صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ويجوز بيع اللحم بجنسه إذا تناهي جفافه ، ونزع منه العظم ; لأنه يدخر على هذه الصفة ، فجاز بيع بعضه ببعض كالتمر ، وهل يجوز بيع بعضه ببعض قبل نزع العظم ؟ فيه وجهان ، قال أبو سعيد الإصطخري : يجوز كما يجوز بيع التمر بالتمر وفيه النوى . ومن أصحابنا من قال : لا يجوز كما لا يجوز بيع العسل الذي فيه شمع بعضه ببعض ، ويخالف النوى في التمر فإن فيه مصلحة له ، وليس في ترك العظم في اللحم مصلحة له ) .


( الشرح ) تقدم الكلام في أنه لا يجوز بيع اللحم الطري بالطري ، وشرع المصنف الآن يذكر حكمه إذا جف ، وجواز بيعه جافا ، واشتراط التناهي في الجفاف متفق عليه بين الشافعي والأصحاب ، وفسر الشافعي رحمه الله في الأم انتهاء جفافه بأن يملح ويسيل ماؤه ، قال : فذلك انتهاء جفوفه ، فإذا انتهى بيع رطل برطل وزنا بوزن يدا بيد من صنف ، وقد تقدم شيء من كلام الشافعي هذا ، وجواز بيع بعضه ببعض إذا نزع منه العظم لا خلاف فيه بين الأصحاب ، وممن نفى الخلاف فيه أبو الطيب والروياني ، وفرقوا بينه وبين التمر إذا نزع منه النوى ، حيث لا يجوز على أحد الوجهين بأن التمر إذا نزع منه النوى يتجافى في المكيال ، فلا يمكن اعتبار التماثل فيه [ ص: 484 ] بخلاف اللحم فإن اعتبار التماثل فيه إذا نزع منه العظم يكون أمكن ، وبأن بقاء النوى في التمر من مصلحته وبقاء العظم في اللحم مفسد ; لأنه يتغير بما في العظم من المخ فلا يصل إليه الملح . ثم إن كثيرا من الأصحاب أطلقوا الجواز في ذلك ، واستثنى القاضي حسين والرافعي من ذلك أن يكون في اللحمين أو أحدهما من الملح ما يظهر في الوقت ، فإنه يمنع من بيع بعضه ببعض ، قال القاضي حسين : إن كانا مملحين بالملح بأن ينثر عليهما الملح أو شيء من الكزبرة أو غيره فإنه لا يجوز ، وإن صب عليه ماء الملح فحينئذ يجوز .

أما بيع بعضه ببعض غير منزوع العظم فالوجهان حكاهما الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والمحاملي والماوردي وابن الصباغ والقاضي حسين والفوراني ونصر المقدسي وآخرون ، كما حكاهما المصنف وعزا القاضي أبو الطيب المنع إلى أبي إسحاق المروزي مع نقله الجواز عن الإصطخري ، وزعم الروياني أن القاضي الطبري نسب الجواز إلى أكثر الأصحاب ، ولم أجد ذلك في تعليقه فليحمل ذلك على الوهم ; لأن أكثر الأصحاب على خلافه والله أعلم والتوجيه مذكور في الكتاب . قال القاضي حسين : بل بقاء العظم يزيده فسادا ( والأصح ) أنه لا يجوز ، وممن صرح بتصحيحه الماوردي في الحاوي ونصر المقدسي والروياني وقالوا : إنه المذهب ، والرافعي وقال : إنه الأظهر عند الأكثرين وقال الإمام : إن الذي أميل إليه مثل الأكثرين ، وخالف صاحب التهذيب فقال : إن الأصح أنه يجوز على خلاف ما قال أبو إسحاق ، ولا يرد على صاحب التهذيب جزم بأنه لا يجوز بيع التمر المنزوع بغير المنزوع ولا بمثله ; لأن له أن يقول : إن المنع هناك لخروجه بالنزع عن حالة الكمال ، واللحم المقدد كامل سواء نزع منه العظم أم لم ينزع ، وممن وافق صاحب التهذيب على تصحيح الجواز في ذلك الجرجاني في الشافي وقاسه على بيع التمر مع النوى ، وقد فرق بأن بقاء النوى من مصلحة التمر وليس بقاء العظم من مصلحة اللحم كذلك ، وهذا إنما جره القول بالجواز ( وأما ) بيع الجاف بالطري فقد تقدم أنه لا يجوز .

[ ص: 485 ] فرع ) إذا قلنا بالجواز إذا لم يكن منزوع العظم ، قال الرافعي : فيجوز بيع الفخذ بالجنب ، ولا نظر إلى تفاوت أقدار العظام ، كتفاوت النوى ، وقال الإمام : يجب أن يمتنع بيع العضو الذي يجيء منه مقدار صالح من اللحم بعضو لم يقطع من لحمه شيء ، فإن العظم الباقي في العضو لا يحتمل ، فإن قل المقدار المقطوع بحيث لا يبالى به فلا بأس ، وجزم صاحب التهذيب بأنه لو استخرج العظم من أحدهما ثم بيع بما فيه العظم لا يجوز .

( فرع ) ما ذكره من بيع اللحم باللحم شرطه أن لا يكون عليه جلد ، أما لو كان عليه جلد قال الماوردي : إن كان غليظا لا يؤكل معه منع من بيعه باللحم ، أي ; لأنه يصير من بيع لحم بلحم مع جهل المماثلة ، وإن كان رقيقا يؤكل معه كجلود الحد والدجاج فوجهان كالعظم ، ولحوم الحيتان ، لا يجوز بيع الصنف الواحد منها بعضه ببعض طريا ، ولا نديا ولا مملوحا ; لأن الملح يمنع المماثلة ، ولكن يباع بعضه ببعض إذا بلغ غاية يبسه غير مملوح ; فأما إذا اختلف جنسها فيجوز طريا ويابسا ومملوحا .

( فرع ) قال الروياني : وكذلك لا يجوز بيع الحوت بعضه ببعض طريا ولا نديا ولا مملحا ، ولكن يجوز إذا بلغ غاية يبسه غير مملح .

( فرع ) لو ضم عظما من عضو آخر إلى لحم وباعه بلحم آخر فيه عظم أو لا عظم فيه لا يجوز بلا خلاف ، قاله الروياني في البحر ، كما لو ضم النوى إلى تمر وباع بتمر لا يجوز .

التالي السابق


الخدمات العلمية