صفحة جزء
[ ص: 311 ] قال المصنف رحمه الله تعالى ( فإن لم يعلم بالعيب واشتراه ثم علم بالعيب ، فهو بالخيار بين أن يمسك وبين أن يرد ; لأنه بذل الثمن ليسلم له مبيع سليم ولم يسلم له ذلك فثبت له الرجوع بالثمن كما قلنا في المصراة ) .


( الشرح ) المشتري للعين المعيبة تارة يكون عالما بعيبها ، وتارة لا يكون . ( الحالة الأولى ) إن كان عالما فلا خلاف أنه لا يثبت له الخيار لرضاه بالعيب ، ولا يأتي فيه الخلاف المتقدم في المصراة إذا كان عالما بالتصرية ; لأن المستند في ثبوت الخيار هناك عند من يقول به : التعبد ، وإن ذلك خيار ثابت بالشرع كما تقدم ، وليس ههنا كذلك وهذه الحالة تؤخذ من مفهوم كلام المصنف رحمه الله فإنه شرط في الخلاف عدم العلم ، ومفهومه أن عند العلم لا خيار قال ابن حزم في كتاب مراتب الإجماع : واتفقوا على أنه إذا بين له البائع بعيب فيه وحد مقداره ، ووقفه عليه إن كان في جسم المبيع ، فرضي بذلك المشتري أنه قد لزمه وإلا رد له بذلك العيب .

( فرع ) فلو كان المشتري قد علم به ، ولكن لم يعلم أنه عيب يوكس الثمن ، ويوجب الفسخ . قال الماوردي : ولا رد له ; لأنه قد كان يمكنه عند رؤيته أن يسأل عنه . ولأن استحقاق الرد حكم ، والجهل بالأحكام لا يسقطها . قال : فلو كان شاهد العيب قديما وقال : ظننت أنه قد زال فلا تأثير لهذا القول ; لأن الأصل بقاء العيب ، ولو اختلفا في العلم بالعيب فالقول قول المشتري ; لأن الأصل عدمه ، قاله صاحب العدة .

( الحالة الثانية ) إذا لم يعلم بالعيب وهي منطوق مسألة الكتاب يثبت الخيار لما ذكره المصنف رحمه الله . وقياس ذلك على المصراة إن كانت التصرية عيبا ظاهرا بالقياس والجامع الذي ذكره المصنف ، [ ص: 312 ] وقد قدمنا أن الصحيح أن التصرية عيب . وإن لم تكن التصرية عيبا فمن باب الأولى ; لأن الخيار إذا ثبت بالتدليس بما ليس بعيب ، فثبوته بالتدليس بالعيب المحقق أولى . هكذا ذكره القاضي أبو الطيب ، وفيه نظر ; لأن الذي يقول بالتصرية ليس بعيب يجعلها كالشرط ويلحق الخيار فيها بخيار الخلف . وحينئذ قد يقال : لا يلزم من جعل التصرية التي هي من فعل البائع كالشرط جعل التدليس بالعيب الذي ليس من فعله . ولئن جعلنا التدليس بالعيب كذلك فالعيب إذا لم يعلم به البائع لا يمكن دعوى ذلك فيه ، ومع ذلك الخيار ثابت به . ولأجل ذلك الطريقة التي سلكها المصنف رحمه الله واقتصر عليها أولى في الاستدلال وأسلم عن الاعتراض . نعم هو إنما يأتي على قول الجمهور : إن التصرية عيب أما على القول الذي رجحه الغزالي في الوجيز أن الخيار فيها ملحق بخيار الخلف فلا ; لأن سبب الخيار في المصراة المقيس عليها إخلاف الشرط الملتزم ، ولم يوجد في مسألتنا . فالمصنف رحمه الله قد جعل الجامع بين المسألتين عدم حصول المبيع السليم فعلى ما اختاره الغزالي لا يأتي ، إلا أن يجعل ذلك مقيسا على الالتزام الشرطي وكذلك فعل هو في الوسيط تنزيلا لغلبة السلامة منزلة الاشتراط ، ثم لك أن تجعل الالتزام الشرطي أصلا يكتفى به كما اقتضاه كلامه في الوسيط ، ولك أن ترده إلى التصرية لورود النص فيها ، وقد اقتصر المصنف رحمه الله على الاستدلال بالقياس ، وفي المسألة حديث وإجماع ، أما الحديث فالذي ذكره بعد هذا بفصل في الخراج بالضمان ، فإن فيه أنه خاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم { وأنه رده عليه بالعيب } وسنتكلم عليه هناك إن شاء الله تعالى .

وأما الإجماع فإنه لا خلاف بين المسلمين في الرد بالعيب على الجملة . واتفقوا على أن من اشترى شيئا ولم يبين له البائع العيب فيه ولا اشترط المشتري سلامة ولا اشترط الإخلاء به ، ولا بيع منه ببراءة ، فوجد به عيبا كان به عند البائع وكان ذلك العيب يمكن البائع معرفته وكان يحط [ ص: 313 ] من الثمن حطا لا يتغابن الناس بمثله في مثل ذلك البيع ، في ذلك الوقت ، يعني وقت عقد البيع ، ولم يتلف عين المبيع ولا نقصها ، ولا تغير اسمه ولا تغير سوقه ، ولا خرج عن ملك المشتري كله ولا بعضه ، ولا أحدث المشتري فيه شيئا ولا وطئا ولا غيره ، ولا ارتفع ذلك العيب ، وكان البائع قد نقد فيه جميع الثمن فإن للمشتري أن يرده ويأخذ ما أعطى فيه من الثمن ، وإن له أن يمسكه إن أحب ، واختلفوا فيما عدا كل ما ذكرناه بما لا سبيل إلى ضبطه بإجماع جاز انتهى . وادعى القاضي أبو الطيب إجماع المسلمين على التسوية بين الغاش الخائن وغيره ولعل المصنف رحمه الله إنما اقتصر على القياس . ولم يذكر الحديث والإجماع ، لأن الحديث فيه رد بعيب ، وذلك حكاية حال لا دلالة لها على العموم ولا إجماع مقيد بالقيود المذكورة ، أو أكثرها فكان الاستدلال بالقياس أشمل ، وبالجملة الرد بالعيب في الجملة لا شبهة فيه ، قال الشيخ أبو حامد : ولا يخفى أن المراد العيب الموجود عند العقد ، أما لو وجد العيب وزال قبل القبض فلا خلاف أنه لا حكم له ، وكذلك لو زال بعد البيع وقبل القبض .

( فرع ) ولي الطفل إذا اشترى له شيئا فظهر به عيب ، فإن كان الشراء بعين المال فهو باطل ، وإن كان في الذمة نفذ في حق الولي ، فإن اشترى سليما فحدث به عيب قبل القبض فإن كان الحظ في الإمساك أمسك أو في الرد رد ، فإن ترك الرد فإن كان اشترى في الذمة انقلب إليه ، ولزمه الثمن من مال نفسه وإن كان بغير مال الطفل بطل العقد ، قاله صاحب التتمة ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية