صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( وإن لبس جوربا جاز المسح عليه بشرطين : ( أحدهما ) أن يكون صفيقا لا يشف .

( والثاني ) أن يكون منعلا ، فإن اختل أحد الشرطين لم يجز المسح عليه ) .


( الشرح ) هذه المسألة مشهورة وفيها كلام مضطرب للأصحاب ونص الشافعي رضي الله عنه عليها في الأم كما قاله المصنف ، وهو أنه يجوز المسح على الجورب بشرط أن يكون صفيقا منعلا ، وهكذا قطع به جماعة منهم الشيخ أبو حامد والمحاملي وابن الصباغ والمتولي وغيرهم ، ونقل المزني أنه لا يمسح على الجوربين إلا أن يكونا مجلدي القدمين ، وقال القاضي أبو الطيب : لا يجوز المسح على الجورب إلا أن يكون ساترا لمحل الفرض ، ويمكن متابعة المشي عليه . قال : وما نقله المزني من قوله إلا أن يكونا مجلدي القدمين ليس بشرط وإنما ذكره الشافعي رضي الله عنه لأن الغالب أن الجورب لا يمكن متابعة المشي عليه إلا إذا كان مجلد القدمين ، هذا كلام القاضي أبي الطيب وذكر جماعات من المحققين مثله ، ونقل صاحبا الحاوي والبحر وغيرهما وجها أنه لا يجوز المسح وإن كان صفيقا يمكن متابعة المشي عليه حتى يكون مجلد القدمين ، والصحيح بل الصواب ما ذكره القاضي أبو الطيب والقفال وجماعات من المحققين أنه إن أمكن متابعة المشي عليه جاز كيف كان وإلا فلا ، وهكذا نقله الفوراني في الإبانة عن الأصحاب أجمعين فقال : قال أصحابنا : إن أمكن متابعة المشي على الجوربين جاز المسح وإلا فلا ، والجورب بفتح الجيم . والله أعلم .

[ ص: 527 ] فرع ) في مذاهب العلماء في الجورب قد ذكرنا أن الصحيح من مذهبنا أن الجورب إن كان صفيقا يمكن متابعة المشي عليه جاز المسح عليه وإلا فلا . وحكى ابن المنذر إباحة المسح على الجورب عن تسعة من الصحابة علي وابن مسعود وابن عمر وأنس وعمار بن ياسر وبلال والبراء وأبي أمامة وسهل بن سعد ، وعن سعيد بن المسيب وعطاء والحسن وسعيد بن جبير والنخعي والأعمش والثوري والحسن بن صالح وابن المبارك وزفر وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأبي يوسف ومحمد . قال : وكره ذلك مجاهد وعمرو بن دينار والحسن بن مسلم ومالك والأوزاعي ، وحكى أصحابنا عن عمر وعلي رضي الله عنهما جواز المسح على الجورب وإن كان رقيقا وحكوه عن أبي يوسف ومحمد وإسحاق وداود . وعن أبي حنيفة المنع مطلقا وعنه أنه رجع إلى الإباحة ، واحتج من منعه مطلقا بأنه لا يسمى خفا فلم يجز المسح عليه كالنعل . واحتج أصحابنا بأنه ملبوس يمكن متابعة المشي عليه ساترا لمحل الفرض فأشبه الخف ، ولا بأس بكونه من جلد أو غيره بخلاف النعل فإنه لا يستر محل الفرض ، واحتج من أباحه وإن كان رقيقا بحديث المغيرة رضي الله عنه : { أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على جوربيه ونعليه } وعن أبي موسى مثله مرفوعا . واحتج أصحابنا بأنه لا يمكن متابعة المشي عليه فلم يجز كالخرقة . والجواب عن حديث المغيرة من أوجه : ( أحدها ) أنه ضعيف ضعفه الحفاظ ، وقد ضعفه البيهقي ونقل تضعيفه عن سفيان الثوري وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين ومسلم بن الحجاج وهؤلاء هم أعلام أئمة الحديث ، وإن كان الترمذي قال : حديث حسن فهؤلاء مقدمون عليه بل كل واحد من هؤلاء لو انفرد قدم على الترمذي باتفاق أهل المعرفة .

( الثاني ) لو صح لحمل على الذي يمكن متابعة المشي عليه جمعا بين الأدلة وليس في اللفظ عموم يتعلق به .

( الثالث ) حكاه البيهقي رحمه الله عن الأستاذ أبي الوليد النيسابوري أنه حمله على أنه مسح على جوربين منعلين لا أنه جورب منفرد ونعل منفردة ، فكأنه قال : [ ص: 528 ] مسح جوربيه المنعلين ، وروى البيهقي عن أنس بن مالك رضي الله عنه ما يدل على ذلك . والجواب عن حديث أبي موسى من الأوجه الثلاثة فإن في بعض رواته ضعفا ، وفيه أيضا إرسال ، قال أبو داود في سننه : هذا الحديث ليس بالمتصل ولا بالقوي والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية