صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن اشتراه على أنه كافر فوجده مسلما ثبت له الرد ، وقال المزني : لا يثبت له الرد ; لأن المسلم أفضل من الكافر ، وهذا لا يصح ; لأن المسلم أفضل في الدين ، إلا أن الكافر أكثر ثمنا ; لأنه يرغب فيه المسلم والكافر ، والمسلم لا يشتريه الكافر ) .


( الشرح ) المذهب ثبوت الرد في ذلك ، وبه قال أحمد لا لنقيصة ظهرت ، ولكن لأنه قد يكون غرضه التجارة . ومالية الكافر أكثر ، لما ذكره المصنف ، وما نقله عن المزني نقله عنه القاضي أبو الطيب وغيره ، وبه قال أبو حنيفة ، ومن أصحابنا من وافق المزني في ذلك . ورأى مذهبه قولا مخرجا معدودا من المذهب وحكى ذلك الإمام في كتاب النكاح ، وهناك تكلم المزني عليها في المختصر وإن تزوجها على أنها كتابية فإذا هي مسلمة لم يكن له فسخ النكاح ، لأنها خير من الكتابية . قال المزني : هذا يدل على أن الأمة إذا اشتراها على أنها نصرانية فإذا هي مسلمة لا خيار ، وإذا اشتراها على أنها مسلمة فإذا هي نصرانية له أن يردها في قياس قول الشافعي [ ص: 578 ] وفي المسلمة وجه ثالث أنه إن كان قريبا من بلاد الكفر ، أو في ناحية أغلب أهلها الذميون ، ثبت الخيار ، وإلا فلا ، وهو اختيار القاضي حسين ، وحمل كلام الشافعي على ذلك ، وقد جمع الإمام الأوجه الثلاثة في كتاب النكاح ، وذكر الإمام في الانتصار لقوة المرغي أن القيمة إن كانت تزيد من وجه رغبة الكفار فتلك رغبة باطلة مستندها الكفر وتحسينه واعتقاد كونه حقا ، فيكاد أن تكون تلك الزيادة بمثابة ثمن الخمر . قال الإمام : وبقية الكلام أن هذا العبد لو أتلف فمذهب جماهير الأصحاب أنه يجب على المتلف أن يغرم قيمته اعتبارا بما بطلت به ، وإن كانت بأكثر مما يشتري به المسلم ، وذهب المزني ومن يوافقه إلى أن الزائد لا يضمن لما أشرنا إليه ، وهو بمثابة ازدياد قيمة الجارية بأن تعتبر عوادة ، فلا يكاد يخفى أن القيمة تزداد في المغنية في العادة ضعف ما تكون الجارية الناسكة ، ومن اشتراها لم يعترض عليه ، فإن الشراء يرد على عينها ولكن لو أتلفت لم يضمن متلفها إلا قيمة مثلها لو كانت لا تحسن الغناء ، هذا كلام الإمام في كتاب المنهاج ، مع أنه في كتاب البيع استبعد القول بعدم ثبوت الخيار مطلقا كما هو مذهب المزني ، واختار الوجه الثالث ، وما ذكره في الانتصار لقول المزني جوابه أن زيادة قيمة الكافر ليست للرغبة في كفره ، بل لكثرة طلابه ، فإن المسلم لا يتمكن الكافر من شرائه ثم قال الإمام هنا : إن هذا إذا كان الكافر أكثر قيمة ، فإن لم يكن الأمر كذلك فخلف الشرط فيه بمثابة خلف الشرط في الثيابة والبكارة والجودة والتوسط ، وهذا كأنه قال على ما اختاره ، ويحتمل أن يكون تقييدا للمسألة وجريان الخلاف فيها . ( فرع ) هذه المسألة أيضا مما يشهد لرجحان عبارة النووي على عبارة الرافعي وغيره لجريان الخلاف فيها مع فوات الغرض المعلق بزيادة ماليته ، ووجه جريان الخلاف فيها ضعف الغرض عند المزني وانغماره بالنسبة إلى ما في الإسلام من الفضل ، والكلام والخلاف في هذه المسألة يقرب من الخلاف فيما إذا شرط أنه خصي فوجده فحلا والمخالف هنا أبو الحسن العبادي ، فيحتمل أن يكون العبادي يوافق المزني هنا ، والمزني يوافقه هناك ، ويحتمل ألا يكون كذلك ، ويفرق [ ص: 579 ] كل منهما ( أما ) العبادي فإن الخصاء عيب عند الإطلاق ففواته كمال . والكفر عند الإطلاق لا يرد به ( وأما ) المزني فلأن فضيلة الإسلام عظيمة لا يوازنها شيء فيجبر ما فات من العرض المالي اليسير ، بخلاف الفحولة فإن العرض فيها وفي الخصاء متقاربان فيتبع ما شرطه .

( فرع ) الفرق بين البيع والنكاح حيث لم يثبت الخيار في النكاح على الأصح أن النكاح بعيد عن قبول الخيار ولهذا لم يثبت فيه خيار المجلس ولا خيار الشرط ، وهذا الفرق إنما يحتاج إليه إذا قلنا بصحة النكاح وهو الأظهر ولنا قول آخر : إنه غير صحيح ; لاعتماد الصفات فتنتفي المسألة .

( فرع ) صورة مسألة الكتاب فيما إذا كان المشتري مسلما والبائع مسلما فلو كان المشتري كافرا ، اكتفت على شراء الكافر للمسلم ( والأصح ) فساده . ولو كان البائع كافرا ففي رد العبد المسلم عليه بالعيب خلاف ( الأصح ) جوازه فيأتي فيه أيضا .

التالي السابق


الخدمات العلمية