صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( فإن كان له قيمة كبيض النعامة والبطيخ الحامض ، وما دود بعضه من المأكول نظرت فإن كسر منه قدرا لا يوقف على العيب بما دونه ففيه قولان : ( أحدهما ) أنه لا يرد ، وهو قول المزني لأنه نقص حدث في يد المشتري ، فمنع الرد كقطع الثوب ( والثاني ) لا يمنع الرد ; لأنه معنى لا يوقف على العيب إلا به فلم يمنع الرد كنشر الثوب ( فإن قلنا ) لا يرد ، رجع بأرش العيب على ما ذكرناه ( وإن قلنا ) يرد فهل يلزمه أن يدفع معه أرش الكسر ؟ فيه قولان : ( أحدهما ) يلزمه كما يلزمه بدل لبن الشاة المصراة ( والثاني ) لا يلزمه ; لأن الكسر الذي يتوصل به إلى معرفة العيب مستحق له فلا يلزمه لأجله أرش ) .


( الشرح ) إذا كسر ما لا يوقف على عيبه إلا بكسره ، وكان للباقي بعد الكسر قيمة كما ذكره ، وكالرانج وغيره إذا بقيت له قيمة ، فإن لم يزد على قدر ما يعرف به العيب مثل أن نقب الرمان فعرف حموضته أو قطعه قطعا يسيرا فعرف أنه مدود . قال القاضي أبو الطيب : [ ص: 505 ] لأن التدويد لا يمكن أن يعرف بالنقب ، وإن كان هكذا ففيه قولان ، وقد تقدم ذكرهما عن مختصر المزني . واتفقت الطرق على حكايتهما ( أظهرهما ) عند الأكثرين أنه لا يمنع الرد ، وهو ما أورده المصنف ( ثانيا ) وهو الذي حكى المزني في كلامه أولا أنه سمعه من الشافعي ، وبه قال مالك وأحمد في رواية ، وممن رجحه الماوردي والروياني والشيخ أبو حامد ومن تابعه على ما حكاه الرافعي وقاسوه على المصراة . هكذا قاسه الأكثرون ، والمصنف قاسه على نشر الثوب ، وسنذكر سبب ذلك إن شاء الله تعالى .

( والقول الثاني ) أنه ليس له الرد قهرا كما لو عرف عيب الثوب بعد قطعه وبهذا قال أبو حنيفة والمزني وصححه صاحب التهذيب ، قال المزني بعد حكاية ما قدمته عن المختصر : هذا يعني القول بأنه ليس له الرد أشبه بأصله ; لأنه لا يرد الرانج مكسورا ، كما لا يرد الثوب مقطوعا ، إلا أن يشاء البائع ، وأجاب الأصحاب بأن للشافعي في الرانج قولين أيضا ( فإن قلنا ) لا يرد فهو كسائر العيوب الحادثة فيرجع المشتري بأرش العيب القديم . أو يضم أرش النقصان إليه ويرده كما سبق هكذا قال الرافعي . وهو مأخوذ من كلام الإمام كما سنذكره في آخر الكلام ، وعليه ينزل كلام المصنف والأصحاب ، فمن أطلق أنه يرجع بالأرش ، فإذا رجع بالأرش فيقوم صحيحا وقشره صحيح وفاسدا وقشره صحيح ، وينظر كم نقص من قيمته فيرجع به من الثمن . وهذا معنى قول المصنف على ما ذكرناه ، أي أنه يرجع من الثمن ، وليس كالأرش الذي يرده المشتري على ما سيأتي إن شاء الله تعالى ، ولا يقومه مكسورا ; لأن الكسر نقص حدث في يده ، وإنما يجرى تقويمه مع العيب الذي كان عند البائع . وطريق الاطلاع على العيب هذا القول من ضمان المشتري لأنا منعناه من الرد ( وإن قلنا ) يرد ، وهو الأظهر ، فهل يغرم أرش الكسر ؟ فيه قولان ( أحدهما ) نعم كالمصراة وهذا هو الذي تقدم نقله عن المختصر في قول الشافعي : لك رده ، وما بين قيمته فاسدا صحيحا وقيمته فاسدا مكسورا فهذا صريح في وجوب الأرش على المشتري إذا رد . ورجح الغزالي هذا القول .

( والثاني ) لا ; لأنه معذور فيه ، والبائع بالبيع كأنه سلطه عليه ، [ ص: 506 ] وهذا أصح عند الجرجاني وصاحب التهذيب وابن أبي عصرون والرافعي في المحرر . ولهذا قال في الروضة : إنه الأظهر ، ونقل الرافعي أنه أصح عند غير صاحب التهذيب أيضا . ونقل غيره أنه أصح عند الشيخ أبي حامد ، ولم أر ذلك في تعليقته ، وطريق الاطلاع على هذا القول من ضمان البائع ، والفرق بينه وبين المصراة أن الكسر عيب حادث لم يفوت عينا على البائع بخلاف حلب المصراة فإنه أظهر نقصا مع تفويت عين هكذا قال بعضهم : ومن مجموع ذلك تأتي ثلاثة أقوال جمعها أبو إسحاق المروزي والشيخ أبو حامد فمن بعده ، والغزالي جعلها أوجها ( أحدها ) أنه لا يرد ويرجع بالأرش ( والثاني ) يرد بغير أرش ، وهو الأظهر عند الرافعي وغيره ( والثالث ) يرد مع الأرش ، قال الغزالي : وهو الأعدل . ثم ننبه على أمور : ( أحدها ) أن طريق الاطلاع على العيب إما أن يكون من ضمان البائع ، أو من ضمان المشتري ، إن كان الأول فليرد بغير أرش كما رجحه الرافعي ، وإن كان الثاني فليمتنع الرد ، فالقول بأنه يرد مع الأرش خارج عن المأخذين ، مع أنه المنصوص في المختصر ، وعلله الغزالي كما قال : إنه الأعدل بأنه حتى لا يتضرر البائع أيضا ، وذلك من قبيل المصلحة المرسلة .

( الثاني ) قال الرافعي في المحرر : إنه لا يمنع الرد ، وإذا رد لم يغرم الأرش على الأظهر ، وتبعه في المنهاج فقال : رد ولا أرش عليه في الأظهر ، فإن أراد أن الرد مجزوم به والخلاف في الخلاف في الأرش ، فهذه طريقة لم أعلم من قال بها . فالوجه أن يجعل قوله في الأظهر غاية إليهما . ويكون المعنى أن الأظهر أنه يرد بغير أرش وهو القول الذي رجحه في الشرح ، ومقابله قولان عدم الرد مطلقا أو الرد مع الأرش .

( الثالث ) قال الإمام : مما يجب التنبيه له ولا تتحقق الإحاطة بالمسألة دونه أن المسألة التي نحن فيها لا تتميز أصلا عن تفصيل القول في العيوب الحادثة إلا على قولنا : إن المشتري يرد المعيب المكسور من غير أرش ، فإن لم نسلك هذا المسلك فلا فرق . فإنا إذا ذكرنا في الكسر خلافا في المنع من الرد وضم أرش الحادث من العيب ، فقد ذكرنا مثله في كل عيب حادث ، فلا تنفصل هذه المسألة [ ص: 507 ] عن غيرها إلا إذا جوزنا الرد مع غير غرم أرش في مقابلة عيب الكسر فلو قال قائل : مسألة الكسر أولى بأن يحتكم المشتري فيها بالرد مع غرامة الأرش كان هذا فرقا في ترتيب مسألة عن مسألة . هذا كلام الإمام وهو في نهاية الحسن ، لكنه يقتضي أنه عند التنازع يأتي الخلاف فيمن يجاب ( فإن قلنا ) في تلك المسائل : يجاب المشتري فههنا أولى ( وإن قلنا ) : يجاب البائع مطلقا أو إذا طلب تقرير العقد فههنا خلاف ، والذي يدل عليه ظاهر النص الذي سمعه المزني من الشافعي أن المجاب المشتري في طلب الرد مع الأرش ، والفرق بينه وبين تلك المسائل إما على القول الذي اختاره المزني بامتناع الرد فتتحد هي وتلك المسائل كما تقدم عن الرافعي ، والظاهر أنه أخذه من كلام الإمام هنا .

( الرابع ) أنه إذا اشترى ثوبا مطويا فنشره ووقف على عيب به ، فإن لم ينقص بالنشر فلا يمنع الرد ، وإن نقص فإن كان لا يوقف على عيبه إلا به ، مثل أن يتولى ذلك من هو من أهل الصنعة ويرفق به - ففي المسألة الأقوال المذكورة ، وإن لم يكن من أهل الصنعة ، ونقص نقصا زائدا فعلى ما سيأتي فيما إذا زاد في الكسر ، المذهب امتناع الرد . وقال أبو إسحاق : على الأقوال . وأطلق الأصحاب المسألة فصورها صاحب الحاوي فيما إذا كان مطويا على طاقين لم يصح البيع ، إن لم تجوز خيار الرؤية . قال الرافعي : وهذا أحسن . لكن المطوي على طاقين لا يرى من جانبيه إلا أحد وجهي الثوب ، وفي الاكتفاء به تفصيل وخلاف قد سبق . وقال إمام الحرمين : إن هذا الفرع مبني على تصحيح بيع الغائب ، وذكر الرافعي تنزيلين آخرين ( أحدهما ) أن يفرض رؤية الثوب قبل الطي ، والطي قبل البيع ( والثاني ) أن ما ينقص بالنشر ينقص بالنشر مرتين فوق ما ينقص به مرة واحدة ، فلو نشر مرة وبيع وأعيد طيه ثم نشره المشتري فزاد النقصان بذلك انتظم الفرع .

[ ص: 508 ] إذا علم ذلك فالمصنف قاس بالنشر على نشر الثوب فإن أراد الذي لا يحصل به نقص ، فالفرق ظاهر ، وإن أراد ما يحصل به نقص وهي كالمسألة ، والخلاف فيها كالخلاف ، فكيف يجعلها أصلا ويقيس عليها ؟ . وكذلك صاحب التهذيب قاس على نشر الثوب والمصراة جميعا ، والظاهر أن المصنف إنما قاس على نشر الثوب ولم يقس على المصراة ; لأن المسألة خلافية بيننا وبين أبي حنيفة . وأبو حنيفة لا يسلم الحكم في المصراة فلا يمكن الاحتجاج عليه بها فقاسها على نشر الثوب . وكذلك فعل في النكت قال : كنشر الثوب وقلب الصبرة . وهذا يدل على أنه أراد النشر الذي لا يحصل به نقص . ولهذا لم يقل في علته هنا : إنه نقص . بل قال : يعني كأنه لكونه طريقا إلى معرفة العيب لا يعد نقصا .

( الخامس ) قال المرعشي : في ترتيب الأقسام سبب ذكرته فيما تقدم مختصرا ولا بد من ذكره هنا والتنبيه على ما فيه . وهو أن العيب الحادث في المصراة على ثلاثة أضرب : ما فيه قول واحد أنه يرد كالعيب والخيار . كغمزه بعود أو حديدة فيتبين الأرش . وما فيه ثلاثة أقوال له أنه مر فله الرد . وما فيه قولان كالثوب يقطع ثم يتبين به حرق هل يرد ؟ ونقص القطع أو لا . ويأخذ الأرش وما فيه ثلاثة أقوال كالجوز واللوز وما لا يتوصل إلى علمه إلا بكسره . فإذا كسره فأصابه فاسدا ففيه ثلاثة أقوال ( أحدها ) يرده وما نقص ( والثاني ) يأخذ الأرش ( والثالث ) يرد ويأخذ جميع الثمن . ( قلت ) فإن كان مراده حيث لا نجعل في العيب والخيار عيبا بذلك الغمز . فهو يخالف فرضه . وإن حصل فيه بذلك عيب فإن لم تبق له قيمة لم يأت إلا الرد والرجوع بجميع الثمن كما قال . وحينئذ القسم الثالث في كلامه إن لم تبق له قيمة فلا يأتي فيه إلا قول واحد كذلك . وإن بقيت له قيمة لم يأت فيه القول بالرجوع بجميع الثمن .

( السادس ) قول المصنف لا يوقف على عيبه إلا بكسره أحسن من قول من قال مأكوله في جوفه ، فإنه يشمل الثوب إذا نشره كما تقدم . وكذلك إذا اشترى قطعة خشب ليتخذ منها ألواحا فلما قطعها [ ص: 509 ] وجدها عفنة . قال القاضي حسين في الفتاوى : فيه قولان كما مأكوله في جوفه ( فإن قلنا ) : لا رد له ; يأخذ الأرش من البائع . وهو ما بين قيمتها عفنة وغير عفنة ، قال : وبه أفتى ( قلت ) وهذا اختيار منه للقول المرجوح في عدم الرد ، ولا جرم . صححه تلميذه وصاحب التهذيب كما تقدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية