صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( فإن زال العيب قبل الرد ففيه وجهان ، بناء على القولين في الأمة إذا أعتقت تحت عبد ، ثم أعتق العبد قبل أن تختار الأمة الفسخ ( أحدهما ) يسقط الخيار ; لأن الخيار ثبت لدفع الضرر . وقد زال الضرر ( والثاني ) لا يسقط ; لأن الخيار ثبت بوجود العيب . فلا يسقط من غير رضاه ) .


( الشرح ) الوجهان مشهوران حكاهما جماعة من الأصحاب . والرافعي حكاهما أيضا في باب التصرية كما تقدم عند استمرار لبن المصراة على كثرته ، ولكنه في هذا المكان جزم بسقوط الخيار تبعا لصاحب التهذيب ، وقال : إنه مهما زال العيب قبل العلم أو بعده وقبل الرد سقط حقه من الرد ، وهما طريقان في المذهب حكاهما القاضي حسين .

( إحداهما ) حكاية الوجهين بناء على القولين ( والثانية ) القطع بسقوط الخيار قال : وهذا [ هو ] المذهب . والفرق بينه وبين خيار العتق على أحد القولين ، أن خيار العتق لا يبطل بالتأخير على قول ، فلم يبطل بارتفاع السبب المثبت له ، بخلاف خيار العيب ، فلما اختلف الخياران في الأصل اختلفا في الصفة والبقاء بعد ارتفاع السبب . وقال ابن الرفعة : إن هذا الفرق لا غناء فيه والأمر كما قال . وبالجملة الصحيح السقوط ، وكذلك هو الصحيح من القولين في الأمة . ويحتمل أن يقال بعدم السقوط هنا وإن قيل في الأمة : لأن خيارها مقيد بما ينالها من الضرر بالإقامة يجب الفرق وقد زالت العلة وخيار المشتري معلل بغير البائع له ، وأنه بذل ذلك الثمن في مقابلة ما ظنه سليما وأخلف ، وزال العيب في يد المشتري [ وهي ] معه حاصلة له ولكني لم أر من قال بهذه الطريقة . والإمام في كتاب النكاح ضعف الوجه في المسألتين جدا ، وصحح السقوط في المسألتين ، وقال : إن الخلاف فيهما [ ص: 359 ] يبتنى على قاعدة ذكرها في الشفعة أن الشفيع إذا لم يشعر بها حتى باع ملكه الذي استحق الشفعة به وإنما ذكر الإمام هذا لأنه حكى الخلاف في الشفعة قولين ، والأكثرون حكوهما وجهين ، فالوجه أن تكون مسألة العيب ومسألة الشفعة كلتاهما مبنيين على مسألة الأمة . والأصح في المسائل الثلاث السقوط . ومسألة الشفعة وخيار الأمة من واد واحد ، وبينهما وبين مسألة العيب ما ذكرته في الاحتمال المتقدم الذي لم يذكره أحد من الأصحاب فيما علمت ، وإن كان المعنى الملاحظ فيه موجودا في كلامهم ، وأكثر المصنفين يحكون الخلاف في مسألة الكتاب وجهين إلا صاحب البحر فإنه قال : لو زال العيب سقط الرد ، وقيل : فيه قولان منصوصان . وكلام المصنف بإطلاقه يقتضي أنه لا فرق بين أن يكون زوال العيب قبل العلم به أو بعد العلم به وقبل الرد بأن يكون في مدة طلب الخصم والقاضي ، والأمر كذلك بلا نزاع ، وبه صرح الأصحاب ، ويقتضي أنه لا فرق بين أن يكون قبل القبض أو بعده . وقد يقال : الزائد قبل القبض أولى بالسقوط من الزائد بعده ، وكلام أبي سعيد الهروي في الأشراف جازم بأنه لا يرد ، لكنه أطلق فيما يوجد في يد البائع ، ولم ينص على أنه بعد البيع وقد صرح الإمام بجريان الخلاف فيه ، فبقي كلام المصنف رحمه الله على إطلاقه . ذكر الإمام ذلك في كتاب التفليس .

( فرع ) اشترى جارية سمينة فهزلت قبل القبض ، ثم سمنت فردها ، هل للمشتري الفسخ ؟ فيه وجهان بناء على ما لو غصب شاة سمينة فهزلت ثم ردها . هل يجب ضمان الثمن الأول أو يتخير بالثاني ؟ ( إن قلنا ) يتخير ولا يفسخ وإلا فله الفسخ ، قاله صاحب التهذيب وذلك بناء منه على الطريقة القاطعة بأن زوال العيب يمنع من الرد . أما على الوجه من الطريقة الأخرى فإنه ينفسخ ، ولو قلنا : يتخير فيكون الترتيب هكذا ( إن قلنا ) لا ينجبر الثمن الأول بالثاني فسخ ، وإلا فوجهان ( أصحهما ) لا .

( فرع ) لو زال العيب القديم قبل العلم به ، ولكن حدث عيب مانع من الرد فعلى الأصح لا أرش ، وعلى الوجه الآخر ينبغي أن يثبت له الأرش عن العيب القديم ، وإليه صار ابن الرفعة ، وجزم الرافعي [ ص: 360 ] بعدم الأرش . وذلك مستمر على جزمه في هذا الباب بسقوط الخيار . أما على طريقة الوجهين فيتعين جريانهما هنا وسيأتي إن شاء الله الكلام في زوال العيب بعد أخذ أرشه في آخر الفصل الثاني لهذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية