صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( فإن انسد المخرج المعتاد وانفتح دون المعدة مخرج انتقض الوضوء بالخارج منه ، لأنه لا بد للإنسان من مخرج يخرج منه البول والغائط ، فإذا انسد المعتاد صار هذا هو المخرج فانتقض الوضوء بالخارج منه ، وإن انفتح فوق المعدة ففيه قولان : ( أحدهما ) : ينتقض الوضوء بالخارج منه لما ذكرناه ، وقال في حرملة لا ينتقض لأنه في معنى القيء ، وإن لم ينسد المعتاد وانفتح فوق المعدة لم ينقض الوضوء بالخارج منه ، وإن كان دون المعدة ففيه وجهان : ( أحدهما ) : لا ينتقض الوضوء بالخارج منه لأن ذلك كالجائفة ، فلا ينتقض الوضوء بما يخرج منه ، ( والثاني ) : ينتقض ; لأنه مخرج يخرج منه الغائط فهو كالمعتاد ) .


( الشرح ) المعدة بفتح الميم وكسر العين ، وبكسر الميم وإسكان العين ، ومراد الشافعي والأصحاب بما تحت المعدة ما تحت السرة ، وبما فوق المعدة ما فوق السرة ، ولو انفتح في نفس السرة أو في محاذاتها فله حكم ما فوقها ; لأنه في معناه . ذكره إمام الحرمين وغيره . وقد ذكر المصنف أربع صور :

إحداها : ينسد المعتاد وينفتح مخرج تحت المعدة فينتقض الوضوء بالخارج منه قولا واحدا ، هكذا قطع به الأصحاب في كل الطرق إلا صاحب الحاوي ، فحكى عن أبي علي بن أبي هريرة أنه قال : فيه قولان كما لو لم ينسد ، قال : وأنكر سائر أصحابنا ذلك عليه ونسبوه إلى الغفلة فيه . [ ص: 9 ]

الثانية : ينسد المعتاد وينفتح فوق المعدة فقولان مشهوران ، الصحيح عند الجمهور لا ينتقض ، ممن صححه القاضي أبو حامد والجرجاني والرافعي في كتابيه ، واختاره المزني ، وقطع المحاملي بالانتقاض وهو ضعيف .

الثالثة : لا ينسد المعتاد وينفتح تحت المعدة ، ففي الانتقاض خلاف مشهور ، منهم من حكاه وجهين ، وبعضهم حكاه قولين ، والأصح باتفاقهم لا ينقض ، وبه قطع الجرجاني في التحرير .

الرابعة : لا ينسد المعتاد وينفتح فوق المعدة ، فطريقان قطع الجمهور بأنه لا ينتقض قولا واحدا ، ممن صرح به المصنف هنا .

وفي التنبيه والماوردي والشيخ أبو محمد والقاضي حسين والفوراني وإمام الحرمين والغزالي والمتولي والبغوي وصاحب العدة والرافعي وآخرون ، ونقل الفوراني والمتولي الاتفاق عليه ، وقال الشيخ أبو حامد والبندنيجي والمحاملي : إن قلنا فيما إذا انسد الأصلي وانفتح فوق المعدة لا ينقض فهنا أولى وإلا فوجهان ، وادعى صاحب البيان أن هذه طريقة الأكثرين ، وأن صاحب المهذب خالفهم ، وليس كما قال والله أعلم .

( فرع ) في مسائل تتعلق بهذه المسألة ( إحداها ) قال صاحب الحاوي : هذه المسائل والتفصيل الذي ذكرناه في المخرج المنفتح ، هي إذا كان انسداد المخرج عارضا لعلة ، قال وحينئذ حكم السبيلين جار عليهما في نقض الوضوء بمسهما ووجوب الغسل بالإيلاج فيهما ، فأما إذا كان انسداد الأصلي من أصل الخلقة فسبيل الحدث هو التفتح والخارج منه ناقض للوضوء ، سواء كان تحت المعدة أو فوقها ، والمنسد كالعضو الزائد من الخنثى لا وضوء بمسه ولا غسل بإيلاجه أو إيلاج فيه ، هذا كلام صاحب الحاوي ولم أر لغيره تصريحا بموافقته أو مخالفته ، والله أعلم .

( الثانية ) لا فرق فيما ذكرناه في المنفتح بين الرجل والمرأة والقبل والدبر .

( الثالثة ) حيث حكمنا في مسائل المنفتح بالانتقاض بالخارج ، فإن كان [ ص: 10 ] الخارج بولا أو غائطا انتقض بلا خلاف ، وإن كان غيرهما كدم أو قيح أو حصاة ونحوها ففيه قولان حكاهما الخراسانيون . قال إمام الحرمين وآخرون منهم : أصحهما الانتقاض ، وبه قطع المتولي وهو مقتضى إطلاق العراقيين لأنا جعلناه كالأصلي ، ولا فرق عندنا في الأصلي بين المعتاد وغيره ، وخالف البغوي الجماعة فقال : الأصح لا ينقض لأنا جعلناه كالأصلي للضرورة ، لكون الإنسان لا بد له من مخرج يخرج منه المعتاد ، فإذا خرج غير المعتاد عدنا إلى الأصل ، ولو خرج منه الريح انتقض عند الجمهور لأنه معتاد ، وطرد البغوي والرافعي فيه القولين .

( الرابعة ) إذا نقضنا بالخارج هل يكفيه الاستنجاء فيه بالحجر أم يتعين الماء ؟ فيه ثلاثة أوجه ( أصحها ) يتعين الماء ، ( والثاني ) لا ، ( والثالث ) يتعين في الخارج النادر دون المعتاد وإن قلنا : لا ينقض ، تعين الماء لإزالة هذه النجاسة بلا خلاف .

( الخامسة ) حيث قلنا ينقض الخارج منه هل يجب الوضوء بمسه والغسل بالإيلاج فيه ؟ فيه وجهان مشهوران ، أصحهما بالاتفاق لا يجب ; لأنه ليس بفرج . قال إمام الحرمين : وهذا الخلاف على بعده لا يتعدى أحكام الحدث ، فلا يثبت بالإيلاج فيه شيء من أحكام الوطء سوى الغسل ، على وجه ، وهكذا قطع به الجمهور مع الإمام . وذكر القاضي حسين - في تعليقه - الوجهين في وجوب الحد بالإيلاج فيه ، وذكر صاحب البيان أن الوجهين يجريان في وجوب المهر بالإيلاج فيه ، وحصول التحليل به ، قال الرافعي : وطرد أبو عبد الله الحناطي - بالحاء المهملة والنون - الوجهين في المهر وسائر أحكام الوطء . قلت : وكل هذا شاذ فاسد .

( السادسة ) إذا كان فوق سرة الرجل ونقضنا به ، ففي وجوب ستره ، [ ص: 11 ] وحل النظر إليه للرجال وجهان ( أصحهما ) : لا يجب الستر ، ويحل النظر لأنه ليس في محل العورة ، وقال الرافعي : ويجري الوجهان لو حاذى السرة ، وقلنا بالمذهب : إنها ليست عورة .

( السابعة ) إذا نقضنا بخروج الريح منه - فنام ملصقا له بالأرض - ففي انتقاضه وجهان حكاهما صاحبا الحاوي والبحر أصحهما لا ينتقض .

( فرع ) الخنثى الذي زال إشكاله إذا خرج من فرجه الزائد شيء ، فله حكم المنفتح تحت المعدة مع انفتاح الأصلي ، وأما الخنثى المشكل إذا بال من أحد قبليه ففيه ثلاثة طرق قطع الجمهور بأنه كالمنفتح تحت المعدة مع انفتاح الأصلي لاحتمال أنه زائد ، وممن قطع بهذا إمام الحرمين والمتولي والقاضي أبو الفتوح ، وقطع أبو علي السنجي بالانتقاض ، كذا حكاه عنه صاحب البيان ، وقطع الماوردي بأنه لا ينتقض ، ذكره في مسائل لمس الخنثى فرجه ، وإذا بال منهما توضأ قطعا .

( فرع ) لو كان لرجل ذكران فخرج من أحدهما شيء انتقض وضوءه ، ذكره الماوردي .

( فرع ) إذا خرج دم من الباسور إن كان داخل الدبر نقض الوضوء ، وإن كان الباسور خارج الدبر لم ينقض ، هكذا ذكره الصيمري وغيره .

( فرع ) لو أخرجت دودة رأسها من أحد السبيلين ، ثم رجعت قبل انفصالها ففي انتقاض الوضوء وجهان . حكاهما الماوردي والروياني والشاشي وغيرهم ، ( أصحهما ) ينتقض للخروج ( والثاني ) لا ، لعدم الانفصال ، والله أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية