صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ولا يجوز بيع اللبن بما يتخذ منه من الزبد والسمن ; لأن ذلك مستخرج منه ، فلا يجوز بيعه كالشيرج بالسمسم ، ولا يجوز بيعه بالمخيض ; لأن المخيض لبن نزع منه الزبد ، والحليب لم ينزع منه الزبد فإذا بيع أحدهما بالآخر تفاضل اللبنان ، ولا يجوز بيعه بالشراز واللبأ والجبن ، ; لأن أجزاءها قد انعقدت فلا يجوز بيعها باللبن كيلا ، ; لأنهما يتفاضلان ، ولا يجوز بيعها وزنا ; لأن اللبن مكيل فلا يباع بجنسه وزنا ) .


( الشرح ) قال القاضي أبو الطيب : الذي يتخذ من اللبن أحد عشر شيئا ، كذا في النسخة ، وصوابه اثنا عشر : الزبد ، والسمن ، والمخيض ، واللبأ ، والأقط ، والمصل ، والجبن ، والشيراز ، والدجنين ، والكشك ، والطينح ، والكواميخ ، قالها القاضي أبو الطيب وغيره والكبح قاله القاضي حسين ، والقول الجملي أن اللبن لا يجوز بيعه بما يتخذ منه من جميع ذلك ، وفي التفصيل مسائل فنوردها كما أوردها المصنف واحدة واحدة . ( المسألة الأولى ) بيع اللبن بالزبد ، قال الشافعي في المختصر : ولا خير [ ص: 450 ] في زبد غنم بلبن غنم ، ; لأن الزبد شيء من اللبن ، وقال في الأم معنى ذلك ، وقد اتفق الأصحاب على هذا الحكم ، واختلفوا في تعليله ، فالأكثرون على ما يشعر به كلام الشافعي أن الزبد شيء من اللبن ، يعني فإذا باعه باللبن واللبن مشتمل على الزبد فيكون قد باع زبدا بزبد متفاضلا ، وقال أبو إسحاق : ; لأن في الزبد شيئا من اللبن يعني فيكون بيع لبن بلبن متفاضلا ، قال الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والمحاملي والماوردي : والتعليل الأول هو الصحيح ، قال أبو الطيب : ولم يذكر أبو إسحاق ذلك في الشرح وهو باطل ببيع اللبن باللبن ( فإن قيل : ) فاللبن باللبن في كل منهما زبد فهلا امتنع ؟ ( فالجواب ) عنه كما قيل في بيع السمسم بالسمسم وهو مذكور في مسألة بيع الشيرج بالسمسم ، فإن الجواب مذكور عنهما معا ، كذلك ذكره الشيخ أبو حامد .

( المسألة الثانية ) بيع اللبن بالسمن لا يجوز لما تقدم من تعليل الشافعي ، وجزم به الأصحاب منهم الشيخ أبو حامد والرافعي قال الشيخ أبو حامد والمحاملي : وهاهنا يبطل تعليل أبي إسحاق ; لأنه لو كان المعنى ما ذكره لجاز هاهنا ، وهذا الإلزام نزل على أن أبا إسحاق غير مخالف في ذلك قال المحاملي : وكان يجب أن يقول أبو إسحاق هاهنا : إنه لا يجوز بيع اللبن بالسمن ، ولا خلاف على المذهب أن ذلك لا يجوز ، قال الإمام : ( فإن قيل : ) قد ذكرتم أن اللبن في حكم جنس واحد لا اختلاط فيه ، فجوزوا بيع اللبن بالسمن بناء على أن اللبن جنس واحد ( قلنا ) هذا فيه بعض الغموض من طريق التعليل ، ولكنه متفق عليه ، وفي معناه بيع السمسم بالشيرج مع تجويز بيع السمسم بالسمسم ، وأقصى الممكن فيه أن اللبن إذا قوبل بالسمن فلا يمكن أن يجعل مخالفا للسمن ، فإنما يجانسه بما فيه من السمن لا بصورته وطعمه ، وإذا اعتبرنا السمن انتظم منه أنه يبيع سمنا بسمن ومخيض ، فأما اللبن باللبن فيعتمد تجانس اللبن في صفته الناجزة ، ولا ضرورة تحوج إلى تقدير تفريق الأجزاء . [ ص: 451 ] قلت ) : وهذا كما تقدم له في بيع السمن بالشيرج ، ولو قال قائل : ما الضرورة الداعية إلى تقدير تفريق الأجزاء عند مقابلة اللبن بالسمن ؟ والسمسم بالشيرج ؟ لأحوج إلى جواب غير هذا .

( المسألة الثالثة ) بيع اللبن بالمخيض ، وهو الردغ الذي استخرج منه الزبد ، جزم به الأصحاب لا يجوز لما تقدم من تعليل الشافعي ، والمصنف أفرده بالعلة التي ذكرها ; لأنه مستبعد أن يقال : إن المخيض متخذ من اللبن ، بل هو نفس اللبن نزع منه الزبد ، لا سيما على العلة التي ذكرها في الزبد والسمن أنه مستخرج من اللبن ، وجمع بذلك بينه وبين الشيرج مع السمسم ، فإن ذلك لا يصح أن يقال في المخيض ، فلهذا أفرده ، وكذلك القاضي أبو الطيب صنع كما صنع المصنف ، وقال أيضا : ولأنه لا يجوز بيع الكسب بالسمسم ، وإن كان أبو إسحاق في بيع اللبن بالزبد لا يجعل للزبد الكامن في اللبن حكما فيلزمه أن يجوز اللبن بالمخيض لانتفاء العلة التي ذكرها في اللبن بالزبد ، فيرد عليه هنا كما ورد عليه في اللبن بالسمن .

( المسألة الرابعة ) بيعه بالشيرازي وهو واللبأ والجبن ، والعلة في الثلاثة ما ذكره المصنف ، وكذلك علل القاضي أبو الطيب وزاد هو وأبو حامد أن في الجبن أنفحة وملحا فيكون بيع لبن وشيء بلبن ، وزاد أبو حامد أن النار قد أخذت منه ، وفي معناها بيع اللبن بالأقط . قال الشافعي رضي الله عنه في الأم : ولا خير في لبن غنم بأقط غنم ، من قبل أن الأقط لبن معقود ، فإذا بعت اللبن بالأقط أجزت اللبن باللبن مجهولا ومتفاضلا ، أو جمعتهما معا ، فإذا اختلف اللبن والأقط فلا بأس ، وصرح به الأصحاب كذلك ، وكذلك الطينح الذي يتخذ من اللبن ; لأن أجزاءه مفقودة ومخالطة غيره فلا يجوز بيعها بحليب . قاله أبو الطيب وفصل ابن الصباغ فقال : إن لم تنعقد أجزاؤه وإنما سخن فإنه يجوز بيع بعضه ببعض كالعسل المصفى بالسمن أو النار الخفيفة وإن طبخ حتى انعقدت أجزاؤه أو اختلط معه غيره لم يجز . [ ص: 452 ] ورأيت في شرح الكفاية للصيمري أنه يجوز بيع الحليب باللبأ متفاضلا يدا بيد ، والظاهر أن ذلك غلط في النسخة ، وكذلك الأقط لا يجوز بيعه باللبن للعلة التي ذكرها وعلل القاضي الروياني امتناع بيع اللبن باللبأ بأن أصله الكيل واللبأ المعمول للأكل لا يكال ، ; لأن النار عقدت أجزاءه فيؤدي إلى التفاضل ، وعلل في ذلك بالباقي بالجبن والمصل وشبههما ، وكذلك المصل لا يجوز بيعه باللبن للعلة المذكورة ، وفيه ملح أيضا ، قال أبو حامد وأبو الطيب والمحاملي ; والمصل ماء الأقط على المشهور ، عصارة الأقط حين يطبخ ويعصر ; وقيل : ماء اللبن النيء ، وقيل : المخيض ، وكذلك الكشك لهذه العلة ; وما فيه من الحشائش قاله أبو الطيب ، وهو قريب من الكشك الذي يعمل في بلادنا ، فإنه يدش القمح ويعجن باللبن الحامض أو غيره ويصير ذلك من قاعدة مد عجوة ، وقد وقع في كلام الإمام إطلاق الكشك بمعنى آخر ، شرحه ابن الرفعة بالقمح المهروش المزال عنه القشر فقط ، الذي يعمل منه طعام القمحية ، وليس ذلك المراد هنا ، وقد تقدم الكلام على ذلك ، وأنه لا يجوز بيع بعضه ببعض ، وعدم جواز الجبن باللبن ، نص عليه الشافعي في باب بيع الآجال من الأم والأصحاب ، ومحله إذا كانا من جنس واحد . فائدة قال الأصمعي : واللبن اللبأ مقصور مهموز .

( فرع ) جزم ابن أبي هريرة في التعليق بأن الرائب بالزبد جائز ، قال : ; لأن ما فيه تابع .

( فرع ) بيع الحليب بالحليب أو بغيره من الألبان ، إنما يجوز إذا لم يكن في واحد منهما ماء ، قاله أبو الطيب وغيره قال الشافعي في الأم : ولا خير في الحليب بالمضروب ، ; لأن في المضروب ماء ، فإن كان يطرح فيه بالضرب فهذا معنى آخر فلا يجوز بيع الدوغ بالحليب ، ; لأنه يؤدي إلى تفاضل اللبنين وحملوا قول الشافعي على المخيض الذي طرح فيه ماء للضرب .

[ ص: 453 ] تنبيه ) بيع الشيء بما يتخذ منه يمتنع في جميع المطعومات لا اختصاص له باللبن جائز في الذهب والفضة كالمداخل والصوابي المصبوغة ، نقل المحاملي هذا الأصل عن نصه في الصرف ، والفرق بينهما أن الذهب والفضة إذا اتخذ منه مصوغ فإن ذلك المتخذ لا يستحيل بالصياغة ، بل هو ذهب وفضة على ما كان عليه ، وما يتخذ من المطعومات يستحيل عن صفته ، فإذا بيع بأصله كيلا بكيل حصل التفاضل بالنسبة إلى حالة الادخار .

التالي السابق


الخدمات العلمية