كما لا يخفى من صحبة ابن عمر وجلالته وكبره حين سماعه ، وخارجة كان عمره في زمن أبيه بضع عشرة سنة . ويمكن أن يقال : إنه إذا صح ذلك عن خارجة ، وفي بعض روايات ابن عمر رضي الله عنهما كما تقدم فينبغي أن يحكم بصحة اللفظين عن زيد ، [ ص: 357 ] ويحمل ( أو ) على التخيير ، ويكون زيد رضي الله عنه لما فهم ذلك عبر عنه تارة بأو وتارة بالواو ، وهذه أولى من أن يحكم على بعض الرواة بالوهم مع ثقته وجلالته ، وعلى هذا يصح استدلال ابن خيران بها على الجواز ، ويمكن أن يقال بالتعارض لقوة كل من الطرفين ، والشك في ذلك يوجب الحكم بالمنع ، لأن الباب باب رخصة فمتى شك في شرطها بطلت ، وأما ترجيح رواية خارجة على رواية ابن عمر فغير ممكن ، والأقرب الحكم بالتعارض أو ترجيح رواية ابن عمر من الطرق الكثيرة لكثرتها واعتضادها برواية نافع ، وأما حمل ذلك على التخيير فيبعده رواية الزبيدي المتقدمة ، التي فيها تقييد التمر باليابس وذلك يقتضي أن الرطب بخلافه ، وسندها في الطبراني جيد . ومن جملة المرجحات لحديث ابن عمر رضي الله عنهما كونه ثابتا في الصحيحين ، ورواية خارجة ليست كذلك ، وإن كان سندها صحيحا . فهذه طريقة في الترجيح يسلكها بعض المتأخرين من فقهاء المحدثين . هذا ما عندي في ذلك ، والله عز وجل أعلم . وحديث ابن عمر رضي الله عنهما المذكور في رواية البيهقي في سننه الكبير ولفظه : " { لا تتبايعوا التمر بالتمر ، تمر النخل بتمر النخل } وإسناده فيه محمد بن الحسين بن أحمد الفارسي عن أحمد بن سعيد الثقفي لم أعرفهما . وقال في معرفة السنن والآثار وهكذا روي مقيدا يعني تمر النخل بتمر النخل فاقتصر المصنف رحمه الله على اللفظ الأخير وهو البدل . وترك المبدل منه . وهو قوله : التمر بالتمر وذلك جائز لأنه لا يحيل المعنى .

( وأما ) حديث ابن عمر : " { لا تبيعوا التمر بالتمر } " فذلك ثابت في البخاري . وقد تقدمت الإشارة إلى التوقف في هذا اللفظ فإن ثبت أنه بالثاء المثلثة فيهما فهو على الحديث بدون الزيادة التي فيه مبينة بالنخل . وقول المصنف : هل يجوز ذلك في الرطب بالرطب ؟ . أي سواء كان على رءوس النخل فبيعا خرصا . أو كان أحدهما في الأرض فبيع الذي على النخل خرصا بالذي على الأرض كيلا فالأوجه الثلاثة في المسألتين . قاله القاضي أبو الطيب وابن الصباغ والمحاملي والعمراني [ ص: 358 ] والأقرب في عبارة المصنف أن يكون مراده : الرطب على رءوس النخل بالرطب على وجه الأرض . لأنه قال : هل يجوز ذلك ؟ إشارة إلى المسألة السابقة وصورتها إذا كان أحدهما في الأرض ، وكذلك القاضي أبو الطيب صور المسألة ثم ذكر فرع جريان الأوجه الثلاثة في الصورة الأخرى .

والأوجه المذكورة مشهورة . حكاها القاضي أبو الطيب والماوردي والمحاملي والجرجاني والمتولي وابن الصباغ وآخرون . وليس للشافعي نص في هذه المسألة على ما يقتضيه كلام ابن سريج الآتي ذكره ولكنها أوجه الأصحاب : ( أحدها ) أنه يجوز مطلقا أن يباع الرطب بالرطب خرصا فيهما ، سواء كان نوعا واحدا أو نوعين ، وهو قول أبي علي بن خيران ، واستدل بالحديث الذي ذكره المصنف وذكره بأو ، وكأنه اعتقدها للتخيير ، وقد عرفت الجواب عنه جوابا متقنا محررا . ( والثاني ) وهو الصحيح أنه لا يجوز مطلقا ، ولا يجوز إلا بالتمر ، وعزاه الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والمحاملي وابن الصباغ والمصنف إلى الإصطخري وقال الماوردي : إن هذا مذهب الشافعي ، وقال أبو حامد : إنه أشبه بمذهب الشافعي ، وقال المحاملي في التجريد والمجموع : مع ذلك إنه ظاهر المذهب ، وممن صححه الروياني في البحر ، وقال صاحب التهذيب : إنه المذهب ، واستدل له القاضي أبو الطيب بأن الأصل تحريم المزابنة إلا ما استثنى منه ، والرخصة وردت مقيدة بالتمر كما تقدم ، فيبقى فيما عداه على الأصل وهو التحريم ، والحديث الذي ذكره المصنف إن ثبت نص في ذلك وإن لم يثبت فالتمثيل بالأصل المقتضي للتحريم كاف في ذلك ، وأيضا الأصل في العقود الربوية التحريم كما تقدم غير مرة .

( فإن قلت : ) المصنف رحمه الله لم لا سلك هذه الطريقة التي سلكها شيخه وهي أقرب مما سلكه ، وهو التعليل بكثرة الغرر وقياس ذلك على شرط الخيار فيما زاد على ثلاثة أيام ، فإن التمسك بإدراجها تحت نص خاص أولى من قياس مستند إلى نص عام [ ص: 359 ] قلت ) : ما فعله المصنف أولى ; لأن المزابنة تقدم أنها مفسرة ببيع الرطب في رءوس النخل بالتمر ، وأما بيع الرطب بالرطب فهو - وإن كان أكثر غررا وأحق بالبطلان - لكن يمكن النزاع في دخوله تحت اسم المزابنة نصا ، وإنما يدخل تحت حكمها إما بطريق أولى فيكون من مفهوم الموافقة ، وإما بالقياس عند من يقارن بينهما وهو الصحيح . ( وإذا ثبت ذلك ) فكل واحد من مفهوم الموافقة والقياس شرطه بقاء أصله ، فمتى بطلت دلالة الأصل بطلت دلالة مفهومه والقياس عليه ، وهاهنا قد بطلت دلالة مفهومه والقياس عليه ، وهاهنا قد بطلت دلالة الأصل فيما دون خمسة أوسق ، فيتبعها دلالة المفهوم ، والقياس في ذلك العقد وإن بقي في الزائد لبقاء أصله ، فلذلك - والله أعلم - عدل المصنف عن ذلك إلى ما ذكره ، ويحق له ذلك وهو المبرز في علم النظر ، فعلى قول المصنف المعتمد في ذلك النهي عن الغرر ، ويجعل الرخصة الواردة في الرطب بالتمر مستثناة منه ، ولا يضره في ذلك كونها مستثناة من المزابنة ; لأن المزابنة نوع من الغرر ، والمستثنى من النوع مستثنى من الجنس ، والوصف المقتضي لإلحاقه بما زاد على الثلاث مركب من شيئين ، الغرر وكون ذلك على سبيل الرخصة ، وأحدهما بمجرده ليس كافيا في التعليل ، والله أعلم .

وممن صحح هذا القول القاضي أبو الطيب فيما حكى الشاشي عنه والروياني في البحر والبغوي والرافعي ويقتضيه إيراد الجرجاني . ( والوجه الثالث ) وهو قول أبي إسحاق المروزي ، واختلفت عبارة الأصحاب عنه ، فالذي قاله أبو الطيب وابن الصباغ والمصنف والمتولي أنه إن كانا نوعا واحدا لم يجز ، وإن كانا نوعين يجوز كالرطب المعقلي بالتمر البرني ، والرطب البرني بالتمر المعقلي ، وما أشبهه ، وأطلقوا ذلك فيما إذا كانا على النخل أو أحدهما على الأرض ، وقال المحاملي وأبو حامد فيما حكى عنه صاحب العدة والروياني والماوردي : ويجوز إذا كان الرطبان على رءوس النخل وكانا نوعين ، أما إذا كان أحدهما على الأرض فإنه لا يجوز مطلقا ، وكذلك إمام الحرمين حكى الأوجه الثلاثة عن حكاية العراقيين ، كما حكاها المحاملي .

[ ص: 360 ] من غير تعيين أبي إسحاق ، قال إمام الحرمين : فإن كان الغرض الذي أشار إليه الخبر أن يستبدل رطبا على الشجر بأكله على مر الزمن ، فالرطب على الأرض بين أن يفسد وبين أن يجف ، وزاد الإمام على المحاملي زيادة سأتعرض لها في فرع مفرد قريبا إن شاء الله تعالى .

وقد احتج أبو إسحاق لقوله بما ذكره المصنف ، وأجاب الشيخ أبو حامد بأن طعم أحد النوعين يقارب طعم الآخر ، فلا تدعو الحاجة إلى إجازة ذلك وروى هذه الأوجه الثلاثة ، ووجه رابع أنه يجوز بيع الرطب على الأرض بالرطب على النخل بكل حال ; لأنه أدوم نفعا أي سواء كانا نوعا أو نوعين ; ويجوز ما على النخل بما على النخل إذا كانا نوعين ، ولا يجوز إذا كانا من نوع واحد لفقد الفائدة ، ونقله الماوردي والروياني عن ابن أبي هريرة ، وقد رأيت في تعليق الطبري عن ابن أبي هريرة أطلق جواز بيع الرطب على النخل بالرطب على الأرض ، ويذكر إذا كانا على النخل والله أعلم .

فجملة الأوجه في المسألة أربعة ، وقد جمعها الماوردي وحكاها كذلك ، وتبعه صاحب البحر ، وما نقله المحاملي والماوردي ومن تبعهما يمكن أن ينزل عليه كلام من أطلق ، فإن كان الأمر كذلك فيجب تقييد كلام المصنف في قوله : وإن كانا نوعين جاز إذا كان على النخل ، ولكن هذا التقييد ينافيه كلام أبي الطيب ، فإنه صرح في جريان الأوجه الثلاثة فيما إذا كان أحدهما على الأرض ، فإن جمعنا بين النقلين جاءت خمسة أوجه في المسألة ، وكذلك فعل ابن الرفعة في المطلب وفيه بعد ; لأن الشخص المنقول عنه واحد ، وهو أبو إسحاق ، فكيف يحكي ذلك وجهين ؟ إلا أن يكون اختلف قوله في وقتين ، والأقرب أن ذلك اختلاف علة من الناقلين ، وينبغي أن يقصد الجمع بينهما ، ويبقى تجويز النقل أن يقول : قيل كذا ولا يقول : فيه وجهان ; لأنه لم يثبت أنهما وجهان ، وقد نقل في كل منهما أنه قيل ، وعبر الغزالي في الوسيط بعبارة لا توجد في كلام غيره .

( والثاني ) إن كان أحدهما موضوعا جاز ، وإن كان على الشجرة فلا ، وهذا وهم بلا شك ، وكأنه مل القلم فأراد أن يكتب إن كان أحدهما على [ ص: 361 ] الأرض لم يجز ، وإن كانا على الشجر جاز ، كما هو في النهاية ، فانقلب عليه ، هذا ما لا أشك فيه ، وقال الجوري : إذا كان للرجل نوع من الرطب جاز أن يشتري نوعا آخر من الرطب ليس عنده خرصا كالعرايا ، هذا جواب ابن خيران ، وقال ابن سريج : لم يتعرض الشافعي لهذا ، وإذا صح الحديث جاز ، والحديث صحيح ، وذكر حديث خارجة بن زيد عن أبيه من طريق ابن وهب ومن طريق صالح بن كيسان ، وهذا من ابن سريج والجوري موافقة لابن خيران أو لأبي إسحاق .

( فرع ) إذا قلنا بجواز بيع الرطب على النخل بالرطب على الأرض هل المعتبر فيه الخرص أو الكيل ؟ كلام الرافعي رضي الله عنه يقتضي أنه الكيل ، والذي رأيته في تعليق الطبري عن ابن أبي هريرة خلافه ، فإنه قال : ويجوز أن يباع الرطب بالخرص بالرطب الموضوع بالأرض إذا نقص عن خمسة أوسق .

( فروع ) عرفت أن الأصح من الأوجه الثلاثة المنع مطلقا ، وقد شذ ابن أبي عصرون فصحح قول أبي إسحاق أنه إذا اختلف نوعهما صح .

( فرع ) إذا كان الرطب بالرطب كلاهما على الأرض لم يجز ، جزم بذلك صاحب الشامل وصاحب التهذيب ; لأنه يتسارع إليه الجفاف أو الفساد ، فلا يحصل المقصود وهو أكل الرطب على الأم ، وحكى القفال في شرح التلخيص فيه وجهين ، وقال المتولي : إن فيه الأوجه الثلاثة ، وقال إمام الحرمين في حكاية الأوجه الثلاثة عن حكاية العراقيين في بيع الرطب بالرطب .

( الثالث ) الفصل بين أن يكون الرطبان أو أحدهما على الأرض فيمتنع ، أو يكونا على الشجر فيجوز ، وهذا يقتضي أن أحد الأوجه قائل بالجواز [ ص: 362 ] مطلقا إذا كانا على الأرض أو أحدهما ، ولم أجد في طريق العراقيين من نص على الجواز فيما إذا كانا على الأرض ، ولا حكى فيه خلافا ، وإنما الخلاف في ذلك في طريقة الخراسانيين .

وممن حكى الأوجه الثلاثة فيه صاحب التتمة ، وإذا جوزنا ذلك فهل يباع خرصا أو كيلا ؟ الذي يقتضيه كلام القفال وصاحب التتمة الأول ، فإنه قال : فأما بيع الرطب بالرطب خرصا وهما موضوعان على الأرض ، أو بيع الرطب على رءوس الشجر بالرطب خرصا فعلى وجهين : ( أحدهما ) يجوز ; لأن بيع الرطب بالتمر فيه وجهان خرصه رطبا ثم خرصه تمرا ، ومع ذلك يجوز ، وإذا كان الرطب على الأرض فليس فيه إلا جهالة واحدة ، وهو أن يقول : خرصها تمرا كذا ، ويعلم مقدارها في الحال ، فهذا بالجواز أولى ، هذا ما رأيته في شرح التلخيص للقفال .

ونقل الرافعي رحمه الله تعالى : أن القفال ذكر في شرح التلخيص أنه على الخلاف ; لأنه إذا جاز البيع وأحدهما أو كلاهما على رءوس النخل خرصا واحتملت الجهالة فلأن يجوز مع تحقق الكيل في الجانبين كان أولى ، فأوهم هذا النقل أمرين : ( أحدهما ) أن القفال جعل بيع الرطب بالرطب المقطوع على الأوجه الثلاثة ، وليس في كلامه إلا ذكر وجهين .

( والثاني ) أنه يكون البيع في ذلك كيلا ، والقفال إنما قال خرصا ، وكذلك صاحب التتمة ، نعم رطبا بل يخرص ما يجيء منهما تمرا فحسب ، والذي يقتضيه ذلك أنه إذا علم أن كيل هذا الرطب الآن أربعة أوسق ، وكيل الرطب الآخر أربعة ونصف ، وخرص ما يجيء منهما تمرا فكانا سواء - أنه يجوز البيع ولا اعتبار بالتفاضل في الكيل الآن ، فحينئذ تحقيق الكيل في الجانبين لا أثر له إلا تخفيف غرر خرصه تمرا فإنه يكون حينئذ أقل خطأ ، فتنبه لذلك . فإن ما نقله الرافعي رضي الله عنه عن القفال يوهم أنه لو باع صاع رطب بصاع رطب مقطوعين صح من غير اعتبار الخرص ، وليس في كلام القفال ذلك والله أعلم .

[ ص: 363 ] وقد تابع الرافعي على ذلك ابن الرفعة فقال : إن معياره الكيل كما قاله الرافعي ، وهو وهم والمناقشة في هذا الفرع تقرب من المناقشة في الفرع المتقدم قريبا في بيع الرطب على النخل بالرطب المقطوع على الأرض ، وقال القاضي حسين في تعليقه : لا خلاف أن بيع الرطب بالتمر كيلا على الأرض أو على الشجر من غير اعتبار المآل لا يجوز ، وهي المزابنة ، فهذا نص القاضي أكبر تلامذة القفال وأعلم بكلامه ، وبالجملة فما أوهمه كلام الرافعي غير مقبول والله سبحانه أعلم .

فائدة : أربع مسائل تنبني على أصل واحد ، وهو أن العرية جوزت للحاجة أو رخصة : فعلى الأول لا تصح إلا في التمر والرطب على النخل للفقراء . وعلى الثاني تصح مع الأغنياء بالرطب على الأرض إذا كان رطبين من الجانبين . قالها القاضي حسين .

( فرع ) بيع التمر بالرطب على الأرض قال المحاملي : لا خلاف على المذهب أنه لا يجوز ، وذلك ظاهر على طريقة العراقيين في اتفاقهم على منع بيع الرطب بالرطب وهما على الأرض ، أما المراوزة فقد تقدم الخلاف عنهم في الرطب بالرطب وهما على الأرض ، فلا جرم ، ذكروا أيضا خلافا في الرطب بالتمر ، قال القاضي حسين : وجهان : ( أحدهما ) لا يجوز ; لأن المعنى الذي جوزت له العرية وهو الانتفاع على مرور الأيام لا يتحقق ; لأنها لا تجف في الحال . ( والثاني ) يجوز ; لأنه لما جاز على النخلة مع الخرص ، فلأن يجوز مع يبسه والإحاطة به أولى ، وقال الإمام : إن بنينا الباب على الإتباع امتنع ، وإن جعلنا الخرص أصلا سوغنا ، وسيأتي قول الإمام الذي ادعى فيه أن الخرص أصل مع تلوم ، وقد تقدم التعرض لهذه المسألة ، والتنبيه على الجزم بأن ذلك لا يجري في غير العرايا ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية