صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وإن مسح على خفيه ثم أخرج الرجلين من قدم الخف إلى الساق لم يبطل المسح على المنصوص لأنه لم تظهر الرجل من الخف ، وقال القاضي أبو حامد في جامعه : يبطل وهو اختيار شيخنا القاضي أبي الطيب رحمه الله لأن استباحة المسح تتعلق باستقرار القدم في الخف ، ولهذا لو بدأ باللبس فأحدث قبل أن تبلغ الرجل قدم الخف ثم أقرها لم يجزه ) .


( الشرح ) نص الشافعي رحمه الله في الأم على أن من بدأ باللبس فأحدث قبل بلوغ الرجل قدم الخف لم يصح لبسه ولا يستبيح المسح . ونص أن لابس الخفين لو نزع الرجلين أو إحداهما من قدم الخف ولم يخرجها من الساق ثم ردها لم يبطل مسحه ، ونص على هذه الثانية أيضا في القديم هكذا .

فأما المسألة الأولى فالمذهب ما نص عليه وبه قطع الأصحاب في كل الطرق إلا وجها شاذا قدمناه حيث ذكر المصنف المسألة في فصل اللبس على طهارة ، وأما الثانية ففيها اختلاف كثير مشهور ، الأصح أيضا ما نص عليه في الأم والقديم أنه لا يبطل مسحه وبه قطع المحاملي في كتابيه وأبو محمد في [ ص: 559 ] الفروق والغزالي في البسيط ، ورجحه البغوي وآخرون وحكاه الماوردي وسليم عن شيخهما أبي حامد ، وقال القاضي أبو الطيب في تعليقه وسليم الرازي في رءوس المسائل والدارمي في الاستذكار والشاشي وغيرهما في المسألة قولان : الجديد يبطل مسحه ، والقديم لا يبطل ، قال أبو الطيب وغلط بعضهم فقال : لا يبطل قولا واحدا ، قال والصحيح أنه يبطل وحكاه الماوردي عن البصريين من أصحابنا وصححه صاحب العدة وغيره .

وسلك إمام الحرمين طريقة لم يذكرها الجمهور فقال : كان شيخي ينقل عن نص الشافعي أن لابس الخف لو نزع رجلا من مقرها وأنهاها من مقرها إلى الساق فهو نازع ، وإن بقي منها شيء في مقر القدم وهو محل فرض الغسل فليس نازعا ، فإذا رد القدم فاللبس مستدام ولا يضر ما جرى ، قال الإمام ولم أر في الطرق ما يخالف هذا ، وهذا الذي قاله غريب . وفرق الأصحاب بين هذه المسألة والتي قبلها بفرقين : ( أحدهما ) فرق جمع وهو أنا عملنا بالأصل في المسألتين واستدمنا ما كانت الرجل عليه ، قالوا : ونظيره من حلف لا يدخل دارا ولا يخرج منها لا يحنث إلا بانفصال جميعه دخولا أو خروجا .

( الثاني ) أن الاستدامة أقوى من الابتداء كما تقول الإحرام والعدة يمنعان ابتداء النكاح دون دوامه . قال أصحابنا : ولو زلزل الرجل في الخف ولم يخرجها عن القدم لم يبطل مسحه بلا خلاف ، ولو خرج من أعلى الخف شيء من محل الفرض بطل المسح بلا خلاف ، قال صاحب البيان : ولو كان الخف طويلا خارجا عن العادة فأخرج رجله إلى موضع لو كان الخف معتادا لبان شيء من محل الفرض بطل مسحه يعني بلا خلاف ، وحكى القاضي أبو الطيب وأصحابنا إبطال المسح في المسألة الثانية عن مالك وأبي حنيفة والثوري وأحمد وإسحاق رضي الله عنهم ، وعن الأوزاعي لا يبطل ، وذكر المصنف دليل الجميع وتقدم ذكر القاضي أبي حامد في باب ما يفسد الماء من النجاسة ، وتقدم ذكر القاضي أبي الطيب في هذا الباب . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية