صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ويجوز بيع خل الخمر بخل الخمر . لأنه يدخر على جهته فجاز بيع بعضه ببعض ، كالزبيب بالزبيب ، ولا يجوز بيع خل الخمر بخل الزبيب ، لأن في خل الزبيب ماء ، وذلك يمنع من تماثل الخلين ، ولا يجوز بيع خل الزبيب بخل [ ص: 427 ] الزبيب ، ولا بيع خل التمر بخل التمر ، لأنا إن قلنا : إن الماء فيه ربا لم يجز للجهل بتماثل الماءين والجهل بتماثل الخلين ، وإن قلنا : لا ربا في الماء لم يجز للجهل بتماثل الخلين ، وإن باع خل الزبيب بخل التمر فإن قلنا : إن في الماء ربا لم يجز للجهل بتماثل الماء فيهما ، وإن قلنا : لا ربا في الماء جاز ، لأنهما جنسان ، فجاز بيع أحدهما بالآخر مع الجهل بالمقدار كالتمر بالزبيب ، والله أعلم .


( الشرح ) الكلام في الخلول يشتمل على مسائل ، ذكر المصنف منها خمس مسائل ، ونقدم عليها أمورا ( أحدها ) : أن الخلول أجناس على المشهور ، وحكى الماوردي عن ابن أبي هريرة أنه كان يخرج قولا أنها جنس واحد ، وامتنع سائر الأصحاب من تخريج هذا القول ، وقد تقدم عن الشيخ أبي حامد أنه غلط القائل بذلك ، والمشهور القطع بأنها أجناس ، والتفريع في هذه المسائل على هذا ، وأما إذا فرعنا على أنها جنس واحد فلا حاجة إلى تعداد المسائل ، بل كل خلين فيهما أو في أحدهما ماء لا يجوز بيع أحدهما بالآخر ، وإن لم يكن في شيء منهما ماء جاز متماثلا ، ولا يجوز متفاضلا ، والمصنف والأصحاب إنما فرعوا على المشهور .

( الأمر الثاني ) : أن الخل يتخذ من العنب والزبيب والتمر فهو ثلاثة ، فإذا أخذت كل صنف مع مثله ومع قسيمه كانت الصور ستا : خل العنب ، بخل العنب ، وخل العنب بخل الزبيب ، وخل العنب بخل التمر ، وخل الزبيب بخل الزبيب ، وخل الزبيب بخل التمر ، وخل التمر بخل التمر ، ذكر المصنف منها خمسا ، وترك خل العنب بخل التمر ، وزاد الرافعي في الخلول خل الرطب ، فصارت الخلول أربعة ، والصور الحاصلة من تركيبها عشرة ، الست المذكورة ، وأربع من خل الرطب بخل الرطب ، وبخل العنب والزبيب والتمر ، وليست الخلول منحصرة ، بل يتخذ الخل أيضا من القصب ، كما ذكره الشافعي ، ومن الجميز ومن البسر ومن غير ذلك ، فتأتي الصور أضعاف هذه . وطريقك في عددها وترتيبها أن تأخذ كل واحد مع نفسه ومع ما بعده ، ولكن لا يتعلق بها غرض ، والمقصود حاصل من معرفة الحكم في خل العنب والزبيب والتمر ، ونسبة الرطب إلى التمر كنسبة الزبيب إلى العنب لكن الرطب قد يتخذ خلا بغير ماء ، فيختلف حكمه كما ستعرفه ، ونسبة [ ص: 428 ] الجميز إلى كل منهما كنسبة العنب إلى التمر ، فلا حاجة إلى تكثير الصور ، ونشرح ما ذكروه خاصة ، والخل في اللغة كل ما حمض من عصير العنب وغيره ، قاله ابن سيده .

( الأمر الثالث ) أن التمر والرطب جنس واحد ، والعنب والزبيب جنس واحد ، وأن الماء هل يجري فيه الربا ؟ فيه وجهان . ( المسألة الأولى ) : بيع خل الخمر جائز اتفاقا ، قال الشافعي في المختصر : ولا بأس بخل العنب مثلا بمثل ، وممن نص على أنه لا خلاف فيه الشيخ أبو حامد ، وجزم به القاضي أبو الطيب والمحاملي والماوردي من العراقيين والشيخ أبو محمد والرافعي وغيرهم . لأنه لا ماء فيه ، وليس له غاية يبس يقع فيها التفاوت ، وقيد الفوراني وابن داود وغيرهما ذلك بألا يكون في واحد منهما ماء وذلك صحيح لا بد منه ، وإنما سكت أكثر الأصحاب عنه ، لأن الغالب في خل العنب أنه لا ماء فيه ، وقد يعمد في بعض الأوقات ليسرع تخلله فلذلك التقييد حسن والإطلاق محمول على الغالب ، قال الأصحاب : وللعنب حالتان للادخار ( إحداهما ) أن يصير زبيبا ( والأخرى ) أن يصير خلا .

التالي السابق


الخدمات العلمية