صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( إذا ابتاع زرعا أو ثمرة بعد بدو الصلاح لم يكلف قطعه قبل أوان الحصاد والجذاذ ; لأن العادة فيها تركها إلى الحصاد والجذاذ ، فلم يكلف نقله قبله ، كما نقول فيمن اشترى متاعا بالليل : إنه لا يكلف نقله إلا بالنهار ، فإن احتاجت الثمرة أو الزرع إلى السقي لزم البائع ذلك ; لأنه يجب عليه تسليمها في حال الجذاذ والحصاد ، وذلك لا يحصل إلا بالسقي فلزمه ) .


( الشرح ) اتفق الأصحاب على أنه يجب على البائع التخلية إلى أوان الحصاد في الزروع ، والجذاذ في الثمرة ، والمخالف في هذه المسألة أبو حنيفة رضي الله عنه ; لأنه يقول : بيع الثمرة مطلقا ينزل [ ص: 168 ] على القطع ، ويجب قطعها في الحال ، وقد تقدم الكلام معه قريبا ، فأغنى عن إعادته وبينا أيضا فيما تقدم ما يعتبر من العادة وما لا يعتبر من العادة ، ومن جملة ما تمسكوا به مما يحسن ذكره هنا : أن موجب الشرع تفريغ ملك البائع ، وأجاب أصحابنا : بأن أصل التفريغ مقول به وكيفيته تتلقى من العرف بدليل ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى : من أن من اشترى طعاما أو متاعا بالليل لا يكلف نقله إلا في النهار ، وأما السقي فجمهور جماعات الأصحاب أوجبه على البائع وجعلوه من تمام التسليم وقطع بذلك جماعات .

وقال القاضي حسين : فيه وجهان ( أحدهما ) : على المشتري لأن الثمرة له ( والثاني ) : على البائع لأنه متصل بملكه ، قال : ويمكن أن يقال : فيه وجهان بناء على ما لو أصابتها جائحة بعد التسليم ، ( إن قلنا ) : يتلف من ضمان المشتري فالسقي عليه ، وإن قلنا : من ضمان البائع فالسقي عليه . ( قلت ) : وكذلك الشاشي في الحلية حكى الوجهين في وجوب السقي على البائع ، وجعل أصلهما القولين في وضع الجوائح ، لكن المذهب الجديد أنها من ضمان المشتري والمذهب : أن السقي على البائع ، وهو من جملة ما يستدل به للقديم ، كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى .

وقد أطلق الأصحاب وجوب السقي فينبغي أن يكون ذلك إذا باعها مطلقا أو بشرط التبقية ( أما ) إذا باعها بشرط القطع بعد الصلاح أو قبله فلا ، ويؤيد ذلك : أنهم في وضع الجوائح حكوا طريقة قاطعة عن القفال ، فيما إذا باعها بشرط القطع أنها من ضمان المشتري ، قالوا : إذ لا يجب السقي عن البائع هنا ، فالاستدلال بهذا وعدم رده يدل على أنه محل وفاق ، لكن لنا طريقة أخرى هناك قاطعة بأنها من ضمان البائع ، وطريقة وهي الأظهر عند الرافعي أنها على القولين ، فيحتمل أن يكون أصحاب هاتين الطريقتين يوجبون السقي أيضا ، وهو بعيد ; لأنه لم يلتزم له الإبقاء ، فينبغي أن تكون صورة شرط القطع مستثناة من وجوب السقي ، ويتعين القطع بهذا ; لأنه له المطالبة بالقطع ، فكيف نوجب عليه السقي ؟ إلا أن يقال : إنه يجب عليه السقي في مدة طلب القطع إذا خيف من تركه الفساد ; لأنه من تتمة التسليم ، وهذا بعيد أيضا كما لو اشترى حيوانا ولم يقبضه [ ص: 169 ] لا يجب على البائع في مدة طلبه بالتسليم القيام به ، ولا يجب على البائع نصب الناطور كما سيأتي التنبيه عليه في مسألة وضع الجوائح .

( فرع ) إلى متى ينتهي الزمان الذي يجب فيه السقي ؟ يجيء من مقتضى كلام القاضي حسين والإمام وغيرهما ما سنحكيه في مسألة وضع الجوائح ثلاثة أوجه ( أصحها ) : أنه إلى أوان الجذاذ ( والثاني ) : يتأخر بعد ذلك زمانا لا ينسب المشتري فيه إلى توان بترك الثمار على الأشجار ( والثالث ) : بنفس الجذاذ ، وهذا لم يصرحوا به في السقي ، ولم يذكره الإمام ، وإنما ذكره القاضي حسين في وضع الجوائح ، وسيأتي ذلك مبينا هناك .

( فرع ) لو شرط السقي على المشتري بطل البيع ; لأن السقي مجهول ، نص عليه الشافعي والأصحاب ، وعلله بعضهم بأن السقي مجهول ، وعن القاضي أبي حامد : أنه ولو كان معلوما أبطلناه أيضا من قبل أنه بيع وإجارة في أولى قوليه ( قلت ) : وهذه علة الشافعي رحمه الله تعالى ، قال الخوارزمي : والجذاذ على المشتري على الأصح ( قلت ) : وما أشار إليه من الخلاف يمكن بناؤه على الخلاف الذي سنذكره في نهاية وضع الجوائح ، هل هو بوقت الجذاذ أو بنفس الجذاذ ، ( إن قلنا ) : بالأول فعلى المشتري ( وإن قلنا ) : بالثاني فعلى البائع ; لأنها لا تصير مسلمة إلا به .

( فرع ) قال الشيخ أبو محمد في السلسلة : إذا اشترى ثمرة على رءوس الشجر بعد بدو الصلاح فتركها عليها إلى أوان الجذاذ فانقطع ماء الوادي ، فإن ضر بقاء الثمرة بالشجرة لم يجبر صاحب الشجرة على ترك الثمرة عليها ، وإن لم يكن على الأشجار ضرر في التبقية ولا للثمار نفع في التبقية ، ولا ضرر على الثمار بالقطع ، ولو تركت على الأشجار لم تزد على حالها ، ولو قطعت لم ينقص القطع شيئا من قيمتها فطالب البائع المشتري بقطعها ، فهل يجبر على القطع ؟ فعلى قولين ينبنيان على ما إذا أسلم في شيء إلى أجل معلوم ، فجاء به قبل المحل ، وليس في قبضه مزية ، فهل يجبر على قبوله ؟ فعلى قولين : ( فإن قلنا ) : لا يجبر على القبول فلا يجبر المشتري على قطع الثمرة هنا ، وإلا فيجبر . وهذا محمول على ما إذا حصلت هذه الحالة قبل أوان الجذاذ ، وعلى ما إذا علم عدم عود الماء وعدم [ ص: 170 ] الانتفاع بالماء ، ( أما ) إذا توقع النفع فلا يجبر المشتري على القطع ، ومن هنا أيضا نأخذ أن مجرد انقطاع من غير حصول عيب ولا ضرر لا يثبت خيارا للمشتري ، وأن ما سيأتي من كلام الصيدلاني في ذلك محمول على ما إذا كان الانقطاع يحصل به ضرر ، وقد تقدم من كلام الإمام فيما إذا باع أصلا وعليه ثمرة للبائع .

( فرع ) قريب من هذا فيما إذا أصابت الثمار آفة بحيث لا نمو أو لا فائدة في تبقيتها ، هل للبائع تبقيتها ؟ .

( فرع ) باع الجمد في المجمد ، وكان طوله وعرضه وعمقه معلوما صح ، ويسلم بحسب الإمكان ، وفيه وجه أنه يلزمه تسليمه على العادة بأخذ الجمد منه ، كل يوم وقرا أو وقرين أو ثلاثة ، قال القاضي حسين : ( والصحيح ) الأول ، وقاسه على الدار والسفينة المشحونتين .

وقال الخوارزمي : ( الأصح ) عندي أنه لا يجب تفريغها في الحال ، بل على مر الأيام عادة تفريغ الجامد ، فعلى ما قاله القاضي حسين قد يورد هذا الفرع اعتراضا على كلام المصنف ، قال القاضي : وكذلك من اشترى حمل حطب ، فإنه يجب تسليمه في موضع البيع ، ولا يلزمه حمله إلى بيته ، وإن كانت العادة قد تقضي بذلك .

قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وإذا اشترى ثمرة على الشجر فلم يأخذ حتى حدث ثمرة أخرى واختلطت ولم تتميز ، أو اشترى حنطة فلم يقبض حتى انثالت عليها حنطة أخرى ففيه قولان . ( أحدهما ) : ينفسخ البيع ، وهو الصحيح ; لأنه تعذر التسليم المستحق بالعقد ; فإن البائع لا يلزمه تسليم ما اختلط به من ماله ، فإن رضي البائع بتسليم ماله لم يلزم المشتري قبوله ، وإذا تعذر تسليم المعقود عليه بطل العقد كما لو تلف المبيع ، ( والثاني ) : لا ينفسخ ; لأن المبيع باق ، وإنما انضاف إليه زيادة فصار كما باع عبدا فسمن ، أو شجرة فكبرت ، فإن قلنا : لا ينفسخ . قلنا للبائع : إن سمحت بحقك أقر العقد . وإن لم تسمح فسخ العقد ) .

( الشرح ) هذا الفصل معقود لحكم اختلاط الثمار ، وألحق به ما في معناه من اختلاط المبيع بغيره . وذلك على مراتب : ( المرتبة الأولى ) وعليها اقتصرت في هذه القطعة من كلام المصنف : أن تكون [ ص: 171 ] الثمرة مبيعة فتختلط بغيرها ، وذلك إما فيما يحمل حملين ، وإما فيما يحمل حملا واحدا وكان قد اشترى ما ظهر منها ، إما بعد بدو الصلاح مطلقا أو قبله بشرط القطع ولم يتفق القطع - ثم حدثت ثمرة أخرى فإن الثمرة الحادثة لصاحب الأصل ، فإذا كان ذلك قبل أن يلقط المشتري ثمره واختلطت الحادثة بالثمرة المبيعة ، فإن كانت تتميز بالكبر والصغر أو نحوهما ، فإن للمشتري المتقدمة وللبائع الحادثة .

نص عليه الشافعي والأصحاب رضي الله عنهم من العراقيين والخراسانيين . وإن لم تتميز ، أو اشترى حنطة فلم تقبض حتى انثالت عليها حنطة أخرى ، وكانت كل واحدة منهما غير معلومة القدر أو ما أشبه ذلك ، ففيه قولان اتفقت الطرق على حكايتهما ( أحدهما ) : ينفسخ البيع ، لما ذكره المصنف والمراد بالتسليم المستحق ما يجبر البائع عليه ، وأما التسليم في ضمن الجميع فلا يجبر البائع عليه ، ولو سمح به لا يجبر المشتري على قبولها كما لا يجبر على قبض ما اشتراه ، وعين أخرى .

وإذا ثبت أن المشتري لا يجبر المبتاع على القبض نقول : البيع باطل ، وهذا القول منقول عن نصه في الأم والإملاء على مسائل مالك رحمه الله فلو قال البائع : إنما أسمح بحقي فلا أثر لذلك على هذا القول ، ( والقول الثاني ) : نقله الربيع وهو اختيار المزني : أنه لا ينفسخ ، وقال الغزالي والرافعي في المحرر : إنه الأظهر ، وكذلك الجرجاني ، لما ذكره المصنف ولأن الاختلاط بمنزلة العيب ، فإذا سمح البائع بتسليمه كان كزوال العيب فيسقط خيار المشتري ، قال هؤلاء : والتسليم غير متعذر ، فإنه يقبضه أكمل ما كان ، كما لو أسلم في طعام جيد فأعطى أجود مما ذكروه ، وأردأ منه ، ومع ذلك يجب على المسلم قبوله ، وإنما لا يجب التسليم في العين المضمومة إلى المبيع إذا كانت متميزة يمكن التسليم على الانفراد .

وقد قال المصنف رحمه الله : إن الصحيح الأول ، وكذلك قال القاضي أبو الطيب والشاشي وابن أبي عصرون ، وعن صاحب التقريب حكاية قول ثالث : أن العقد لا ينفسخ ولا خيار ، ويجعل الاختلاط قبل القبض كالاختلاط بعده ، واستبعده الإمام ، وحكاه الجوري عن أبي سلمة المروزي ، وحكى الروياني طريقة أنه في مسألة الحنطة قبل القبض يبطل البيع [ ص: 172 ] قولا واحدا ; لأن الشافعي جعلها دليل أحد القولين في اختلاط الثمار ، قال : وهذا أوضح .

( واعلم ) : أن ما ذكره في تعليل كل من القولين يقتضي أن التسليم لم يوجد ، ومن المعلوم أن القبض في الثمار بالتخلية ، لكن وإن قلنا : قبضها بالتخلية ، فليس ذلك بقبض تام ، فإن البائع يجب عليه سقيها على المشهور من المذهب ، فالتسليم التام إنما هو حين الجذاذ ، وشبه جماعة من الأصحاب رضى البائع بترك حقه بالاعتراض عن النعل فيما إذا اشترى دابة ونعلها ، ثم اطلع على عيب ، قال الإمام : ومسألة النعل ليست خالية عن خلاف ، وهذه التي نحن فيها أولى بالخلاف من تلك ، فإن إلزام المشتري بطوق منة البائع فيه بعد . وفي هبة المجهول غوائل ، فالمسألة إذن مختلف فيها ، فإن أجبرنا المشتري سقط خياره وإلا فهو على تخيره .

وقد حكى الروياني فيما إذا انثالت حنطة على الحنطة المبيعة ، وسلم البائع الكل إلى المشتري وجهين ، في إجبار المشتري على القبول . وفيه تصريح بمساعدة الإمام ، لكنه لم يحك خلافا في مسألة الثمرة . ومع حكايته الوجهين في الإجبار في مسألة الحنطة قال : إنه لا خيار للمشتري ، وهذا كلام متيح . والصواب : أنا إذا لم نجبر المشتري على القبول فخياره باق ، وإنه لا فرق في ذلك بين الثمار والحنطة ، وقد صرح الإمام في باب الخراج بالضمان بالوجهين في الإجبار في هبة الضمان . وقال : إن الأقيس عدم الإجبار على القبول .

وحكى الرافعي رحمه الله تعالى الوجهين هنا ، وقال : إن الأصح سقوط خيار المشتري كما في مسألة النعل ، وقول المصنف في الثمرة : فلم يأخذ ، وفي الحنطة : فلم يقبض ، له معنى أنبه عليه عن قرب ، وقوله : حتى انثالت عليها حنطة أخرى هو بإطلاقه شامل لما إذا كانا معلومي القدر أو لا ، لكن صورة المسألة فيما إذا لم يكونا معلومي القدر على ما سيأتي التنبيه عليه في فرع عن الماوردي .

وقول المصنف رحمه الله تعالى : فإن قلنا : لا ينفسخ ، قلنا للبائع : إن سمحت بحقك أقر العقد ، وأجبرنا المشتري على القبول . كذلك صرح به الأصحاب الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وغيرهما ، وقد تقدم عن الإمام ما فيه . [ ص: 173 ] وقوله ) : وإن لم يسمح البائع فسخ العقد . أي يفسخه الحاكم بينهما ، كذلك صرح به الأصحاب . منهم الماوردي والقاضي أبو الطيب ، ولا يقال للمشتري ههنا : أنكر تسليم المبيع والثمن جميعا إلى البائع ، لئلا يفوز البائع بالعوض والمعوض ، وما ذكره المصنف من الفسخ عند امتناع البائع كالمتفق عليه بين الأصحاب على هذا القول ، وفي تعليق القاضي حسين : أنه يفصل الخصومة بينهما بالتداعي . وهو يوافق ما تقدم عن صاحب التقريب .

( فرع ) لو انثال على الحنطة المبيعة بعد قبضها حنطة أخرى ، فالبيع صحيح ، وهما مالان اختلطا ، فإن اصطلحا على شيء كان القول قول من الشيء في يده في قدر ما لصاحبه ، قال أبو إسحاق وصورته : أن يكون المشتري ترك الطعام وديعة عنده فاختلط ، وأما في مسألة الثمرة فالقولان جاريان ، سواء اختلطت الحادثة بالخارجة بعد القبض بالتخلية أم قبله .

وقال المزني رحمه الله تعالى : إنما القولان في المسألتين قبل القبض ، فإن كان بعد القبض فالبيع صحيح فيهما قولا واحدا ، وغلطه الشيخ أبو حامد ، وفرق هو والأصحاب : بأن الطعام إذا قبض استقر العقد والثمرة إن قلنا بالقول الجديد : إنها من ضمانه ، فإن كمال القبض فيها على البائع ، بدليل أن عليه السقي ، وبدليل أنها لو عطشت كان للمشتري الخيار .

( قلت ) : ولهذا المعنى قال المصنف في الثمرة : فلم يأخذ ، وفي الحنطة : فلم يقبض ، فلم يأت في الثمرة بلفظ القبض ، بل بلفظ الأخذ ، والمراد به أخذها من على الشجرة ، وأما القبض فمتقدم على ذلك ، وإن اختلطت الثمار بعد الجذاذ أو في الجرين ، أو غيره لم ينفسخ قولا واحدا ، وإنما القولان بعد التخلية ; لأن القبض لم يستقر ، ألا ترى أن الثمرة إذا عطشت ولم يتمكن البائع من السقي كان للمشتري ردها بالعيب ، قاله القاضي أبو الطيب وغيره ، وهذا منهم بناء على الصحيح المشهور : أنه يجب على البائع السقي ، وقد حكى القاضي حسين رحمه الله فيه وجهين ، وبناهما على أن الحاجة من ضمان البائع ، أو من ضمان المشتري ، وهو غريب في النقل .

ومثله في الغرابة ما ارتضاه الإمام والغزالي : من أن الاختلاط في الثمار بعد التخلية مبني على وضع الجوائح ، [ ص: 174 ] فإن قلنا ) : توضع كما كان قبل القبض ، وإلا فيتفاصلان بالخصومة أو الإصلاح ، فعلى ذلك لا يأتي على الجديد إلا أن البيع صحيح قولا واحدا كما ذهب إليه المزني ، وهو خلاف ما أطبق عليه العراقيون ، فقد تلخص في اختلاط الثمار أنه إن كان قبل التخلية جرى القولان باتفاق الطرق ، وقياس الطريقة التي قالها الروياني في الحنطة أن يقال هنا : إنه يبطل قولا واحدا ، وإن كان بعد الجذاذ فالبيع صحيح قطعا ، وإن كان بعد التخلية وقبل الأخذ ، فالمشهور وهو طريقة العراقيين جريان القولين قبل التخلية ، واختار المزني والإمام والغزالي على الجديد : أنه كما بعد الجذاذ ، ، فالمصنف حينئذ جرى على طريقة العراقيين وهي الصحيحة ، وممن اختارها القاضي حسين من الخراسانيين وقد أغرب المتولي فحكى في كتاب الرهن : أنه لا فرق في جريان القولين في مسألة الحنطة بين ما قبل القبض وبعده ، وهذا ضعيف جدا ، ويلزمه طرد ذلك في الثمار بعد الجذاذ .

( فرع ) لو باع الحنطة منه مكايلة وسلمها إليه جزافا ثم اختلطت بحنطة للبائع ، قال القاضي حسين : يخرج على القولين .

( فائدة ) إذا انتهى الأمر إلى الخصومة وقبول قول ذي اليد ، قال الإمام : سبيله في الخصومة أن لا يتعرض للبيع ، فإنه إذا ادعى بيعا في الصاعين فسينكره البائع ثم يرجع إلى اختلاف المتبايعين في قدر المبيع .

( فرع ) اليد في الثمار بعد التخلية وقبل القطاف للبائع أو للمشتري أو لهما ؟ ثلاثة أوجه نقلها الإمام ، قال ابن أبي الدم : ومقتضاه أنا متى جعلنا الثمار في يد واحد فالقول قوله ، ( وإن قلنا ) : إنها في يدهما فلم يذكر الإمام ولا الغزالي ما يقتضيه هذا الوجه ، ومقتضاه : أن يقسم القدر المتنازع بينهما نصفين ، ولكل منهما تحليف صاحبه ، وفي كيفيته وجهان كالوجهين في عين في يد رجلين كل منهما يدعي جميعها ، ( أحدهما ) : يحلف على استحقاقه النصف الذي يسلم إليه ( والثاني ) : على استحقاقه الكل ، والأول أصح . وهذه المسألة مذكورة في الدعاوى .

[ ص: 175 ] فرع ) قد تقدم حكاية الخلاف في الصحيح في هذه المسألة ، وأن الغزالي والرافعي قالا : إن الأظهر عدم الانفساخ وفيه نظر ; لأنهما يوافقان على أنه لو باع الثمرة التي يغلب تلاحقها أن البيع لا يصح ، فإن كان التلاحق الطارئ غير مانع من التسليم ، بل هو عيب ، فينبغي أن لا يبطل في صورة العلم بطريانه ، وإن كان مانعا من التسليم فينبغي إذا طرأ قبل القبض أن ينفسخ العقد كتلف المبيع .

( فرع ) قد تقدم أنه على القول بعدم الانفساخ يقال للبائع : إن سمحت بحقك أقر العقد كما قال المصنف ، وهكذا هو في مختصر المزني ، وقال : إن البائع بالخيار ، والغزالي والرافعي لم يذكرا ذلك ، وإنما قالا : إنه يثبت للمشتري الخيار ، قال الرافعي : فإن قال البائع : أسمح ففي سقوط خيار المشتري وجهان ، والمفهوم من إثبات الخيار للمشتري : أنه إذا لم يسمح البائع ، فالمشتري يفسخ ، وقد قدمت عن أبي الطيب وغيره : أن الفاسخ هو الحاكم ، وأيضا قياس قول الرافعي : إن ذلك من باب العيوب ، فيكون على الفور إلا أن يسقطه البائع بترك حقه ، فلو لم يفعل وأخر المشتري الفسخ سقط حقه ، وهو خلاف ما يفهم من كلام الأصحاب .

( فائدة ) قال الإمام : ولو اعترفا والاختلاط بعد القبض بالالتباس ، ورضيا بأن لا يفسخ العقد ، رجع الكلام إلى الوقف والاصطلاح ، فقوله : ورضيا بأن لا يفسخ العقد لا حاجة إليه ; لأنه إن كان بعد القبض التام فلا خيار ولا يفسخ ، وإن كان بعد القبض بالتخلية فعنده كذلك ، وإنما يأتي هذا الكلام عند الأصحاب على أحد القولين بعد التخلية إذا قلنا بعدم الانفساخ ، فحينئذ إذا رضيا بأن لا يفسخ العقد يرجع الأمر إلى الاصطلاح كما بعد القبض .

( فرع ) هكذا الحكم في بيع الباذنجان في شجره إذا بلغ نهايته لم يحتج إلى شرط القطع ، ولو كان البعض صغارا والبعض كبارا فإنه يترك حتى يتلاحق ، فإن كان الكل صغارا لم يجز إلا بشرط القطع ، فلو باع في الحالتين ثم ظهر شيء آخر واختلط بالمبيع جرى القولان ، وكذلك الخربز وهو البطيخ ، وهكذا القثاء والخيار ، وكل ما له حمل بعد حمل ، على ما ذكره المزني والأصحاب ، فلو كان المبيع شجر الباذنجان فسيأتي في الفصل الذي بعد هذا .

[ ص: 176 ] فرع ) فيه تنبيه على تقييد كلام المصنف ، لو اختلط الطعام المبيع بغيره قبل القبض ، وكان أحدهما معلوم القدر ، وذلك بأحد ثلاثة أوجه : ( إما ) أن يكون كل منهما معلوم الكيل ، ( وإما ) أن يكون المبيع منهما معلوما ، فيعلم بعد استيفاء كيل المبيع قدر ما ليس بمبيع ، ( وإما ) أن يكون غير المبيع معلوما فيعلم بعد استيفاء كيل ما ليس بمبيع قدر المبيع ، فإذا كان المبيع معلوم القدر بأحد هذه الوجوه الثلاثة فقد صار مختلط العين متميز القدر ، وتميز القدر يمنع من الجهل ، وهو أقوى المقصودين ، فصح البيع ، واختلاط العين مغير للصفة مع تفاوت الأجزاء ، فصار عيبا يوجب الخيار ، فوجب : أن يكون البيع جائزا ، وللمشتري الخيار ، فإن فسخ رجع بالثمن ، وإن أقام صار شريكا للبائع على قدر الحصتين . وإن كان الطعامان متماثلي القيمة تقاسماه كيلا ، وإن كان مختلف القيمة بيع ، وكانا شريكين في ثمنه على قدر قيمة الطعامين إلا أن يتراضيا بقسمة ذلك كيلا ، على الحصص دون القيمة فيجوز .

ذكر هذا الفرع بكماله الماوردي ، وهو ينبه على أن محل جريان الخلاف في الانفساخ ، إنما يكون عند الجهل بالمقدار ، ولذلك قيدت كلام المصنف ، فإنه مطلق ، والله أعلم ، وكذلك كلام كثير من المصنفين ، وأما الثمار فلا تكون إلا مجهولة المقدار ، والله أعلم .

( فرع ) قد تقدم أنه إذا كان اختلاط الطعام بعد القبض لا ينفسخ العقد ، والعقد صحيح بحاله ، وكذلك الثمرة إذا كان بعد الجذاذ ، فإن كان قدر الطعام أو الثمرة معلوما بأحد الأوجه التي مضت تقاسماه على ما تقدم ، وإن كان قدر الطعام مجهولا والفرض : أنه بعد القبض فلا ينفسخ العقد ، وإن تراضيا على شيء ، واتفقا عليه جاز ، واقتسماه على ذلك . وإن اختلفا فإن كانت صبرة المشتري قد انثالت على صبرة البائع ، فالقول قول البائع في قدر ما له مع يمينه ; لأن اليد له . وإن كانت صبرة البائع انثالت على صبرة المشتري ، فالقول قول المشتري في قدر ما له من مال البائع مع يمينه .

وقال المزني : القول قول البائع ; لأن يده قد كانت على الطعامين معا ، وكان أعرف بقدرهما من المشتري المستحدث اليد . [ ص: 177 ] قال الماوردي : وهذا خطأ ; لأن ما وجب اعتبار اليد فيه كانت اليد الثانية أولى أن تكون معتبرة من اليد المرتفعة كسائر الحقوق ( قلت ) : والصواب ما قاله الماوردي وقد قاله غيره وتقدم ذلك مختصرا ، وليس من لازم التصوير الذي أطلقه المزني أن تكون اليد للبائع ، فقد تكون صبرته في يد غيره ، والله أعلم .

( فرع ) لو صدر الخلط من البائع أو المشتري عن قصد كان الحكم كذلك كما يقتضيه لفظ الشافعي رضي الله عنه في الأم .

( فرع ) قال القاضي حسين : إن القولين في الانفساخ في مسألة اختلاط الثمار المبيعة بغيرها ينبنيان على تلف المبيع في يد البائع قبل القبض ، لا خلاف أنه ينفسخ العقد ولأي معنى ينفسخ ؟ فيه معنيان . ( أحدهما ) : لتعذر التسليم ( والثاني ) : لوقوع اليأس عن التسليم ، ( إن قلنا ) بالأول انفسخ العقد ههنا ( وإلا ) فلا ; لأنه يمكنه تسليم الكل . قال : ويخرج على هذين المعنيين مسائل ( منها ) إذا باع درة ووقعت قبل القبض في لجة البحر ينفسخ العقد لوجود المعنيين ، وإن وقعت في واد ، إن قلنا بالأول انفسخ وإلا فلا ( ومنها ) لو باع عصفورا ثم اختلط بعصافير البائع قبل القبض ، أو حنطة فانثالت عليها حنطة أخرى للبائع ، إن قلنا بالأول انفسخ وإلا فلا ، ( ومنها ) إذا باع عبدا فأبق قبل القبض ، عامة أصحابنا على أن البيع لا ينفسخ . وقال أبو يعقوب الأبيوردي : كل ينفسخ ، قال القاضي : ويمكن تخريجه على المعنيين ، وكذا لو نهبه التركمان أو غاروا عليه قبل القبض .

( قلت ) : وفي مسألة اختلاط الثمار والحنطة وشبهها لا يظهر فرق بين تعذر التسليم وبين اليأس منه ، فإنه إن أريد به تسليم المبيع وحده متميزا فهو متعذر ، وميئوس منه ، وإن أريد تسليمه في الجملة فليس بمتعذر ولا ميئوس منه ، ( وأما ) مسألة العصفور فقد قال الروياني في البحر : إنه لو باع شاة فاختلطت بقطيع لا تتميز فالمذهب : أنه يبطل البيع .

قال : وتفارق الحنطة ; لأن هناك الإشاعة لم تمنع البيع ، وههنا الاشتباه مانع من العقد . وقيل : لا يبطل ; لأنه يمكنه التسليم بأن يقبض الكل ويكون حكمه حكم من اختلطت [ ص: 178 ] شاته بقطيع لإنسان .

قال : وهذا لا يصح ; لأن الشرط في القبض أن يتسلط به على المقبوض ، ويتمكن من التصرف ، وهذا لا يوجد بقبض الجملة . ( قلت ) : قوله : المذهب أنه يبطل البيع ، إن أراد الترجيح في الجملة ، فالحنطة والثمرة كذلك ، وإن أراد أنه يبطل قطعا بخلاف الحنطة والثمرة لما لحظه من معنى الإشاعة والاشتباه ، فقد يقال : إن ذلك لا يستقيم ; لأن الخلط ههنا لو اقتضى الإشاعة كما يقوله في باب الفلس وغيره ، لكان المذهب هنا أنه لا يفسخ العقد بالاختلاط ; لأن المذهب هناك أنه يصير مشتركا ، وأيضا فكان يفصل هنا بين أن يكون الخلط بالمثل والأردإ أو بالأجود ، كما هو مفصل هناك ، لكن المذهب ههنا : أنه ينفسخ العقد ، ولم يفصل أحد بين أن يكون الخلط بالأجود أو بالمثل ، فدل على الفرق بين البابين وأن الخلط إنما يقتضي الإشاعة إذا كان بعد القبض ، أما قبل القبض كمسألتنا هذه فالملك غير مستقر ، فيتأثر بالخلط ولا يحكم بالإشاعة . وما ذكره الروياني يوافق وجها في الفلس : أن البائع لا يرجع في المبيع إذا خلط مطلقا ، وهو مؤيد هناك بمسألة الاختلاط هنا والمذهب هناك : خلافه وفرقوا بينهما بما ذكرناه ، ولو كان قول الإشاعة ملاحظا في مسألة اختلاط الثمرة والحنطة ، لكنا نقسم ذلك بين البائع والمشتري ، ولم يقل به أحد ههنا فيما أعلم ، وإنما القائل بعدم الانفساخ يقول بالتخيير ، نعم معنى الإشاعة يجب أن يلاحظ إذا كان الاختلاط بعد القبض في الحنطة وبعد الجذاذ في الثمرة ، وكذلك على القول الذي حكاه الإمام عن صاحب التقريب ، وإن كان لم يتعرض للإشاعة .

ولا ينافي ذلك ما تقدم عن الأصحاب من فصل الخصومة ; لأن ذلك معرفة المقدار وبعد معرفة المقدار الذي لكل منهما يصير مشتركا كما تقدم عن الماوردي فيما إذا كان المقدار معلوما ، ويصير حكمه حكم الاختلاط المذكور في غير ذلك من الأبواب ، وفي المثليات بحكم الإشاعة على ما سنذكره إن شاء الله تعالى في باب الفلس والغصب ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

[ ص: 179 ] قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وإن اشترى شجرة عليها حمل للبائع فلم يأخذه حتى حدث حمل للمشتري واختلطت ولم تتميز ، ففيه طريقان ، قال أبو علي بن خيران وأبو علي الطبري : لا ينفسخ العقد قولا واحدا ، بل يقال : إن سمح أحدكما بترك حقه من الثمرة أقر العقد ; لأن المبيع هو الشجر ولم يختلط الشجر بغيره ، وإنما اختلط ما عليها من الثمرة ، والثمرة غير مبيعة ، فلم ينفسخ البيع كما لو اشترى دارا وفيها طعام للبائع وطعام للمشتري ، فاختلط أحد الطعامين بالآخر ، فإن البيع لا ينفسخ في الدار .

قال المزني وأكثر أصحابنا : إنها على قولين كالمسألة قبلها ; لأن المقصود بالشجر هو الثمرة فكان اختلاطها كاختلاط المبيع . وإن اشترى رطبة بشرط القطع فلم يقطع حتى زادت وطالت ففيه طريقان . ( أحدهما ) : أنه لا يبطل البيع قولا واحدا بل يقال للبائع : إن سمحت بحقك أقر العقد ، وإن لم تسمح فسخ العقد ; لأنه لم يختلط المبيع بغيره ، وإنما زاد المبيع في نفسه فصار كما لو اشترى عبدا صغيرا فكبر أو هزيلا فسمن ، ( الثاني ) وهو الصحيح : أنه على قولين : ( أحدهما ) : لا ينفسخ البيع ( والثاني ) ينفسخ ويخالف السمن والكبر في العبد ، فإن تلك الزيادة لا حكم لها ولهذا يجبر البائع على تسليم [ العبد ] مع السمن والكبر ، ولهذه الزيادة حكم . ولهذا لا يجبر البائع على تسليمها فدل على الفرق بينهما ) .

( الشرح ) فيه مسألتان هما من بقية المراتب التي تقدم التنبيه عليها من مسائل الاختلاط ( إحداهما ) وهي المرتبة الثانية : إذا اشترى شجرة أو أرضا فيها شجرة ، وعلى الشجرة المبيعة أو الداخلة في البيع من الثمرة حمل ، إذا اشترى شجرة وعليها حمل للبائع بأن كان مؤبرا أو ما في معناه فلم يأخذها البائع حتى حدث حمل المشتري واختلطت ولم تتميز ، وذلك إنما يكون فيما يحمل حملين ، أما ما يحمل مرة في العام فقد تقدم أنه متى كان على النخلة شيء مؤبر كان جميع ثمرة [ ص: 180 ] ذلك العام للبائع ، إذا عرف ذلك قال الأصحاب : فإن كان الحمل الحادث يتميز عن الأول كان الحمل الموجود حال العقد للبائع ، والحمل الحادث للمشتري ; لأنه حدث في ملكه وإن لم يتميز فقد نقل المزني عن الشافعي قولين ، كما تقدم في المرتبة الأولى ، واختلف الأصحاب في ذلك على طريقين كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى .

( إحداهما ) طريقة ابن خيران وأبي علي الطبري في الإفصاح : القطع بعدم الانفساخ ، ونقل الشيخ أبو حامد عن ابن خيران : أن هذه المسألة لا تعرف للشافعي رحمه الله تعالى ولا نص عليها ، ولا تجيء على مذهبه أيضا ، بل البيع صحيح بكل حال ، قال : وقد نكت ابن خيران وما قصر ، وهذا الكلام من الشيخ أبي حامد فيه ميل إلى ما قاله ابن خيران ، وكذلك الماوردي .

قال : إن ما قاله ابن خيران أصح جوابا وتعليلا ، وإن كان نقل المزني صحيحا ، قال : والإذعان للحق أولى من نصرة ما سواه .

وقال القاضي أبو الطيب عن ابن خيران والطبري : إنهما قالا : إن الذي في مختصر المزني نقله في الأم فوقع الغلط في النقل من مسألة بيع الثمرة إلى مسألة بيع الأصول ، واحتج المنتصرون لهذه الطريقة بأن الاختلاط ليس في المبيع ، فصار كما لو اشترى رجل ثمرا وتجددت ثمار في يد البائع وتعيبت الثمار والمبيع في يد البائع فلا خيار بعيب الثمار ، قال الإمام : وهذا القياس الذي لا يسوغ غيره ، وممن صحح هذه الطريقة الخوارزمي في الكافي . ( الطريقة الثانية ) : وبها قال المزني وأبو إسحاق المروزي ، ونسبها القاضي أبو الطيب كما نسبها المصنف إلى أكثر أصحابنا أنها على القولين ، قال هؤلاء : ونحن وإن لم نعلم نصه عليها ، فإن المزني ثقة فيما نقله عنه ، وفي المسألة ما لا يحتمل التأويل من وجهين . ( أحدهما ) : أن فيها يقال للمبتاع أتسمح ؟ فإن سمح وإلا قيل للبائع : أتسمح ؟ فلولا أن المعقود عليه هو نفس الشجر لما صح أن يقال لكل منهما : أتسمح ؟ ( والثاني ) : أنه قال : تكون الخارجة للبائع ، والحادثة للمشتري ، فدل على أن المعقود عليه هو الشجر ، ثم المعنى يدل على ذلك ، فإن المعقود عليه وإن كان هو الشجر ، فإن [ ص: 181 ] المقصود منها الثمرة ، فإذا اختلطت الخارجة بالحادثة فقد اختلط المقصود من المبيع بغير المبيع ، فهو كما لو اختلط المبيع بغيره ، قال الشيخ أبو حامد : وهذا قريب ، غير أن ابن خيران أسقط المسألة بالأصالة ، فلا معنى لقول هذا القائل : إن فيها ما لا يحتمل التأويل .

( قلت ) : المراد أن المسألة غير قابلة للتأويل ، وأما إسقاط ابن خيران فيجاب عنه : بأن المزني ثقة ، وقد نقلها فلم يبق لابن خيران متعلق إلا أن تقول : إن المزني أخطأ فيها ، وجوابه بما أبداه هذا القائل من المعنى ، فإنه ينفي الجزم بخطئها ، واعلم : أن هؤلاء الأئمة على جلالتهم واطلاعهم بين منكر لما نقله المزني ومقلد له فيه ، وقد وقفت على القولين بما لا يحتمل التأويل إلا بتعسف عظيم ، فإنه قال في آخر باب ثمر الحائط : يباع أصله ، وما أثمر في السنة مرارا فبيع ، وفيه ثمرة فهي للبائع وحدها ، فإذا انقضت فما خرج بعدها مما لم يقع عليه صفقة البيع فلمشتري الأصل ، وصنف من الثمرة ما كان يخرج منه الشيء بعد الشيء ، حتى لا ينفصل ما وقعت عليه صفقة البيع ، وهو في شجره فكان للبائع ما لم تقع عليه صفقة البيع ، وكان للمشتري ما حدث . فإن اختلط ما اشترى بما لم يشتر فلم يتميز ففيها قولان . ( أحدهما ) : لا يجوز البيع فيه إلا بأن يسلم البائع للمشتري الثمرة كلها ، فيكون قد أوفاه حقه وزيادة أو يترك المشتري له هذه الثمرة ، فيكون قد ترك له حقه .

( والقول الثاني ) : أنه يفسد البيع من قبل أنه وإن وقع صحيحا فقد اختلط حتى لا يتميز الصحيح منه الذي وقعت عليه صفقة البيع مما لم يقع عليه ، وقد تكلف ابن الرفعة بحمل ذلك على ما إذا باع شجرة التين مثلا بعد أن نتجت الأغصان ولم تبرز الثمرة ، فاشترط البائع لنفسه تلك الأغصان ، فإنه كالثمرة غير المؤبرة إذا شرطها البائع لنفسه ، فيشترط فيها القطع على نص ، فيصح أن يقال : إن المبيع قد اختلط بغيره ، وهذا تكلف بعيد ، وقد أحسن المحاملي فاعترف : بأن الشافعي رحمه الله تعالى نص على القولين في الأم ، ورد على ابن خيران مذهبا وحجاجا ، وذكر الإمام عن القائلين بهذه [ ص: 182 ] الطريقة : أنهم فرقوا بين صورة الاختلاط وبين تعيب الثمار المتحدة في يد البائع ، بأن الاختلاط سببه بقاء ثمرة البائع على الأشجار ، وعلى البائع في الجملة تخلية المبيع للمشتري ، فقد حصل الاختلاط بسبب ما استبقاه البائع لنفسه ، وقرب ذلك من نقل الأحجار المودعة في الأرض ، ومن قلع باب الدار المبيعة لنقل ما فيها من الأمتعة .

وفي البحر : أن ابن خيران تأول ما نقله المزني على ما إذا ابتاع الشجرة وبقيت الثمرة للبائع ، ثم اشترى المشتري ثانيا الثمرة . ثم ظهرت الحادثة فاختلطت بها . وهنا يختلط المبيع بغير المبيع . فهي مسألة القولين . وغلطه في هذا التأويل : بأن هنا وإن اختلط المبيع بغير المبيع إلا أن كله للمشتري ، واختلط ملكه بملكه فلا يؤثر في البيع أصلا ، والله أعلم .

( فائدة ) قال الشيخ أبو حامد : ولا أعرف شجرة تحمل حملين يتميز أحدهما عن الآخر في سنة واحدة إلا التين ، فإنه يحمل النوروذي ثم يحمل بعده في الوقت . وقد قال غيره : إن النارنج والأترج والرانج أيضا يحمل حملين ، وقد بلغني عن نوع من التفاح والباذنجان والبطيخ والقثاء ونحوها كالتين ، وأجاب الأصحاب عن كوننا لم نجعل الحادثة تابعة للخارجة كما في ثمرة النخل ، حيث جعلنا الطلع الحادث تابعا على الصحيح بأن العادة في النخل أنه يحمل حملا واحدا ، فإذا كان بعض حمله للبائع كانت ثمرة ذلك العام كله له ، والتين يحمل حملين كل واحد منهما غير الآخر ، فالثاني : كثمرة النخل في العام القابل .

( قلت ) : والآخر كذلك غير أنه لا يطرد في شجر بعينه ، ولا نقول في ثمرة النخل مطلقا : إن ثمرة العام كلها للبائع ، فقد ورد : أن نخل أنس بن مالك رضي الله عنه كانت تحمل في السنة مرتين بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم له . فالمعتبر حينئذ بالحمل على ما جرت العادة ، فإذا كان أحد الحملين منفصلا عن الآخر انفصالا بينا غير متلاحق لم يتبع الثاني الأول ، وإن كانت عبارة الشافعي التي قدمتها تقتضي اعتبار العام فينبغي أن يقول : على ذلك سؤال قال الأصحاب : ( إن قيل ) هلا قلتم : الحمل الثاني تابع للأول ؟ كما إذا باع نخلة مؤبرة ، فإن الطلع الحادث للبائع تبعا للموجود ؟ ( فالجواب ) : إن في الطلع وجهين [ ص: 183 ] والفرق : أن الطلع الحادث من جملة هذا الطلع الموجود ; لأنه ليس له إلا حمل واحد يتقدم بعضه ويتأخر بعضه . وليس كذلك الحمل الثاني مع الحمل الأول .

( فرع ) قال المتولي في هذه المسألة : إن عدم الانفساخ هو الصحيح يعني من طريقة القولين ، وفي مسألة اختلاط الثمار المبيعة بغيرها لم يصحح شيئا ، والذي صححه ابن أبي عصرون في هذه المسألة من طريقة القولين القول بالانفساخ كما صحح ذلك في مسألة اختلاط الثمار المبيعة .

( فرع ) إذا قلنا : ينفسخ العقد فلا تفريع عليه ، ( وإن قلنا ) : لا ينفسخ ، قال القاضي أبو الطيب : فمن سمح منهما أجبر الآخر على قبوله ، وإن امتنعا فسخ الحاكم بينهما ، كذلك قال القاضي أبو الطيب ، وهو مفهوم المصنف رحمه الله قال الماوردي : على ما يقتضيه مذهب ابن خيران ، إن تراضيا واتفقا على قدر الحادثة من المتقدمة ، وإلا فالقول قول صاحب اليد ، ولا يفسخ البيع ; لأنه لا يجعل لما حدث تأثيرا في البيع .

وهذا الذي قاله الماوردي أحسن وأدخل في المعنى الذي لحظه ابن خيران ; لأن الاختلاط في غير المبيع لا أثر له ، وكذلك صرح به المحاملي بعبارة تقتضي أنه منقول عن ابن خيران ، فإنه قال : وقال ابن خيران : المسألة على قول واحد : إن البيع لا يبطل ، ولكن يقال لكل منهما : اسمح بترك ثمرتك ، فإن سمح أجبر الآخر على القبول ، وإن لم يسمح نظر فإن كانت الشجرة والثمرة في يد البائع كان القول قوله في قدر ما يستحقه المشتري منها ، وإن كانت في يد المشتري فالقول قوله في قدر ما يستحقه منها . وكذلك الإمام قال : إنه على هذه الطريقة لا يثبت الخيار ، وربما يظن بين كلام هؤلاء وكلام القاضي أبي الطيب منافاة ، ولا منافاة بينهما ، فقد بين الروياني ذلك ، ونقل القول بالفسخ عن نصه في الأم وعن ابن خيران : أنه إذا لم يسمح واحد منهما ، فالقول قول من في يده كما قاله المصنف والقاضي أبو الطيب تفريعا على القول بعدم الانفساخ من قولي طريقة الخلاف ، وما قاله الماوردي والمحاملي والإمام تفريع على طريقة ابن خيران فقط ، فكلام أبي الطيب لا إيراد عليه [ ص: 184 ] إلا من جهة كونه أطلق ذلك على قول عدم الانفساخ ، وهو مشترك بين قول ابن خيران وأحد قولي طريقة الخلاف .

وكلام المصنف الإيراد عليه قوي ; لأنه نقل قول ابن خيران ، وفرع عليه أنه يقال : من سمح منكما أقر العقد فأفهم أنه إذا لم يسمح واحد منهما لا يقر العقد ويفسخ ، وليس ذلك قول ابن خيران ، ولو أخر هذه الكلمة بعد طريقة القولين ، وقالها تفريعا على عدم الانفساخ كان يعتذر عنه بما اعتذر عن القاضي أبي الطيب ، والله أعلم .

( فرع ) كلام المصنف هنا مشير إلى أنه لا مزية في غرض ترك الحق بين البائع والمشتري ، وكلامه في التنبيه يقتضي أنه يبدأ بالبائع ، وكلام الماوردي يقتضي البداءة بالمشتري ، والأقرب التسوية كما أشار إليه في المهذب ، وأن من بدأ بالقول : البائع أو المشتري ، لم يقل ذلك على أنه متحتم ، بل على جهة المثال وليس كذلك كالبداءة في التسليم ، فإن ذلك مقصود يجبر عليه بخلاف هذا ، والله أعلم .

( فرع ) أورد على إلزام المشتري أو البائع قبول ما بذل له من الثمن لإمضاء العقد ما إذا سمح غرماء المفلس لصاحب السلعة المبيعة بتقديمه بتمام الثمن ليستمر عقد البيع ، فإنه لا يلزمه الإجابة ، وفيه نظر .

( المسألة الثانية ) وهي المرتبة الأخرى : إذا اشترى رطبة ، فإن اشتراها بشرط القطع من أصلها فلم يقلع ، فما حدث يكون للمشتري إن اشتراها بشرط القطع فلم يأخذها المشتري حتى طالت وعلت ، فقد عطف المزني هذه على مسألة القولين ، فاختلف الأصحاب ، فمنهم من قال : البيع صحيح قولا واحدا كما ذكره المصنف حكما وتعليلا ، ومنهم من قال : هي على قولين كالمسألة الأولى ، وممن ذهب إلى هذا أبو إسحاق المروزي وابن أبي هريرة والشيخ أبو حامد وجمهور أصحابنا والإمام والروياني والشاشي .

قال الماوردي وجمهور أصحابنا : وغلط الشيخ أبو حامد القائل الأول ، وأجاب هؤلاء عما تمسك به القائل الأول من الكبر والسمن : بأن زيادة الكبر والسمن وصيرورة البلح بسرا وما أشبه ذلك ليس بعين ، بمعنى أنه لم يزد في أطرافه ولا في [ ص: 185 ] عدده .

والرطبة إذا طالت تفرع لها أغصان ، وحدثت أعيان لم تكن فهو كالمسألة الأولى سواء ، وحسن المصنف هذا الجواب بقوله : إن تلك الزيادة لا حكم لها ، فلم يقل إنها ليست بعين ، فإنها عين قطعا ، ولهذا احتاج الأولون يفسرون ذلك بعدم زيادة أطرافه وعدده ، لكنها وإن كانت عينا فلا حكم لها ، بدليل أنه : يجبر على التسليم معها فعبارة المصنف أسلم عن المشاححة ، وقد يفرض طول الرطبة من غير تفرع الأغصان ، ومما يدل على ذلك : أنه لو باع الرطبة وطولها ذراع فأجبر في نصف طوله قبل القبض سقط من الثمن بقدره بخلاف السمن ، فإنه لو هزل في يد البائع لم يسقط شيء ، وقال القاضي أبو الطيب : إن الزيادة في الرطب حدثت في الأصول التي في الأرض ، فهي بمنزلة حدوث حمل آخر من الثمرة ، وقال الماوردي : إنها عين متميزة بخلاف الكبر والسمن فإنه ليس متميزا .

( واعلم ) : أن هاتين الطريقتين على ما ذكره المصنف متفقتان على أن الزيادة التي حصلت في الرطبة للبائع ، وليست للمشتري ، وكذلك قال القاضي أبو الطيب والمحاملي والشيخ أبو حامد قبلهما والقاضي حسين ، وذكر الماوردي في حكاية الطريقة الجازمة بالصحة : أن الزيادة للمشتري ; لأنها لا تتميز ، فإن صح ذلك ففي المسألة ثلاث طرق .

وقال ابن أبي عصرون : إن الأصح من قولي أحد الطريقين الانفساخ كما ذكره في المسألتين السابقتين ، وقول المصنف : فسخ ، أي يفسخه الحاكم ، كذلك صرح به الماوردي ، وقوله على القولين ; أي القولين في اختلاط الثمرة المبيعة . ( واعلم ) : أن في مسألة الرطبة ومسألة اختلاط الثمار المبيعة ، يقال للبائع : إن سمحت بحقك أقر العقد ، وإن لم تسمح فسخ البيع ، كما قال المصنف هناك ، ولا يقال للمشتري : إن سمحت بحقك أقر العقد ، وفي مسألة إذا باع الشجرة واختلطت الثمار الموجودة بالحادثة يقال لكل منهما : إن سمحت بحقك أقر العقد ، والفرق أن في المسألتين الأوليين إذا ترك المشتري حقه فاز البائع بالعوض والمعوض . [ ص: 186 ]

( فرع ) باع شجرة الباذنجان إن بلغ نهايته ، فإن كان في الخريف لا يحتاج إلى شرط القطع ، وإلا فبشرط القطع ، فإن كان عليه ردها فهو للمشتري ، وإلا فهو للبائع كما في سائر الثمار ، ولا يدخل في مطلق العقد إلا بالشرط ، فلو ظهر باذنجان آخر واختلط بالأول بحيث لا يتميز ففيه طريقان كما ذكرنا ، وهكذا في البطيخ والقثاء وما في معناها ، قاله القاضي حسين ، وقال الروياني في هذا الفرع : إن باع الأصل مع الثمرة لا بد من شرط القطع ، فإن شجر الخربز والباذنجان والقثاء زرع ، وقد تقدم في كلام الإمام ما يخالفه .

وقال الخوارزمي : إن باع الأصول قبل خروج حملها لم يجز إلا بشرط القطع ، وإن باع بعد خروج حملها ، فإن باعها مع الحمل جاز مطلقا ، وإن باعها دون الحمل أو مطلقا فالحمل الموجود للبائع ، والحادث للمشتري .

ومقتضى كلام القاضي حسين الذي حكيته أنه إذا باع البطيخ مع أصوله لم يصح إلا بشرط القطع ، بخلاف النخل ، وكذلك قال الإمام والغزالي ، قال ابن الرفعة : وهو أفقه يعني من الإمام ، والمنقول الأول ، يعني كلاما عن البندنيجي وغيره يقتضي أنه يجوز مطلقا .

( فائدة ) إن قلت : ما وجه تأخير هذه المرتبة عن الرتبة الثانية ، فإن في هذه المرتبة اختلط المبيع بغيره ، فهي أشبه بالمسألة الأولى ( قلت ) : المرتبتان الأوليان الاختلاط فيهما ظاهر ، إما اختلاط المبيع بغيره في المرتبة الأولى وإما اختلاط المقصود منه بغيره في المرتبة الثانية ، وفي هذه المرتبة القائل الأول يقول : ليس فيها اختلاط ، وإنما هو زيادة المبيع في نفسه . ولو كان كما قال هذا القائل لأجبر البائع على تسليم الرطبة بكمالها . ولم يقل به أحد كما أشار إليه المصنف . فالنزاع في المرتبة الثانية في المختلط فيها . هل هو كالمختلط في المرتبة الأولى أو لا ؟ والنزاع في الاختلاط هل هو كذلك الاختلاط أو لا ؟ فذكر المصنف الاختلاط المحقق بقسميه ، ثم لما فرغ منه ذكر ما يقبل النزاع في كونه اختلاطا أو لا ؟ لكن إجراء القولين هنا فيما أظنه أولى من إجرائهما في المرتبة الثانية ; لأن الاختلاط حقيقي ، وإنكار ما فيه ارتكاب ضرب في المجاز أو القياس . وكون المرتبة الثانية كالأولى على العكس من ذلك .

وكذلك قلت في هذه المرتبة الأخرى ، ولم أقل [ ص: 187 ] الثالثة ، وذلك أن جماعة من محققي الأصحاب كأبي حامد والماوردي اختاروا إجراء القولين هنا دون المرتبة الثانية .

ولو اشترى وديا فكبر فإنه للمشتري قولا واحدا ; لأنها زيادة غير مميزة . قاله ابن أبي هريرة وغيره ، وجعله القاضي حسين في تعليقه قاعدة عامة : أنه إذا اشترى شجرة وتركها حتى تكبر وتطول وتزداد كثيرا ، فإن كان مما لا يتكرر قطعه مثل شجرة التفاح وأنواعه فيكون الكل للمشتري ، وإن كان مما يتكرر قطعه مثل الخلاف والقصب يخرج على القولين ، وفي الفتاوى المنسوبة إليه فيما إذا اشترى شجرة بشرط القطع فلم تقطع حتى نما وكبر إطلاق القولين في انفساخ العقد ، ثم قال جامعها بعد هذه المسألة : ليست عن القاضي ، وإنه ينبغي أن يكون للمشتري ، ولا خيار له ; لأنه ملك أصلها كالثمرة ، ثم قال : ورأيت للشيخ أبي المعالي أنه إن كانت الشجرة مما لا يخلف فللمشتري ، كالصنوبر والنخل ، وإن كان يخلف كالقت فقولان .

( قلت ) وسنذكر من كلام صاحب التتمة : أنه إذا اشترى الزرع بشرط القطع أن المشتري لا يملك أصوله ، وأنها للبائع ، وقياس ذلك : أن تكون الشجرة أيضا كذلك ، وأن تكون زيادتها كاختلاط المبيع بغيره ، فيجرى القولان كما اقتضاه باقي الفتاوى ، والذي قاله في التعليقة ، وقال ابن أبي هريرة : محمول على ما إذا باع مطلقا ، فإنه فيما لا يستخلف لا يحتاج إلى شروط القطع . وتكون أصوله للمشتري .

( فائدة ) هذه المسألة تنبهك على أن المشتري إذا اشترى جذة من الرطبة لا يملك منها إلا الظاهر على وجه الأرض ، وقد تقدم عن الماوردي حكاية خلاف في أن الجذة المراد بها الظاهر على الأرض أو ما جرت العادة بجذه ، وهذا الوجه لا يجتمع مع كلامهم في هذه المسألة إلا أن يكون قد عين في فرض هذه المسألة أنه لا يملك شيئا من الباطن .

( فرع ) الزروع التي تحصد مرة واحدة إذا اشتراها بشرط القطع وتأخر القطع حتى زاد ، قال صاحب التتمة : فالزيادة للبائع ، [ ص: 188 ] والحكم على ما ذكرنا ، يعني في مسألة زيادة الرطبة واختلاطها قال : حتى لو تسنبل تكون السنابل للبائع ، اللهم إلا أن يكون اشترى الزرع بشرط القطع وتأخر القطع حتى زاد فتكون الزوائد له ; لأنه ملك أصول الزرع التي منها تحصل الزيادة ، هكذا قال صاحب التتمة ، ( فأما ) قوله : الزيادة للبائع ، والحكم كما في مسألة الاختلاط فهو مخالف لما تقدم عن الإمام أنها للمشتري بالاتفاق ، ( وأما ) قوله : حتى لو تسنبل تكون السنابل للبائع ، ففيه نظر ; لأن السنابل ليست حادثة من خاص ملكه ، بل هي منها على رأيه وجعلها للمشتري أقرب ، ( وأما ) قوله : اللهم إلى آخره فهكذا وجدته في النسخة ، والظاهر : أنه غلط ( والصواب ) : القلع باللام ، وعلى هذا يصح ، فإنه إذا اشتراه بشرط القطع من أصوله كانت الأصول ملكه ، فكل ما حدث منه كان للمشتري ; لأنه زيادة ملكه ، والله أعلم .

وقد صرح صاحب التهذيب : بأنه إذا باع القرط بشرط القلع فلم يقلع حتى ازداد يكون ما حدث للمشتري ; لأنه ملك أصله ، وقد تقدم التنبيه على ذلك أول المسألة .

( فرع ) إذا اشترى أصول البطيخ تقدم عن الإمام والمتولي وغيرهما : أنه لا يجوز إلا بشرط القطع ، قال صاحب التتمة : أو القلع ، وقال صاحب التتمة : إلا أنه إذا اشترى أصول النبات بشرط القلع ثم استأجر الأرض أو استعار ولم تبلغ الأصول ، فما يحدث يكون ملكا له ; لأنه فرع أصل مملوك ، وهذا من صاحب التتمة على ما ذكره في الفرع المتقدم أنه إذا اشترى الزرع بشرط القطع لا يملك أصوله .

وقد تقدم عن الأصحاب : أن الطريق إلى ملك ما يحدث من البطيخ أن يشتري الأصول بشرط القطع ، ويستأجر الأرض فلا يجب عليه القطع . وهذا الذي قاله المتولي ينبه على أنه لا يفيد اشتراط القطع ، بل لا بد من اشتراط القلع . وينبغي أن يكون ذلك مجزوما به ; لأن البطيخ مما يستخلف ، والله أعلم .

ولو باع أصول النبات مطلقا . قال المتولي : لا يدخل البطيخ إلا بالتنصيص ; لأنها ثمرة ظاهرة ، حتى إن الذي هو يرى ولم ينعقد لا يتبع الأصول ، بخلاف الثمرة التي لم تظهر تتبع الشجرة ; لأن [ ص: 189 ] الشجرة أصل مقصود ، والنماء تبع له . فجعل ما لم يظهر من النماء تبعا له . وأما هنا أصل النبت ليس بمقصود ، وإنما المقصود الثمار ، فلا يجعل المقصود تبعا .

( فرع ) قال الشافعي رضي الله تعالى عنه : ولا يجوز بيع القصيل إلا على أن يقطع مكانه مما يستخلف أو لا يستخلف ، ثم قال : فإن اشتراه ليقطعه فتركه بغير شرط وقطعه بمكنة ، فالبائع بالخيار في ترك القصيل أو نقض البيع ، فهذا النص إن كان المراد به ما استخلف خاصة فهو أحد الطريقين أو القولين اللذين نقلهما الأصحاب ، وإن كان شاملا لما يستخلف ولما لا يستخلف ففيه موافقة لما قاله صاحب التتمة : من أن الزيادة في الزرع الذي لا يستخلف للبائع ، ومخالفة لما قاله الإمام ، قال صاحب التهذيب : إنه لو باع القصيل أو الشجر المخلف كالخلاف والقصب أو ورق الفرصاد في أول خروجه بشرط القطع في ذلك كله ، فلم يقطع حتى زاد ، ففي انفساخ البيع قولان كالقت ، قال : وعندي إن كانت المقاطع معلومة مثل أغصان الفراصيد يبين مقاطعها ، فما يحدث من الأوراق فوق المقطع ، والقول يكون للمشتري ، وفي القت والكراث إنما ينفسخ ; لأن ما يحدث من أصله الذي لم يبع غير متميز عما باع ; لأنه لا يعرف مقاطعها بعد الزيادة .

( فرع ) في زيادات أبي عاصم العبادي : إذا اشترى ورق الفرصاد مع أغصانه فتراخى القطع حتى مضى الوقت ، فله القطع ، وإن اشترى الورق فقط فتأخر فسد البيع في قول ; لأنه اختلط المبيع بغيره .

( فرع ) ما لا يجوز بيعه إلا بشرط القطع كالرطبة والقصيل والقصب والطرفاء والخشب والبردي في خرابزه ، ذكره ابن خيران في اللطيف .

قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن كان له شجرة تحمل حملين ، فباع أحد الحملين بعد بدو الصلاح ، وهو يعلم أنه يحدث الحمل الآخر ويختلط به ولا يتميز ، فالبيع باطل وقال الربيع : فيه قول آخر : إن البيع [ ص: 190 ] يصح . ولعله أخذه من أحد القولين فيمن باع جذة من الرطبة ، فلم يأخذ حتى حدث شيء آخر ، أن البيع يصح في أحد القولين ، والصحيح هو الأول ; لأنه باع ما لا يقدر على تسليمه ; لأن العادة فيها الترك ، فإذا ترك اختلط به غيره ، فتعذر التسليم بخلاف الرطبة ، فإنه باعها بشرط القطع فلا يتعذر التسليم ) .

( الشرح ) ضبط في الاستقصاء حملين بفتح الحاء قال في الاستقصاء : وقال غيره : الحمل بالفتح ما كان في بطن أو على رأس شجرة . وبالكسر ما كان على رأس أو ظهر ، وحمل الشجرة مرتين ، يقال : إن ذلك في التين واللوز والرانج والأترج تحمل حملين ، وهذه المسألة كالتقييد لما تقدم وتبين : أن ما مضى من الكلام في اختلاط الثمار المبيعة إنما محله فيما إذا لم يكن الاختلاط غالبا ، أو كان غالبا ولكن شرط القطع على المشتري ، فلم يتفق حتى وقع الاختلاط ، أما إذا كان الاختلاط غالبا ولم يشترط القطع ، فالبيع باطل كما ذكره المصنف ههنا ، وهو الصحيح المشهور المنصوص في الأم ، نص عليه في باب ثمر الحائط يباع أصله .

قال الربيع هناك : وللشافعي في مثل هذا قول : أنه إن شاء رب الحائط أن يسلم ما زاد من الثمرة التي اختلطت بثمرة المشتري صح ، قال المحاملي : وهذا ليس بمنصوص ، وإنما أخذه الربيع من أحد القولين فيما إذا باع جذة من الرطبة ، فلم يجذه المشتري حتى حدثت أعيان أخر ، فإن الشافعي نص في تلك المسألة على قولين ، فخرج الربيع قولا آخر في هذه المسألة بناء على تلك .

قال المحاملي : وغلط في هذا ، والمذهب : أن البيع يبطل قولا واحدا ، والفرق : أن الرطبة إنما تباع على شرط القطع ، فالمبيع معلوم مقدور على تسليمه ، وإنما يخاف تعذر التسليم بمعنى ربما حدث ، وربما لم يحدث ، فصح العقد وههنا وقع العقد على الثمرة الموجودة ، والعقد يقتضي تبقيتها إلى وقت الجذاذ ، فإذا علم اختلاطها في تلك الحالة ، فقد وقع العقد على ما يعلم تعذر تسليمه حال استحقاق التسليم ، انتهى . وشبهوه بشراء العبد الآبق ، وقد أطبق جماهير الأصحاب على ترجيح القول بالفساد ، ورد ما قاله الربيع . [ ص: 191 ] قالوا : وإنما وزان مسألة الرطبة لو باع الثمرة بشرط القطع ، فلا يبطل البيع .

وقد نقل الإمام قول الربيع المذكور في الكتاب عن العراقيين . قال : وذكر العراقيون قولا بعيدا : أن البيع موقوف ، فإن سمح البائع ببذل حقه تبينا انعقاد العقد ، وإن لم يسمح تبينا : أن العقد غير منعقد في أصله ، وهذا قول مزيف لا أصل له ، وهو بمثابة المصير إلى وقف بيع العبد الآبق على تقدير فرض الاقتدار عليه وفاقا ، فإن طردوا هذا ، فهو على فساد مطرد ، وما أراهم يقولون ذلك . وأراد الإمام بالقول الذي نقله العراقيون : ما ذكره المصنف عن الربيع ، لكن ليس في كلامهم الذي رأيته أن ذلك من باب وقف العقود ، بل صرح المحاملي في حكاية هذا القول أنه يقال للبائع : اسمح بترك حقك ، فإن سمح وإلا فسخ العقد ، ولكن عبارة الربيع في الأم التي حكيت بعضها في صدر كلامي محتملة لما قاله الإمام ، والأولى : أن يترك على ما قاله المحاملي ، وحينئذ لا يكون من وقف العقود ، ولا يتبين انعقاد العقد أو عدم انعقاده .

وأما إلزامهم بالعبد الآبق فالفرق : أن الثمرة يمكن تسليمها بتسليم الجميع ، ولا كذلك الآبق ، لكن القول المذكور ضعيف بما ذكره المحاملي والمصنف ، فإن الرطبة لأجل شرط القطع يمكن تسليمها ، وههنا الإبقاء بعد بدو الصلاح مستحق ، فلا يمكن التسليم ، وكونه تسليمه بتسليم الجميع لا يكفي ; لأن شرط العقد القدرة على التسليم الذي لو امتنع منه أجبر عليه ، وهو لا يجبر على تسليم الجميع ، وقد أورد ابن الرفعة على الإمام والغزالي إذ قالا : إن الاختلاف بعد التخلية لا يوجب الانفساخ : أن يقولا بالصحة ههنا ، فإن التسليم ممكن بالتخلية ، وللبائع إجبار المشتري عليها إذا باع مطلقا لخروجه بذلك عن عهدة الضمان على هذا الرأي ، كما يكون ذلك في المنقول ، وحينئذ تساوي مسألة الرطبة ، نعم لو كان التسليم لا يمكن في حال إلا مع الاختلاط لم يصح ذلك ، وذلك في جملة البئر إذا أفردت بالبيع وقلنا : الماء ردها ، وأورد صاحب الوافي أنه إذا علم حدوث ما تختلط به الثمرة المبيعة إذا تركها ، فينبغي أن يجب القطع للعذر المفضي إلى إبطال البيع فيصح نقل الربيع .

[ ص: 192 ] قلت ) : وإيجاب القطع بدون شرطه بعيد ; لأن المشتري لم يلتزمه ، ولا هو مقتضى العقد ، والله أعلم .

وحقيقة الخلاف في هذه المسألة : يرجع إلى أن المتوقع كالواقع أو لا ؟ والجمهور : على أن المتوقع كالواقع ، ولهذا منعوا الأب من نكاح جارية ابنه إذا قلنا : لو أحبلها صارت أم ولد له ، وشاهده من السنة نهيه صلى الله عليه وسلم { عن بيع الثمرة حتى تزهي } " وأورد ابن الرفعة على الإمام أيضا في إلزامهم العراقيين طرده ذلك في العبد الآبق ، أنه أبدى في كتاب اللقيط احتمالا في جواز بيع العبد الآبق ، المنقطع الخبر مع عدم اتصال الرفاق ، وعدم إجزاء عتقه عن الكفارة ظاهر ، ثم قال : ومما يجب ذكره : أنا إذا منعنا البيع ، فلو تبين بقاء العبد فالظاهر عندي : نفوذ البيع ، وإن كان يلتفت على الوقت ، ولكن إذا بان الأمر من الملك والقدرة على التسليم فظن التعذر لا يبقى أثره مع تبين خلافه ، وكان في المعاملات يضاهي صلاة الخوف مع سواد يحسبه عدوا ثم بان خلافه .

( فرع ) إذا اشترى الشجرة المذكورة بعد ظهور أحد الحملين وتأبيره وهو يعلم أنه يحدث الحمل الآخر ويختلط به ، فأطلق الرافعي وغيره : أن البيع باطل إلا بشرط القطع ، وقال : إنه يجيء فيه الخلاف ، يعني خلاف الربيع ، ولم يذكر أنه على طريقة ابن خيران كيف يكون الحكم ؟ وينبغي على طريقة ابن خيران في المسألة المتقدمة بالصحة الحكم ، وعلى الطريقة المثبتة للخلاف يكون كما لو باع أحد الحملين ، فالمشهور البطلان إلا بشرط القطع ، والله أعلم .

وإذا باع شجرة واستثنى ثمرتها التي لم تؤبر ، فإنه لا يشترط شرط القطع على الصحيح . وإذا باع شجرة وبقيت ثمرتها المؤبرة للبائع قبل بدو الصلاح ، لا يشترط قطعها جزما ، وإذا باع ثمرة بعد بدو الصلاح فعلم اختلاطها بغيرها قبل الجذاذ بطل العقد على أحد القولين ، ولو باع شجرة عليها ثمرة مؤبرة واختلطت بثمرة أخرى فكذلك على المذهب . ولو باع رطبة أو شبهها مما ذكرناه هنا لم يجز إلا بشرط القطع .

ولو باع الأرض وفيها رطبة تبقى للبائع ، ويعلم اختلاطها بغيرها ، [ ص: 193 ] فهو كما لو باع شجرة عليها ثمرة مؤبرة يعلم اختلاطها بغيرها ، ومقتضى المذهب كما قدمته اشتراط القطع فكذلك هنا ، وظهر لك بجميع هذه المسائل : أن إطلاقهم عدم اشتراط القطع فيما إذا بقيت الثمرة للبائع قبل التأبير بالشرط ، أو بعد التأبير وقبل بدو الصلاح بالعقد ، محمول على ما إذا لم يكن تلاحق الثمار غالبا ، أما لو كان غالبا فمقتضى ما تقرر بطلانه ، كما إذا باع ثمرة يعلم تلاحقها بغيرها ، وليس لك أن تفرق بأن الثمرة هناك مبيعة ، فتعذر تسليمها موجب للبطلان بخلاف ما إذا بقيت للبائع ، فإنها ليست بمبيعة ; لأنا نقول : إن هذا المعنى هو الذي لحظه ابن خيران فيما إذا باع الشجرة وعليها ثمرة فاختلطت بغيرها ، وقد أبطله الأصحاب هناك . ولو باع شجرة وعليها ثمرة غير مؤبرة واستثناها البائع ، إما بشرط القطع إن شرطناه أو بدونه ، فحدث طلع آخر ، فهل يكون حكمه ما إذا بقيت الثمرة المؤبرة للبائع وحدث طلع آخر ؟ فيجرى فيه الوجهان في أن الطلع يكون للبائع ؟ أو للمشتري ؟ أو نقول هنا : إن الطلع الحادث للمشتري قولا واحدا ; لأن الثمرة غير المؤبرة إنما بقيت بالشرط ، فلا يستتبع الطلب الحادث ، لم أر في ذلك نقلا ( فإن قلنا ) : إن الطلع للبائع تبعا للثمرة ، فلا كلام ( وإن قلنا ) : للمشتري وكان الغالب تلاحقه ، فهل يصح من غير شرط ، فيصير كما لو باع شجرة عليها ثمرة مؤبرة ، يعلم اختلاطها بغيرها .

وقياس المذهب فيها البطلان ، ولو اشترى شجرة القثاء والبطيخ ونحوه مع ثمرتها ، اشترط القطع ; لأنه كالزرع ; ثم إن لم يتفق القطع حتى خرج شيء آخر فالخارج والموجود كله للمشتري وهذا هو الوجه في تحصيل كل الثمرة الموجودة وغيرها للمشتري ، وإن أراد الخلاص من مطالبته بالقطع استأجر منه الأرض سنة أو سنتين ، فيحصل له منفعة تلك المدة . ولا يملك صاحب الأرض مطالبته بالقطع ، قاله الروياني وغيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية