صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فإن وجد بدو الصلاح في بعض الجنس من حائط جاز بيع [ ذلك ] الجنس كله في ذلك الحائط ; لأنا لو قلنا : لا يجوز إلا فيما بدا صلاحه فيه ، أدى إلى المشقة والضرر بسوء المشاركة ، ولا يجوز أن يبيع ما لم يبد فيه الصلاح من جنس آخر وما لم يبد فيه الصلاح في ذلك الجنس من حائط آخر ; لأن المنع من ذلك لا يؤدي إلى الضرر بسوء المشاركة ، فإن بدا الصلاح في بعض الجنس في حائط ، فباع منه ما لم يبد فيه الصلاح مفردا من غير شرط القطع ، ففيه وجهان . ( أحدهما ) : يجوز ; لأنا جعلناه في حكم ما بدا فيه الصلاح فجاز إفراده بالبيع ، ( والثاني ) : لا يجوز ; لأنه إنما جعل في حكم ما بدا فيه الصلاح تبعا لما بدا فيه الصلاح ، وما أجيز بيعه تبعا لغيره لم يجز إفراده بالبيع كالحمل )


( الشرح ) في هذه الجملة ثلاث مسائل ( إحداها ) : قال الشافعي رضي الله عنه والأصحاب : إذا بدا الصلاح في بعض الثمرة جاز بيع جميعها ، وذلك أن الله تعالى أجرى العادة بأن الثمار لا تطيب دفعة واحدة رفقا بالعباد ، فإنها لو طابت دفعة واحدة لم يكمل تفكههم بها وإنما تطيب شيئا فشيئا ، ولو اشترط في كل ما يباع طيبه في نفسه لكان فيه ضرر ، فإن العذق الواحد يطيب بعضه دون بعض ، وإلى أن يطيب الأخير يتساقط الأول ، فكان يؤدي إلى أنه إما أن لا يباع ، وإما أن يباع حبة حبة ، وفي كلا الأمرين حرج ومشقة ، وقد قال تعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج }

[ ص: 159 ] وقال صلى الله عليه وسلم : { بعثت بالحنيفية السمحة } وذكر الشافعي رضي الله عنه في الأم عن عطاء في الحائط : تكون فيه النخلة فتزهي ، والحائط بلح ، قال : حسبه إذا أكل منه فليبع ، ولا أعلم بين العلماء خلافا في أنه لا يشترط الصلاح في جميع المبيع ، وإنما اختلفوا في مقدار ما يضبطونه به ، ومذهبنا : أنه يكفي بدو الصلاح في نخلة واحدة ، بل في بسرة واحدة ، ولا خلاف أن غير النخل من الشجر حكمه حكم النخل ، إذا عرفت هذه الجملة ، فقد قال الأصحاب : إذا بدا الصلاح في بعض الثمرة دون بعض نظر إن اختلف الجنس ، لم يكن بدو الصلاح في أحد الجنسين صلاحا في الجنس الآخر ، حتى لو باع الرطب والعنب صفقة واحدة ، وبدا الصلاح في أحدهما دون الآخر وجب شرط القطع في الجنس الذي لم يبد فيه ، لا خلاف في ذلك عندنا .

وقال الليث بن سعد : يجوز ، ويكون ذلك صلاحا لجميع أجناس الثمار في ذلك البلد . وإن اتحد الجنس والنوع والبستان والصفقة والملك جاز البيع من غير شرط القطع بلا خلاف . وإن اختلف شيء من هذه الأشياء ففيه صور . ( الأولى ) : أن يختلف النوع كالمعقلي والبرني ، فيبيع النوع الذي بدا صلاحه ، والنوع الذي لم يبد صلاحه من جنسه في ذلك البستان صفقة واحدة ، وفيه وجهان مشهوران في طريقتي العراقيين والخراسانيين ، كالوجهين في نظير ذلك في التأبير ، ( والأصح ) عند الرافعي : التبعية ، وأن حكمه وحكم التأبير واحد ، وذلك مقتضى إطلاق المصنف رحمه الله تعالى ، وهو قول ابن خيران وأبي علي الطبري على ما حكاه أبو الطيب عنهما ، وبه جزم البندنيجي فيما نقل عنه ، وهو الذي نص عليه الشافعي على ما حكاه أحمد بن بشرى عن الإملاء أنه قال فيه : إذا كان في حائط برني وعجوة وصيحاني فبدا صلاح الجنس جاز بيع الجميع .

( وأما ) قوله في الصرف : فإن كان نخلا وعنبا أو غيره ، وبدا صلاح صنف منه ، فلا يجوز أن يبيع واحدا منهما بحاله ، فلا ينافيه ، فإن معنى هذا أن يفرده بالبيع ، ومعنى الأول أن يبيع الأصناف جملة .

[ ص: 160 ] وهذا النص المنقول عن الإملاء صريح لا يقبل التأويل ، لكن القاضي أبا الطيب قال : إن الصحيح الذي ذكره القاضي أبو حامد في الجامع ، ونص الشافعي عليه في البويطي : أنه لا يكون بدو الصلاح في النوع الآخر ; لأنه قد نص أن الصلاح إذا بدا في الثمرة الصيفية فإنه لا يكون بدوا له في الثمرة الشتوية ، فكذلك في النوعين مثله سواء . ( قلت ) : ولا حجة في هذا ; لأن الثمرة الشتوية والصيفية يختلفان في الوقت اختلافا ظاهرا بعيدا والنوعان من الثمرة الواحدة متقاربان غالبا ، نعم إن فرض نوعان أحدهما شتوي والآخر صيفي ، فينبغي أن يكون الأمر كما قال القاضي أبو الطيب ، فإنا إنما نعتبر بدو الصلاح لكونه وقتا يغلب على الظن فيه أمنها من العاهة ، ولا شك أن بين صلاح الشتوية والصيفية من الزمان ما لا يوثق بذلك فيه ، وكلام الشافعي الذي قاله قال : وصلاح الثمرة إذا احمرت أو اصفرت في الحائط نخلة واحدة ، فقد جاز بيعه وإن كان بعضه شتويا وبعضه صيفيا ، فلا يجوز إلا أن يبيع كل واحد منهما على حباله ، وظاهر هذا الكلام أنه في الجنس الواحد ، وأما حمله على الجنسين فبعيد .

وإذا كان في الجنس الواحد ، فلا وجه حينئذ بأن يقال : بأن بعض الأنواع تابع لبعض ، وإن كان بعضها شتويا وبعضها صيفيا ، لمخالفة نص الشافعي ، فأما أن يقال : إن ذلك شاهد ; لأن اختلاف النوع يؤثر في قطع التبعية مطلقا كما قال القاضي أبو الطيب ، وإما أن يقال : إنه يفرق في الأنواع بين ما يتقارب إدراكها فيحكم فيها بالتبعية ، وبين ما يتأخر فلا يحكم ، بل لا ينظر إلى اختلاف الأنواع ، بل إلى تفاوت الزمان ، حتى لو كان نوع واحد معقلي مثلا ، منه ما يكون في الصيف ، ومنه ما يكون في الشتاء ، لا يجعل أحدهما تابعا للآخر في الصلاح ، فهذا هو الأقرب لكلام الشافعي المذكور ، والمعنى والفقه يقتضيه كان المقصود هنا الأمن من العاهة كما تقدم التنبيه عليه ، فالقول بأن اختلاف الأنواع لا أثر له وإن اختلف الزمان مخالف لنص الشافعي في البويطي ، ، وإلحاقه بالتأبير غير متجه لاختلاف المدرك في التأبير ، والقول بأن اختلاف الأنواع مؤثر مطلقا مخالف لنصه [ ص: 161 ] المنقول عن الإملاء .

وهذا الذي قلته يحسن أن يكون وجها ثالثا ، وبه يحصل الجمع بين النصوص التي نقلت عن الشافعي ، ويمكن أن يحمل كلام الشافعي في الصيفي والشتوي على الجنسين إن لم يكن فيه ما يدفعه ، قال ابن أبي عصرون : وإذا كان في البستان جنسان يتباعد إدراكهما كالصيفي والشتوي ، وبدا صلاح الصيفي ، لا يتبعه الشتوي ، والله تعالى أعلم .

ومن العجب أن ابن خيران اختار فيما إذا أبر بعض الأنواع دون بعض : أن غير المؤبر لا يتبع المؤبر ، واختار أن النوع الذي لم يبد صلاحه يتبع الذي بدا صلاحه ، والقاضي أبو الطيب نقل ذلك عنه في المسألتين ، وهو مشهور عنه في المسألة الأولى ، وقد قدمت الفرق بين التأبير وبدو الصلاح واختلاف مأخذيهما ، فلذلك لا تناقض بين كلاميه ، وقال القاضي أبو الطيب : إنه ومن وافقه في مسألة بدو الصلاح استدلوا : بأن هذه الأنواع تضم إلى ما بدا صلاحه في الزكاة ، فمتى وجد منها وسقان ونصف ومن هذه التي بدا صلاحها وسقان ونصف ، وجبت الزكاة .

قال : وهذا الذي ذكروه ينتقض بما نص عليه الشافعي رضي الله عنه من الثمرة الشتوية مع الصيفية ، فإنها لا تتبعها في بدو الصلاح ، وإن كانت تضم إليها في الزكاة ، فإطلاق كلام المصنف رحمه الله تعالى يقتضي أنه لا فرق بين أن يختلف النوع أو لا ، ولا فرق بين أن يختلف الزمان أو لا ، وقد علمت ما فيه ، والله أعلم .

وقول المصنف : ولا يجوز أن يبيع ما لم يبد فيه الصلاح من جنس آخر قد قدمت أن ذلك لا خلاف فيه عندنا ، وأن الليث بن سعد خالف فيه ، وردوا عليه بأنه يلزمه بيع العنب قبل أن يسود ، وهو خلاف الحديث الصحيح .

( الصورة الثانية ) : أن يختلف البستان كما إذا بدا الصلاح في جنس في بستان ، وله بستان آخر ، فيه من ذلك الجنس لم يبد فيه الصلاح ، فباعهما صفقة واحدة ، فالمشهور من المذهب : أنه لا يصح ، وأن صلاح أحدهما لا يكون صلاحا للآخر ، وادعى القاضي أبو الطيب : أنه لا خلاف فيه ، وبذلك جزم الماوردي وجميع العراقيين ، ومال [ ص: 162 ] الإمام إلى خلاف ما قالوه ، سيما إذا لم يتباعد ، وليس بينهما إلا جدار ، ولأجل ذلك أثبت الغزالي في المسألة وجهين أخذا من تفقه الإمام ، وتبعه الرافعي ، وظاهر نص الشافعي يشهد لما قاله العراقيون ، فإنه قال في الأم : والحوائط تختلف بتهامة ونجد والسقيف ، فيستأخر إبار كل بلد بقدر حرها وبردها ، وما قدر الله من إبانها ، فمن باع حائطا منها لم يؤبر فثمرته للمبتاع ، وإن أبر غيره ; لأن حكمه به لا بغيره ، ولذلك لا يباع منها شيء حتى يبدو صلاحه ، وإن بدا صلاح غيره ، وسواء كان نخل الرجل قليلا أم كثيرا إذا كان في حظار واحدة وبقعة واحدة في غير حظار فبدا صلاح واحدة منه ، حل بيعه ولو كان إلى جنبه حائط آخر له أو لغيره ، فبدا صلاح حائط غيره الذي هو إلى جنبه لم يحل بيع ثمر حائطه بحلول بيع الذي إلى جنبه .

هذا كلام الشافعي رضي الله عنه وهو صريح بعدم التبعية إذا اختلف البستان والملك ، وظاهر في عدم التبعية عند اختلاف البستان وحده ، وإن كان قد اقتصر على قوله : حائط غيره ، ففي كلامه المذكور مواضع ترشد إلى اطراد الحكم في حائطه الآخر ، والله أعلم .

فإذا قلنا بالمشهور فباعها فيجب اشتراط القطع في الذي لم يبد صلاحه ، فإن باعها على الإطلاق بطل فيما لم يبد صلاحه ، وفي الذي بدا صلاحه قولا تفريق الصفقة ، قاله الماوردي فأما إذا أفرد البستان الذي لم يبد صلاحه بالبيع ، وقد بدا الصلاح في الذي إلى جانبه فقد تقدم : أن كلام الرافعي رحمه الله يقتضي جريان خلاف فيه ، ولم أقف عليه لغيره ، وصرح جماعة بالجزم بخلافه .

وقال الإمام : إنه رأى الطرق متفقة على خلافه ، وأن ذلك يشير إلى ما ذكره العراقيون من اعتبار اتحاد البستان .

( الصورة الثالثة ) : أن تختلف الصفقة مع اتحاد البواقي ، كما إذا بدا الصلاح في نوع من ذلك النوع في ذلك البستان ما لم يبد صلاحه منفردا من غير شرط القطع ، ففيه وجهان مشهوران في طريقتي العراقيين والخراسانيين ، وبعضهم يقول : قولان ( أحدهما ) : يجوز من غير شرط القطع لما ذكره المصنف ( والثاني ) وهو الصحيح [ ص: 163 ] عند القاضي أبي الطيب وابن أبي عصرون والرافعي : أنه لا يصح ، ورتب القاضي حسين هذين الوجهين على الوجهين فيما إذا جمع النوعين صفقة واحدة ، ( وإن قلنا ) هناك لا يستتبع فههنا أولى ، وإلا ففيه وجهان .

( فرع ) قال : بعتك هذا بكذا ، وهذا بكذا ، فالظاهر : أن الحكم كذلك نظرا لتفصيل الثمن ، وجوز ابن الرفعة : أن يأتي فيه وجه بالجزم بالصحة ، كما هو وجه أيضا فيما إذا قال : بعتك هذا بدرهم ، وأجرتك هذا بآخر ، فقال المخاطب : قبلتهما نظرا إلى الجمع في القبول .

( الصورة الرابعة ) : أن يختلف الملك مع اتحاد الجنس والنوع والبستان ، قيل : يجوز لمن لم يبد الصلاح في ملكه لأجل اتحاد البستان ، فإن طباعه واحدة ، وقد بدا الصلاح في ذلك النوع في الجملة ، أو لا يجوز نظرا إليه في نفسه ، فيه وجهان ، وقد علمت في الصورة الثالثة أن الصحيح عدم الصحة لأجل إفراد ما لم يبد صلاحه بالمبيع ، والمالك الواحد ، فههنا أولى بعدم الصحة قال الرافعي رحمه الله تعالى : وقياس ذكر الوجهين ههنا عند اتحاد البستان واختلاف الملك : أن يكونا في التأبير كذلك ، وإن لم يجر لهما ذكر ، والظاهر : أنه لا يعتبر في الموضعين اتحاد الملك .

( الصورة الخامسة ) : أن يختلف البستان والنوع مع اتحاد البواقي ، فمقتضى كلام الرافعي : إثبات خلاف في ذلك ، ولم أره لغيره ، وكيفما كان ، فالصحيح عدم التبعية عند تعدد البستان فعند تعدد البستان والنوع أولى .

( الصورة السادسة ) : أن يختلف البستان والنوع والصفقة ، فيفرد النوع الذي لم يبد صلاحه من أحد البستانين ، اعتمادا على بدو الصلاح في النوع الآخر ، من البستان الآخر الذي لم يبلغه ، فمقتضى كلام الرافعي إثبات خلاف فيه أيضا ، ولم أره ، وهو في غاية البعد وقال الإمام : إنه لم يختلف علماؤنا فيه فلا يقال : الوقت وقت بدو الصلاح ، فتجعل الثمار المبيعة كأنها مزهية ، هذا لا قائل به ، [ ص: 164 ] وكأنه أوجب للرافعي ، ذلك إجمال الكلام وعدم إفراد كل صورة بالذكر ، والله أعلم .

( الصورة السابعة ) : أن يختلف البستان وتتعدد الصفقة مع اتحاد البواقي ، وقد تقدم ذكرها في آخر الصورة الثانية ، فهذه سبع صور ، وقبلها صورتان وإذا اتحد الجميع واختلف الجنس فتصير تسعا . ( واعلم ) : أن الصور الممكنة من الاختلاف في ذلك ست عشرة : هذه التسع المذكورة ، وسبع أخرى ، وهي العاشرة ( الأولى ) : أن يتحد الجميع ( الثانية ) : أن يختلف الجنس ( الثالثة ) : أن يختلف النوع ( الرابعة ) : أن يختلف البستان ( الخامسة ) : أن تختلف الصفقة ( السادسة ) : أن يختلف الملك ( السابعة ) : أن يختلف النوع والبستان ، وهذه السبع تقدمت . ( الثامنة ) : أن يختلف النوع والصفقة ، فيبيع صاحب البستان نوعا لم يبد صلاحه منفردا اعتمادا على بدو الصلاح في نوع آخر عنده ، وقد تقدم : أن الصحيح عند تعدد الصفقة وحدها عدم التبعية ، فههنا أولى ، ولا يبعد أن يجرى فيها خلاف إذا جعلنا النوعين كالنوع الواحد وإطلاقهم يقتضي ذلك ; لكن الفوراني جزم بأنه لا يكون حكمه حكم المؤبر ، وكذلك يقتضيه كلام الغزالي في البسيط ، وقد تقدم في التأبير بحث في إثبات الخلاف فينظر هناك .

( التاسعة ) : أن يختلف النوع والملك مع اتحاد الصفقة ، كما إذا باع عن نفسه نوعا ، وعن موكله نوعا في بستان واحد بدا صلاح أحدهما ، ولم يبد صلاح الآخر ، وقلنا : إن الصفقة لا تتعدد ، وفرعنا على أن مثل هذا مبيع يصح ، فهل يصح من غير شرط القطع اعتمادا على أن الصفقة واحدة أو لا ، اعتمادا على تعدد الملك ؟ لم أر فيه نقلا .

( العاشرة ) : أن يختلف البستان والصفقة ، فيفرد الشخص من بستان له بيع ما لم يبد صلاحه اعتمادا على بدو الصلاح في ذلك النوع من بستان له آخر ، وقد تقدم . ( الحادية عشرة ) : أن يختلف البستان والملك فيبيع شخص عن [ ص: 165 ] نفسه نوعا من بستانه وعن موكله في ذلك النوع من بستان آخر ، وقد بدا الصلاح في أحدهما دون الآخر ، وفرعنا على صحة مثل هذا البيع ، فلم أر في ذلك نقلا . ( الثانية عشرة ) : أن تختلف الصفقة والملك فيبيع ما لم يبد صلاحه اعتمادا على بدو الصلاح في ملك غيره من ذلك النوع في ذلك البستان ، ولم أر فيه نقلا .

( الثالثة عشرة ) أن يتحد النوع مع اختلاف الثلاثة ، فيفرد نوعا اعتمادا على بدو الصلاح في نوع آخر من بستان غيره ، فإن صح ما تقدم عن الرافعي في إفراد أحد البستانين ، فلا يبعد أن يأتي في هذه الصورة أيضا خلاف والصحيح : المنع . ( الرابعة عشرة ) : أن يتحد البستان مع اختلاف الثلاثة فيبيع نوعا اعتمادا على بدو الصلاح في نوع آخر من ملك غيره في ذلك البستان ، ولا يبعد مجيء خلاف فيه والصحيح المنع . ( الخامسة عشرة ) : أن تتحد الصفقة مع اختلاف الثلاثة . ( السادسة عشرة ) : أن يتحد الملك مع اختلاف الثلاثة ، ولم أر فيهما نقلا ، ولا يخفى تخريجهما على ما تقدم ، والله أعلم .

والمذهب في جميع هذه الصور : عدم التبعية إلا فيما إذا اتحد الجميع ، فيصح بلا خلاف ، أو اختلف النوع فقط ، وفي التصحيح خلاف كما تقدم ، وبقية الصور كلها لا بد من شرط القطع فيما لم يبد صلاحه ، إما جزما أو على المذهب ، والله أعلم .

( فائدة ) النظر في هذه المسائل كلها هل هو لسوء المشاركة ؟ أو لعسر التمييز ؟ كلام الجمهور يقتضي الأول ، ولا فرق في جميع ما ذكرناه بين الثمار والزروع ، وإن كان كثير من الأصحاب إذا تكلموا إنما يذكرون البستان والثمار ، فليس إلا على جهة ذكر بعض أفراد المسألة ، وممن صرح بذلك صاحب التتمة ، قال : إنه إذا اشتد بعض السنابل كان كالثمار إذا بدا الصلاح في بعضها ، لكنه فرض ذلك فيما إذا تسنبل جميع الحب ، والظاهر : أن ذلك منه ليس على سبيل الاشتراط ، فإنه لو تسنبل بعض الحب واشتد ، وبعضه إلى الآن [ ص: 166 ] بقل ، فقياس المذهب أن يبيع ، ويحتمل أن يقال : يجرى فيه الخلاف فيما إذا اطلع بعد البيع ، هل يبيع المؤبر حالة البيع ، ولو باع البطيخ على أصوله بعد بدو النضج والإدراك جاز مطلقا وبشرط التبقية كالثمار ، حتى لو أدرك بطيخة واحدة من جملة الأرض التي زرع فيها البطيخ وباع الجميع جاز ، ويدخل في العقد كل ما هو موجود من ثمره ويترك حتى يلتحق الصغار بالكبار ، قاله صاحب التتمة .

ولا يجوز بيع الجزر والفجل والسلق في الأرض لاستتاره وجهالته ، ويخالف الغائب ; لأنه لا يمكن الاطلاع عليه إلا بالقلع ، وذلك عيب فيه ، قاله في التتمة وغيرها ، وقد تقدم ويصح بيع القنبيط في الأرض بشرط القطع ، إن لم يكن بلغ الحد الذي يقصد تناوله فيه ، وإن بلغه فيجوز مطلقا ، وبشرط التبقية ، ويترك حتى تلتحق الصغار بالكبار كالخيار والباذنجان ; لأن ما هو المقصود منه ظاهر ، وإنما المستتر بالأرض عروقه وهي غير مقصودة ، قاله في التتمة . والسلجم إن كان المعظم منه ظاهرا فكالقنبيط ، وإن كان في الأرض فكالفجل والسلق ، قاله في التتمة أيضا .

( فرع ) إذا باع شيئا من ثمرة البطيخ والقثاء والخيار والباذنجان ، وما أشبه ذلك منفردا عن الأصل نظرت ، فإن كان قبل بدو الصلاح فيها - لم يجز إلا بشرط القطع ، وإن كان بعد بدو الصلاح في بعض الجنس جاز بيع جميع ذلك الجنس في ذلك القداح من غير شرط القطع ; لأنه في معنى ثمرة الشجرة ، فكان حكمه في ذلك حكمها ، قاله في الاستقصاء .

( فرع ) ولا يجوز في شيء من ذلك أن يبيع ما ظهر من الثمرة ، أو الورد ، وما يظهر بعد ذلك في سنته ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد ، وقال مالك : يجوز . [ ص: 167 ] فرع ) لا خلاف أنه لا بد من وجود الصلاح في شيء ، وقول الغزالي : اتفقوا على أن وقت بدو الصلاح كاف ، محمول على ذلك ، وكذلك المراد في إقامة وقت التأبير مقام التأبير ، ونبهت على ذلك لئلا يتوهم من اعتبار الوقت : أنه لا يشترط وجود الصلاح بعد حضور وقته .

ولا قائل به ، وإنما أطلق الغزالي هذه العبارة ; لأن العادة أن الوقت إذا حضر فلا بد أن يوجد في بعض ، والله أعلم .

( فرع ) إذا كان بستانان فيهما زرع واحد فبدا الصلاح في أحدهما قال العبدري : فإنه لا يكون صلاحا في الآخر . ويصح إفراد هذا البيع دون الآخر لا يختلف المذهب فيه ، هذا قول العبدري في الكفاية ، وذكر ذلك بيانا لحكم مثله في النخل ، فإن كان عنده أن النخل أيضا لا يختلف فيه فهو المشهور الموافق لطريقة العراقيين كما تقدم ، وإن كان هذا في الزرع بخصوصه فيحتاج إلى فرق ، والله أعلم .

( فرع ) وقد تفهم من كلام بعض الأصحاب : أن منهم من قال باعتبار وقت بدو الصلاح أو وقت التأبير ، ويجعل ذلك بمثابة التأبير نفسه . ومعنى ذلك أنه إذا اتحد النوع واختلفت الصفقة أو بالعكس مع حصول التأبير في الجملة ، أما اعتبار الوقت من غير تأبير أصلا ، فهذا لم يقل به أحد من أصحابنا وكذلك في بدو الصلاح ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية