صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( والثالث ) ما يخرج وعليه قشرتان كالجوز واللوز والرانج ، فالمنصوص أنه كالرمان لا يدخل في بيع الأصل ; لأن قشره لا يتشقق عنه كما لا يتشقق قشر الرمان ، ومن أصحابنا من قال : هو كثمرة النخل الذي لم يؤبر ; لأنه لا يترك في القشر الأعلى كما لا تترك الثمرة في الطلع .


( الشرح ) الرانج - براء مهملة ونون بعد الألف مكسورة وجيم - وهو الجوز الهندي ، وهو النارجيل ، إذا علم ذلك فهذا الضرب ، وهو الثالث من الضرب الثالث ، فالجوز واللوز والرانج قد تقدم أن الشافعي ذكره مع الرمان ، وحكم في الجميع بأنه للبائع إلا أن يشترط المبتاع ، وبذلك قطع صاحب التقريب ; لأن قشوره لا تزول في الغالب لا عند القطف ، وبعد القشرة العليا من الثمرة ، بخلاف الكمام فإنه يعد من الشجرة ، ويترك الكمام عند القطع على الأشجار ، ونزل [ ص: 71 ] السعف والكرانيف ، وقشور الجوز ليست كذلك ، قال الشيخ أبو حامد : ( أما ) الذي لا إشكال فيه فالرمان والموز ، وقال في الجوز واللوز : ظاهر قول الشافعي أنه وإن لم تتشقق القشرة الأولى فهو للبائع ، قال : وقال أصحابنا : إنما جعله بمنزلة الرمان إذا ظهرت القشرة التي تلي اللب . وظاهر هذا الكلام من الشيخ أبي حامد أن ذلك عن الأصحاب ، والقاضي أبو الطيب جعل الشيخ أبا حامد هو المخالف في ذلك ، فقال : وغلط الشيخ أبو حامد فقال : الجوز يتشقق قشره الفوقاني عنه ، ويسقط ويظهر السفلاني ، فيجب أن يكون ذلك بمنزلة النخل ، فإن لم يكن تشقق فهو للمشتري ، وإن تشقق فهو للبائع ، قال القاضي أبو الطيب : وهذا خلاف نصه ; لأن الشافعي رضي الله عنه قال : تشقق القشرة من هذا ليس من صلاحه إذا كان على رءوس الشجر ; لأنه كتشقق الرمان الذي ليس فيه صلاحه ، وكان ذلك هو الحامل للمصنف على نسبة الخلاف إلى بعض الأصحاب مبهما من غير تعيين ، وقطع الماوردي ونصر المقدسي في الكافي بما قاله أبو حامد .

وقال الروياني : إنه الأقيس وقال المحاملي في المجموع : قال الشيخ : وقد ذكر الشافعي رضي الله عنه أن حكم الجوز واللوز قشرة عليا وسفلى ; لأنه ليس بالحجاز شجر الجوز واللوز ، فحمل أمره على أن له قشرة واحدة ، وأجراه مجرى الرمان والموز ، أو علم ذلك ولكنه فرض المسألة فيه إذا زالت عنه القشرة العليا وبقيت السفلى ، والدليل على أنه أراد هذا أنه قال : دونه حائل لا يزال عنه إلا في وقت الحاجة إلى أكله ، وهذا صفة القشرة السفلى دون العليا . ( قلت : ) أما الاحتمال الأول فبعيد ؟ ; لأن في مختصر المزني في باب الوقت الذي يحل فيه بيع الثمار ، وكذلك في الأم وهو بعد الموضع بشيء يسير ، أن على الجوز قشرتين : واحدة فوق القشرة التي يدفعها الناس عليه ، ولا يجوز بيعه ، وعليه القشرة العليا ; لأنه يصلح أن يدفع بدون العليا ، وكذلك الرانج فلا يجوز أن ينسب إلى الشافعي أنه لم يكن يعرف حال الجوز ، وأما الاحتمال الثاني فهو [ ص: 72 ] قريب ولا يأباه كلام الشافعي ، فإن عبارته في الأم : " وذلك أن قشر هذا لا ينشق عما في أجوافه ، وصلاحه في بقائه " هذا كلام الشافعي بحروفه ، وليس فيها ما يوجب أن يكون المراد القشرة العليا دون السفلى ، بل تعليل الشافعي رضي الله عنه بأن صلاحه في بقائه يفهم أن ما ليس صلاحه في بقائه لا يكون للبائع إلا إذا زال عنه ، وقشرة الجوز واللوز العليا من هذا القبيل ، فإن كانت تشقق عنه وهو على الشجر فينبغي أن يكون الأمر كما قال الشيخ أبو حامد وتغليط القاضي أبي الطيب غير متجه لكني أقول : إن تشقق القشرة العليا من على الجوز واللوز إنما يكون بعد يبسه ونهايته وكثيرا ما يؤخذ من على الشجرة مع قشرته كاللوز العاقد ، والرانج أيضا كثيرا ما يؤخذ في قشرته بعد نهايته ، بل العادة مطردة في كل ما له قشران فليس هو كثمرة النخل قبل التأبير فينبغي أن يكون للمشتري كما يقتضيه إطلاق النص ، وإن كان للتأويل فيه محتمل ، والله أعلم .

واعلم أن اللوز إذا كان أخضر صغيرا ; يؤكل في قشرته ، ويجوز بيعه مع تلك القشرة كما ذكره القاضي حسين ; لأنه مقصود كاللب ، سواء مع ذلك المنصوص كما تقدم أنه يدخل في بيع الأصل ، فكأنهم شبهوه بالطلع في اللوز إذا كان صغيرا . فإنه يؤكل كله ، ولا ينقطع من التبعية حتى يظهر من اللوز ، والله أعلم . وقد نقل إمام الحرمين عن العراقيين ما ذكرناه عن الشيخ أبي حامد ، وذكر عن صاحب التقريب خلافه ، وكأنه لما وقف على كلام الشيخ أبي حامد نسب ذلك إلى العراقيين وقد عرفت كلامهم وهذا وهم منه ، ونص الشافعي على خلاف ذلك ، وأورد ابن الرفعة على أبي حامد أنه يقول بأن ما له نور يكون للبائع بخروج نوره ، وهذا منه ، فإذا انعقد كان للبائع بطريق الأولى ، قال : إلا أن يقال في الجواب : إن ذلك قاله في ثمرة تخرج في جوف نور ، والجوز ليس كذلك ، فإن البندنيجي قال : إنه يورد أولا وردا لا تخرج الثمرة من جوفه ، بل يذهب الورد وينعقد بعد ذهابه ثمرة كهيئة التين أول ما يطلع ، وسيأتي في الضرب الرابع كلام عن البندنيجي يتعلق بهذا الضرب في اللوز .

التالي السابق


الخدمات العلمية