صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : وبدو الصلاح في الثمار أن يطيب أكلها ، فإن كان رطبا بأن يحمر أو يصفر ، وإن كان عنبا اسود بأن يتموه ، وإن كان أبيض بأن يرق ويحلو ، وإن كان زرعا بأن يشتد وإن كان بطيخا بأن يبدو فيه النضج ، وإن كان قثاء بأن يكبر بحيث يؤخذ ويؤكل ، والدليل عليه ما روى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : { نهى عن بيع الحب حتى يشتد ، وعن بيع العنب حتى يسود ، وعن الثمرة حتى تزهي } ، وروى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : { نهى عن بيع الثمرة حتى تطعم } .


[ ص: 149 ] الشرح ) أما حديث أنس فروى البخاري منه : أن النهي عن بيع الثمرة حتى تزهي ، وفي رواية : ثمر النخل ، وروى الترمذي منه النهي عن بيع العنب حتى يسود ، وعن بيع الحب حتى يشتد ، وقال : حسن غريب لا يعرفه مرفوعا إلا من حديث حماد بن سلمة ، وروى البيهقي الجميع كما ذكر المصنف ، لكن قدم ذكر الثمرة على الحب والعنب ، ( وأما ) حديث جابر فرواه البخاري ومسلم رحمهما الله ، ولفظهما : { عن بيع الثمرة حتى تطيب } ، وعندهما في رواية أخرى واللفظ للبخاري رضي الله عنه " أن تباع الثمرة حتى تشقح ، فقيل وما تشقح ؟ قال : تحمار وتصفار ويؤكل منها " ، وعند مسلم في رواية : { وعن بيع الثمرة حتى تطعم } كما ذكرها المصنف ، فإذا أردت عزو حديث جابر الذي في الكتاب على الإطلاق قل : رواية مسلم . وقوله : يتموه قال ابن أبي عصرون : يدور فيها الماء الحلو ، ويصفو لونها ، وقوله : يشتد أي يصلب ويقوى . وقد تقدم ذلك ، وقوله : حتى يطعم - بضم الياء وكسر العين - ويقال - بفتح العين - وضبطه ابن البدري أنه - بفتح التاء والعين - أيضا وهي خطأ ، قال : معناه حتى تصير طعما ، وقيل : تبلغ حين تطعم ، وقد ورد في الصحيح من حديث ابن عمر أن النبي : صلى الله عليه وسلم { نهى عن بيع النخل حتى يزهو ، وعن السنبل حتى يبيض } . " ولا تنافي بين هذا وبين حديث أنس المتقدم أنه نهى عن بيع الحب حتى يشتد ; لأن وقت اشتداده وقت مبادي بياضه .

( أما الأحكام ) فقد اختلف الناس في تفسير بدو الصلاح ، فروي عن ابن عمر أن " بدو الصلاح في الثمر بطلوع الثريا " ، وقد تقدم ذلك في الحديث عنه ، وحكي عن عطاء وجماعة : أن بدو الصلاح أن يوجد في الثمرة ما يؤكل قليل أو كثير ، قال ابن المنذر : وروينا ذلك عن ابن عمر وابن عباس ، وروي عن النخعي : أن بدو الصلاح بقوة الثمرة واشتدادها ، وعندي أن ذلك ليس باختلاف محقق يرجع إلى معنى ، وكان ابن عمر إنما أطلق طلوع الثريا ; لأنه أوان طيب الثمرة غالبا عندهم في ذلك الوقت ، فتباين الألفاظ عن العلماء في ذلك لا ينبغي أن يعتمد عليه في إثبات اختلاف .

ومذهبنا : أن بدو الصلاح [ ص: 150 ] يرجع إلى تغير صفة في الثمرة ، وذلك يختلف باختلاف الأجناس ، وهو على اختلافه راجع إلى شيء واحد مشترك بينهما وهو طيب الأكل ، وفي ذلك جمع بين الحديثين اللذين ذكرهما المصنف فإن حديث أنس اعتبر الاشتداد في الحب والاسوداد في العنب والزهو في الثمرة ، وحديث جابر دل على اعتبار الطعم في الثمرة ، وهي تشمل العنب وغيره ، فيكون اعتبار الاسوداد وشبهه ; لأنه وقت للطعم لا لعينه ، فلذلك قال في الحديث : { حتى تطيب } .

قال الأصحاب : ولا يصح ضبطه بطلوع الثريا ; لأن من البلاد ما يتأخر فيه صلاح الثمر ، أو يتقدم ، بل البلد الواحد قد يتعجل في عام ، لاشتداد الحر ودوامه ، ويتأخر في آخر لاشتداد البرد ودوامه ، وطلوع الثريا لا يختلف ; لأنها تطلع بعد ثمانية عشر يوما من بشنس قالوا : وكذلك اعتباره بالأكل لا يصح ; لأن ثمار النخل تؤكل طلعا وبلحا ، والكرم يؤكل حصرما ، وليس ذلك صلاحا له ، ولا يصح اعتباره بالقوة ; لأن قوة الثمرة قبل صلاحها ، وإذا صلحت لانت ونضجت .

وقد أشار الشافعي رضي الله عنه إلى اختلاف بدو الصلاح في أجناس الثمار بقوله : وللخربز نضج كنضج الرطب ، فإذا رأى ذلك فيه حل بيع خربزه ، والقثاء تؤكل صغارا طيبا ، فبدو صلاحه أن يتناهى عظمه أو عظم بعضه ، ( واعترض ) عليه أبو بكر بن داود بأنه إما أن يكون الشافعي رضي الله عنه أراد أن يعلمنا أنه يحب القثاء ، فلا فائدة في ذلك ، أو أن يعلمنا المحسوسات ولا يجوز أن يعلم الناس ذلك ; لأنهم يعلمونه ضرورة . ( وأجاب ) الأصحاب : بأن الشافعي قصد بهذا القول أن يفرق بين ما طعمه في الابتداء مخالف لما يكون في النهاية ، وأن القثاء [ ص: 151 ] بخلاف ذلك ; لأنه في ابتدائه وصغره طعمه كطعمه في حال كبره ، بخلاف بقية الثمار ، فإنها تكون في ابتدائها حامضة أو مرة ، ثم تصير حلوة ، وأكثر الأصحاب لم يذكروا لبدو الصلاح ضابطا كما فعل المصنف ، بل جعلوه مختلفا كما اقتضاه كلام الشافعي .

قال الماوردي : وجملة الثمار على ثمانية أقسام ( أحدها ) : ما يكون بدو الصلاح فيه باللون ، وذلك في النخل بالاحمرار والاصفرار ، وفي الكرم بالحمرة أو السواد أو الصفار والبياض ، ( وأما ) الفواكه المتلونة ( فمنها ) ما يكون صلاحه بالصفرة كالمشمش ( ومنها ) ما يكون بالبياض كالتفاح . ( قلت ) : ومحل ذلك فيما يتلون عند الإدراك بلون يخالف اللون السابق ، وجعل القاضي أبو الطيب نوعا من التفاح يكون أخضر في حال كماله كما يكون في صغره ، قال : فبدو الصلاح فيه بطيب طعمه وحلاوته ، وكذلك جعل الشيخ أبو حامد العنب الأبيض ، وما قالاه ظاهر .

( القسم الثاني ) : ما بدو صلاحه بالطعم ، فمنه ما يكون بالحلاوة كقصب السكر ، ومنه ما يكون بالحموضة كالرمان ، فإذا زالت المرارة بالحموضة أو الحلاوة فقد بدا صلاحه . ( القسم الثالث ) ما بدو صلاحه بالنضج كالتين والبطيخ ، فإذا لانت صلابته بدا صلاحه ، وهذا معنى قول غير الماوردي طيب أو الحلاوة ، والعبارات الثلاث متقاربة ، فإن ذلك يحصل في وقت واحد ، وقال صاحب التتمة لما تكلم في البطيخ : الخيار والباذنجان حكمهما حكم البطيخ ، إلا في شيء واحد ، وهو أن بدو الصلاح فيهما ليس أن يكبر ويتناهى ; لأنهما لا يؤكلان في تلك الحالة ، ولكن أن يصير [ ص: 152 ] إلى الحد الذي يقصد تناوله في تلك الحالة في العرف والعادة ، فإذا كان في جملة الصفقة واحدة قد بلغت الحد ، فهو وقت إباحة بيعه .

( الرابع ) : ما بدو صلاحه بالقوة والاشتداد ، كالبر والشعير ، فإذا بدت قوته واشتد بدا صلاحه . ( الخامس ) : ما بدو صلاحه بالطول والامتلاء كالعلف والبقول والقصب ، فإذا تناهى طوله وامتلاؤه إلى الحد الذي يجذ عليه ، بدا صلاحه ، هكذا قال الماوردي ، وسنذكر في آخر الكلام فرعا عن الإمام في القرط ، وما في معناه من البقول ، يخالف ذلك ، وما قاله الماوردي أولى لما سنذكر ، ونص الشافعي يدل لما قاله الماوردي ، والماوردي في إجازته بيع البقول إذا بدا صلاحها من غير شرط القطع تابع للصيمري .

وقال ابن الرفعة معتذرا عن الماوردي في ذلك : إن القصب إذا انتهى إلى تلك الحال لا يبقى عرفا ، بل العرف قطعه ، فاكتفى به كما اكتفى به في التبقية في الثمرة لعدم ، وهذا الاعتذار يقتضي أن القطع واجب ، وإنما يترك شرطه اكتفاء بالعرف في ذلك ، قال : وفائدة ذلك أنه لو انتهى بعضه إلى هذا الحال جاز بيع جميعه من غير شرط القطع ، واستحق التبقية في الباقي إلى أوان قطعه .

( السادس ) : ما بدو صلاحه بالعظم والكبر كالقثاء والخيار والباذنجان . ( السابع ) : ما بدو صلاحه بانشقاق كمامه كالقطن والجوز ، فإذا تشقق جوز القطن وسقطت القشرة العليا عن جوز الأكل بدا صلاحه ، ومقصود الماوردي من هذا : أنه إذا تشقق بعضه جاز بيع المتشقق منه وغير المشقق ، إذا نظمهما العقد وغيره كما تقدم ، وليس مراده أن يجوز بيعه قبل التشقق بشرط القطع ; لأن ذلك ممتنع لانتشاره ، وإنما سبق الكلام في المعنى الأول . [ ص: 153 ]

( الثامن ) : ما بدو صلاحه بانفتاحه وانتشاره كالورد والنيلوفر ، فإذا تفتح المنضم وانتشر فقد بدا صلاحه ، وورق التوت : بدو صلاحه أن يصير كأرجل البط ، هكذا قال عطاء والنخعي ، وجملة القول في بدو الصلاح : أن تنتهي الثمرة أو بعضها إلى أدنى أحوال كمالها ، هكذا كلام الماوردي ، إلا ما في ضمنه مما حكيناه عن غيره ، وما نقله في ورق التوت يوافق ما قاله صاحب التهذيب ، فإنه قال : إن بيع أوراق الفرصاد قبل تناهيها لا يجوز إلا بشرط القطع ، وكذلك قال القاضي حسين ، فلذلك رأى الرافعي أن يضبط حالة بدو الصلاح في هذه الأشياء بصيرورتها إلى الصفة التي تطلب غالبا لكونها على تلك الصفة ، وهو موافق للضابط الذي قاله الماوردي وهو أسلم من ضابط الماوردي ، فإن الكمال بالمعنى المذكور في باب الربا ليس مرادا ههنا ، واعتبار الماوردي أدنى الأحوال أحسن من عبارة الرافعي ، فإنه قد تكون الصفة المقصودة منه غالبا نهاية تلك الحالة أو وسطها ، ولا يعتبر في بدو الصلاح إلا أولها ، فينبغي أن يزاد هذا اللفظ في كلام الرافعي ; ليصير الضابط أوضح مع أنه صحيح بدونها ، فإن اللفظ منزل على ذلك .

وقد حكى الروياني عن القاضي أبي حامد أنه قال في جامعه : قد قيل : ورق التوت يباع إذا خرج من كمامه ، وبه يبدو صلاحه ، ثم نقل قول عطاء والنخعي المتقدم ، والله أعلم .

وقد ظهر لك بما ذكرته أن قول المصنف : وبدو الصلاح في الثمار أن يطيب أكلها ، غير شامل لجميع أنواع بدو الصلاح ، إذ ليس فيه ذكر الورق ، وكلام الشافعي رحمه الله تعالى في الأم مصرح باعتبار بدو الصلاح في الحناء والكرسف والقصب ، ظاهر اللفظ يرد عليه القثاء ونحوه فيجب أن يقال : المراد ابتداء أكله المعتاد ، ( فإن قيل ) : البسر ليست العادة أن يؤكل في أول احمراره أو اصفراره ، بل يؤخر إلى تناهيه ، ومع ذلك بدو الصلاح فيه أن يحمر ويصفر ، كما صرح به الحديث ونص الشافعي ، قال إمام الحرمين : بين بدو الصلاح وبين الإدراك وأوان القطاف قريب من شهرين ، يعني فلأجل ذلك لا يشترط الغاية المطلوبة في الطيب ، ( فالجواب ) : ما قاله الإمام ، فإنه أورد ما الذي أوجب الفرق بين القثاء والثمار ؟ وأجاب : بأن [ ص: 154 ] لا فرق ، فإن الزهو إذا ابتدأ الناس في الأكل ، وقد يعقب تأخر المطعم إلى تمام الإدراك ، كذلك القول في القثاء ، فإن الصغار منه تبتدر ، ولكن عموم الأكل يتأخر ، والذي يتناهى صغره لا يؤكل قصدا إلا أن يتفق على شذوذ ، فرجع الحاصل إلى طيب الأكل وابتداء الاعتياد فيه ، فعلامة ذلك في المتلونات التلون إلى جهة الإدراك ، وفيما لا يتلون القوة وجريان الحلاوة فأشار الإمام إلى أن الذي لا يؤكل في العادة أصلا كالقثاء في حال تناهي صغره لم يبد صلاحه . والذي يؤكل في العادة بدا صلاحه ، وللأكل في العادة مراتب : ابتداء ووسط وانتهاء ، والمعتبر ابتداؤها وهو حاصل في البسر بالاحمرار دون القثاء في صغره .

وإدخال المصنف الزرع في أصناف الثمر ، يشهد له قول الله تعالى : { كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده } وكل ما ذكر المصنف واضح مما ذكرته ، إلا قوله : إن صلاح العنب الأسود بأن يتموه ، والذي حكيته فيما تقدم من كلام الماوردي ، وهو الموجود في كلام الشيخ أبي حامد والقاضي أبي الطيب : أن صلاح العنب الأسود باسوداده وفي كلام الماوردي أن الصلاح في الكرم بالتموه إلى الحمرة أو السواد ، والله أعلم .

وقول المصنف رحمه الله تعالى في القثاء : حيث يؤخذ ويؤكل ، تنبيه على أن إمكان الأكل موجود فيه من قبل ، ولكنه لا يؤخذ للأكل في العادة ، وفي معنى القثاء الخيار والباذنجان ، كما صرح به الروياني ، قال : وفي الرمان بالحموضة أو الحلاوة وزوال المرارة ، وفي الورد الانفتاح والانتشار .

( فرع ) إذا باع أوراق الفرصاد مع الأغصان ، فإن بلغ نهايته جاز من غير شرط ، ثم إن كانت المقاطع معلومة فذاك ، وإلا بأن يترك على الشجر سنة أو أكثر لم يجز ما لم يبين موضع القطع ويعلم عليه علامة ، وكذلك إذا باع الأوراق وحدها قبل نهايتها بشرط القطع ، ولكن لا تقطع الأغصان معها ، قال ذلك القاضي حسين .

[ ص: 155 ] فرع ) قال الشافعي والأصحاب : إذا بدا صلاح ما خرج من القثاء والبطيخ لم يجز بيع ما لم يخلق منه تبعا لما خلق ، ووجب إفراد العقد بالموجود ، وقال مالك : يجوز بيع ما لم يخلق تبعا لما خلق ; لأن الحادث يختلط فدعت الضرورة إلى بيعه قبل وجوده تبعا ، وهي دعوى ممنوعة ، قال بعض الأصحاب : وطريق تحصيل ذلك : أن يشتري هذا الشجر مع ثمرته ، وبدونها ، بشرط القطع ، ويستأجر منه الأرض سنة أو سنتين فلا يملك مطالبته بالقطع .

( فرع ) قال الشافعي رضي الله عنه : ولا يجوز أن يستثني الثمرة مدا ، وقسم الأصحاب الاستثناء في البيع إلى أربعة أقسام . ( الأول ) : أن يكون الاستثناء معلوما والمبيع بعده معلوما ، وهذا على ضربين مشاع ومحرز ، فالمحرز : بعتك ثمرة هذه الحائط إلا ثمرة هذه النخلات العشر بعينها ، فهذا جائز بالاتفاق ، والمشاع : بعتك ثمرة هذه الحائط إلا ربعها صحيح أيضا ، ويكون المبيع ثلاثة أرباعها مشاعا ، وقال الأوزاعي : باطل ; لأنه بيع على شرط الشركة .

( والقسم الثاني ) أن يكون الاستثناء مجهولا ، والمبيع بعده مجهولا ، وهو ضربان مشاع ومحدد فالمشاع كقوله : بعتك هذه الثمرة إلا قوت سنتي أو قوت غلماني ، باطل اتفاقا ، وما ورد من ذلك عن ابن عمر رضي الله عنه محمول على أنه كان معلوما ، والمحدد كبيع الثمرة إلا عشر نخلات منها لا بعينها فهو باطل .

وقال مالك رحمه الله تعالى : إن كان قدر ثلث الثمرة فما دون جاز ، وكان له عشر نخلات وسط .

( والقسم الثالث ) : أن يكون الاستثناء معلوما والمبيع بعده مجهولا ، كقوله : بعتك هذه الثمرة إلا صاعا منها فهو باطل ، وقال مالك : جائز .

( والقسم الرابع ) : أن يكون الاستثناء مجهولا ، والمبيع معلوما ، كقوله : بعتك من هذه الثمرة مائة صاع ، والباقي لي ، فإن علما أن فيها مائة صاع فصاعدا صح ، إن أمكن كيل الثمرة ، وبطل إن لم يمكن كيلها ، ولا يصح الخرص فيها ; لأن البيع بالخرص [ ص: 156 ] لا يجوز ; لأنه تخمين وحدس ، وإنما يجوز في حق المساكين لأنه مواساة .

( قلت ) : الصحيح في العرايا أنه لا يختص بالمساكين ، والله أعلم ، وإن لم يعلما أن في الثمرة مائة صاع كان البيع باطلا ; للجهل بوجود المبيع ، فلو كيلت من بعد ، فكانت مائة صاع فصاعدا لم يصح البيع بعد فساده ، قال ذلك الماوردي وغيره من الأصحاب ، ذكر الفرع ولكن لم يستوعبوا هذه الأقسام مبسوطة كاستيعابه ، والله أعلم .

( فرع ) إذا باع ثمرة حائط بأربعة آلاف درهم إلا ما يخص ألفا منها ، قال الشافعي والأصحاب : يكون الاستثناء صحيحا ; لأن ما يخص ألفا منها هو ربع الثمرة ، فإن قال : إلا ما يخص قيمة ألف منها بسعر اليوم لم يصح ; لأنه غير معلوم ، هكذا فرض القاضي أبو الطيب المسألة ، وهو غير ظاهر ، قال الماوردي فيها : إن كان الاستثناء بسعر ما باع صح ، وإن كان بسعر يومه لم يجز ، ومراده ما قاله أبو الطيب ، وكلام أبي الطيب أبين وأحسن .

( فرع ) قال : اشتريت منك هذا الثوب بهذه الدراهم إلا خمسة دراهم لم يجز ، قاله الروياني ، ولو قال : بعتك قفيزا من هذه الصبرة إلا مكوكا جاز ; لأنهما معلومان ، قاله الروياني .

( فرع ) قال : بعتك ثمرة هذا النخل إلا النوع المعقلي ، فإن شاهد المعقلي المستثنى وعلم قدره صح البيع ، وإن جهله فسد . قاله الماوردي .

( فرع ) باع شاه واستثنى سواقطها ، قال في الصرف : لا يصح ، كذا إذا قال : إلا رأسها ويديها ، ولا فرق بين أن يكون البيع لمسافر أو لحاضر ، أو يكونا حاضرين أو مسافرين ، وبه قال أبو حنيفة ، وقال مالك في حق المسافر : يجوز ، قاله القاضي أبو الطيب .

( فرع ) باع قطنا واستثنى حبه ، أو سمسما واستثنى كسبه ، أو شاة واستثنى جلدها ، كان البيع في هذا كله باطلا ، قاله الماوردي .

[ ص: 157 ] فرع ) بيع الثمرة وفيها قدر الزكاة مذكور فيه ، ولكن يذكر هنا ما يتعلق بهذا المكان ، وهو أنه لو قال : بعتك الثمرة إلا مقدار الزكاة يصح بشرط أن نذكر قدر الزكاة في البيع ، أهو العشر ؟ أو نصف العشر ؟ وقال مالك : يكتفى بالعلم به شرعا عن ذكره ، ورده أصحابنا ، فإن أراد أن يدفع قدر الزكاة من غير تلك الثمرة ففيه وجهان . ( أحدهما ) : يجوز ، لأنه يحل محل البائع ( والثاني ) : لا ; لأنه كالوكيل ، فإن استهلك المشتري الثمرة رطبا ففيما يطلب به من حق الزكاة وجهان . ( أحدهما ) : العشر تمرا على الوجه الذي يجبر له دفع الزكاة من غيرها ، فيكون ذلك ضمانا لعشرها تمرا ، ( والثاني ) : يطالب بقيمة عشرها رطبا على الوجه الذي يمنع دفع الزكاة من غيرها . فعلى هذا إن نقصت قيمة عشرها رطبا عن قيمة عشرها تمرا ، ففي الرجوع على البائع يفصل ما بينهما وجهان مخرجان من أن الزكاة وجبت في الذمة أو في العين ؟ فعلى الأول : يرجع ، وعلى الثاني : لا يرجع عليه لزوال يده عن عين . قال ذلك الماوردي ، ولعل ذلك مفروض فيما إذا أمر البائع المشتري بأداء الزكاة ، وكذلك قاله الروياني نقلا عن الماوردي .

( فرع ) الزرع الذي يخلف كالقرط وما في معناه من البقول يكون متزايدا أبدا ، لا وقوف له فإذا بيع منه جذة ، فلا بد من شرط القطع . ولا ينظر في هذا القسم إلى ما يقع في زمن العاهات ، ولا إلى طيب الأكل لأجل الاختلاط ، قاله الإمام ، وقد تقدم عن الماوردي ما يخالفه ، وقول الإمام : إنها لا تزال متزايدة يمنع ، فإن فرض كذلك فالأمر كما قال ، كما سيأتي في كلام المصنف في بيع الثمار الذي يعلم اختلاطها .

( فرع ) إذا اشترى الزرع الذي لا يخلف ، إما بعد بدو الصلاح ، وإما قبله شرط القطع ، وقد ظننت تبقيته إما بعد بدو الصلاح وإما قبله باتفاقهما ، فالزيادة التي تحصل في الزرع للمشتري بالاتفاق ، كنمو الثمرة إلى وقت اتفاق القطع ، وليست كزيادة الزرع المخلف ، قاله الإمام ، والزرع الذي لا يخلف لو قطع يملك المشتري ظاهره ، [ ص: 158 ] وعروقه المستترة بالأرض ، قاله الإمام ( قلت ) : فيجيء على ذلك أنه إذا حصد وكانت عروقه تضر بالأرض كالذرة ، يجب على المشتري قلعها وتسوية الحفر الحاصلة بسببها كما تقدم ، مثله إذا اشترى الأرض ، فإنه يجب على البائع ذلك ، وإن لم يضر بالأرض لم يجب كما تقدم أيضا ، وسنذكر في مسألة اختلاط الرطبة عن صاحب التتمة ما يخالف ما قاله الإمام هنا إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية