صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وأما بيع نوع منه بنوع آخر ; فإنه ينظر فيه فإن باع الزبد بالسمن [ ص: 460 ] لم يجز ; لأن السمن مستخرج من الزبد ، فلا يجوز بيعه بما استخرج منه ، كالشيرج بالسمسم وإن باع المخيض بالسمن فالمنصوص أنه يجوز ; لأنه ليس في أحدهما شيء من الآخر . قال شيخنا القاضي أبو الطيب الطبري - رحمه الله - : هما كالجنسين ، فيجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا بلا خلاف ، وإن باع الزبد بالمخيض فالمنصوص أنه يجوز ، وقال أبو إسحاق : لا يجوز ; لأن في الزبد شيئا من المخيض ، فيكون بيع زبد ومخيض بمخيض وهذا لا يصح ; لأن الذي فيه من المخيض لا يظهر إلا بالتصفية والنار ، فلم يكن له حكم ، وما سوى ذلك لا يجوز بيع نوع منه بنوع آخر ، ; لأنه يؤدي إلى التفاضل ) .


( الشرح ) فيه مسائل ( إحداها ) بيع الزبد بالسمن ، قال الشافعي في المختصر : ( ولا خير في سمن غنم بزبد غنم ) واتفق الأصحاب على ذلك : الصيمري والشيخ أبو حامد وأبو الطيب والمحاملي وابن الصباغ والماوردي والرافعي وغيرهم ، لما ذكره المصنف ، ولتحقق المفاضلة ، بسبب ما فيه من اللبن ، هكذا علله الرافعي ، ولك أن تقول : قد تقدم أن السمن قليل فإذا كان اللبن المختلط بالزبد يسيرا بحيث لا يؤثر في المكيال أشبه التراب المختلط بالحنطة ، فينبغي أن يجوز على هذه العلة . ( وأما ) العلة الأولى التي ذكرها المصنف فإن السمن حاصل في الزبد بالقصد حصول الدقيق في الحنطة ( وأما ) الشيرج فكامن في السمسم لا ظاهر ولذلك يجوز بيع السمسم بالسمسم ، فلا يصح أن يقال : إن السمن مستخرج من الزبد إلا أن يقال : إن ذلك من باب الأولى بما هو كامن فيه فلأن يمتنع بما هو ظاهر فيه أولى ، وهو صحيح .

( المسألة الثانية ) السمن بالمخيض جزم الشيخ أبو حامد ، ونصر المقدسي . والمحاملي والماوردي وابن الصباغ والقاضي حسين بالجواز كما نقله المصنف عن النص ، ونقله أبو الطيب عن كتاب الصرف والإملاء ، وعن المزني هنا ، وقد رأيته في الصرف في بيع الضمان ، ونقله المحاملي عن المختصر ، وما أظن فيه خلافا ، وما نقله المصنف عن أبي الطيب لم أره في تعليقه ، وهو زيادة على الحكم المنقول عن النص ، فإنه أطلق الجواز فيحتمل أن يكون المراد متفاضلا ، كما قال القاضي أبو الطيب ، وكذلك ابن الصباغ وصاحب [ ص: 461 ] التهذيب ويحتمل أن يراعى شرط التماثل وهو بعيد . قال ابن الصباغ ( فإن قيل : ) أليس قلتم : يجوز بيع الشيرج بالكسب وهما بمنزلة الجنسين ( قلنا : ) الكسب لا ينفرد عن الشيرج ، ولا بد أن يبقى معه شيء بخلاف اللبن فإن المخيض لا يبقى فيه سمن ، ذكره مع السمن في باب بيع الآجال وادعى الإمام اتفاق الأئمة عليه .

( المسألة الثالثة ) الزبد بالمخيض ، والمنصوص للشافعي أنه يجوز ، وقال أبو إسحاق والشيخ أبو حامد : لا يجوز لما ذكره المصنف ، فأما أبو إسحاق فإنه بناه على تعليله السابق ، والشيخ أبو حامد لم يوافقه على ذلك التعليل ، فكيف وافقه على هذا الحكم هنا ، . وفي البحر أن أبا حامد قال : أجاب الشافعي بهذا ظنا منه أن لا لبن في الزبد ، وليس كما ظن فإن الزبد لا ينفك من اللبن ، فلا يجوز وهذا قياس المذهب ، قال : وأجاب أصحابنا بأن الشافعي إنما قال ذلك إذا لم يكن فيه اللبن ظاهرا ، وذلك لقدر يسير لا يتبين إلا بالنار والتصفية ، فلا حكم له ، وقال القفال : المذهب ما نص عليه ، ; لأن المقصود من الزبد السمن ، والمخيض ليس من جنس السمن إذا كان منزوع الزبد ، فهما جنسان مختلفان ، وهكذا ذكر القاضي الطبري ، فيجوز متفاضلا انتهى كلام الروياني . وقال الروياني أيضا : قال الشيخ أبو محمد الجويني في المنهاج : المخيض الذي في الزبد قليل فلا حكم له كما لو باع حنطة لا شعير فيها بحنطة فيها حبات شعير قليلة قال : وهذا خلاف ما ذكر القفال وهو الأصح وحكى أبو الطيب عن أبي إسحاق الموافقة في بيع السمن بالمخيض ; لأنه لا لبن فيه ، قال أبو الطيب : وهذا التعليل صحيح إلا أن المذهب أنه يجوز البيع في الزبد أيضا ; لأنه لا حكم لذلك إذا كان لا يتبين إلا بالتصفية بالنار .

( فرع ) إذا بيع الزبد بالمخيض فهما جنسان حتى يجوز التفاضل بينهما كما قال أبو الطيب في السمن بالمخيض ، ويدلك على ذلك ردهم على أبي إسحاق ولو كان الزبد والمخيض جنسا واحدا لم يحتاجوا إلى أن يغتفروه لقلته ، ولم يتجه لأبي إسحاق ما قاله وليس ما قاله أبو الطيب مخالفة للنص ، [ ص: 462 ] ولا للأصحاب ، بل زيادة بيان على ما أجملوه ، وكذلك قول صاحب التهذيب والله أعلم .

وقال صاحب التهذيب : يجوز بيع المخيض بالزبد كالسمن ، وإن كان في الزبد قليل مخيض ، وفي المخيض قليل زبد ; ; لأن المقصودين مختلفان في الجنس ، كبيع الحنطة بالشعير وفي أحدهما قليل قصل أو زوان ( قلت ) يعني أن التماثل ليس شرطا ، فالخلط - وإن منع التماثل - فهو غير مقصود فلا يضر ، وقال إمام الحرمين : لا خلاف أن المخيض والسمن جنسان مختلفان لتباين الصفات ، واختلاف الاسم والغرض . فقد تبين أن ما قاله أبو الطيب لا خلاف فيه ، وكذلك نبه عليه صاحب الوافي في شرح المهذب ، قال : قال شيخنا : لا خلاف في أنه يجوز بيع السمن بالمخيض متفاضلا . والقاضي أبو الطيب - رحمه الله - ذكر هذا إخبارا عن ذلك ، لا أنه مذهب له يخالف فيه غيره ، وقول المصنف رحمه الله : وما سوى ذلك إلى آخره كذلك هو في تعليق القاضي أبي الطيب ، وملخصه أنه لا يجوز في هذا الفصل إلا بيع السمن بالمخيض ، والزبد بالمخيض ، خلافا لأبي إسحاق والشيخ أبي حامد ، ويدخل فيه مسائل صرح بها الشيخ أبو حامد والمحاملي والماوردي والقاضي حسين وهو أنه لا يجوز بيع شيء من الأقط والجبن والمصل واللبأ بالآخر ، قال المحاملي : ولا بالزبد ، ولا بالسمن ، ولا بالمخيض . قال إمام الحرمين : والأصحاب لما جوزوا بيع المخيض بالزبد لم يفرقوا بين القليل والكثير ، وإذا كثر الزبد فالرغوة قد تبلغ مبلغا يطلب مثله في جنس المخيض ، ولكن المرعي في الباب أن ما يميز من الزبد في الغالب تبدد ، ولا يعنى بجمعه ، وإن كثر الزبد ، فهذا هو المعني بقول الأصحاب : الرغوة غير مقصودة . قال الإمام : إذا امتنع بيع الأقط بالأقط امتنع بيعه بالمصل ، فإنهما من المخيض لا يتفاوتان في الصفات تفاوتا يختلف الجنس به ، ويمتنع بيع المخيض بالأقط والمصل كما يمتنع بيع العصير بالدبس ، وبيع الجبن بالأقط ممتنع ، قال الإمام : قال العراقيون : الأقط والمخيض والمصل والجبن جنس واحد [ ص: 463 ] أما ) المخيض والأقط أو المصل فكما ذكروه ( وأما ) الجبن ففيه ما يجانس المخيص ، وهو كقول القائل : اللبن والأقط جنس واحد ، والوجه أن يقال في اللبن جنس الأقط ( قلت ) وهذه بالمشاحة في العبارة ، ومقصودهم ما ذكروه وأنه يمتنع بيع أحدهما بالآخر والله أعلم .

( فرع ) بيع جبن الغنم بجبن البقر قال ابن الرفعة يشبه أن يكون فيه مثل الخلاف في بيع خبز القمح بخبز الشعير ( إذا قلنا : ) الأدقة أجناس

( فرع ) إذا قلنا بأن الألبان جنس فباع سمن البقر بلبن الإبل فيكون حكمه ، وليس في لبن الإبل سمن يتميز بالمخض والعلاج : قال الإمام : الظاهر أنا لا نجعل لبن الإبل مشتملا على سمن تقديرا ، حتى يقال : هو بمثابة سمن البقر بلبن البقر ثم إذا كان كذلك فوراءه احتمال في أن سمن البقر هل يخالف جنس لبن الإبل ؟ والتفريع على تجانس الألبان ؟ فالظاهر أنه خلافه ، فيجوز بيعه به متفاضلا والسبب فيه أنا حكمنا بتجانس الألبان لاجتماعها في الاسم الخاص وقد زال هذا المعنى ولم يقدر في لبن الإبل سمنا ، والعلم عند الله تعالى .

( فرع ) قال الإمام : الإنفحة الوجه القطع بطهارتها لإجماع المسلمين على طهارة الجبن ، وهو في الغالب لا يخلو عن الإنفحة . والذي إليه إشارة الأصحاب أن الإنفحة جنس على حيالها ، مخالف للبن ، وكل ما يتخذ منه ، ولست أدري أنها من المطعومات وحدها كالملح ؟ حتى تعتبر المماثلة في بيع بعضها ببعض ؟ أم ليست من المطعومات ؟ .

التالي السابق


الخدمات العلمية