صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( وإن باع أرضا فيها بذر لم يدخل البذر في البيع . لأنه مودع في الأرض فلم يدخل في بيعها كالركاز ، فإن باع الأرض مع البذر ففيه وجهان ( أحدهما ) أنه يصح تبعا للأرض ( والثاني ) لا يصح وهو المذهب ، لأنه لا يجوز بيعه منفردا فلم يجز بيعه مع الأرض ) .


( الشرح ) فصل الأصحاب في البذر مثل التفصيل المذكور في النبات ، فقالوا : البذر الذي لا تفاوت لنباته ، ويوجد دفعة واحدة لا يدخل في بيع الأرض . ويبقى إلى أوان الحصاد . وللمشتري الخيار إن كان جاهلا به ، فإن أجاز أخذ الأرض بجميع الثمن ، لأن النقص الذي في الأرض بترك الزرع إلى الحصاد لا يقسط عليه الثمن . [ ص: 102 ] فإن تركه البائع له سقط خياره ، وعليه القبول ، ولو قال : آخذه وأفرغ الأرض سقط خياره أيضا إن أمكن ذلك . وفعله في زمن يسير على وجه لا يفوت عليه الأرض ، وإن اشتراها وهو عالم بالبذر فلا خيار له ، وعليه تركه إلى أوان الحصاد ، والبذر الذي يدوم نباته كنوى النخل والجوز واللوز وبذر الكراث والرطبة ونحوه من البقول ، حكمه في الدخول تحت بيع الأرض حكم الأشجار . هكذا ذكر هذا التفصيل الماوردي والقاضي أبو الطيب والروياني والرافعي - رحمهم الله - وغيرهم . وإذا علمت أن البذر الذي يدور حكمه حكم الشجر ( فإن قلنا : ) الشجر لا يدخل صار حكمه حكم بذر الزرع في ثبوت الخيار وعدمه بالنسبة إلى حالة الجهل والعلم ( وإن قلنا : ) إنه يدخل على المذهب - فإن كان عالما فلا خيار . وإن كان جاهلا فإن لم يكن قلعه مضرا بالأرض فلا خيار . وإن كان مضرا أو يمضي فيه مدة فإن كانت الأرض تملك بعد ذلك بحيث يكون غرسها نقصا فيها فينبغي أن يثبت للمشتري الخيار ، ولم أر في ذلك نقلا ، والله أعلم .

هذا إذا باع الأرض وأطلق ، أما إذا باع الأرض مع البذر - فإن كان من البذر الذي حكمنا بدخوله في البيع - قال صاحب التتمة : كان تأكيدا ، ولك أن تقول : ينبغي أن يكون كما لو قال : بعتك الجارية وحملها ، وإن كان من البذر الذي لا يدخل وهو الذي تكلم فيه المصنف ففيه وجهان ( أحدهما ) يصح تبعا للحمل . وادعى هذا القائل أن الشافعي رضي الله عنه نص على ذلك في كتاب التفليس ، فقال : لو باع زرعا مع أرض خرج أو لم يخرج ( والثاني ) وهو الصحيح المشهور من المذهب أن البيع لا يصح في البذر للجهالة ولأنه مقصود في نفسه فلم يجز بيعه مع الأرض كالركاز ، ويخالف الحمل فإنه يتبع الأم في البيع المطلق . وهؤلاء أولوا نصه في التفليس على أن المراد خرج السنبل أو لم يخرج . فعلى هذا إذا بطل البيع في البذر ففي بطلانه في الأرض طريقتان : ( إحداهما ) أنه على قولي تفريق الصفقة ، وهو الذي يقتضي إيراد الماوردي ترجيحها ، وجزم بها القاضي حسين والفارقي تلميذ المصنف وغيرهما ، وهذا إنما يكون على قولنا بأنه يختار بجميع الثمن . [ ص: 103 ] والطريقة الثانية ) القطع ببطلان بيع الأرض ، ويقتضي إيراد القاضي أبي الطيب ترجيحها وهي المذهب عند الروياني ، وهي مقتضى المذهب في أنه يختار بالقسط ، وجعل الروياني محل الخلاف إذا لم يجهل جنسه وصفته ، فإن جهلهما لم يجز قولا واحدا ، وهذا منه بناء على الطريقة المشهورة في بيع الغائب ، وفيه وجه أنه يجري مع الجهل ، وذلك معروف في موضعه ، فعلة الخلاف هنا مطلقا على أن أبا الفتوح العجلي أفاد أن الوجه القائل بالصحة ههنا ، وإن منعنا بيع الغائب فيكون محل الخلاف تفريعا على بيع الغائب ( أما ) على تجويز بيع الغائب قال : فلا يبعد الحكم بصحة البيع .

( قلت : ) ولا بد فيه من ملاحظة التبعية ، فإنه لو باع البذر وحده وهو مستتر فلا شك أنه يمنعه من منع بيع الغائب ، وكذا بعض من أجازه ، وإنما قلت ذلك لأنهم لما تكلموا في بيع الثمار المستترة والحنطة في سنبلها ونحو ذلك قال الإمام : إن المنع فيها مفروع على منع بيع الغائب ( أما ) إذا جوزناه فإنه يصح ، وحمل الرافعي كلام الوجيز على موافقته ، لكن الغزالي في الفتاوى في السؤال التاسع والعشرين في بيع السلجم والجزر في الأرض ، قال : إنه إن قضى ببطلان بيع الغائب فلا شك في البطلان ، وإن قضى بصحة بيع الغائب اتجه ظاهرا إبطال هذا لأن تسليمه لا يمكن إلا بتقليب الأرض ، وهو تغيير لعين المبيع فيضاهي بيع الجلد قبل السلخ ليسلم بالسلخ وكذلك صاحب التهذيب وعلل بأن بيع الغائب يمكن رد المبيع بعد الرؤية بصفته ، وههنا لا يمكن . وإذا علمت ذلك علمت أن إطلاق المصنف مراده منه البذر الذي لا نبات لأصله ، وكذلك الشافعي رضي الله عنه في الأم أطلق كما فعل المصنف ومراده ذلك ، فإن كان البذر مما يصرم فصرمه البائع كان للمشتري أصله ولم يكن للبائع قلعه ولا قطعه ، وإن عجل البائع فقلعه قبل بلوغ مثله لم يكن له أن يزرعه ليستخلفه ، نص عليه الشافعي - رحمه الله - وقد تقدم في أول الباب بحث في الغراس الذي يشتد ، وهو يعود ههنا في البذر الذي وضع لذلك ، ولم يقصد به الدوام في محله ، والله أعلم . ولو باع البذر وحده جزم صاحب التتمة بالبطلان .

التالي السابق


الخدمات العلمية