صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ولا يباع منه ما نزع نواه بما لم ينزع نواه ; لأن أحدهما على هيئة الادخار والآخر على غير هيئة الادخار ، ويتفاضلان حال الادخار ، فلم يجز بيع أحدهما بالآخر كالرطب بالتمر ، وهل يجوز بيع ما نزع نواه بعضه ببعض ؟ فيه وجهان : ( أحدهما ) يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم : { لا تبيعوا التمر بالتمر إلا سواء بسواء . } ( والثاني ) لا يجوز ; لأنه يتجافى في المكيال فلا يتحقق فيه التساوي ، ولأنه يجهل تساويهما في حال الكمال والادخار ، فأشبه بيع التمر بالتمر جزافا ) .


( الشرح ) الحديث المذكور مختصر من حديث عبادة من رواية الشافعي في مختصر المزني وغيره كما قدمته في الفصل الذي جمعت فيه الأحاديث الواردة في تحريم ربا الفضل ، فليس هذا اللفظ الذي ذكره المصنف بكماله قطعة منه ، بل لفظه : { لا تبيعوا الذهب بالذهب ، ولا الورق بالورق ، ولا البر بالبر ، ولا الشعير بالشعير ، ولا التمر بالتمر ، ولا الملح بالملح ، إلا سواء بسواء } " ، فاختصر المصنف منه هذه اللفظة وذلك جائز عند من يجوز الرواية بالمعنى ، لا سيما في مثل هذا الموضع الذي يقصد به الاستدلال دون الرواية فإنه يغتفر ذلك .

أما حكم المسألة : فقد سوى الشيخ أبو حامد بين المسألتين ، وجعل الوجهين مطلقا ، سواء أباع ما نزع منه النوى بما لم ينزع منه أم بمثله ، كذلك فيما علقه البندنيجي عنه ، وفيما علقه سليم ، حكى الوجهين في المسألة الأولى وسكت عن الثانية ، ويعلم جريانهما فيها بطريق الأولى ، والمحاملي ونصر المقدسي حكيا الوجهين في المسألتين أيضا ، وجزم البغوي في المسألتين بالمنع ، وكذلك الإمام جزم بالمنع ، ثم حكى أن العراقيين ذكروا وجها في المنزوع بالمنزوع فاستبعده جدا ، قال : ثم جاءوا بما هو أبعد منه وذكروا خلافا في بيع تمر منزوع النوى بتمر غير منزوع النوى ، وهذا ساقط لا يحتفل بمثله ، [ ص: 391 ] قال الفارقي تلميذ المصنف رحمه الله - : معنى قوله يتفاضلان حال الادخار أنهما قبل نزع النوى إذا كيلا متساويين ثم نزع النوى من أحدهما وكيلا ظهر التفاضل ; لأنه تنتفش أجزاؤه بالنزع ، وتتجافى في المكيال .

( فرع ) المشمش والخوخ ونحوهما لا يبطل كمالها نزع النوى في أصح الوجهين ; لأن الغالب في تجفيفها نزع النوى ، قاله الرافعي وصاحب التهذيب ، وكلام الفوراني يقتضي أن الوجهين فيها تفريع على منع بيع الثمر المنزوع النوى بعضه ببعض ، فإنه قاس المنع في ذلك على الثمرة . ومن ذلك يعلم أن الخلاف قريب ، إن جوزنا في التمر المنزوع النوى فهذا أولى . وإلا فوجهان . وكذلك أراده يعقوب بن عبد الرحمن بن أبي عصرون فيما جمع من المسائل . وللفرق بما ذكره الرافعي في الإبانة بأن التمر إذا نزع نواه تسارع إليه الفساد .

وذكر الإمام أن شيخه ذكر عن بعض الأصحاب وجها بعيدا في اشتراط نزع النوى ، كما يشترط نزع العظم عن اللحم في ظاهر المذهب . قال : إنه لم ير ذلك لغير شيخه ، وقال الإمام : إن المراتب ثلاثة : التمر نزع نواه يمنع بيعه ، واللحم في ظاهر المذهب يتعين نزع عظمه إذا حاولنا بيع بعضه ببعض ، وبينهما المشمش وما في معناه فيجوز بعضه ببعض مع النوى ، وفيه مع النزع الخلاف المذكور .

( قلت ) فتحصلنا في المشمش ونحوه على ثلاثة أوجه : ( أحدها ) أنه يشترط نزع النوى . ( الثاني ) أنه يفسد بنزع النوى . ( والثالث ) وهو الصحيح أنه يجوز بيع بعضه ببعض في الحالتين مع النوى ، ومن غير نوى . قال الروياني : إن الجواز قول القفال . وقد تقدم في كلام الرافعي أنه الأصح .

ويحوز بيع لب الجوز بلب الجوز ، ولب اللوز بلب اللوز . وفيه وجه جزم به القاضي حسين في التعليق أنه لا يجوز بيع اللب باللب لخروجه عن حالة الادخار ، وبهذا أجاب في التتمة ، قاله الرافعي . هو ربوي قولا واحدا قديما وجديدا للتقدير والطعم قاله الإمام . وقد تقدم أنه يجوز بيع الجوز بالجوز مع قشره على المذهب وكذلك اللوز .

التالي السابق


الخدمات العلمية