صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وله أن يرد بغير رضا البائع ، ومن غير حضوره ; لأنه رفع عقد جعل إليه فلا يعتبر فيه رضا صاحبه ولا حضوره كالطلاق ) .


( الشرح ) الكلام المتقدم فيما يحصل به المبادرة ، وأما الفسخ فإنه يجوز للمشتري ولو في حضور البائع ، وفي غيبته مع رضاه ، ومع عدمه ، ولا يفتقر إليه ولا إلى الحاكم ، وسواء أكان قبل القبض فيجوز أن يفسخه بحضرة البائع ، ولا يجوز في غيبته ، وإن كان بعد القبض فلا يجوز إلا بحضوره ورضاه أو بحكم الحاكم ، وهكذا قال أبو حنيفة في خيار الشرط : إنه لا يجوز لأحدهما الفسخ إلا بحضرة صاحبه ، لكنه لم يشترط هناك رضاه ، فالمسائل ثلاثة عند أبي حنيفة رحمه الله خيار الشرط يشترط فيه الحضور لا الرضا ، والرد بالعيب مثل القبض ، كذلك يشترط فيه الحضور لا الرضا ، وبعد القبض يشترط فيه الرضا أو حكم الحاكم . ودليلنا في خيار الشرط إطلاق حديث حبان بن منقذ ، وفي خيار العيب قبل القبض ، قال القاضي أبو الطيب : النكتة فيها أن من لا يعتبر رضاه في رفع العقد لا يعتبر حضوره كالمرأة في الطلاق ، وأما بعد القبض فلأنه رد مستحق بالعيب فلا يعتبر فيه رضا البائع كما قبل القبض ، وقول المصنف رحمه الله : لا يعتبر فيه رضا صاحبه إشارة إلى ما بعد القبض . ( وقوله ) ولا حضوره إشارة إلى ما قبل القبض تنبيها على محل الخلاف في الموضعين ، وقد قابل في النكت لفظ الرفع بالقطع ، وهو [ ص: 355 ] أحسن من جهة أن الطلاق قاطع لا رافع ، وما ذكره هنا أحسن من جهة أن الخصم لا يسلم إليه أن الرد قطع ، بل هو رفع لا سيما على قوله وقول عندنا أنه يرفع للعقد من أصله ، وقاس في النكت على الموصى له أيضا .

( وقوله ) جعل إليه احترازا من الإقالة فإنها إليهما لا ينفرد بها أحدهما ، ولا يرد اللعان حيث يعتبر فيه حضور المرأة رضا للقاضي مع أن الفرقة تترتب على لعان الزوج وحده ، وهي فرقة فسخ عندنا ، لأن الفرقة حكم شرعي رتبه الشرع على لعانه بغير اختياره ، فلا يندرج في قوله رفع ; لأن الرافع الشرع لا هو ، وفي الرد بالعيب هو الفاسخ باختياره وقصده الرفع ، واستدل أصحابنا أيضا بالقياس على الرجعة الوديعة فإنها تنفسخ في غيبة المودع حتى إذا علم به وجب عليه الرد ، وإن كان لا يضمن حتى يتمكن ويجب عليه طلب صاحبها ليسلمها إليه أو الحاكم ، فإن لم يفعل وهلكت في يده ضمنها .

( واعلم ) أن قول المصنف : جعل إليه ، ظاهر فيما قبل القبض ; لأن أبا حنيفة رضي الله عنه لا يشترط فيه رضا البائع ( وأما ) بعد القبض فقد يقال : إنه باشتراط رضاه يمنع أن الرفع حينئذ جعل للمشتري ليوقفه على رضا البائع مندفع عن المصنف ; لأنه يعني بقوله : جعل إليه أنه صادر منه وحده ، بخلاف الإقالة الصادرة منهما ، ومع ذلك يصح الاحتراز ، وإن اشترط الخصم فيه شرطا آخر واستدل الحنفية بأنه رفع عقد بعيب فلا ينفرد به كالرد بالعنة ، وأجاب أصحابنا بأن ذلك يفتقر إلى إقرار الزوج وبالعجز ، وإلى حكم الحاكم لأنه يختلف فيه بخلاف هذا ، ووافقنا أبو حنيفة فيما إذا كان خيار الشرط لأحدهما على جواز انفراده بالفسخ ، وإنما خالف فيما إذا كان الخيار لهما هكذا نقله القاضي حسين ، وعلى هذا يلزمه ، فإن الرد بالعيب ثابت لأحدهما ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية