صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( والمستحب أن يمسح أعلى الخف وأسفله فيغمس يديه في الماء ثم يضع كفه اليسرى تحت عقب الخف وكفه اليمنى على أطراف أصابعه ثم يمر اليمنى [ ص: 546 ] إلى ساقه واليسرى إلى أطراف أصابعه لما روى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال : { وضأت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فمسح أعلى الخف وأسفله } وهل يمسح على عقب الخف ؟ فيه طريقان ، من أصحابنا من قال يمسح عليه قولا واحدا لأنه خارج من الخف يلاقي محل الفرض فهو كغيره ، ومنهم من قال : فيه قولان ( أحدهما ) يمسح عليه وهو الأصح لما ذكرناه .

( والثاني ) لا يمسح لأنه صقيل وبه قوام الخف فإذا تكرر المسح عليه بلي وخلق وأضر به وإن اقتصر على مسح القليل من أعلاه أجزأه لأن الخبر ورد بالمسح ، وهذا يقع عليه اسم المسح ، وإن اقتصر على مسح ذلك من أسفله ففيه وجهان : قال أبو إسحاق : يجزيه لأنه خارج من الخف يحاذي محل الفرض فهو كأعلاه ، وقال أبو العباس بن سريج : لا يجزئه وهو المنصوص في البويطي وهو ظاهر ما نقله المزني ) .


( الشرح ) في هذا الفصل مسائل : ( إحداها ) حديث المغيرة رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم وضعفه أهل الحديث ، ممن نص على ضعفه البخاري وأبو زرعة الرازي والترمذي وآخرون ، وضعفه أيضا الشافعي رضي الله عنه في كتابه القديم ، وإنما اعتمد الشافعي رضي الله عنه في هذا على الأثر عن ابن عمر رواه البيهقي وغيره ، وروى الترمذي بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عروة بن الزبير عن المغيرة رضي الله عنه قال : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين على ظاهرهما } قال الترمذي هذا حديث حسن . فإن قيل : كيف حكم الترمذي بأنه حديث حسن وقد جرح جماعة من الأئمة ابن أبي الزناد ؟ فجوابه من وجهين : ( أحدهما ) أنه لم يثبت عنده سبب الجرح فلم يعتد به كما احتج البخاري ومسلم وغيرهما بجماعة سبق جرحهم حين لم يثبت جرحهم مبين السبب .

( والثاني ) أنه اعتضد بطريق أو طرق أخرى فقوي وصار حسنا كما هو معروف عند أهل العلم بهذا الفن والله أعلم .

( الثانية ) المغيرة بضم الميم وكسرها لغتان تقدمتا مع بيان حاله في أول صفة الوضوء ، وعقب الرجل بفتح العين وكسر القاف ، هذا هو الأصل ويجوز إسكان القاف مع فتح العين وكسرها وقد سبق التنبيه على هذه [ ص: 547 ] القاعدة ، والساق مؤنثة غير مهموزة وفيها لغة قليلة بالهمز سبق بيانها في غسل الرجلين ، وتبوك بفتح التاء بلدة معروفة وهي غير مصروفة ويقال غزوة وغزاة لغتان مشهورتان ، وكانت غزوة تبوك سنة تسع من الهجرة وهي من غزوات النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه . وقوله لأنه خارج من الخف ، فيه احتراز من باطنه الذي يلاقي بشرة الرجل ، وقوله يلاقي محل الفرض ، احتراز من ساق الخف ، وقوله لأنه صقيل ، يعني : أملس رقيقا ، وقوله وبه قوام الخف ، هو بكسر القاف وفتحها لغتان مشهورتان الكسر أفصح أي : بقاؤه ، وقوله وخلق هذا بفتح الخاء واللام وفتحها وكسرها ثلاث لغات وأخلق أيضا لغة رابعة . وقوله وأضر به ، يقال ضره وأضر به يضره ويضر به ، فإذا حذفت الباء كان ثلاثيا وإذا ثبتت كان رباعيا والله أعلم .

( الثالثة ) في أحكام الفصل : اتفق أصحابنا على أنه يستحب مسح أعلى الخف وأسفله ونص عليه الشافعي رضي الله عنه قالوا وكيفيته كما ذكر المصنف رحمه الله لكونه أمكن وأسهل ، ولأن اليد اليسرى لمباشرة الأقذار والأذى ، واليمنى لغير ذلك فكانت اليسرى أليق بأسفله ، واليمنى بأعلاه ، وأما العقب فنص في البويطي على استحباب مسحه كذا رأيته فيه وكذا نقله الأصحاب عنه ، ونقل الشيخ أبو حامد استحبابه عن نصه في الجامع الكبير ، ونقله القاضي أبو حامد والماوردي وغيرهما عن نصه في مختصر الطهارة الصغير ، ونقله المحاملي عن ظاهر نصه في القديم ، وظاهر نصه في مختصر المزني أنه لا يمسح فإنه قال : يضع كفه اليسرى تحت عقب الخف وكفه اليمنى على أطراف أصابعه ثم يمر اليمنى إلى ساقه واليسرى إلى أطراف الأصابع ، وللأصحاب طريقان كما ذكر المصنف : ( أحدهما ) في استحبابه قولان ومنهم من يقول وجهان ، ودليلهما ما ذكره المصنف .

( والثاني ) وهو المذهب وبه جزم كثيرون القطع باستحبابه كما نص عليه في هذه الكتب المذكورة وتأول نصه في مختصر المزني على أن المراد وضع أصابعه تحت عقبه وراحته على عقبه ، ونقل الماوردي عدم استحبابه عن ابن سريج والله أعلم .

وأما الواجب من المسح فإن اقتصر على مسح جزء من أعلاه أجزأه بلا خلاف ، وإن اقتصر على مسح أسفله أو بعض أسفله فنص الشافعي [ ص: 548 ] رضي الله عنه في البويطي ومختصر المزني أنه لا يجزئه ويجب إعادة ما صلى به ، ونقله الشيخ أبو محمد الجويني في الفروق عن نصه في الجامع الكبير ، وفي رواية موسى بن أبي الجارود ونقله الروياني وصاحب العدة عن نصه في الإملاء ، وللأصحاب ثلاث طرق حكاها صاحب الحاوي وإمام الحرمين وغيرهما : ( أحدها ) لا يجزئ مسح أسفله بلا خلاف ، وهذه طريقة أبي العباس بن سريج وجمهور الأصحاب وهي المذهب ، قال المحاملي وابن الصباغ : قال ابن سريج : لا يجزئ ذلك بإجماع العلماء .

( والطريق الثاني ) يجزئ قولا واحدا وهو قول أبي إسحاق المروزي ، وزعم أنه مذهب الشافعي رضي الله عنه قال : وغلط المزني في نقله ذلك في المختصر عن الشافعي ولا يعرف هذا للشافعي ، وإنما استنبطه المزني وغلط في استنباطه ، وتأول المتولي وغيره نصه في مختصر المزني على أنه أراد بالباطن داخل الخف وهو ما يمس بشرة الرجل .

( والطريق الثالث ) في إجزائه قولان حكاه الماوردي عن أبي علي بن أبي هريرة ، وحكاه الروياني عن القفال ورجحه الرافعي واتفق القائلون بهذا الطريق على أن الصحيح من القولين أنه لا يجزئ ، والصواب الطريق الأول وهو القطع بعدم الإجزاء فهذا هو المعتمد نقلا ودليلا . أما النقل فهو الذي نص عليه الشافعي رضي الله عنه في الكتب التي ذكرناها ولم يثبت عنه خلافه ، وأما دعوى أبي إسحاق أن المزني غلط فغلطه أصحابنا فيها قالوا : والمزني لم يستنبط ما نقله بل نقله عن الشافعي سماعا وحفظا ، قال الشيخ أبو محمد : قال المزني في الجامع الكبير : حفظي عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال : إن مسح الباطن وترك الظاهر لا يجز . ثم إن المزني لم ينفرد بذلك بل وافقه البويطي وابن أبي الجارود ونصه في الإملاء كما قدمناه . وأما الدليل فلأنه ثبت الاقتصار على الأعلى عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت الاقتصار على الأسفل ، والمعتمد في الرخص الاتباع فلا يجوز غير ما ثبت التوقيف فيه ، وعن علي رضي الله عنه : { لو كان الدين بالرأي كان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه ، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه } رواه أبو داود والبيهقي من [ ص: 549 ] طرق . قال الشيخ أبو محمد الجويني وصاحب الحاوي وغيرهما : معنى كلام علي رضي الله عنه : لكان مسح الأسفل أولى لكونه يلاقي النجاسات والأقذار لكن الرأي متروك بالنص . قال أصحابنا ولأنه موضع لا يرى غالبا فلم يجز الاقتصار عليه كالباطن الذي يلي بشرة الرجل ، قالوا : وأما مسحه مع الأعلى استحبابا فعلى طريق التبع للأعلى لاتصاله به بخلاف الباطن . قال أصحابنا : ولأن القول بجوازه خارق للإجماع فكان باطلا ، ونقل الشيخ أبو حامد والمحاملي وابن الصباغ والروياني وغيرهم عن ابن سريج أنه قال : أجمع المسلمون أنه لا يجزئ الاقتصار على الأسفل وقال القاضي أبو الطيب في تعليقه : قال أصحابنا : خالف أبو إسحاق إجماع الفقهاء قبله في هذه المسألة فلم يعتد بقوله والله أعلم .

( فرع ) لو مسح فوق كعبه من الخف أو مسح باطنه الذي يلي بشرة الرجل لم يجزئه بالاتفاق ، ولو اقتصر على مسح حرف الخف قال البغوي : هو كأسفله ، ولو اقتصر على مسح عقبه ففيه طرق : ( إحداها ) أنه كأسفله نقله البغوي .

( والثاني ) إن قلنا يجزئ الأسفل فالعقب أولى ، وإلا فوجهان ; لأن العقب أقرب إلى الأعلى ، ذكره القاضي حسين .

( والثالث ) إن قلنا لا يجزئ الأسفل فالعقب أولى وإلا فوجهان وهو ضعيف .

( والرابع ) قاله الماوردي والروياني إن قلنا مسح العقب سنة أجزأه وإلا فوجهان : أحدهما : لا يجزئ كالساق . والثاني : يجزئ لأنه في محل الفرض .

( والخامس ) قال الشاشي إن قلنا مسحه ليس بسنة لم يجزئ وإلا فوجهان كأسفله .

( والسادس ) الجزم بإجزائه حكاه الروياني ، قال الرافعي : الأظهر عند الأكثرين أنه لا يجزئ ، وهذا هو المذهب المعتمد .

( فرع ) قال أصحابنا : يجزئ المسح باليد وبأصبع وبخشبة أو خرقة أو غيرها ، ولا يستحب تكرار المسح بخلاف الرأس ; لأن المسح هنا بدل فأشبه التيمم ، هذا هو المذهب الصحيح المشهور وبه قطع الجمهور ، بل نقل إمام الحرمين والغزالي وغيرهما أن التكرار مكروه ، وحكى الرافعي عن ابن كج وجها أنه يسن التكرار ، واختاره ابن المنذر وحكى ابن المنذر عن ابن عمر [ ص: 550 ] وابن عباس وعطاء رضي الله عنهم الاقتصار على مسحة واحدة ، وهذا هو المعتمد ولم يثبت في التكرار شيء فلا يصار إليه .

( فرع ) لو غسل الخف بدل مسحه فالصحيح عند الأصحاب جوازه ، وفيه وجه كما سبق في الرأس ، فعلى الصحيح هو مكروه وتقدم في كراهة غسل الرأس وجهان ، وسبق بيان الفرق ، قال القاضي حسين : لو غسل الخف بدل مسحه أو وضع يده المبتلة عليه ولم يمرها عليه أو قطر الماء عليه ولم يسل أجزأه عند الأصحاب ، وعند القفال لا يجزئه كما ذكرناه في الرأس ، هذا مذهبنا وحكى ابن المنذر فيما إذا غسل الخف أو أصابه المطر ونوى : أنه يجزئه عن الحسن بن صالح وأصحاب الرأي وسفيان الثوري وإسحاق وعن مالك وأحمد رضي الله عنهما لا يجزئه ، واختاره ابن المنذر .

( فرع ) قال إمام الحرمين والغزالي : قصد استيعاب الخف ليس بسنة بل السنة مسح أعلاه وأسفله ; لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مسح الأعلى والأسفل ، وأطلق جمهور الأصحاب استحباب استيعاب الخف بالمسح ، ممن أطلق هذه العبارة القاضي حسين والفوراني والمتولي والجرجاني في كتابه البلغة وصاحب العدة وغيرهم .

( فرع ) لو كان أسفل الخف نجسا بنجاسة يعفى عنها لا يمسح على أسفله بل يقتصر على مسح أعلاه وعقبه وما لا نجاسة عليه ، صرح به إمام الحرمين والغزالي في البسيط والوجيز والمتولي والروياني وآخرون ، قال الروياني : لأنه لو مسحه زاد التلويث ولزمه حينئذ غسل اليد وأسفل الخف والله أعلم .

( فرع ) في مذاهب العلماء في استحباب مسح أسفل الخف وفي الواجب من أعلاه . [ ص: 551 ] قد ذكرنا أن مذهبنا استحباب مسح أسفله وأن الواجب أقل جزء من أعلاه . فأما استحباب الأسفل فحكاه ابن المنذر عن سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وعمر بن عبد العزيز ومكحول والزهري ومالك وابن المبارك وإسحاق . وحكى ابن المنذر عن الحسن وعروة بن الزبير وعطاء والشعبي والنخعي والأوزاعي والثوري وأصحاب الرأي وأحمد رضي الله عنهم أنه لا يستحب مسح الأسفل واختاره ابن المنذر . واحتجوا بحديث علي رضي الله عنه لو كان الدين بالرأي ، وقد سبق بيانه وبحديث المغيرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح ظاهر الخف } ، رواه الترمذي وقال حديث حسن ، وقد سبق بيانه والاعتراض عليه وجوابه في أول هذه المسألة ، ولأنه ليس محلا للفرض فلا يسن كالساق ، ولأنه قد يكون على أسفله نجاسة . واحتج أصحابنا بحديث المغيرة الذي ذكره المصنف رحمه الله وبأثر ابن عمر رضي الله عنهما الذي قدمناه لكن حديث المغيرة ضعيف كما سبق ، ولأنه بارز من الخف يحاذي محل الفرض فسن مسحه كأعلاه ، ولأنه مسح على حائل منفصل فتعلق بكل ما يحاذي محل الفرض كالجبيرة ، ولأنه ممسوح فسن استيعابه كالرأس ، ولأنه طهارة فاستوى أسفل القدم وأعلاه كالوضوء .

وأما حديث علي رضي الله عنه فأجابوا عنه بأن معناه لو كان الدين بالرأي لكان ينبغي لمن أراد الاقتصار على أقل ما يجزي أن يقتصر على أسفله ، { ولكني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتصر على أعلاه ولم يقتصر على أسفله ، } فليس فيه نفي استحباب الاستيعاب ، وهذا كما صح { أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته } ولم يلزم منه نفي استحباب استيعاب الرأس ، وإنما المقصود منه بيان أن الاستيعاب ليس بواجب ، وهكذا الجواب عن حديث المغيرة ، وأما قياسهم على الساق فجوابه من وجهين : ( أحدهما ) أنه ليس بمحاذ للفرض فلم يسن مسحه كالذؤابة النازلة عن حد الرأس بخلاف أسفله فإنه محاذ محل الفرض فهو كشعر الرأس الذي لم ينزل عن محل الفرض .

( الثاني ) أن هذا منتقض بمسح العمامة مع الناصية وبمسح الأذن ، وأما قولهم قد يكون على أسفله نجاسة فجوابه أنه إذا كانت نجاسة لم يمسح أسفله عندنا كما سبق والله أعلم . [ ص: 552 ]

وأما الاقتصار على أقل جزء من أعلاه فوافقنا عليه الثوري وأبو ثور وداود ، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : يجب مسح قدر ثلاث أصابع ، وقال أحمد رضي الله عنه : يجب مسح أكثر ظاهره ، وعن مالك مسح جميعه إلا مواضع الغضون ، واحتجوا بما روي عن علي رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على خفيه خطوطا بالأصابع } ، وعن الحسن البصري قال : من السنة أن يمسح على الخفين خطوطا بالأصابع ، قال أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنهم : وأقل الأصابع ثلاث ، ولأنه مسح في الطهارة فلم يكفه فيه مطلق الاسم كما لو بل شعرة ووضعها على الخف ، ولأن من مسح بأصبع لا يسمى ماسحا ، ولأن المسح ورد مطلقا فوجب الرجوع إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه مسح في طهارة فلم يكف مطلق الاسم كمسح وجه المتيمم . واحتج أصحابنا بأن المسح ورد مطلقا ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في تقدير واجبه شيء فتعين الاكتفاء بما ينطلق عليه الاسم ، فإن قالوا : لم ينقل الاقتصار على مطلق الاسم . قلنا : لا يفتقر ذلك إلى نقل لأنه مستفاد من إطلاق إباحة المسح فإنه يتناول القليل والكثير ولا يعدل عنه إلا بدليل . فإن قالوا : لا يسمى ذلك مسحا ، قلنا هذا خلاف اللغة فلا خلاف في صحة إطلاق الاسم عندهم .

وأما الجواب عن دلائلهم فكلها تحكم لا أصل لشيء منها ، وأما حديث علي رضي الله عنه فجوابه من أوجه : ( أحسنها ) أنه ضعيف فلا يحتج به .

( والثاني ) لو صح حمل على الندب جمعا بين الأدلة .

( الثالث ) أنه قال : مسح بأصابعه ولا يقولون بظاهره ، فإن تأولوه فليس تأويلهم أولى من تأويلنا . وأما قول الحسن فجوابه من وجهين : ( أحدهما ) أنه ليس بحجة فإن قول التابعي : " من السنة كذا " لا يكون مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بل هو موقوف ، هذا هو الصحيح المشهور ، قال القاضي أبو الطيب : وقال بعض أصحابنا : هو مرفوع مرسل وقد سبق بيان هذا في مقدمة الكتاب . ( والثاني ) : لو كان حجة لحمل على الندب ، وأما قولهم : لو مسح بشعرة فجوابه إن سمي ذلك مسحا قلنا بجوازه ، وإلا فلا يرد علينا ، وقولهم لا يسمى [ ص: 553 ] المسح بالأصبع مسحا لا نسلمه ، وقولهم يجب الرجوع إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم جوابه أنه لم يثبت التقدير الذي قالوه ، وقياسهم على التيمم جوابه أنه لا يصح إلحاق ذا بذاك ; لأنا أجمعنا على الاستيعاب هناك دون هنا فتعين ما ينطلق عليه الاسم . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية