صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( قال الشافعي رحمه الله : ( والكرسف إذا بيع أصله كالنخل ) وأراد به كرسف الحجاز فإنه شجر يحمل في كل سنة وتخرج ثمرته في كمام ، وتتشقق عنه كالنخل ، فإن باع وقد تشقق [ ص: 60 ] جوزه فهو للبائع ، وإن لم يتشقق فهو للمشتري وإن تشقق بعضه دون بعض جعل الجميع للبائع كالنخل ، وأما ما لا يحمل إلا سنة وهو قطن العراق وخراسان فهو كالزرع ، ويجيء حكمه إن شاء الله تعالى ) .


( الشرح ) الكرسف بضم الكاف وسكون الراء وضم السين المهملة بعدها فاء : القطن ، ويقال له : الكرسف والبرسف وهو على نوعين ، منه ما يبقى في الأرض سنين ، ويحمل كل سنة مثل كرسف الحجاز وأبين وتهامة والشام والبصرة ، قال المحاملي : والبلاد الحارة ، فهو شجر شبيه بالنخل ويتشقق الجوز فيؤخذ القطن منه ، ويترك القشر على الشجر ، كما يترك كمام الطلع على الشجر ، وقيل : إن بعضهم شاهده يحمل في السنة ثلاث مرات ، ويعضد عليه كما يعضد على الشجر ، وقد عده الأصحاب مع النرجس والبنفسج والمصنف أفرده بالذكر وهو أولى فإن فيهما وجها كما سيأتي بإلحاقهما بالزرع وأما الكرسف المذكور فلا نعلم خلافا في إلحاقه بالنخل ، على أن من الأمثلة المذكورة مع النرجس والبنفسج ما لا خلاف فيه أيضا ولكن الكرسف كأنه أشبه بالشجر منه ، فلذلك أفرده بالذكر ، وكذلك الشافعي رضي الله عنه أفرده بالذكر قال : والكرسف إذا بيع أصله كالنخل ، قال الأصحاب في هذا النوع من الكرسف : إنه إذا باع الأرض كان تابعا لها ، وإن أفرده بالبيع جاز مطلقا ، ولا يشترط شرط القطع ، وإذا باعه مفردا أو مع الأرض أو باع الأرض فدخل في بيعها وكان فيه جوز - فإن كان قد تشقق منه شيء - كان الكل للبائع إلا أن يشترط المشتري وإن لم يتشقق منه شيء فالكل للمبتاع إلا أن يشترط البائع كثمرة النخل سواء ، فالتشقق هنا بمنزلة التأبير في النخل . وكلام المصنف مصرح بأنه لو تشقق بعضه كان الجميع للبائع ، والأصحاب مساعدون له على ذلك ، ومن جملتهم صاحب التهذيب وافق في أن الكرسف في ذلك كالنخل ، وسيأتي كلامه فيما سوى ذلك من الورد وغيره

( النوع الثاني ) : ما لا يحمل إلا سنة واحدة ، وهو قطن بغداد [ ص: 61 ] وخراسان لا يبقى أكثر من سنة واحدة ، فحكمه حكم الزرع إن باع الأرض لم يدخل في العقد كالزرع إلا أن يشترطه المشتري فيصح شرطه ما لم يكن جوزا منعقدا غير متشقق ، فسيأتي أنه يمتنع على المشتري اشتراطه ، هذا إذا لم يكن اشتد فإن اشتد وقوي ولم يتشقق فلا يجوز بيعه أصلا مفردا ولا مع الأرض ، سواء ظهر بعضه أم لم يظهر شيء منه ; لأن المقصود منه مغيب فهو مجهول كالسنبل ، فإن باعه مع الأرض بطل فيه وفي الأرض قولا تفريق الصفقة وكذلك في الزرع مع الأرض سواء . قاله القاضي أبو الطيب . وإن باعه وحده - فإن كان حشيشا - لم ينعقد جوزه ، أو انعقد ولم يحصل فيه قطن جاز بيعه بشرط القطع ، وإن كان قد عقد جوزه واستحكم قطنه ; لأن المقصود منه القطن وهو مغيب كالسنبل ، فعلى هذا إن باعه مفردا بطل ، وإن باعه مع الأرض بطل فيه ، وفي الأرض قولا تفريق الصفقة ، وكذلك إذا باع الأرض واشترط المشتري أن يكون ذلك له ، واقتصر الرافعي في ذلك على ما ذكر صاحب المهذب نقلا ، وفيما قال صاحب التهذيب موافقة لبعض ما تقدم عن القاضي أبي الطيب ، فإن تشقق وظهر القطن صح بيعه وحده ومع الأرض وجاز لمشتري الأرض أن يشترطه ، وهل يدخل القطن في البيع ؟ قال صاحب التهذيب : يدخل بخلاف الثمرة المؤبرة لا تدخل في بيع الشجرة ; لأن الشجرة مقصودة كثمار سائر الأعوام ، ولا مقصود هنا سوى الثمرة الموجودة وقال القاضي حسين : إنه يبقى للبائع ولا يدخل في البيع ، وشبه ابن الرفعة هذا الخلاف بالخلاف فيما إذا رهن خريطة لا قيمة لها ، وكان فيها شيء له قيمة هل يتبع اللفظ دون ما فيها ؟ أو يجعل المرهون ما فيها ؟ ; لأنه المقصود عادة ، وفيه وجهان ( أصحهما ) الأول قلت : وإن لم يتشقق ؟

قال في التهذيب : لم يصح بيعه على الأصح وقال القاضي حسين : يصح في الأصل ولا تدخل الثمرة وكل منهما بنى على أصله قال ابن داود : فعلى قول اشتراط التشقق يشترط أن يكون في كله فلو تشقق بعضه لم يصح إلا فيه بخلاف ثمرة النخل وكرسف الحجاز ، واحتج من منع من بيعه قبل تشققه بأن المقصود منه القطن [ ص: 62 ] وفي البيان أن الشيخ أبا حامد منع من بيعه وإن تشقق جوزه كالطعام في سنبله ، وهذا محمول على غلط في النسخة التي وقعت لي ، وهذه الجملة التي ذكرتها هي قول أكثر الأصحاب وقال صاحب التتمة : إنه إذا تناهى نهايته ولا يكون له نماء بعد ذلك وهو في آخر الخريف فبيعه جائز مطلقا ، ويكلف تفريغ الأرض عنه على حسب العرف وما عليه من الحمل لا يتبعه سواء كان متشققا أم غير متشقق ; لأن الشجرة ليست بمقصودة وإنما المقصود الثمرة فلا تدخل في بيع البائع ، وهذا الذي قاله صاحب التتمة فيه تنبيه وعليه استدراك أما التنبيه فإنه استفيد مما ذكر أن شرط الحكم بجواز البيع فيه أن يكون تناهى ، ولا يتوقع له نماء فلو لم يكن كذلك لم يصح إلا بشرط القطع كما في شجر البطيخ إذا خاف اختلاطه أما بيعه مع الأرض فلا حاجة فيه إلى ذلك .

( وأما ) الاستدراك فإن أصول هذا النوع من الكرسف لا تقصد وحدها بدون حملها ولا يشتريها أحد إلا والمقصود حملها ، فقوله : إن حملها لا يتبع ; لأن الشجرة ليست بمقصودة تعليله صحيح ، وليس ينبغي أن يكون فيما إذا عنى أنه يشتري الأصول فقط أما إذا قال : بعتك هذا القطن وهذا الزرع دخل ; لأنه هو المقصود وليس دخوله تبعا وكلام الأصحاب المتقدم منزل على ذلك وذلك هو المفهوم عند الإطلاق . وكذلك إذا قال : بعتك الأرض وما فيها من الزرع فأما بيع ثمره فإن تشقق وباع ما تشقق منه صح ويؤمر بالالتقاط على العادة فلو تأخر الالتقاط حتى تشقق غيرها واختلط فعلى القولين ، وإن لم يكن تشقق ولا انعقد القطن فباعه على شرط التبقية ; لم يصح كثمرة لم يبد صلاحها ، وإن باعه بشرط القطع لم يصح ; لأنه لا منفعة فيه في تلك الحالة فأما إن انعقد القطن ولم يتشقق فحكمه حكم الحنطة في السنبل هذا كلام صاحب التتمة قال : فلو باع الجوز مع الشجرة قبل التشقق بشرط القطع فمن أصحابنا من قال : فيه قولا بيع الغائب والشجرة - وإن كان قد رآها - فهي تابعة فلا يجعل لها حكم ومنهم من قال : في الجوز قولا بيع الغائب إذا أبطلنا ففي الشجرة قولا تفريق الصفقة وقد ذكر صاحب البيان أن قطن العراق كقطن الحجاز يبقى سنين ، والأمر في ذلك يرجع إلى المشاهدة والفقه وقد تبين .

التالي السابق


الخدمات العلمية