صفحة جزء
[ ص: 12 ] قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وإن أدخل في إحليله مسبارا وأخرجه ، أو زرق فيه شيئا وخرج منه ، انتقض وضوءه ) .


( الشرح ) الإحليل بكسر الهمزة ، هو مجرى البول من الذكر ، والمسبار بكسر الميم وبالباء الموحدة بعد السين ، وهو ما يسبر به الجرح من حديدة أو ميل أو فتيلة أو نحوه ، أي يعرف به غور الجرح ، ويقال له أيضا : السبار بكسر السين وحذف الميم ، وكذا ذكره الشافعي رحمه الله ، ويقال : سبرت الجرح أسبره سبرا كقتلته أقتله قتلا ، واتفق الأصحاب على أنه إذا أدخل رجل أو امرأة في قبلهما أو دبرهما شيئا من عود أو مسبار أو خيط أو فتيلة [ أو أصبع ] أو غير ذلك ثم خرج ، انتقض الوضوء ، سواء اختلط به أم لا ، وسواء انفصل كله أو قطعة منه لأنه خارج من السبيل ، وأما مجرد الإدخال فلا ينقض بلا خلاف ، فلو غيب بعض المسبار فله أن يمس المصحف ما لم يخرجه ، ولو صلى لم تصح صلاته ، لا بسبب الوضوء بل لأن الطرف الداخل تنجس ، والظاهر له حكم ثوب المصلي ، فيكون حاملا لمتصل بالنجاسة ، فلو غيب الجميع صحت صلاته .

هكذا ذكره القاضي حسين في تعليقه والمتولي والشاشي في المعتمد وآخرون . وحكى الشيخ أبو محمد في الفروق أن بعض أصحابنا قال : لو لف على أصبعه خرقة وأدخلها في دبره وهو في الصلاة لم تبطل صلاته فحصل وجهان ، وحاصلهما أن النجاسة الداخلة هل لها حكم النجاسة ؟ ويتنجس المتصل بها ، الذي له حكم الظاهر أم لا ؟ والأشهر أن لها حكم النجاسة وينجس المتصل بها ، وفي الفتاوى المنقولة عن صاحب الشامل أنه لا حكم لها . وذكر القاضي حسين هنا والمتولي في كتاب الصيام وغيرهما فرعا له تعلق بهذا وهو أنه لو ابتلع خيطا في ليلة من رمضان فأصبح صائما وبعض الخيط [ ص: 13 ] من فمه ، وبعضه داخل في جوفه فإن نزع الخيط غيره في نومه أو مكرها له لم يبطل صومه ، وتصح صلاته . وإن بقي الخيط لم تصح صلاته ، لاتصاله بالنجاسة ، ويصح صومه . وإن نزعه أو ابتلعه بطل صومه وصحت صلاته لكن يغسل فمه إن نزعه ، وأيهما أولى بالمحافظة عليه ؟ فيه وجهان ، أرجحهما عند القاضي وغيره : مراعاة صحة الصوم أولى ، لأنه عبادة دخل فيها فلا يبطلها . قال القاضي : وهذا كما لو دخل في صلاة القضاء ثم بان له أنه لم يبق من الوقت إلا قدر إذا اشتغل بإتمام القضاء فاته صلاة الوقت يلزمه إتمام القضاء ; لشروعه فيه ، فعلى هذا يصلي في مسألة الخيط على حسب حاله ويعيد ، ( والثاني ) الصلاة أولى بالمراعاة ، ولأنها آكد من الصيام ، ولأنها متعددة فإنها ثلاث صلوات ، ونقل الشاشي هذه المسألة عن القاضي كما ذكرتها . ثم قال : وعندي أن البقاء على حاله لا يصح ، بل ينزعه أو يبتلعه ويبطل صومه ، لأن بطلان الصوم حاصل لا محالة ، لأنه مستديم لإدخاله بعد الفجر ، واستدامته بالابتداء كما لو طلع الفجر وهو مجامع فاستدام فإنه يبطل بابتداء الجماع . هذا كلام الشاشي وهو ضعيف والفرق ظاهر ، فإن مستديم الجماع يعد مجامعا منتهكا حرمة اليوم ، بخلاف مستديم الخيط والله أعلم .

نظير المسألة ما إذا كان محرما بحج ، وهو بقرب عرفات ولم يكن وقف بها ولا صلى العشاء ولم يبق من وقت العشاء والوقوف إلا قدر يسير ، بحيث لو صلى فاته الوقوف ، ولو ذهب إلى الوقوف لفاتته الصلاة وأدرك الوقوف ، ففيه ثلاثة أوجه ( الصحيح ) منها عند القاضي وغيره أنه يذهب إلى الوقوف ويعذر في تأخير الصلاة ، لأن فوات الوقوف أشق ، فإنه لا يمكن قضاؤه إلا بعد سنة ، وقد يعرض قبل ذلك عارض ، وقد يعرض في القضاء ما يحصل به الفوات أيضا ، وقد يموت ، مع ما يلزمه من المشقة الشديدة في تكرار هذا السفر ، ولزوم دم الفوات ، وغير ذلك . والصلاة يجوز تأخيرها بعذر الجمع الذي ليس فيه هذه المشقة ، ولا قريب منها ، مع إمكان قضائها في الحال .

( والثاني ) يقدم الصلاة لأنها [ ص: 14 ] آكد وعلى الفور ، وهذا ليس بشيء وإن كان مشهورا .

( والثالث ) يصلي صلاة الخوف ماشيا ، فيحصل الحج والصلاة جميعا ، ويكون هذا عذرا من أعذار صلاة شدة الخوف ، وقد حكى إمام الحرمين وغيره هذه الأوجه في باب الخوف عن القفال رحمه الله ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية