صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن كانت زيادة منفصلة كأكساب العبد ، فله أن يرد ويمسك الكسب لما روت عائشة رضي الله عنها " { أن رجلا ابتاع غلاما فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم به ثم وجد به عيبا فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ورد عليه ، فقال الرجل : يا رسول الله قد استغل غلامي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الخراج بالضمان } " ) .


( الشرح ) حديث عائشة هذا رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم في المستدرك وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه . وقد روي حديث عائشة هذا مطولا كما ذكره المصنف رحمه الله ومختصرا فالمطول من رواية مسلم بن خالد الزنجي شيخ الشافعي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، كذلك رواه الشافعي في الأم ، ورواه الأئمة المذكورون . وقد وثق يحيى بن معين رحمه الله مسلم بن خالد يسأله [ ص: 399 ] العباس بن محمد عنه فقال : ثقة ، وكذلك قاله في رواية الدارمي عنه ، لكن البخاري رحمه الله قال عنه : إنه منكر الحديث ، وقال أبو داود عقب روايته لهذا الحديث : هذا إسناد ليس بذاك . وأما المختصر فلم يذكر فيه القصة ، واقتصر على قول النبي صلى الله عليه وسلم : " { الخراج بالضمان } " رواه أيضا مسلم بن خالد عن هشام ، ورواه عنه الشافعي رحمه الله في الأم ، وتابع مسلما على روايته هكذا عمر بن علي المقدمي ، وهو ثقة متفق على الاحتجاج بحديثه . رواه الترمذي عن أبي سلمة يحيى بن خلف الجوباري وهو ممن روى عنه مسلم في صحيحه عن عمر بن علي ، وهذا إسناد جيد ، ولذلك قال الترمذي فيه : هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث هشام بن عروة ولفظ الترمذي في هذه الرواية : أن { النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن الخراج بالضمان } " وقد روي مختصرا أيضا من طريق هي أشهر من هذه وإن كانت هذه أحسن وأصح عن مخلد بن خفاف عن عروة ، رواه الشافعي رضي الله عنه في الأم والمختصر . رواه المختصر عمن لا يتهم عن ابن أبي ذؤيب ، وفي الأم عن سعيد بن سالم عن أبي ذؤيب ، ورواه أبو داود والترمذي وقال : حسن والنسائي والحاكم في المستدرك من جهة جماعة عن أبي ذؤيب عن مخلد . وعن مخلد قال : { ابتعت غلاما فاستغليته ثم ظهرت منه على عيب فخاصمته فيه إلى عمر بن عبد العزيز ، فقضى له برده وقضى علي برد غلته ، فأتيت عروة فأخبرته فقال : أروح إليه العشية فأخبره أن عائشة أخبرتني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في مثل هذا أن الخراج بالضمان فعجلت إلى عمر فأخبرته ما أخبرني عروة ، فقال عمر : فما أيسر علي من قضاء قضيته ، الله يعلم أني لم أر فيه إلا الحق ، فبلغني فيه بسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فراح إليه عروة فقضى له أن أخذ الخراج من الذي قضى به علي له } " . وقد تكلم في مخلد وإسناده هذا ، فقال الأزدي : مخلد بن خفاف [ ص: 400 ] ضعيف وسيد أبو حاتم عنه فقال : لم يرو عنه غير ابن أبي ذؤيب ، وليس هذا إسنادا تقوم به الحجة ، يعني الحديث ، وعن البخاري أنه قال : هذا حديث منكر ولا أعرف لمخلد بن خفاف غير هذا الحديث ، قال الترمذي فقلت له : فقد روي هذا الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها ، فقال : إنما رواه مسلم بن خالد الزنجي وهو راهب الحديث . وقال الترمذي بعد رواية المقدمي : استغرب محمد بن إسماعيل يعني البخاري هذا الحديث من حديث عمر بن علي ، قلت : يراه تدليسا ، قال : لا ، وإذا وقفت على كلام هؤلاء الأئمة رضي الله عنهم قضيت بالصحة على الحديث كراوية المقدمي ، لا سيما وقد صرح البخاري بانتفاء التدليس عنها ، وإن كانت غريبة . وقضاء عمر بن عبد العزيز بهذا كان في زمن إمرته على المدينة . قال الترمذي : والعمل على هذا عند أهل العلم ، قال : وتفسير " الخراج بالضمان " هو الرجل يشتري العبد فيستغله ثم يجد به عيبا فيرده على البائع ، فالغلة للمشتري ، لأن العبد لو هلك هلك من مال المشتري ونحو هذا من المسائل يكون فيه الخراج بالضمان . وقال الأزهري : الخراج الغلة ، يقال خارجت غلامي إذا وافقته على شيء وغلة يؤديها إليك في كل شهر ويكون مخلى بينه وبين كسبه وعمله . قال الشيخ أبو حامد : ومنه خراج السواد لأن الفلاحين كانوا يعطون شيئا من الغلة عن الأرض . وقال الماوردي رحمه الله : الخراج اسم لما خرج من الشيء من عين ومنفعة وقال القاضي أبو الطيب : الخراج اسم للغلة والفائدة التي تحصل من جهة المبيع ، ويقال للعبد الذي ضرب عليه مقدار من الكسب في كل يوم أو كل شهر : مخارج . قال : وقولنا : " الخراج بالضمان " معناه أن الخراج لمن يكون المال يتلف من ملكه فلما كان المبيع يتلف من ملك المشتري لأن [ ص: 401 ] الضمان انتقل إليه بالقبض كان الخراج له ولا يدخل على هذا ضمان المغصوب على الغاصب لأنه ليس له وإنما هو ملك المغصوب منه مضمون على الغاصب . والمراد بالخبر أن يكون ملكه مضمونا على المالك ، وهو أن يكون تلفه من ماله فإذا كان تلفه من ماله كان خراجه له . ووزانه أن يكون خراج المغصوب للمغصوب منه ; لأن ملكه وتلفه منها من ماله . والشيخ أبو حامد اعتذر عن هذا بأنه لم يقل الخراج بالضمان مطلقا ، وإنما قالت عائشة رضي الله عنها : " قضى في مثل هذا أن الخراج بالضمان " وفي ذلك الموضع كان الشيء ملكا له وقد حصل في ضمانه ، وكل موضع يكون ملكا والضمان منه تكون الغلة له .

والمغصوب والمستعار الوديعة إذا تعدى فيها كل هذه المواضع لا ملك فلم تكن الغلة له . وهذا المعنى من كون المراد أن الخراج تابع للملك والضمان هو المعتمد ، ولا خلاف أن عدم الملك لا يكون الخراج له . وقد رأيت في كتاب الأزهري على ألفاظ الشافعي رحمه الله أنه إذا اشترى الرجل عبدا بيعا فاسدا فاستغله أو اشتراه ببيع صحيح فاستغله زمانا ثم عثر منه على عيب فرده على صاحبه ، فإن الغلة التي استغلها من العبد وهي الخراج طيبة للمشتري ; لأن العبد لو مات مات من ماله لأنه كان في ضمانه فهذا معنى الخراج بالضمان ، وهذا الذي قاله الأزهري رحمه الله في البيع الفاسد غلط لا يأتي على مذهبنا . واعلم أن ما حكيته من كلام الأصحاب يقتضي أن اسم الخراج شامل للعين والمنفعة بالنص ، وكلام الشافعي رحمه الله في الرسالة يقتضي خلاف ذلك ، وأنه قاس ما خرج من تمر حائط وولد على الخراج ، وأن الشاة المصراة إذا رضيها ثم اطلع على عيب آخر بها بعد شهر ردها ، ورد بدل لبن التصرية معها صاعا ، وأمسك اللبن الحادث قياسا . قال ابن المنذر : قال بظاهر قوله : " الخراج بالضمان " شريح والحسن البصري وإبراهيم النخعي وابن سيرين وسعيد بن جبير ، [ ص: 402 ] وبه قال مالك والثوري والشافعي وأبو إسحاق وأبو عبيد وأبو ثور .

قال مالك في أصواف الماشية والشعور كذلك وقال في أولاد الماشية يردها مع الأمهات وقد ذكر أبو ثور عن أصحاب الرأي أنهم ناقضوا فقال في المشترى : إذا كانت ماشية فحلبها أو نخلا أو شجرا فأكل من ثمرها لم يكن له أن يرد بالعيب ويرجع بالأرش ، وقال في الدار والدابة والغلام : الغلة له ويرد بالعيب . ( قلت ) قسم بعض أصحابنا الحاصل للمشتري من المبيع ، إما أن يكون غير متولد من العين أو متولدا منهما ، فالأول إما منافع كاستخدام العبد وتجارته وما اعتاد اصطياده واحتطابه واحتشاشه وقبول الهدية والوصية ووجدانه ركازا أو لقطة ، ومهر الجارية إذا وطئت بالشبهة وأجرة المبيع إذا أجره وأخذ أجرته ، فكل ما حصل من ذلك نادرا كان أو معتادا للمشتري أن يستأثر به ويمسكه ويرد المبيع وحده ، ويسترجع جميع الثمن قولا واحدا ، لا خلاف في ذلك للحديث ، هكذا قاله جماعة . وعن الرافعي في تلف المبيع قبل القبض أن الموهوب والموصى به والركاز والكسب على الخلاف ، وسيأتي عن القاضي حسين ما يقتضي جريان الخلاف في المهر قبل القبض عند التلف ، وقد حكى عن عثمان البتي وعبد الله بن الحسن أنه يلزمه رد غلة العبد حقه ، وقال عبيد الله : ويرد الهبة التي وهبها أيضا . وكان شبهتهما أن الفسخ يرفع العقد من أصله ، وسيظهر الجواب عنه إن شاء الله تعالى .

وعن أبي حنيفة أنه إن رد قبل القبض رد الكسب والغلة وجميع ما ليس من غير الأصل مع الأصل ، وإن رد بعض القبض ولا يمنعه ذلك من الرد ، وما أظن أحدا يقول : إنه يجب عليه رد أجرة استخدامه للعبد وتجارته له ، وسكنى الدار ومركوب الدابة ونحوه مما هي منافع محضة لا أعيان فيها ، ولو قال : إن الفسخ يرفع العقد من أصله ، ووجه الاعتذار على ذلك لعله يتعرض له فيما بعد عند ذكر هذا الأصل إن شاء الله تعالى .

[ ص: 403 ] فائدة أخرى ) الموجود في النسخ في لفظ الحديث قد استعمل غلامين بالغين المعجمة واللام المشددة وضبطه صاحب الاستقصاء بالعين المهملة وميم بعدها وتخفيف اللام وكل ما ذكر في العبد فمثله في الأمة إلا الوطء فسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى وإلى هذا القسم أشار المصنف رحمه الله بقوله : اكتساب العبد ، وكذلك سكنى وركوب الدابة ، كل ذلك أدخله الأصحاب في اسم الغلة ، وإن كان قد لا يشمله اسم الزوائد الذي تضمنه كلام المصنف إن شاء الله تعالى .

وأما المتولد فسيأتي حكمه في كلام المصنف .

التالي السابق


الخدمات العلمية