صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن كان مما يقصد منه الثمرة فهو على أربعة أضرب : ( أحدها ) ما تخرج ثمرته ظاهرة من غير كمام كالتين والعنب ، فما ظهر منه للبائع لا يدخل في البيع من غير شرط ، وما يظهر بعد العقد فهو للمشتري ; لأن الظاهر منه كالطلع المؤبر ، والباطن منه كالطلع الذي لم يؤبر ) .


[ ص: 68 ] الشرح ) بدأ في الضرب الثالث من أقسام الشجر ، وجعله على أربعة أضرب وقد تقدم التنبيه على أن منها ضربا خامسا لم يدخل في تقسيمه ، ولم يلتزمه وهو النخل والكرسف لإفراده إياهما بالذكر وجعله مورد التقسيم فيما سواهما ، إذا علم ذلك فهذا الضرب الذي يقصد منه الثمرة مما سوى النخل والكرسف على أربعة أضرب . ( أحدها ) ما تخرج ثمرته ظاهرة من غير كمام ، ولا ورق دونها ولا حائل مثل التين والعنب ، فإذا باع أصل التين والعنب ، فإن كان قد خرجت الثمرة فهي للبائع ، إلا أن يشترط المبتاع وإن لم تكن خرجت وإنما خرجت في ملك المشتري فهي للمشتري ، ويكون خروج هذه الثمرة بمنزلة ظهور ثمرة النخل من الطلع ، وظهور القطن من الجوز ، قال الشيخ أبو حامد وأظن التوت الشامي مثله أي مثل التين والأمر كما قال ، فإن ثمرة التوت تخرج بارزة من غير كمام وأظن مراده بالشامي التوت الأحمر المر ، فإن المقصود منه ثمرته لا ورقه بخلاف التوت الذي يقصد ورقه لتربية الدود وإن كان الحكم في الثمرة واحدا ، وقد حكى عن الشيخ أبي حامد أنه قال في العنب : عندي أن له وردا ثم ينعقد ، قال المحاملي : وشاهده قول الشافعي : يعني الذي معناه أن سائر الثمار من العنب وغيره تخرج ثمرتها وعليها ورد ، وهو يشاهد من بين ذلك الورد ، ويرى ويتساقط عنه النور ، ويبقى الثمر ، فتكبر ولا كذلك النخل فإنها لا ترى من داخل الكمام وهذا وجه المخالفة قال ابن الرفعة : وقد يقال على هذا : وجه المخالفة أن كمام ثمرة النخل شامل لحبات منه ، وكمام العنب شامل لكل حبة ، وكذا كمام غيره من الثمار ، ولهذا المعنى أثر يظهر لك في بيع ما له قشران كالجوز واللوز ، وقد علل جعل العنب للبائع بأن اشتمال كل حبة على كمام يزايلها ، كاشتمال كل حبة من حبات ثمر النخل بعد التأبير ومع ذلك فهو للبائع ، فكذا العنب يكون له ، والماوردي يزعم أن العنب نوعان منه ما يورد ثم ينعقد ومنه ما يبدو منعقدا قال ابن الرفعة : ولا أثر لهذا الاختلاف في الحكم ; لأن من أثبت له نورا يقول : إنه غير مانع من الرؤية فكان كالمعدوم ، والله أعلم .

[ ص: 69 ] واعلم أن كلام المصنف في هذا الضرب والضرب الذي بعده يقتضي أن ما يظهر بعد العقد لا يكون تابعا لما كان عند العقد ، وأنه لا يكون ظهور بعضه كظهور كله كالنخل وبذلك صرح صاحب التهذيب ، وهو يوافق ما تقدم عن صاحب التهذيب في الورد والياسمين ، وما اقتضاه كلام المصنف وصرح به صاحب التهذيب في هذا الضرب الذي بعده لم أجد في كتب الأصحاب ما يخالفه ، ونقل الرافعي ما قاله صاحب التهذيب عنه في الورد والتين والعنب وقال : إن الصورة الأخيرة ، يعني التين والعنب ، محل التوقف ، قال صاحب الوافي : لو أجري الوجه القائل بأن ما يحدث من الطلع بعد ما تأبر منه البعض يكون للبائع كالطلع غير المؤبر ; لأنه من ثمرة العام فيكون أيضا ما يحدث من التين للبائع تابعا لما ظهر ; لأن الظاهر في حكم المؤبر من ثمرة النخل كان له اتجاه ظاهر ، ولم أجد للأصحاب نصا فيه غير ما ذكره الشيخ وإن يكن فرق فمن حيث إن ظهور الشيء بعد الشيء في التين معتاد ، ثم حين بلوغ التين يؤخذ ، فالذي يحدث بعده لا يختلط به حتى يفضي إلى سوء المشاركة بخلاف ثمرة النخل فإنها تترك إلى الجذاذ ، فيصير الجميع على حد واحد في البلوغ ، فيختلط ولا يتميز ، فاحتجنا أن نجعله تابعا ، وفي هذه المسألة لا حاجة إلى ذلك . ( قلت : ) هذا اعتراض وجواب جيدان ، وقد علمت أن المصنف لم ينفرد بذلك ، والفرق المذكور يعضد ما قاله صاحب التهذيب في الورد والياسمين ، ويمكن الفرق بأن الورد والياسمين يسرع فيه التلاحق ولا يتميز ، فيفضي إلى المحذور بخلاف التين والعنب ، فإن التمييز بينهما بين ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية