صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( لا يجوز بيع الثمار والزرع قبل بدو الصلاح من غير شرط القطع . لما روى ابن عمر رضي الله عنه أن { النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 115 ] نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها } وروى ابن عمر رضي الله عنه أيضا أن { النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ثمرة النخل حتى تزهي والسنبل والزرع حتى يبيض ويأمن العاهة } ولأن المبيع إنما ينقل على حسب العادة . ولهذا لو اشترى بالليل متاعا لم يكلف نقله حتى يصبح . والعادة في الثمار تركها إلى أوان الجذاذ ، فإن باعها قبل بدو الصلاح لم يأمن أن يصيبها عاهة فتتلف ، وذلك غرر من غير حاجة ، فلم يجز ، وإن باعها بشرط القطع جاز ، لأنه يأخذ قبل أن يتلف فيأمن من الغرر ، وإن باع الثمرة مع الأصل والزرع مع الأرض قبل بدو الصلاح جاز ، لأن حكم الغرر يسقط مع الأصل ، كالغرر في الحمل يسقط حكمه إذا بيع مع الأصل وإن باع الثمرة ممن يملك الأصل أو الزرع ممن يملك الأرض ففيه وجهان ( أحدهما ) يصح ، لأنه يحصل لمالك الأصل ، فجاز كما لو باعها مع الشجرة والأرض ( والثاني ) لا يصح ، لأنه أفرده بالبيع قبل بدو الصلاح من غير شرط القطع ، فأشبه إذا باعها من غير مالك الأصل ) .


( الشرح ) حديث ابن عمر رضي الله عنهما الأول رواه بلفظه المذكور البخاري ومسلم ، ولفظ مسلم : الثمرة ، وفي الصحيحين أيضا من رواية ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تتبايعوا الثمرة حتى يبدو صلاحها } زاد مسلم { وتذهب عنه الآفة } ( وأما ) حديث ابن عمر الثاني فرواه مسلم ، ولفظه : " { عن بيع النخل حتى يزهو ، وعن السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة ، نهى البائع والمشتري } وفي رواية الشافعي في حديث ابن عمر قال الراوي : { فقلت لعبد الله : متى ذلك ؟ قال : طلوع الثريا } وقد وردت أحاديث في الصحيحين وفي غيرهما في المنع من بيع الثمار قبل بدو الصلاح ( منها ) حديث ابن عمر المذكور ( ومنها ) عن أنس { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن بيع الثمرة حتى تزهو } ، قال الراوي : { فقلنا لأنس : ما زهوها ؟ قال : تحمر وتصفر ، قال : أرأيت إذا منع الله الثمرة فبم يستحل أحدكم مال أخيه ؟ } رواه البخاري ومسلم . وقد كثر الزهو في الحديث يقال : زها النخل يزهو ، قال الخطابي : [ ص: 116 ] هكذا روي في الحديث " يزهو " ، والصواب في العربية : يزهي وقال غيره : ليس هذا القول منه عند كل أحد ، فإن اللغتين قد جاءا عند بعضهم ، ومنهم من قال : زها النخل إذا طال واكتهل ، وهذا القول مخالف لما جاء في الحديث من تفسير أنس العارف بالعربية ، ولمعنى الحديث ، وقد ورد في بعض روايات الشافعي لهذا الحديث : { قيل : يا رسول الله . وما تزهي ، قال : حتى تحمر } والزهو - بفتح الزاي - وذكر ابن معين أن أهل الحجاز يضمون الزاي وهو غريب ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تتبايعوا الثمرة حتى يبدو صلاحها ، ولا تتبايعوا الثمر بالثمر } رواه مسلم ، وقوله : " يبدو " أي " يظهر " ، يقال : بدا يبدو ، مثل : دعا يدعو ، فأما بدأ يبدأ - بالهمز - فمن الابتداء .

وعن جابر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع الثمرة حتى يشقح ، قيل : وما يشقح ؟ قال : تحمار وتصفار ويؤكل منها } رواه البخاري ومسلم - رحمهما الله تعالى - وقوله يشقح - بضم الياء المثناة من تحت وإسكان الشين المعجمة - وبعد القاف حاء مهملة ، ويروى - بفتح الشين وتشديد القاف - يقال : أشقح وشقح ، وروي يشقه بإبدال الحاء هاء ، وقد فسره في الحديث قال : والإشقاه أن يحمر أو يصفر ، وفي رواية النسائي في هذا الحديث : { حتى يطعم } وفي رواية لمسلم : { حتى يطيب } ، وعن ابن عباس قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع النخل حتى يأكل منه أو يؤكل ، وحتى يوزن ، قال : فقلت : ما يوزن ؟ فقال رجل عنده : حتى يحرز } رواه البخاري ومسلم .

وعن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { نهى عن بيع العنب حتى يسود ، وعن بيع الحب حتى يشتد } رواه أبو داود والترمذي ، والحب الطعام ، واشتداده قوته وصلابته . فهذه أحاديث من رواية خمسة من الصحابة تمنع من بيع الثمار قبل بدو الصلاح ، وعن عمرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلا أنه { : نهى عن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة } رواه مالك في الموطأ ، وألفاظ هذه الأحاديث مختلفة ، ومعانيها متفقة .

قال العلماء : إما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قالها في أوقات مختلفة ونقل كل واحد [ ص: 117 ] من الرواة ما سمع ، وإما أن يكون قال لفظا في وقت ونقله الرواة بالمعنى ، وعن زيد بن ثابت قال : { كان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبايعون الثمار ، فإذا جذ الناس وحضر تقاضيهم قال المبتاع : إنه أصاب الثمر الذمان أصابه مراض أصابه قشام - عاهات يحتجون بها - فقال رسول الله : صلى الله عليه وسلم لما كثرت عنده الخصومة في ذلك : إما لا فلا تتبايعوا حتى يبدو صلاح الثمرة } كالمشورة يشير بها لكثرة خصومتهم " رواه البخاري " الذمان - بفتح الذال وتخفيف الميم - عفن يصيب النخل فينشق أول ما يبدو من عفن وسواد ، والمراض - بضم الميم - داء يقع في الثمرة فتهلك ، والقشام - بضم القاف والشين المعجمة - : أن ينتقص ثمر النخل قبل أن يصير بلحا .

( وقوله ) : إما لا ، أي إن لم تفعلوا هذا ، فليكن هذا ، وأصلها : إن الشرطية زيدت عليها ما وأدغمت فيها ، وأدخلت على لا النافية ، وقد يقال : إن حديث زيد هذا يدل على أن هذا النهي في الأحاديث المتقدمة ليس على سبيل التحريم ، لقوله صلى الله عليه وسلم : {إما لا } ، ولقول الراوي كالمشورة لهم ، فإن ذلك يدل على أنه ليس بمتحتم ، والتمسك على ذلك بقول الراوي كالمشورة ليس بالقوي ، فإن كل أوامره صلى الله عليه وسلم ونواهيه لمصالحهم الأخروية والدنيوية ، وأما التمسك بقوله : { إما لا } ، فلأنه يقضي : أن النهي معلق على شرط وهو الذي نقدره ، والذي يليق بهذا الموضع أن يكون التقدير إن لا تراجعوا عن الخصومة أو ما في معنى ذلك ، فذلك وإن كانت صورته صورة التعليق ، فليس المراد منه التعليق ، فإن رجوعهم عن الخصومة في المستقبل في حق كل أحد لا يعلم ، ولا يمكن أن يبقى الحكم موقوفا على ذلك ، فالمراد : - والله أعلم - أنشأ النهي لأجل ذلك ، وكأنه استعمل بمعنى إذ التي تستعمل للتعليل ، ومما يرشد إلى أن النهي حتم قوله : { نهى البائع والمشتري } ، فإنه تأكيد للمنع ، وإن كان لمصلحة المشتري .

وقال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على القول بجملة هذا الحديث ، وقال أبو الفتح القشيري : أكثر الأمة على أن النهي نهي تحريم ، وقوله في حديث أنس : { أرأيت إن منع الله تعالى الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه ؟ } ، وقد ورد في بعض الروايات الصحيحة بيان أنه [ ص: 118 ] من كلامه صلى الله عليه وسلم ، وذلك من طريق مالك - رحمه الله - والدراوردي ، وخالفهما سفيان الثوري وإسماعيل بن جعفر عن حميد ، فجعلاه من كلام أنس ، وإتقان مالك - رحمه الله - وضبطه مع كونه لا تنافي بينه وبين ما رواه سفيان يقتضي الحكم بكون ذلك من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ويكون أنس قاله من كلامه لم يأت فيه بالرفع ، وأن عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم فروى عنه كذلك على الوجهين ، ويثبت كونه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد زعم بعض شارحي التنبيه : أن الشافعي رضي الله عنه انفرد عن جمهور المحدثين برفعه ، وليس كذلك ، فقد رواه جماعة عن مالك غير الشافعي ، ورواه مع مالك عن حميد الدراوردي كما رأيت ، والله أعلم .

( أما الأحكام ) فقد قسم الشافعي والأصحاب بيع الثمرة إلى قسمين : ( القسم الأول ) أن يبيعها قبل بدو الصلاح وذلك على قسمين ( الأول ) : أن تباع مفردة عن الأشجار وذلك على قسمين ( الأول ) : أن تكون الأشجار للبائع أو لغير المتعاقدين ، فبيع الثمرة حينئذ على ثلاثة أقسام ، وهذا التقسيم أحسن ، وإن شئت تقول - وهو أقرب إلى كلام المصنف : إن بيع الثمرة على قسمين ( الأول ) : أن يبيعها قبل بدو الصلاح ، وذلك على قسمين ( الأول ) : أن تباع من غير مالك الأصل ، وذلك على قسمين ( الأول ) : أن تكون مفردة عن الأشجار وذلك على ثلاثة أقسام ( الأول ) : أن يبيعها بشرط التبقية ، فبيعها باطل بلا خلاف للأحاديث السابقة .

( الثاني ) : أن يبيعها بشرط القطع فالبيع صحيح بلا خلاف ; لأنه بالقطع يزول المحذور من الآفة والعاهة ، وممن صرح بالإجماع في المسألتين الشيخ أبو حامد والرافعي وغيرهما ، ونقل ابن حزم في كتابه المحلى عن سفيان الثوري وابن أبي ليلى منع بيع الثمرة قبل بدو صلاحها جملة ، لا بشرط القطع ولا بغيره ، والشافعي رضي الله عنه أخذ جواز بيعها بشرط القطع من قوله صلى الله عليه وسلم : " { أرأيت إذا منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه ؟ } كذلك [ ص: 119 ] قال في الأم ، فإن الثمرة التي تقطع لآفة تأتي عليها ، فإنما يمتنع ما يترك مدة تكون فيها الآفة ، وليس ذلك من باب تخصيص العموم بعلة مستنبطة منه ، فإن ذلك فيه خلاف . وأما هذه العلة فمنصوصة ، ولا شك أن استفادة التعليل من هذا الكلام ظاهرة ، وهو من أقوى درجات الإيماء الذي هو أحد أدلة العلة ، ولعل سفيان الثوري - رحمه الله - إنما منع من ذلك ; لأن في روايته أن التعليل المذكور من كلام أنس كما قدمته ، فلعله لذلك لم يأخذ به ، لكن في الحديث ألفاظ أخر تدل على ذلك ( منها ) قوله : { حتى تنجو من العاهة } ، ( ومنها ) قوله : { حتى يبدو صلاحها } ، يعني : أنها بعد الصلاح تأمن من العاهات والجوائح غالبا لكبرها ، وغلظ نواها ، وقبل الصلاح تسرع إليها العاهات لضعفها ، فإذا تلفت لم يبق شيء في مقابلة الثمن ، وكان ذلك من أكل المال بالباطل .

فإذا شرط القطع عرف أن غرضه هو الحصرم وهو حاصل ، وقيل معنى آخر ضعيف نقله الإمام ، وهو - أنها قبل بدو الصلاح - أجزاؤها كبرا ظاهرا من أجزاء الشجرة ، وقد اتفق على القول بالجواز الشافعية والمالكية والحنفية

( فرع ) إذا باع بشرط القطع ، وجب الوفاء به ، فلو سمح البائع بعد شرط القطع على المشتري بترك الثمرة إلى بدو الصلاح جاز ، ولو طالبه بالقطع لزمه ذلك ، نص عليه الشافعي والصيمري والماوردي والرافعي ، قال الرافعي : ويكون بدو الصلاح ككبر العبد الصغير .

وعن أحمد أنه يبطل البيع وتعود الثمرة إلى البائع ، وقد يقوى ذلك بأن الغرر إنما ينتفي بأخذها ، ولذلك قال المصنف - رحمه الله - : لأنه يأخذه قبل أن يتلف ، فمتى لم يؤخذ - وإن كان بتراضيهما - فالغرر باق ، ألا ترى أنه لو تراضيا على عدم شرط القطع لم يصح ، وطريق الانفصال عن هذا السؤال : أن المحذور آفة تمنع من التسليم المستحق بالعقد ، وهو في هذه الصورة مأمون ، فإن التسليم المستحق فيها التسليم عقيب العقد ، فإذا تراضيا على إبقائها وحصلت [ ص: 120 ] آفة بعد ذلك لم تكن مانعة من التسليم المستحق ، بخلاف ما إذا أطلق أو شرط التبقية ، فإن التسليم المستحق بالعقد هو وقت الجذاذ ، فالآفة قبله مانعة منه ، وممن روي عنه من المتقدمين ما يشبه قولنا يحيى بن أبي كثير اليماني التابعي ، صح عنه أنه قال : لا بأس ببيع الشعير للعلف قبل أن يبدو صلاحه إذا كان يحصده من مكانه ، فإن غفل عنه حتى يصير طعاما فلا بأس به .

( فرع ) قال في التتمة : إنما يجوز البيع بشرط القطع إذا كان المقطوع منتفعا به ، كالحصرم واللوز والبلح والمشمش ، فأما ما لا منفعة فيه كالجوز والسفرجل والكمثرى فلا يجوز بيعه بشرط القطع أيضا ، وكذلك قال في البحر ، والرافعي فرع إذا باع بشرط القطع ، فلم يتفق القطع حتى مضت مدة ، فإن كان قد طالبه البائع بالقطع فلم يقطع ، وجبت الأجرة ، وإلا فلا ، قاله الخوارزمي .

( فرع ) التسليم في ذلك هل يكون بالتخلية كما هو تسليم الثمار ، فتكون مؤنة القطع على المشتري ؟ أو لا يكون إلا بالنقل والتحويل ، فتكون مؤنة القطع على البائع ؟ الذي يظهر من كلامهم الثاني ، ويظهر أثره فيما لو تلفت قبل قطعها هل يجري فيها خلاف وضع الجوائح ؟ وسنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى .

( القسم الثالث ) : أن يبيعها مطلقا لا بشرط القطع ولا بشرط التبقية ، فمذهبنا : أن البيع باطل للأحاديث ، وبه قال مالك وأحمد وإسحاق وداود ، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : البيع جائز صحيح ، ويأخذ المشتري بقطعها في الحال بناء على أصله في أن الإطلاق يقتضي القطع ; لأن من حقوق العقد التسليم من غير تأخير والتسليم لا يتم إلا بالقطع ، وعندنا الإطلاق يقتضي التبقية ، فنحن نخالفه في المسألة وفي الأصل الذي بنى عليه ، ولهذا قال : لا يصح البيع بشرط التبقية لا بعد الصلاح ولا قبله ، وبشرط القطع يصح فيهما ، والإطلاق كشرط القطع ، ونحن نقول : بشرط القطع يصح في الحالين ، وبشرط التبقية يصح بعده ، ولا يصح [ قبله ] ، والإطلاق كشرط التبقية . واستدلوا بأن حمل العقد على الصحة أولى فينبغي تنزيله على القطع ليصح ، وبالقياس على ما بدا صلاحها ، وعلى ما شرط [ ص: 121 ] قطعها ، وعلى رهنها ، وأجاب أصحابنا : بأن النهي ورد مطلقا ، فلا يكون تنزيله على شرط التبقية لإطلاقه ، ولا على شرط القطع للإجماع بيننا وبين الخصم ، فتعين أن يحمل على البيع المطلق ، وأيضا أن النهي توجه إلى المعهود من البياعات ، والمعهود من البيع إطلاق العقد دون تقييده بالشرط ، فصار النهي بالعرف متوجها إلى المطلق دون المقيد ; ولأن العرف في الثمار أن تؤخذ وقت الجذاذ فصار المطلق كالمشروط التبقية ، والتسليم الواجب في العقد في كل شيء بحسبه ، وليس التسليم بالقطع والتحويل ، وإنما هو برفع اليد والتمكين . وأما إطلاق العقد وحمله على الصحة فغير مسلم ، بل يحمل على ما يقتضيه الإطلاق ثم يعتبر حكمه في الصحة والفساد ، وقد يتقيد المطلق إذا كان هناك عرف يقيده لم يؤثر القيد إما في التصحيح وإما في الإفساد ، وليس ذلك سعيا في التصحيح ولا في الإفساد ، بل هو واقع من ضرورة القيد .

( وأما ) القياس على ما بدا صلاحها ، فلا يصح لوجهين ( أحدهما ) : أنه يدفع النص ( والثاني ) : أن ما بدا صلاحه يخامر العاهة ، والقياس على المشروط : القطع مردود بتقدير : أن المطلق يقتضي التبقية والقياس على الرهن ، فجوابه : أن لنا في رهنها قبل بدو الصلاح قولين ، فإن جوزنا ; فلأن الرهن والهبة والوصية لا ضرر في عقدها قبل بدو الصلاح ; لأنه لا عوض في مقابلتها بخلاف البيع ، فإنها إذا تلفت ضاع الثمن ، ثم اعترضوا بما قدمته من رواية زيد بن ثابت ، وقوله : إن النهي كان كالمشورة ، وقد تقدم الكلام فيه ، وأجاب أصحابنا أيضا عنه بوجهين . ( أحدهما ) : أن تأويل الراوي مرجوع إليه إذا احتمل الخبر أمرين ، والمراد أحدهما بالإجماع ، كتفسير التفرق في خيار المتبايعين ، وكقوله إلا ها وها تفسير عمر له ، ( أما ) في تخصيص العموم ومخالفة الظاهر فلا . [ ص: 122 ] والثاني ) : أن ظاهر رواية زيد وقوله : إنه حضر تقاضيهم أنه كان قد وقع على شرط التبقية ، ولا يقال : وقت التقاضي بعد مدة إلا إذا كان مشروطا ، وهذا الظاهر مشروط بالإجماع ; لأنه متى شرط التبقية بطل ، ثم لا وجه لتمسك الحنفية به ; لأنهم يمنعون شرط التبقية بعد بدو الصلاح ، كما يمنعونه قبله .

والحديث المذكور يقتضي الفرق بين الحالتين ، وحمل الغزالي في التحصين المشورة في ذلك على تعرف أحوال الثمرة ونجاتها من العاهة ، وأن ذلك لا يحصل إلا بالزهو فلما عرف العلة بالمشورة أثبت حكم الشرع بناء على العلة كما قال للسائل : { أينقص الرطب إذا جف ؟ ودليله أنه لما ذكر حالة الاحتياج قال : فبم يأخذ أحدكم مال أخيه ؟ } ، فهذا يدل على تحريم أخذ المال مع توقع الهلاك عن قرب .

( قلت : ) وقد قدمت ما يرجح تأويله غير ذلك ، وقد صح عن زيد بن ثابت أنه لم يكن يبيع ثمار أمواله حتى تطلع الثريا ، فيتبين الأحمر من الأصفر ، وروي عن ابن عمر وابن عباس : رضي الله عنهم أنه لا يباع حتى يؤكل من الثمر ، قال الشيخ أبو حامد : ولا مخالف لهما من الصحابة ، والله أعلم .

( فرع ) قد ذكرنا : أن العقد المطلق محمول على شرط التبقية ; لأنها المعتاد ، فلو كان في البلاد شديدة البرد كرم لا تنتهي ثمارها إلى الحلاوة ، واعتاد أهلها قطع الحصرم ، ففي بيعها وجهان عن الشيخ أبي محمد : أنه يصح من غير شرط القطع ; تنزيلا لعاداتهم الخاصة منزلة العادات العامة ، فيكون المعهود كالمشروط ، وامتنع الأكثرون من ذلك ، ولم يروا تواطؤ قوم مخصوصين بمثابة العادات العامة ، وهذا الخلاف يجري فيما إذا جرت عادة قوم بانتفاع المرتهن بالمرهون ، والقفال يرى اطراد العادة فيه كشرط عقد في عقد فيفسد الرهن .

وأشار إمام الحرمين إلى تخريج ذلك على مهر السر والعلانية ، وأن هذا أقرب من تلك المسألة ; لأن إعمال التواطؤ في تلك المسألة إلغاء صريح اللغة الثابتة ، فقد لا يحتمل ، ومن نظائر ذلك ما جرت عادة شخص بأن يرد أجود مما استقرض ، فالمذهب : جواز إقراضه ، وفيه وجه ، وهذه مسائل كلها متقاربة المأخذ ، والمخالف في بعضها لعله يخالف في الباقي ، ولكني اتبعت في نقل [ ص: 123 ] مسألة الحصرم - عن الشيخ أبي محمد ، ومسألة الرهن عن القفال - ما في النهاية . ، والرافعي نقل مسألة الحصرم عن القفال ، ( فإما ) لنسبة هذه القاعدة إليه ، ( وإما ) لنقل خاص عنده ، وفي الوسيط نسبه إلى المنع في المسألتين إلى القفال ، ونسبه ابن أبي الدم إلى الخلل والتهافت ، ( أما ) الخلل فلما ذكرته ، ( وأما ) التهافت ففي قوله : المنع وتأويله : أنه خالف من أبطل في مسألة الحصرم ، وخالف من صحح في مسألة الرهن .

قال ابن الرفعة : كلام الشيخ أبي محمد مباين لكلام القفال ; لأن القفال اعتبر العادة وحدها ، والشيخ أبو محمد اعتبر العادة مع كون ذلك لا ينتهي إلى الحلاوة ، فقد يحتمل ذلك حالة كماله ، حتى لو جرت عادة بقطع العنب الذي يجيء منه عنب حصرم ، صح العقد عليه عند القفال بدون شرط القطع ، ومن ذلك يخرج في مسألة الحصرم ثلاثة أوجه .

وهذا الذي قاله ابن الرفعة محتمل ، ولكن ظاهر كلام الناقلين عن الشيخ أبي محمد : أنه إنما اعتبر العادة ، وإنما فرضنا في ذلك ; لأنه الذي يعتاد قطعه حصرما ، ( أما ) أن ذلك معتبر عنده في الحكم فيحتاج إلى نقل ، ومنهم من حمل قول الغزالي ومنع القفال في المسألتين على منع الصحة في مسألة الرهن ، ومنع وجوب التبقية في الحصرم وحمل الحصرم على ما بدا صلاحه ; لقول الجوهري : إن الحصرم أول العنب ، والمراد أنه لا تجب تبقيته إلى أوان الجذاذ ، كما يقتضيه إطلاق غيره من الأصحاب .

وهذا حمل حسن أيضا لكن الأقرب أن الحصرم لم يبد صلاحه ، وقول الجوهري معناه : أول الثمرة التي نهايتها عنب . واعلم : أن ههنا أمورا أربعة يجب التمييز بينها ( أحدها ) : العرف ( والثاني ) : العادة ، وينقسم كل منهما إلى عام وخاص ، والعرف غير العادة ، فإن المراد بالعرف ما يكون سببا لتبادر الذهن من لفظ إلى معنى من اللفظ ، كما تقول : الدابة : حقيقة عرفية عامة في ذوات الأربع ، والجوهر : حقيقة عرفية خاصة في المعنى المصطلح عليه بين المتكلمين ، والمراد من العادة ما هو مألوف من الأفعال [ ص: 124 ] وما أشبهها ، فهذان قسمان متغايران ، العادة والعرف ، وقد تجعل العادة أعم ، وتقسم إلى عادة قولية وهي ما سميناه بالعرف ، وعادة فعلية وهي مقابله . وقد يطلق العرف على الجميع ، والأمران الآخران ( أحدهما ) : الألفاظ التي تطلق في العقود ، وفي تقييد مطلقها ، وتفسير مجملها ( والثاني ) : ما ينزل عليه العقد من الأمور التي تجعل كأنها شرطت في العقد . وهذان أمران مغايران أيضا ، فإن الأول يرجع إلى تنزيل لفظ مطلق جرى في العقد على معنى ، كحمل الدرهم على الدرهم المتعارف في البلد ، وحمل المسلم فيه على السليم ; لأنه المتبادر إلى الذهن عند الإطلاق دون المعيب ، والثاني : يرجع إلى تقدير شرط مضمون إلى العقد كمسألتنا هذه ، فاعتبار العرف العام لا شك فيه في تقييد اللفظ المطلق كما لو قال : اشتر لي دابة ، لم يشتر إلا ذوات الأربع ، والعرف الخاص كالاصطلاح على تسمية الألف ألفين في مهر السر ومهر العلانية .

( وأما ) العوائد الفعلية فإن كانت خاصة ، فلا اعتبار بها ، وإن عمت واطردت فقد اتفق الأصحاب على اعتمادها ، وذكروا لها أمثلة . ( منها ) : تنزيل الدراهم المرسلة في العقود على النقد الغالب ، وهذا إن قدمته في قسم العرف ، فإن هذه العادة أوجب اطرادها فهم أهل العرف ذلك النقد من اللفظ ، فالرجوع في ذلك إلى ما يفهمه أهل العرف من اللفظ إلى العادة ( ومنها ) : أنا لا نخرج المتكارس إلى ذكر المنازل ، وتفصيل كيفية الأجزاء ، وهذا مثال صحيح ، وهي من قسم ما يرجع إلى تقدير شرط مضموم إلى العقد ، وكثير من أحوال العقود يحمل على ذلك كالتسليم والقطع ، والتبقية ، كبقية أجزاء البهيمة المكراة ، والمقدار الذي يطوى في كل يوم ، ووجوب تسليم الإكاف والثفر واللجام وجميع الأدوات عند استئجار الدابة . وضابطه : كل ما غلب على وجه يسبق مقتضاه من اللفظ إلى الفهم ، سبق المنطوق به على وجه يعد التعرض له مستقصيا ، مشتغلا بما لا حاجة إلى ذكره ، وكثيرا ما يسمي الفقهاء ذلك عرفا لعمومه ; ولأن فهم هذه الأشياء صار في العرف لمفهوم اللفظ ، فالتحق بالعادة القولية ، قال الإمام : وكل ما يتضح فيه اطراد العادة فهو الحكم ، [ ص: 125 ] ومضمره كالمذكور صريحا ، وكل ما يتعارض للظنون بعض التعارض في حكم العادة فيه ، فهو مثار الخلاف ، يعني ما تتعارض الظنون في اطراده ، وأما ما لا يطرد جزما ، فلا يعتبر ، وقد أطلق الأصوليون : أن العادة الفعلية لا تعتبر ، فلا تخصص عاما ، ولا تقيد مطلقا ، كما إذا حلف لا يأكل خبزا ، ولا يلبس ثوبا ، فيحنث بأكل خبز الشعير ولبس الكتان ، وإن كانت عادته أن لا يأكل إلا القمح ولا يلبس إلا الحرير ، والسبب في ذلك أن العرف القولي ناسخ للغة وناقل للفظ ، والفعل لا ينقل ولا ينسخ ولا معارضة بينه وبين اللغة ، وإطلاقهم في ذلك الصحيح وما قدمناه غير معارض له ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

ثم أشار الإمام أيضا إلى تخريج مسألة قطع العنب حصرما على خلاف الأصحاب في أن الشيء النادر إذا اطرد ، كدم البراغيث في بعض الأصقاع ، هل يعطى حكم العام فيعفى عنه ، وقطف العنب حصرما في غاية الندور ، فإن فرض اطراد عادة بقعة به ، فهو على ذلك الندور .

( فرع ) لو باع ثمرة لم يبد صلاحها على شجرة مقلوعة . قال الروياني : لا نص فيه ( قال ) وقد قال أصحابنا : يجوز بيعها مطلقا من دون شرط القطع ; لأنها لا تنمو ولا تأخذ من أجزاء الشجرة لو بقيت عليها بخلاف غيرها .

( قلت ) : وهذا يشير إلى المعنى الذي نقله الإمام واستضعفناه فيما تقدم ، ولكن ينبغي أن يقال : لأنه لا يخشى عليها العاهة التي ورد النهي لأجلها ، فإن هذه لا يجب تبقيتها على الشجرة فيما يظهر لي ، وإذا كان كذلك فيجب قطعها في الحال ، والله أعلم .

وممن نص على الصحة في ذلك أيضا الخوارزمي ، وعلله بأن العقد يحمل على العادة ، والعادة فيه القطع ، وكذلك صاحب التتمة والنووي في الروضة ، فهذا ما يتعلق بالقسم الأول ، وهو ما إذا بيعت الثمار مفردة عن الأشجار من غير مالك الأشجار .

( فرع ) إذا اشتراها قبل بدو الصلاح بشرط التبقية وقطع منها شيئا ، قال الشافعي فيما نقله أحمد بن بشرى من نصوصه : إن كان له مثل رده ، ولا أعلم مثلا ، فإذا لم يكن فقيمته ( قلت : ) ومن [ ص: 126 ] هنا أسندت فائدة عظيمة أن المبيع بالبيع الفاسد إذا كان مثليا يضمن بالمثل ، كما هو القياس ، وإن كان بعضهم قال : إنه يضمن بالقيمة ، وإطلاق صاحب التنبيه يقتضيه ، فبهذا النص استفدنا أنه يضمن بالمثل ، والله أعلم .

( فرع ) إذا اشترى ذلك بشرط القطع فلم يتفق القطع حتى بدا الصلاح ، فإن كانت الثمرة لا زكاة فيها فللبائع الإجبار على القطع ، كما كان قبل ذلك ، وإن كانت الزكاة تجب فيها فهل له ذلك ؟ أو لا يجاب إلى ذلك ، بل ينفسخ العقد ؟ فيه قولان ، وقيل : بمجرد بدو الصلاح تعلقت الزكاة بها ، وبطل البيع رواه القفال عن الشافعي لتعذر التسليم ، كما لو اشترى حنطة فانهالت عليها حنطة أخرى قال ابن الرفعة : وهذا فيه نظر ; لأن المستحق بعض المبيع ، وهو على الإشاعة ، فليكن البطلان ، إن قيل به في قدر الزكاة كما إذا استحق بعض المبيع قال : وجوابه : أن ما فضل عن قدر الزكاة يجب قطعه لو بقي العقد فيه وهو لا يمكن ، فلذلك تعذر تسليمه ، وكذلك يمنع من بيع بعض الثمار مشاعا قبل بدو الصلاح ، بناء على منع القسمة ; لأن الشركة تمنع من صحة شرط القطع لما في ذلك من تغيير عين المبيع .

( القسم الثاني ) بحسب ما اقتضاه كلام المصنف إذا بيعت الثمار مع الأشجار من غير شرط القطع ، فإنه يصح ، وقد نص الشافعي رضي الله عنه على هذه المسألة ، نقلها القاضي أبو الطيب عن نصه في الرسالة وقد رأيتها في الأم أيضا في باب ثمرة الحائط يباع أصله ، قال : فإن قال قائل : فكيف أجزتم بيع الثمرة لم يبد صلاحها مع الحائط ، وجعلتم لها حصة من الثمن ولم تجيزوها على الانفراد ؟ ( قيل ) : بما وصفنا من السنة ، وأراد الشافعي بالسنة الحديث المذكور ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : { إلا أن يشترط المبتاع } ، وذكر الشافعي في الأم في هذا الموضع جواز بيع الدار بطرقها ومسيل مائها وأفنيتها ، وذلك غير معلوم ; لأنه في معنى الثمرة التي لم يبد صلاحها تتبع في البيع ، ولو بيع شيء من هذا على الانفراد لم يجز ، وكذلك العبد يباع بجملة جوارحه ، ولو أفرد بعضها لم يجز ، فوافق في هذا وخالف في أنه لا يجوز إفراد بعض جوارحه مع القطع أيضا .

[ ص: 127 ] قال القاضي أبو الطيب : ولو كان القطع يعني في الثمرة إذا بيعت مع الأصل شرطا لقال - يعني في الحديث : إلا أن يشترط المبتاع القطع ، وفيه معنى وهو أنها متصلة بالأصل فعفي عن الغرر فيها كأساسات الدار ، وأصول الجذوع ، وطي الآبار ، وغير ذلك ، وأيضا فإنه إجماع لا خلاف فيه .

هذا كلام القاضي أبي الطيب ، ( وأما ) ما ذكره من المعنى ، فهو الذي ذكره المصنف وذكره غيره من الأصحاب أيضا ، ومرادهم : أن الأصل غير متعرض للعاهة ، والثمرة تابعة ، لكن المصنف عدل عن الأمثلة المذكورة إلى الحمل ، وكأنه لحظ في ذلك أن تلك الأشياء أجزاء من المبيع حقيقة ، والثمرة والحمل كل منهما ليس بجزء حقيقي ، فكان قياسها عليه أولى . ولك أن تقول : أما قياسها على الحمل ، فإن كان المراد ما إذا بيعت الأم ودخل الحمل تبعا فالفرق ظاهر ، وإن كان المراد ما إذا صرح بدخوله حتى يكون كمسألتنا هنا فقد قال الأصحاب : إنه إذا قال : بعتك هذه الدابة وحملها ، ففي صحة العقد وجهان ( أصحهما ) عند الرافعي ، وبه قال ابن الحداد والشيخ أبو علي : أنه لا يصح ( والثاني ) وبه قال أبو زيد ، وهو مقتضى كلام القاضي أبي الطيب : الصحة ، ومقتضى كلام القاضي أبي الطيب في شرح الفروع : أن قول الصحة مفرع على أن للحمل قسطا من الثمن ، والقول الآخر : على أنه ليس له قسط .

( وأما ) قياسها على الأساس فإن كان كلام الأصحاب - وإن كان يقتضي الصحة في بيع الدار وأساسها - لكنهم أجروا خلافا في بيع الجبة وحشوها ، فطريقة قاطعة بالصحة ; لأنه جزء بخلاف الحمل . وطريقة مجرية للخلاف ، فهلا جرى في الثمرة مثل هاتين الطريقين ؟ ( فإن قلت ) : مأخذ البطلان عند من يقول بها في بيع الدابة وحملها ، والجبة وحشوها . أنه جعل المجهول مبيعا مع المعلوم . وكل واحد من الحمل والحشو يمتنع إفراده بالبيع . والثمرة بعد التأبير وقبل بدو الصلاح يصح بيعها . ولكن بشرط القطع ، ولا يلزم من إيجاب هذا الشرط عندما تباع وحدها إيجابه إذا بيعت مع غيرها ، ولا من القول بالبطلان في مسألة الحمل والجبة ، القول به هنا .

[ ص: 128 ] قلت ) : يرد ذلك قول الشافعي رضي الله عنه الذي قدمته قريبا بجواز بيع الدار بطرقها ومسيل مائها وأفنيتها . وذلك غير معلوم ; لأنه في معنى الثمرة التي لم يبد صلاحها تتبع في البيع ، فهذا النص يقتضي الصحة في الجميع ، وأنه إذا قال : بعتك الدابة وحملها يصح ، وهو رأي أبي زيد ، وأيضا فإن الثمرة قبل بدو الصلاح إذا امتنع البيع فيها مطلقا وهي منفردة صارت غير قابلة للبيع على هذه الصورة ، وما لا يجوز بيعه وحده لا يجوز بيعه مقصودا مع غيره كالحمل .

وكيفما قدر لا يصح قياس الصحة في مسألة الثمرة على الحمل إلا عند من يقول بالصحة فيما إذا قال : بعتك الدابة وحملها ( والمشهور ) : خلافه ، فكيف ساغ للمصنف القياس عليه ؟ وممن وافق المصنف على القياس على الحمل الرافعي رضي الله عنه والإشكال عليه أشد ، فإنه صرح بأن بيع الأم وحملها لا يصح على الأصح ( وأما ) المصنف فلعله يرى الصحة ، فإن القاضي أبا الطيب في شرح الفروع قال : إن أكثر أصحابنا على أنه يصح بيع الشاة ولبنها والجبة وقطنها إذا علم أن الحشو قطن . وقال : إن مسألة الحمل مبنية على أن الحمل له قسط من الثمن أو لا .

يعني إن قلنا : له قسط صح ، وإلا فلا لعدم العلم به . ويتفق وجوده ، واستشهد للصحة في بيع الشاة ولبنها ببيع الدار وحقوقها ، والجوز ولبه والرمان وحبه ، على أنه قال في آخر كلامه : إنه يجوز تخريجهما . أعنى الجوز ولبه ، والرمان وحبه ، على الخلاف . فبالجملة الرافعي غير معذور في القياس على الحمل ، وإنما يصح القياس ممن يرى الصحة .

وكلام الشافعي في هذا الباب يدل على أن الحمل ليس له قسط من الثمن ، وذلك يعضد القول بعدم الصحة في مسألة الحمل ، ويقوي الإشكال على القياس عليه ، وقد يترك القياس المذكور لخفاء مأخذ الصحة في مسألة انتفاء المعنى الذي ذكرته عن الإمام في منع البيع بغير شرط القطع ، وهو امتصاصها من ملك البائع .

وهذا المعنى مفقود فيما إذا باعها معها أو نقول : بأنها إذا باعها مع الشجرة حصل تسليمها تاما فحصل الأمن من العاهة في يد البائع بكل من المعنيين المقتضي لبطلان بيعها وحدها ، معقود في بيعها مع الشجرة ، فتعليل الصحة بهذا المأخذ أسلم عن الاعتراض من التعليل بالتبعية ، لما عرفته .

[ ص: 129 ] فإن قلت ) : ظاهر ما حكيته من نص الشافعي يقتضي الصحة في بيع الدار بمسيلها وأفنيتها وطرقها ، وهي غير معلومة ، وكيف يقع العقد على أماكن لم يرها العاقد ؟ ( قلت ) : يغتفر ذلك تبعا كالأساس ، والتحقيق في ذلك كله : أن ما دخل في مسمى البيع وكان جزءا ، فإنه يجوز أن يبيعه معه كحشو الجبة والأساس ، وما كان خارجا عن مسماه وليس بجزء منه ، ظاهر النص الذي حكيته : يقتضي الجواز فيه أيضا ، لأن المسيل والطرق خارجة . وبه جزم القاضي أبو الطيب ، ولم يحك فيه خلافا في شرح الفروع ، فإن صح ذلك فالحمل بطريق أولى من جهة أنه كالجزء ، ويحتمل أن يبطل فيه . وإن صح في تلك تخريجا على أن الحمل لا يعلم ، ولهذا قال الشافعي في كتاب الصرف : ولا خير في أن يبيع الرجل الدابة ويشترط عقالها ، هذا كله إذا جعله مقصودا بأن قال : بعتك النخلة وثمرتها ، أو الجارية وحملها . هذا ما يتعلق بالمعنى الذي أبداه القاضي أبو الطيب والمصنف .

( وأما ) ما ادعاه القاضي أبو الطيب من الإجماع ، فإن ذلك صحيح فيما إذا كان على وجه الاشتراط . كقوله : بعتك هذه النخلة بشرط أن ثمرتها لك . فإن ذلك صحيح لا شك فيه للحديث . أما إذا أتى به على وجه البيع كقوله : بعتك النخلة وثمرتها ، فإنه يجوز عندنا وعند المالكية ، لكن مذهب مالك أنه لا حصة للثمرة من الثمن ، وكذلك مذهبه إذا اشتراها مشتري النخلة بعد شراء النخلة . وهو بعيد .

وقال ابن حزم الظاهري : لا يجوز بيعها مع الأصول ولا فيها إلا بالاشتراط فقط أخذا بظاهر لفظ الحديث ، وللأولين أن يقولوا : إنه لا معنى لإدخالها بالشرط إلا إدخالها في البيع . وإلا فهي لا تدخل عند الإطلاق ومتى أدخلها في البيع بأي لفظ كان فقد صارت مبيعة مع الشجر . نعم هل تقابل بقسط من الثمن أو لا ؟ جزم الشافعي بقوله هنا بأنها تقابل بقسط . وقال في الحمل هنا : إنه لا يقابل بقسط ، مع أن الأصح من المذهب أنه يقابل أيضا .

( فرع ) هذا الحكم الذي ذكرناه من جواز بيع الثمرة مع الأصول من غير شرط القطع ، لا خلاف في المذهب فيما أعلمه . قال الرافعي [ ص: 130 ] رحمه الله - : بل لا يجوز شرط القطع ، لما فيه من الحجر على الشخص في ملكه ، وسبقه في ذلك صاحب التتمة وقال : إنه لو شرطه بطل ( قلت ) : يرد عليه إذا باع الثمرة ممن يملك الأصل ، فإن شرط القطع فيه حجر على الشخص في ملكه يعين ما قال ، ومع ذلك فقد قال الرافعي : إن الأصح عند الجمهور وجوبه ، وعلل الخوارزمي المنع : بأنه يضر بمقتضى العقد ، إذ مقتضاه الإبقاء ، ثم استشكله : بأن ما يحمل عليه مطلق العقد من العادة بين الناس لا يصير قضية لازمة كالإطلاق يحمل على الحلول والنقد الغالب ، ثم لو عين نقدا لا أجلا صح .

وقال ابن الرفعة : يشبه على طريقة الإمام والغزالي فيما إذا شرط في بيع العبد أن لا يكسوه إلا كذا أن يصح ويلغى الشرط . وههنا القبض بالتخلية بلا إشكال ; لأن التخلية تحصل في الأصل والثمرة معا إذ الثمرة تابعة للشجرة في التسليم ، والله أعلم .

( فرع ) إطلاق المصنف جواز بيع الثمرة مع الشجرة قبل بدو الصلاح يشمل ما إذا بدت من أكمامها ، وكانت مرئية وأما إذا لم تكن كذلك - وكذلك من وقفت على كلامهم من أصحاب أطلقوا المسألة ، ويشهد لذلك كلام الشافعي الذي قدمته في بيع الدار بمسيلها وطرقها ، وهي غير معلومة ; لأن ذلك بيع ، وذلك ظاهر إذا قلنا : يجوز بيع الطلع في قشره ، وهو الأصح ، ( أما ) إذا منعناه فيحتمل أن يقال : إنه يجوز أيضا تبعا ، كما سقط شرط القطع ، ويحتمل أن لا كما لو باعها معها بعد الصلاح .

( القسم الثالث ) إذا باع الثمرة وحدها من مالك الأشجار بأن كان يملك أصلها ببيع متقدم أو هبة أو وصية أو كان قد أوصى له بثمرة ومات الموصي ، فملكها وبقيت الأصول للورثة . إذا باع الثمرة في هذه الصورة من مالك الأصول هل يصح من غير شرط القطع ؟ فيه وجهان . ( أحدهما ) : يصح لما ذكره المصنف ، وهو الذي جزم به المصنف في التنبيه ، وصححه الجرجاني والغزالي .

وادعى ابن التلمساني : أن الأكثرين على ترجيحه ، والبندنيجي : أنه ظاهر المذهب ; لأنه لو شرط القطع لم يجب عليه أن يقطع ثمار نفسه عن أشجاره ، فعلى هذا لو شرط القطع بطل العقد ; لأنه ينافي مقتضى العقد ، قاله القاضي حسين في الزروع ، واعترض على القياس الذي ذكره المصنف [ ص: 131 ] بالفرق ، فإنه إذا باع الثمرة وحدها كانت العلة المذكورة في الحديث متوقعة من أكل المال بالباطل .

( وأما ) إذا باعها مع الشجرة فعلى تقدير تلف الثمرة يرجع إلى الأصل فلا يكون أكل المال بالباطل ( والثاني ) وهو الأصح عند الشيخ أبي حامد والقاضي أبي الطيب والمحاملي والروياني والشاشي وابن أبي عصرون ، والجمهور ، على ما حكاه الرافعي : أنه لا يصح ، والفرق بينه وبين ما إذا جمعهما عقد واحد : أن العقد إذا جمعهما كانت الثمرة تابعة معفى عن الغرر فيها كالأساس ، بخلاف ما إذا أفردت .

وقال الروياني مع تصحيحه لهذا الوجه : إن الأول ظاهر المذهب ، وقال في إيجابه : إنه - أعني أظهر القولين - هو القياس ، وفي هذا الكلام أن الخلاف قولان لا وجهان .

( فرع ) على هذا الوجه لا يجب الوفاء بهذا الشرط كما تقدم والخوارزمي في تعليله ، وممن صرح به النووي في المنهاج ، وأبدى ابن الرفعة فيه نظرا ، أخذا من قول القاضي حسين .

قال بعضهم : ويمكن بناء الوجهين على التعليلين في منع بيع الثمرة قبل بدو الصلاح إن علل بالمشار إليه في الحديث ، وهو أخذ الثمرة بتقدير التلف بغير عوض اقتضى البطلان هنا ، وإن علل : بأن توقع التلف قبل الجذاذ يمنع تحقيق التسليم اقتضى الصحة ; لأن التسليم متحقق ، فإن الأصل في ملك المشتري ، فلا علاقة لغيره في المبيع .

وقال ابن الرفعة بعد أن ذكر عن بعضهم في تعليل هذا الوجه : إن سبب التصحيح في بيعهما معا أن الأصل الشجر والثمار فيها ، وإن ذكرت تابعة لها فلا يضر تعرض العاهة لها ، ولا كذلك إذا بيعت منفردة .

قال : وهذا القائل تخير أن يقول : إن التسليم لا يحصل بذلك ، وإلا لم يصح له ما ذكر من التوجيه وهو مستمد من قول بعض الأصحاب : إن من [ ص: 132 ] في يده وديعة ونحوها إذا ابتاعها ووفر الثمن ، لا بد من النقل والتحويل ، ليحصل القبض وفارق ما إذا باع الثمرة مع النخل ، فإن التسليم بالتخلية بينه وبين النخل شملهما ، وعن ابن الصباغ والبندنيجي والمحاملي : أن هذا الوجه القائل بأنه لا يصح إلا بشرط القطع أقيس . وما ادعوه من القياس فيه نظر ، والله أعلم .

ولنرجع إلى كلام المصنف .

( قوله ) : ولا يجوز بيع الثمار والزروع من غير شرط القطع شمل قسمين ، البيع بشرط التبقية المجمع على بطلانه ، والبيع المطلق الذي خالفنا فيه أبو حنيفة ، والاستدلال بالحديث على القسمين ظاهر ، وكذلك بالمعنى الذي ذكره من قوله : ولأن المبيع إنما ينقل على حسب العادة إلى قوله : وذلك غرر من غير حاجة فلم يجز ، وقد تقدم بسط ذلك وبيانه في ذكر حججنا وحجج الخصم .

( وقوله ) : وإن باعها بشرط القطع هو القسم الذي تكلمنا عليه ثانيا ، وادعى جماعة فيه الإجماع وتقدم ما في ذلك ، ( وقوله ) : لا بد أن يأخذه قبل أن يتلف أي يستحق أخذه ، وإلا فقد يتراضيان على بقائه . وقد تقدم أنه يجوز ذلك عندنا .

( وقوله ) : وإن باع الثمرة مع الأصل أي سواء كان ذلك بصيغة الشرط أم بصيغة البيع ( وقوله ) : لأن حكم الغرر يسقطه إشارة إلى أن الغرر لا ينتفي . ولكن لا يكون له حكم شرعا ، ( وقوله ) كالغرر في الحمل يسقط حكمه إذا بيع مع الأصل ، ظاهر ذلك : أنه يختار الصحة فيما إذا باع الجارية وحملها ، وكذلك يقتضيه كلام القاضي أبي الطيب في هذا الموضع ( والأصح ) في المذهب : خلافه كما تقدم .

( وقوله ) : وإن باع الثمرة ممن يملك الأصل إلى آخره ، هو هذا القسم الثالث الذي شرحته ، وقد تقدم ، وسيأتي القسم الآخر الذي بقي من أقسام بيع الثمار ، وهو أن يكون بعد بدو الصلاح في كلام المصنف إن شاء الله تعالى .

( فرع ) إذا باع الثمرة التي لم يبد صلاحها وأطلق ، ثم [ ص: 133 ] باع من مشتريها النخل بعد ذلك ، صح بيعه النخل ، ولا يصح بيع الثمرة ، بل هو مقر على بطلانه وأبدى الإمام في كتاب المساقاة تخريج وجه فيه مما إذا زارعه على الأرض بين النخيل ثم ساقاه عليها أنه يصح ، ويتبين بالمساقاة بعدها صحة المزارعة على بعد من استبعاده لهذا الوجه .

قال : فإن كان لهذا الوجه صحة وثبوت ، فلا بد من طرده في بيع الثمار إذا تقدمت ، واستأخر عنه بيع الأشجار ، هذا ما يتعلق بمسائل الثمار ، ( وأما ) الزروع : فقد أدرجها المصنف مع الثمار وأجراهما مجرى واحدا ، والأقسام التي في الثمار عائدة بعينها في الزروع .

( القسم الأول ) : أن يبيعها مفردة عن الأرض من غير مالك الأرض قبل الاشتداد ، فإن باعها بشرط التبقية أو مطلقا بطل للحديث ، وهو قوله : { وعن السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة } وفي الحديث الآخر : { وعن بيع الحب حتى يشتد } وقياس مذهب أبي حنيفة وتجويزه البيع في الثمار مطلقا : أن يجوزه في الزروع أيضا ، وإن باعها بشرط القطع جاز عندنا وعند جمهور العلماء كما تقدم في الثمار ، وخالف سفيان الثوري وابن أبي ليلى كما خالفا هناك فقالا : لا يجوز مطلقا ، واتفق هؤلاء العلماء المشهورون وسفيان وابن أبي ليلى أيضا : على أنه لا فرق في الزرع في السنبل والقصيل ، يمتنع بيع القصيل من غير شرط القطع .

وخالف ابن حزم الظاهري فجوزه تمسكا بأن النهي إنما ورد عن السنبل ، قال : ولم يأت في منع بيع الزرع منذ ينبت إلى أن يسنبل نص أصلا ، وروي عن أبي إسحاق الشيباني قال : سألت عكرمة عن بيع القصيل . فقال : لا بأس ، فقلت : إنه سنبل فكرهه ، قال : وهذا نفس قولنا . وممن ذكر حكم هذه الأحوال الثلاث مع المصنف في الزرع الماوردي والرافعي وغيرهما ، ولو باع القت أو القصيل بشرط أنه يرعى دوابه لا يصح . ولا يجعل هذا كشرط القطع ، قاله الخوارزمي .

( واعلم ) أن الأصحاب اتفقوا - فيما أعلم - على اشتراط شرط القطع في هذا القسم ، وقال الغزالي في الوسيط : ( أما ) البقل إن بيع مع الأصول ، فلا يشترط القطع ، وإن بيع دون الأصول [ ص: 134 ] ينزل على القطع .

قال ابن أبي الدم : يريد به أنه لا بد من شرط القطع فيه ، قال الإمام : لا بد من شرط القطع فيه وهكذا قال ابن يحيى في محيطه : إنه لا بد من شرط القطع ، وذكره الشيخ في البسيط في الزرع الأخضر ، وهكذا ذكره الجماعة في الزرع الأخضر ، وكان يمكن أن يقال : لا يشترط اشتراط القطع في هذا ، بل متى أطلق نزل العقد على شرط القطع ، خوفا من الاختلاط ، بخلاف الثمار ، ولفظ الشيخ في الوسيط يشعر به ، لكن المنقول ما ذكرته ، هذا كلام ابن أبي الدم .

وقال ابن الرفعة : إن الأشبه الفرق بين أن يكون ذلك لم ينبه إلى الحالة التي يجذ فيها ، فلا يجوز بيعه إلا بشرط القطع ، أو أن ينتهي فيجوز كما ذكرنا عن الماوردي ، وعليه يحمل كلام الغزالي ; لأنه ذكره عند الكلام في بيع ما بدا صلاحه ، فظاهر نصه في الأم يدل على ذلك لقول الشافعي فيها : لا يجوز أن يباع القرط إلا جذة واحدة عند بلوغ الجذاذ ، ويأخذ صاحبه في جذاذه عند ابتياعه . وقال في هذه الحالة : إنه إذا تركه من غير شرط في العقد أياما - وقطعه ممكن في أول منها - كان المشتري منه بالخيار في أن يدع الفضل الذي له بلا ثمن أو ينقض البيع .

( قلت ) : وهذا حمل حسن ، وعليه يدل كلام القاضي حسين ، ومراد ابن الرفعة بكلام الماوردي ما سيأتي عنه في بدو الصلاح ، وأنه جعل لذلك النوع حالة إصلاح ولكن في كلام الشافعي الذي اعتضد به ابن الرفعة ما يفهم أنه إذا شرط تركه لم يصح ، وهو ظاهر ; لأنه يؤدي إلى اختلاط ، فإن ثبت ذلك وثبت أنه لا يشترط فيه شرط القطع يكون هذا نوعا مما بدا صلاحه ، لا يجوز فيه شرط التبقية ويجوز فيه شرط القطع والإطلاق ، لكن يكون هذا فيما يعتاد جذه حتى يكون ذلك صلاحا فيه .

( أما ) الزرع الذي يعتاد إبقاؤه فمتى باعه بغير شرط القطع فسد ، سواء كان بقلا أو قصيلا أو سنبلا ، ما لم يشتد . وقال الشافعي أيضا : لا يجوز بيع القصيل إلا على أن يقطع مكانه مما يستخلف أو لا يستخلف ، ولا يزيد ، وهذا النص يحمل على ما لم يبد صلاحه ، ولا ينافي ما قاله ابن الرفعة ، وهذا القسم هو الذي نتكلم فيه هنا .

[ ص: 135 ] وأما ) الأول الذي يكون وصل إلى حالة صلاح ، فسيأتي الكلام في بيع ما بدا صلاحه ، والله أعلم .

( القسم الثاني ) : أن لا يباع الزرع مع الأرض فيجوز من غير شرط القطع كما مر في الثمار مع الأشجار ، وممن نص عليه مع المصنف الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والماوردي والمحاملي والرافعي وبقية الأصحاب ، والمباحث المتقدمة هناك عائدة هنا .

( تنبيه ) إطلاق المصنف جواز بيع الزرع والثمرة مع الأرض والشجر ، يشمل ما إذا كان الزرع لم يتسنبل بعد ، أو تسنبل ولم يشتد ، ولذلك صرح به الأصحاب ، وهو بإطلاقه يشمل ما إذا كان الحب الذي في السنبل غير المشتد مرئيا كالشعير أو غير مرئي كالحنطة ، وإنما فصلوا بين المرئي وغيره فيما بعد بدو الصلاح على ما سيأتي إن شاء الله تعالى .

فإن كانت التبقية تقتضي المسامحة في ذلك فينبغي في الموضعين ، وإلا فما الفرق وقد تقدم مثل ذلك في الثمار أيضا .

( القسم الثالث ) : إذا باع الزرع وحده من مالك الأرض فهو كبيع الثمرة من مالك الشجرة ، جزم المصنف في التنبيه بالجواز ، وذكر ههنا الوجهين ، وقد تقدم ذكرهما ، ولم أر من صرح بهذه المسألة في الزرع غير المصنف والقاضي حسين والروياني والجرجاني والمتولي ، ومقتضى نصه الذي نقلوه عن الرهن أيضا يدل له ، وكثير من الأصحاب يقتصرون على حكم الثمار ، وكأنهم مكتفون بذلك عن ذكر حكم الزرع .

قال القاضي حسين وغيره : فعلى قولنا : لا يحتاج إلى شرط القطع ، لو شرط فيه القطع بطل العقد ; لأنه ينافي مقتضى العقد ، وفيه ضرر على المشتري .

( فرع ) قول المصنف هنا : إذا باع الزرع ممن يملك الأرض ، وقال في التنبيه من صاحب الأصل فظاهره أيضا : أنه المالك ، فلو باع الزرع من مستأجر الأرض وذلك يفرض في صور ( منها ) إذا استأجر أرضا وزرعها وباع الزرع بشرط القطع وتراضيا على إبقائه ، ثم اشتراه البائع مطلقا ، هل يكون كالمالك ؟ أو لو كان المالك غير مستحق للمنفعة بأن كانت مستأجرة مثلا ؟ هل يستمر الحكم المذكور ؟ [ ص: 136 ] أو نقول : إن المالك في هذا الوقت لا يد له ولا منفعة فهو كالأجنبي ؟ ( وأما ) الثمرة : فلا يمكن فيها ذلك ; لأن الشجرة لا يجوز استئجارها ، كما صرح به بعض الأصحاب في هذا الباب .

( فرع ) لو باع الزرع من مالك الأرض بالأرض ، فإنه يصح ويشترط فيه ذكر القطع ، قاله القاضي حسين وصاحب التتمة والخوارزمي ، وهو ينبغي أن يكون تقييدا لما تقدم من الإطلاق ، وعلى قياسه إذا باع الشجرة بالشجرة .

( فرع ) قد تقدمت الأحاديث الواردة في المنع عن بيع الثمار قبل بدو الصلاح ، ( ومنها ) ما هو مطلق ( ومنها ) ما هو وارد في النخل ، قال ابن عبد البر : ولا خلاف بين العلماء أن جميع الثمار داخل في معنى ثمر النخل ، وأنه إذا بدا صلاحه وطاب أوله حل بيعه .

( فرع ) لا فرق في الثمار بين ما يجذ كالبلح والبسر ، أو يقطف كالحصرم والعنب . أو يجمع كالبطيخ والقثاء والخيار والباذنجان . وكذلك التفاح والكمثرى والخوخ واللوز والرانج . كلها تجزي فيها الأقسام المتقدمة والآتية في بيعها قبل بدو الصلاح وبعده ، ومنفردة وتابعة ، والله أعلم .

( فرع ) الفجل المغروس في الأرض والسلجم والجزر والسلق إذا اشترى ورقه فإن شرط القطع جاز ، أو التبقية أو أطلق لم يجز . وإن اشترى أصله المغروس في الأرض لم يجز ، سواء قلنا : بيع الغائب باطل أو صحيح ; لأنه لا يمكن رده إلى البائع على صفته . قاله القاضي أبو الطيب والقاضي حسين وغيرهما .

( فرع ) قال القاضي حسين : إذا باع أصل الكراث مع الكراث صح العقد ، ويؤمر بالقلع ، ولو باع العروق بدون الكراث لم يصح ، ويكون بيع الغائب وبيع المجهول ، ولو باع القصب الفارسي وما يتكرر قطعه حكمه حكم الكراث .

وقال في الجوز ونحوه : إذا كان في الأرض ولم يكن بعضه ظاهرا من الأرض فإنه يجوز بيعه كالصبرة إذا رأى [ ص: 137 ] ظاهرها دون باطنها ، وسيأتي عن الإمام : أن البقول التي تتزايد لا يجوز بيعها إلا بشرط القطع مطلقا . وليس لها حالة كمال بدو الصلاح .

( فرع ) قال ابن الحداد في المولدات : باع نصف ثمرة على رءوس النخل قبل زهو الثمرة ، فالبيع باطل ; لأنه لا يمكن أن يقسم . وكذلك إن باعه نصف زرعه بقلا ، وكذلك قاله القاضي حسين في الزرع والروياني في الزرع والثمرة جميعا ، وقد ذكر هذا الفرع غير واحد من الأصحاب ، ونص عليه الشافعي في الصلح أنه لا يجوز على نصف الزرع ، وذكره المزني آخر مسألة في كتاب الصلح .

قال الرافعي وغيره : وعللوه بأن البيع والحالة هذه يفتقر إلى شرط القطع ، ولا يمكن قطع النصف مشاعا إلا بقطع الكل فيتضرر البائع بنقصان عين المبيع ، فأشبه ما إذا باع نصفا معينا من سيف أو أسطوانة وعليها سقف دار بحيث لا يمكن تسليمها إلا بهدم الدار ، فإنه لا يصح العقد فيه .

وقال الرافعي : وما ذكروه من أن قطع النصف لا يمكن إلا بقطع الكل إنما يستمر بتقدير دوام الإشاعة وامتناع القسمة .

( أما ) إذا جوزنا قسمة الثمار في حال الرطوبة بناء على أنها إفراز ، فيمكن قطع النصف من غير قطع الكل ، بأن يقسم أو لا ؟ فليكن منع القول مبنيا على القول بامتناع القسمة لا مطلقا ، وعلى هذا يدل كلام ابن الحداد .

قال القاضي أبو الطيب : هو الصحيح ( قلت ) : قد قدمت في باب الربا في جواز قسمة الثمار على الأشجار أنه في غير الرطب والعنب ، لا يجوز قطعا . وفي العنب والرطب ثلاث طرق ( أصحها ) وهي التي رجحها صاحب التهذيب والمحاملي : أنه لا يجوز ، وإن قلنا : إنها إفراز ( والثاني ) : تخريجها على القولين ( والثالث ) : يجوز ، وإن قلنا : إنها بيع ، ومحل الطرق الثلاث على ما نبه عليه المحاملي ما بعد بدو الصلاح ، ( أما ) قبل بدو الصلاح ، فلا يجوز جزما ، وإن كان كلام كثير من الأصحاب مطلقا ، وفتياابن الحداد هنا ومن وافقه صحيحة في غير العنب والرطب جزما ، وفي الرطب والعنب إما جزما على ما قاله المحاملي ، وإما على الأصح إذا جعلنا الخلاف مطلقا .

وما صححه القاضي أبو الطيب من تخريجها على الخلاف في [ ص: 138 ] القسمة - وإن كان مخالفا لما قاله المحاملي - فليس فيه تصحيح للجواز ; لأنه لم يذكر هنا ، أما الأصح عنده في القسمة وقد صحح الرافعي في باب الربا : أن قسمة ذلك تبع ، فيكون الأصح عنده على مقتضى ذلك : أنه لا يجوز قسمتها ، وإن كان في باب القسمة حكى اختلاف التصحيح في قسمة المتشابهات . وهذا كله بناء على ما أفهمه نقل الرافعي عن أبي الطيب من آخر الخلاف في ذلك ، والذي ادعاه ابن أبي الدم : أنه لا خلاف في البطلان ، وأن ابن الحداد علله بامتناع القسمة وغلطه الأصحاب في التعليل ، وأن أبا الطيب قال : الصحيح ما علل به ابن الحداد ، وقد نص الشافعي على هذه العلة ، فالتصحيح حينئذ في التعليل ولا خلاف في الحكم .

وقد قال الشافعي رضي الله عنه في باب الآجال من الأم : إنه إذا كان بين القوم حائط فيه الثمر لم يبد صلاحه ، فأرادوا اقتسامه فلا يجوز قسمه بالثمرة بحال ، وكذلك لو بدا صلاحها لم يجز من قبل أن للنخل والأرض حصة من الثمن ، وللثمرة حصة من الثمن . فتقع الثمرة بالثمرة مجهولة ، لا بخرص ولا تبع ، ولا تجوز قسمته إلا أن يقتسما الأصل ، وتكون الثمرة بينهما مشاعا إن كانت لم تبلغ ، أو كانت قد بلغت ، غير أنها إذا بلغت لا بأس أن يقتسماها بالخرص قسما منفردا ، وإن أرادا أن يقتسما الثمرة مع النخل اقتسماها ببيع من البيوع ، فيقوما كل سهم بأرضه وشجره وثمره ، ثم أخذ بهذا البيع لا بقرعة .

وإذا اختلف فكان نخلا وكرما فلا بأس أن يقسم أحدهما بالآخر وفيهما ثمرة ; لأنه ليس في تفاضل الثمرة بالثمرة تخالفها ربا في يد بيد انتهى ، فهذا نص في امتناع القسمة قبل بدو الصلاح ، وأوله يقتضي امتناع القسمة بعد بدو الصلاح أيضا ، لكن قوله : غير أنها إذا بلغت ، فلا بأس أن يقتسماها بالخرص قسما منفردا يقتضي جواز قسمها بعد بدو الصلاح فليتأمل .

( واعلم ) : أن ابن الحداد علل المنع في ذلك بامتناع القسمة كما رأيت ، وغلطه بعض الأصحاب في التعليل ، وقال : ليس العلة أنه لا يصح قسمتها ، فإن البيع لا يصح وإن قلنا : قسمتها صحيحة ، وإن القسمة إفراز ، وإنما لم يصح ذلك ; لأن اشتراط القطع لا يصح فيها ; [ ص: 139 ] لأن نصفها مشاعا لا يمكن قطعه ، قال القاضي أبو الطيب : هذا الذي قاله هذا القائل ليس بصحيح ، والتعليل هو الذي ذكره ابن الحداد ، ونص الشافعي كذلك .

قال في الصلح : لو كان الزرع بين الرجلين وصالحه أحدهما على نصف الزرع لم يجز من قبل أن الزرع لا يجوز أن يقسم أخضر ، ولا يجبر شريكه على أن يقطع منه شيئا ، ومقتضى هذا الكلام من أبي الطيب : أن علة ابن الحداد هي الصحيحة ، وأن القول بذلك مبني على امتناع القسمة وأن القائل الآخر خالفه في التعليل وعمم الحكم ، ثم قال القاضي أبو الطيب بعد ذلك : أنه إذا قلنا : تصح قسمة الثمار صح بيعه ; لأن شرط القطع يصح فيه ، فيبيع نصف الثمرة أو نصف الزرع بشرط القطع ثم يطالبه بالقسمة في الحال فيقاسمه ثم يقطعه .

( وأما ) إذا قلنا : لا تصح القسمة فباع نصفها بشرط قطع الجميع لم يصح ; لأن البائع لا يجبر على قطع ما لم يبع ، والشرط فيه لا يصح ، ولا يمكن قطع المبيع منفردا ; لأنه مشاع ، وهذا الذي قاله القاضي بعد أن قرر أن العلة الصحيحة امتناع القسمة ، وأن المسألة مبنية عليها وهو صحيح ، لكن قد ثبت أن الثمار لا تصح قسمتها ، وكفى بهذا النص الذي في الصلح دليلا على امتناع قسمتها ، والله أعلم .

ولم أر أحدا صرح بجواز بيعها غير القاضي في هذا الكلام الذي قاله ، ويشبه أن يكون تفريعا من عنده على مقتضى البناء على القسمة ، وما أفهمه نص الشافعي ، ولقائل أن يقول : ليس التمسك بمفهوم ذلك على إثبات خلاف في هذه المسألة بأولى من التمسك به على امتناع القسمة ، والجزم بامتناع البيع ههنا ، وكيفما قدر فالمنع في هذه المسألة إما أن يكون هو الصحيح أو يكون مجزوما به ، وإذا نظرت إلى كلام الرافعي بمجرده ، وما قاله فيما إذا جوزنا قسمة الثمار الرطبة بناء على أنها إفراز ، وما حكاه عن أبي الطيب : أن تخريجها على ذلك هو الصحيح ، وفي ذهنك : أن قسمة المماثلات إفراز ، توهمت من مجموع ذلك : أن الصحيح الجواز في هذه المسألة ، وليس كذلك بل الزرع لا يجوز جزما ; لأنه لا تجوز قسمته خرصا جزما ، والثمار غير الرطب ، والعنب كذلك ، والرطب والعنب يجري [ ص: 140 ] فيهما الخرص ، وفي قسمتهما خرصا خلاف ، المنقول عن نصه في الصرف الجواز .

وذكر الرافعي : أنه الأصح تفريعا على أن القسمة إفراز ، لكنه ذكر في ذلك الموضع أن الأظهر أنها بيع ، فيكون الأظهر امتناع البيع في ذلك . والعجب من القاضي أبي الطيب ، كيف صرح هنا ببيع الزرع على قسمته ، مع أنه جزم في باب الربا أنه لا تجوز قسمة غير الرطب والعنب خرصا ، وإنما يتأتى ذلك عند من يرى أنه تجوز قسمته خرصا ، ولا أعلم أحدا صرح بذلك ، إلا أن لنا وجها ضعيفا أن الخرص يجري في غير الرطب والعنب ، فيجيء على مقتضاه خلاف في قسمة ذلك خرصا ، قال ابن الرفعة : ( فإن قلت ) : الأصحاب قالوا في كتاب المساقاة : إن بيع بعض الثمار مشاعا بعد بدو الصلاح يصح ، وإن لم تجز القسمة ( قلت ) : صحيح ; لأن التبقية تجب على البائع ، وهي تستلزم تبقية الباقي إذا لم تجز القسمة بالخرص ، وليس فيها تغيير عين المبيع ، والله أعلم .

( فرع ) من هذا الجنس لو باع نصف الثمرة مع نصف النخل صح ، وكانت الثمار تابعة ، قاله الرافعي وغيره ، وكذا إذا باع نصف الثمرة مع جميع الشجرة . قاله الخوارزمي ، فلو شرط القطع في ذلك احتمل أن يكون اشتراطه في بيع كل الثمرة مع كل الأصل ، واحتمل أن يكون أولى بالفساد ; لأجل امتناع القسمة ، ولو كانت الشجرة أو الأرض لواحد والثمرة أو الزرع لآخر ، فباع نصف الثمرة من مالك النخل ، أو نصف الزرع من مالك الأرض ، فوجهان مبنيان على الوجهين في اشتراط القطع ، لو باع الثمرة كلها من صاحب الأصل ، قاله القاضي حسين في الزرع ، والرافعي في الثمرة .

وقد تقدم الخلاف في الأصح من الوجهين ، وأن الأصح الاشتراط ، فيجيء عليه أن الأصح هنا عدم الصحة

ولو كانت الثمار والأشجار أو الزروع والأرض مشتركة بين رجلين ، فاشترى أحدهما نصيب صاحبه من الزرع أو الثمرة لم يصح ، وقال الخوارزمي : إن اشترى نصيب صاحبه من الزرع بنصيبه من الزرع ، لم يجز لا مطلقا ولا بشرط القطع على الأصح ، فأشعر [ ص: 141 ] بخلاف ، ولعله الذي تقدم الكلام فيه في بيع نصف الثمرة والزرع مشاعا على قولنا : القسمة إفراز ، ولو اشترى نصيب صاحبه من الثمرة بنصيبه من الشجرة ، أو نصيب صاحبه من الزرع بنصيبه من الأرض ، فإن باعه مطلقا لم يجز ، وإن كان بشرط القطع صح ; لأن جملة الثمار أو الزرع تصير للمشتري ، وجملة الشجر أو الأرض تصير للآخر ، وعلى مشتري الثمرة أو الزرع قطع الكل ; لأنه التزم بهذه المعاملة قطع النصف المشترى بالشرط ، والتزم تفريغ الأشجار والأرض لصاحبه .

وبيع الشجرة أو الأرض على أن يفرغها للمشتري جائز ، قاله القاضي حسين في الزروع ، والرافعي في الثمار ، وكذلك القاضي أبو الطيب في شرح الفروع

ولو كانت الأشجار أو الأرض لواحد ، والثمرة أو الزرع لاثنين ، فاشترى صاحب الشجرة نصيب صاحبه من الثمرة بنصف الشجرة ، أو اشترى صاحب الأرض نصيب صاحبه من الزرع بنصف الأرض ، بشرط القطع ، صح قاله الرافعي ، وإن كان بغير شرط القطع ، ففيه وجهان مبنيان على اشتراط القطع إذا باع الكل من صاحب الأصل ، قاله القاضي حسين ، فأما إذا باع نصف الثمرة أو نصف الزرع من غير مالك الأرض فيشترط شرط القطع قولا واحدا .

وقال الخوارزمي في الكافي : لو كان الزرع لهما والأرض لأحدهما فباع أحدهما نصيبه من الزرع والبقل من صاحبه لا يجوز لا مطلقا ، ولا بشرط القطع ، كما لو باع من غيره ، ولو كانت الأرض لاثنين والزرع لواحد عكس ما تقدم ، فإن باع الزرع من أجنبي فالحكم واضح ، وإن باعه من مالك الأرض فيخرج على الوجهين ، وإن باع الكل من أحدهما لم يصح ، وإن باع النصف من أحدهما يخرج على الوجهين ، إن قلنا : لا يحتاج إلى شرط القطع جاز ، وإلا فلا ، قاله القاضي حسين ، ولو كان الزرع لواحد والأرض لآخر فباع الزرع بالأرض ، فقد تقدم . ولو باع صاحب الزرع زرعه من صاحب الأرض بنصف أرضه ، قال في التتمة : فإن قلنا : إنه إذا باع الزرع من مالك الأرض بشرط القطع فالعقد صحيح ، ويشترط القطع في الكل ; لأن كل الزرع مبيع .

( وإن قلنا ) : لا يعتبر فيه شرط القطع ، فالعقد باطل ; لأن شرط القطع في النصف مبطل للعقد ; لأن الأرض ملكه ، ولا يمكن [ ص: 142 ] إفراز النصف بشرط القطع فيه ; لأن النصف لا يعرف إلا بالقسمة ، ولو اشترى جميع الأرض بنصف الزرع فيها ، فالعقد باطل . قاله في التتمة .

وإطلاق صدر المسألة في أنه لا يجوز بيع نصف الزرع مشاعا يشمله ، ولو باع جميع الزرع مع نصف الأرض قال في التتمة : لا يجوز ; لأن النصف الذي هو مبيع مع الأرض لا يجوز شرط القطع فيه ، والنصف الذي هو مبيع دون الأرض لا بد من شرط القطع ، وشرط القطع في النصف لا يمكن ، والله أعلم ، ولو استثنى نصف الثمرة غير المؤبرة فقد تقدم في موضعه

( فرع ) رأيت في المطارحات لابن القطان أنه إن باع نصف الزرع مشاعا مع جميع الأرض جاز ، فإن باعه مع بعض الأرض أو دون الأرض لم يجز ، ولم يتضح لي ذلك . ولعله غلط في النسخة

( فرع ) في رهن الثمرة وهبتها قبل بدو الصلاح خلاف ، سيأتي إن شاء الله تعالى في موضعه إن يسر الله ذلك .

( فرع ) قال أحمد بن بشر عن نصه : ولا بأس بشراء نصف الثمرة جزافا قال أحمد : يشبه أن يكون بعد بدو صلاحها .

( فرع ) البطيخ له أحوال ( الحالة الأولى ) : أن يبيعه مع الأرض فيستغني عن شرط القطع . وتكون الأرض كالشجرة .

( والحالة الثانية ) : أن يفرد أصول البطيخ بالبيع ، قال العراقيون والإمام وغيرهم : يجوز ولا حاجة إلى شرط القطع ، إذا لم يخف الاختلاط ، ثم الحمل الموجود يبقى للبائع ، وما يحدث يكون للمشتري ، قال ابن الرفعة : ولم يخرجوه على ما إذا أطلعت النخلة بعد البيع ، وكان بعض ثمرتها مؤبرة حين البيع لأجل أن ذلك يعد حملا واحدا ، وهذه بطون .

وإن خيف اختلاط الحملين ، فلا بد من شرط القطع ، فإن شرط فلم يتفق حتى وقع الاختلاط فطريقان سنذكرهما في نظيره [ ص: 143 ] إن شاء الله تعالى ، ولو باع الأصول قبل خروج الحمل ، فلا بد من شرط القطع أو القلع كالزرع الأخضر ، فإذا شرطه ثم اتفق بقاؤه حتى خرج الحمل فهو للمشتري ، قال ابن الرفعة : وفي صحة البيع نظر ; لأن مثله لا ينتفع به الانتفاع المقصود .

( الحالة الثالثة ) : أن يبيع البطيخ مع أصوله منفردا عن الأرض ، فالذي قاله القاضي أبو الطيب وغيره من العراقيين الصحة ، وقال الإمام والغزالي والمتولي : لا بد من شرط القطع ، لأن البطيخ مع أصوله متعرض للعاهة بخلاف الشجر مع الثمرة ، وذكر ابن الرفعة : أن هذا من تفقه الإمام وأن المنقول خلافه ، واعتمد في ذلك على فهمه لكلام جماعة من العراقيين ، والرافعي أبدى ذلك تخريجا فقال : قضية ما نقلناه في بيع الأصول وحدها إذا لم يخف الاختلاط أنه لا حاجة لشرط القطع ، فليعلم قول المصنف - بالواو - وكذلك ، وهذا الذي قاله الرافعي متعين ، إما أن يقال بالجواز في المسألتين أو بالمنع فيهما ، والأول أقرب إلى كلام العراقيين .

( والثاني ) : مقتضى كلام القاضي حسين والفوراني والإمام : يلزمه الفرق بين بيع الأصول وحدها وبيع الأصول مع البطيخ ، حيث قال بالصحة في الأول ، ومنع في الثاني ، وكيفما قدر فالصحيح ما فهم من كلام العراقيين من إطلاق الصحة في الموضعين ، وفي كلام الشافعي في المختصر ما يمكن التمسك به في ذلك .

( الحالة الرابعة ) : أن يبيع البطيخ وحده دون أصوله ، فإن كان قبل بدو الصلاح لم يصح ، وإن كان بدا الصلاح في كله أو بعضه نظر - إن كان يخاف خروج غيره - فلا بد من شرط القطع ، فإن شرط فلم يقطع ففي الانفساخ للبيع قولان يأتي نظيرهما إن شاء الله تعالى .

وقال ابن الرفعة : قد يقال : إن ذلك ظاهر على قولنا : إن الاختلاط إذا حصل يبطل البيع ، أما إذا قلنا : لا يبطل فيصح ههنا . والفرق بين ذلك وبين توقع التلف : أن المالية هناك تذهب كما يشير إليها الخبر ولا كذلك ههنا . وإن كان لا يخاف خروج غيره جاز من غير شرط القطع ، والباذنجان والقثاء والخيار ونحوه كالبطيخ في الأحوال المذكورة ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية