صفحة جزء
[ ص: 538 ] قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وإن لبس خفا مغصوبا ففيه وجهان : قال ابن القاص : لا يجوز المسح عليه لأن لبسه معصية فلم يتعلق به رخصة ، وقال سائر أصحابنا : يجوز لأن المعصية لا تختص باللبس فلم تمنع صحة العبادة كالصلاة في الدار المغصوبة )


( الشرح ) هذا الخلاف مشهور في المذهب ، وعبارة الأصحاب كعبارة المصنف يقولون : قال ابن القاص : لا يجوز ، وقال سائر أصحابنا : يجوز والصحيح عند جماهير الأصحاب صحة المسح ، وبه قطع البندنيجي وغيره كالصلاة في دار مغصوبة ، والذبح بسكين مغصوب ، والوضوء والتيمم بماء وتراب مغصوبين ، فإن ذلك كله صحيح وإن عصى بالفعل ، وقد سبق في باب الآنية بيان هذا مع غيره ، وأشار ابن الصباغ والغزالي وغيرهما إلى ترجيح منع الصحة لأن المسح إنما جاز لمشقة النزع وهذا عاص بترك النزع واستدامة اللبس ، فينبغي أن لا يعذر ، ولأنه يعصي باللبس أكثر من الإمساك ولأن تجويزه يؤدي إلى إتلافه بالمسح ، بخلاف الصلاة في الدار المغصوبة فإن الصلاة فيها والجلوس سواء ، قال الروياني : هذا غلط لأنه إذا توضأ بالماء فقد أتلفه ولم يمنع ذلك الصحة .

( قلت ) للآخرين أن يفرقوا بأن المسح رخصة فلا تستفاد بالمعصية بخلاف الوضوء فيقاس على التيمم بتراب مغصوب حيث لا يجب كالتيمم لنافلة فإنه رخصة والله أعلم .

وأما قول المصنف : قال ابن القاص : لا يجوز وقال سائر أصحابنا : يجوز فمعناه قال ابن القاص : لا يصح ولا يستبيح به شيئا ، وقال سائر أصحابنا يصح ويستبيح به الصلاة وغيرها فأراد بالجواز الصحة ، وإلا فالفعل حرام بلا شك . والله أعلم .

( فرع ) لو لبس خف ذهب أو فضة فهو حرام بلا خلاف ، وهل يصح المسح عليه ؟ فيه الوجهان اللذان في المغصوب ، كذا صرح به الماوردي والمتولي والروياني وآخرون ونقله الروياني عن الأصحاب وقطع البغوي بالمنع ، ويمكن الفرق بأن تحريم الذهب والفضة لمعنى في نفس الخف فصار [ ص: 539 ] كالذي لا يمكن متابعة المشي عليه بخلاف المغصوب ، ولو لبس الرجل خفا من حرير صفيق يمكن متابعة المشي عليه فينبغي أن يكون كالذهب . والله أعلم .

( فرع ) قال الشافعي رضي الله عنه في الأم والأصحاب رحمهم الله : لا يصح المسح على خف من جلد كلب أو خنزير أو جلد ميتة لم يدبغ وهذا لا خلاف فيه . وكذا لا يصح المسح على خف أصابته نجاسة إلا بعد غسله لأنه لا يمكن الصلاة فيه ، وفائدة المسح وإن لم تنحصر في الصلاة فالمقصود الأصلي هو الصلاة وما عداها من مس المصحف وغيره كتبع لها ، ولأن الخف بدل عن الرجل ولو كانت نجسة لم تطهر عن الحدث مع بقاء النجاسة عليها فكيف يمسح على البدل وهو نجس العين ؟ . قال الشيخ أبو الفتح نصر المقدسي : وكذا لا يجوز المسح على خف خرز بشعر الخنزير ولا الصلاة فيه وإن غسله سبعا إحداهن بالتراب ; لأن الماء والتراب لا يصل إلى مواضع الخرز المتنجسة ، وهذا الذي ذكره أبو الفتح هو المشهور ، قالوا : فإذا غسله سبعا إحداهن بالتراب طهر ظاهره دون باطنه وقال القفال في شرح التلخيص : سألت الشيخ أبا زيد عن الصلاة في الخف المخروز بالهلب يعني : شعر الخنزير فقال : الأمر إذا ضاق اتسع . قال القفال : ومراده أن بالناس إلى الخرز به حاجة فتجوز الصلاة فيه للضرورة والله أعلم . وقد قال الرافعي في آخر كتاب الأطعمة : إذا تنجس الخف بخرزه بشعر الخنزير فغسل سبعا إحداهن بالتراب طهر ظاهره دون باطنه ، وهو موضع الخرز ، قال : وقيل كان الشيخ أبو زيد يصلي في الخف النوافل دون الفرائض فراجعه القفال فيه فقال : الأمر إذا ضاق اتسع . أشار إلى كثرة النوافل ، هذا كلام الرافعي . وقوله أشار إلى كثرة النوافل لا يوافق عليه بل الظاهر أنه أشار إلى أن هذا القدر مما تعم به البلوى ويتعذر أو يشق الاحتراز منه فعفي عنه مطلقا ، وإنما كان لا يصلي فيه الفريضة احتياطا لها [ ص: 540 ] وإلا فمقتضى قوله العفو فيهما ، ولا فرق بين الفرض والنفل في اجتناب النجاسة ، ومما يدل على صحة ما تأولته ما قدمته عن نقل القفال في شرحه التلخيص . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية