صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وأما مس الفرج فإنه إن كان ببطن الكف نقض الوضوء لما روت بسرة بنت صفوان رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ } " . وروت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ويل للذين يمسون فروجهم ثم يصلون ولا يتوضئون ، قالت : بأبي وأمي هذا [ ص: 39 ] للرجال ، أفرأيت النساء ؟ فقال : إذا مست إحداكن فرجها فلتتوضأ } وإن كان بظهر الكف لم ينتقض لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينهما شيء فليتوضأ وضوءه للصلاة } " والإفضاء لا يكون إلا ببطن الكف ، ولأن ظهر الكف ليس بآلة لمسه فهو كما لو أولج الذكر في غير الفرج ، وإن مس بما بين الأصابع ففيه وجهان ، ( المذهب ) أنه لا ينتقض لأنه ليس بباطن الكف .

( والثاني ) ينتقض لأن خلقته خلقة الباطن ، وإن مس حلقة الدبر انتقض وضوءه وحكى ابن القاص قولا أنه لا ينقض ، وهو غير مشهور ووجهه أنه لا يلتذ بمسه والدليل على أنه ينقض أنه أحد السبيلين فأشبه القبل ، وإن انسد المخرج المعتاد وانفتح دون المعدة مخرج فمسه ففيه وجهان .

( أحدهما ) لا ينقض لأنه ليس بفرج ، ( والثاني ) ينقض لأنه سبيل للحدث فأشبه الفرج ، وإن مس فرج غيره من صغير أو كبير أو حي أو ميت انتقض وضوءه لأنه إذا انتقض بمس ذلك من نفسه ولم يهتك به حرمة فلأن ينتقض بمس ذلك من غيره وقد هتك به حرمة أولى ، وإن مس ذكرا مقطوعا ففيه وجهان : ( أحدهما ) لا ينتقض وضوءه كما لو مس يدا مقطوعة من امرأة .

( والثاني ) ينتقض لأنه قد وجد مس الذكر ، ويخالف اليد المقطوعة فإنه لم يوجد لمس المرأة ، وإن مس فرج بهيمة لم يجب الوضوء ، وحكى ابن عبد الحكم قولا آخر أنه يجب الوضوء ، وليس بشيء لأن البهيمة لا حرمة لها ، ولا تعبد عليها )


( الشرح ) في هذه الجملة مسائل : " إحداها " حديث بسرة حديث حسن ، رواه مالك في الموطأ والشافعي في مسنده وفي الأم ، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم في سننهم بالأسانيد الصحيحة . قال الترمذي وغيره : هو حديث حسن صحيح . وقال الترمذي : في كتاب العلل . قال البخاري : " أصح شيء في هذا الباب حديث بسرة " وعليه إيراد سنذكره مع جوابه في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله تعالى .

وأما حديث عائشة فضعيف . وفي حديث بسرة كفاية عنه ، فإنه روي " مس ذكره " وروي " من مس فرجه " وأما حديث أبي هريرة فرواه [ ص: 40 ] الشافعي في مسنده وفي الأم والبويطي بأسانيده ، ورواه البيهقي من طرق كثيرة ، وفي إسناده ضعف لكنه يقوى بكثرة طرقه .

( المسألة الثانية ) في ألفاظ الفصل ، أصل الفرج : الخلل بين شيئين . قوله يمسون بفتح الميم على المشهور ، وحكي ضمها في لغة قليلة ، والماضي مسست بكسر السين على المشهور ، وعلى اللغة الضعيفة بضمها . قولها : " بأبي وأمي " معناه أفديك بأبي وأمي من كل مكروه . ويجوز أن يقول الإنسان : " فداك أبي وأمي " سواء كان أبواه مسلمين أم لا . هذا هو الصحيح المختار ومن العلماء من منعه إذا كانا مسلمين . وقد أوضحت ذلك بدلائله في كتاب ( الأذكار ) الذي لا يستغني طالب الآخرة عن مثله .

قوله الإفضاء لا يكون إلا ببطن الكف ، معناه الإفضاء باليد لا يكون إلا ببطن الكف ، وإلا فالإفضاء يطلق على الجماع وغيره . قال الشافعي رحمه الله في الأم : " والإفضاء باليد إنما هو ببطنها ، كما يقال أفضى بيده مبايعا ، وأفضى بيده إلى الأرض ساجدا ، وإلى ركبتيه راكعا " هذا لفظ الشافعي في الأم ونحوه في البويطي ومختصر الربيع . وهذا الذي ذكره الشافعي مشهور كذلك في كتب اللغة . قال ابن فارس في المجمل : أفضى بيده إلى الأرض إذا مسها براحته في سجوده ، ونحوه في صحاح الجوهري وغيره . وقوله : ولأن ظهر الكف ليس بآلة لمسه ، معناه أن التلذذ لا يكون إلا بالباطن ، فالباطن هو آلة مسه . وقوله : حلقة الدبر هي بإسكان اللام ، هذه اللغة المشهورة . وحكى الجوهري فتحها أيضا في لغة رديئة وكذلك حلقة الحديد وحلقة العلم وغيرها ، كله بإسكان اللام على المشهور . وقوله : فلأن ينتقض هو بفتح اللام ، وقد سبق بيانه في باب الآنية . قوله : " لأن البهيمة لا حرمة لها ولا تعبد عليها " هذه العبارة عبارة الشافعي رحمه الله ، وشرحها صاحب الحاوي وغيره فقالوا : معناه لا حرمة لها في وجوب ستر فرجها وتحريم النظر إليه ، ولا تعبد عليها في أن الخارج منه لا ينقض طهرا .

[ ص: 41 ] المسألة الثالثة ) في الأسماء : أما عائشة وابن القاص فسبق بيانهما ، وأما بسرة فبضم الباء وإسكان السين المهملة . وهي بسرة بنت صفوان بن نوفل بن أسد بن عبد العزى . وورقة بن نوفل عمها ، وهي جدة عبد الملك بن مروان أم أمه ، وهي ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنها . وأما ابن عبد الحكم هذا فهو أبو محمد عبد الله بن عبد الحكم بن أعين المصري كان من أجل أصحاب مالك وأفضت إليه الرياسة بمصر بعد أشهب ، وأحسن إلى الشافعي كثيرا ، فأعطاه من ماله ألف دينار وأخذ له من أصحابه ألفي دينار . ولد سنة خمسين ومائة وتوفي سنة أربع عشرة ومائتين رحمه الله .

( المسألة الرابعة في الأحكام ) فإذا مس الرجل أو المرأة قبل نفسه أو غيره من صغير أو كبير حي أو ميت ذكر أو أنثى انتقض وضوء الماس ، ودليله ما ذكره المصنف ، ويتصور كون مس الرجل قبل المرأة ناقضا إذا كانت محرما له أو صغيرة ، وقلنا بالمذهب إن لمسها لا ينقض ، فينتقض بمس فرجها بلا خلاف ، وحكى الماوردي والشاشي والروياني وغيرهم وجها شاذا أنه لا ينتقض بمس ذكر الميت ، وحكى الرافعي وجها آخر أنه لا ينتقض بمس ذكر الصغير ، وحكى غيره وجها شاذا أنه لا ينتقض بمس فرج غيره إلا بشهوة ، والصحيح المشهور الانتقاض بكل ذلك ، ثم إنه لا ضبط لسن الغير ، حتى لو مس ذكر ابن يوم انتقض . صرح به الشيخان أبو حامد وأبو محمد وإمام الحرمين وغيرهم .

( فرع ) ولو مس ذكرا أشل أو بيد شلاء انتقض على المذهب ، وبه قطع الجمهور لأنه مس ذكرا . وحكى الماوردي والروياني والشاشي وجها شاذا ، أنه لا ينتقض لأنه لا لذة .

( الخامسة ) إن مس ببطن الكف وهو الراحة وبطن الأصابع انتقض ، وإن مس بظهر الكف فلا . ودليله مذكور في الكتاب . وإن مس برءوس الأصابع أو بما بينها أو بحرفها أو بينها بحرف الكف ففي الانتقاض وجهان مشهوران ، الصحيح عند الجمهور لا ينتقض ، وبه [ ص: 42 ] قطع البندنيجي . ثم الوجهان في موضع الاستواء من رءوس الأصابع ، وأما المنحرف الذي يلي الكف فإنه من الكف فينقض ، وجها واحدا . قال الرافعي : من قال : المس برءوس الأصابع ينقض ، قال باطن الكف ما بين الأظفار والزند في الطول ، ومن قال : لا ينقض قال : باطن الكف هو القدر المنطبق إذا وضعت إحدى الكفين على الأخرى مع تحامل يسير ، والتقييد بتحامل يسير ليدخل المنحرف . وحكى الماوردي عن أبي الفياض البصري وجها أنه إن مس بما بين الأصابع مستقبلا للعانة ببطن كفه انتقض ، وإن استقبلها بظهر كفه لم ينقض . قال الماوردي : وهذا لا معنى له .

( السادسة ) إذا مس دبر نفسه أو دبر آدمي غيره انتقض على المذهب ، وهو نصه في الجديد وهو الصحيح عند الأصحاب وقطع به جماعات منهم . وحكى ابن القاص في كتابه المفتاح قولا قديما أنه لا ينتقض ، ولم يحكه هو في التلخيص ، وقد حكاه جمهور أصحابنا المصنفين عن حكاية ابن القاص عن القديم ولم ينكروه ، وقال صاحب الشامل : قال أصحابنا لم نجد هذا القول في القديم ، فإن ثبت فهو ضعيف . قال أصحابنا والمراد بالدبر ملتقى المنفذ ، أما ما وراء ذلك من باطن الأليين فلا ينقض بلا خلاف .

( السابعة ) إذا انفتح مخرج تحت المعدة أو فوقها وحكمنا بأن الخارج منه ينقض الوضوء - على التفصيل والخلاف السابقين - فهل ينتقض الوضوء بمسه ؟ فيه وجهان ، أصحهما لا ينتقض ، وقد سبق بيانهما في فروع مسائل المنفتح في أول الباب .

( الثامنة ) إذا مس ذكرا مقطوعا ففي انتقاض وضوئه وجهان مشهوران . ذكرهما المصنف بدليلهما أصحهما عند الأكثرين الانتقاض ونقله القاضي حسين عن نص الشافعي ، وصححه المتولي والبغوي والرافعي وآخرون ، وقطع به الجرجاني في التحرير واختار الشيخ أبو محمد في كتابه الفروق وصاحب الشامل : عدم الانتقاض لكونه لا لذة فيه ولا يقصد ، ولا يكفي اسم الذكر كما لو مسه بظهر كفه وسواء قطع كل الذكر أو بعضه ففيه الوجهان . صرح به البغوي وغيره . قال الماوردي . ولو مس من ذكر الصغير [ ص: 43 ] الأغلف ما يقطع في الختان انتقض بلا خلاف لأنه من الذكر ما لم يقطع . قال : فإن مس ذلك بعد القطع لم ينتقض لأنه بائن من الذكر لا يقع عليه اسم الذكر .

( التاسعة ) إذا مس فرج بهيمة لم ينتقض وضوءه على المذهب الصحيح . وهو المشهور في نصوص الشافعي . وحكى ابن عبد الحكم عن الشافعي أنه ينقض ، قال الشيخ أبو حامد الإسفراييني في تعليقه : ابن الحكم هذا هو عبد الله بن عبد الحكم . وحكى الفوراني وإمام الحرمين وصاحب العدة وغيرهم هذا القول عن حكاية يونس بن عبد الأعلى عن الشافعي . وحكاه الدارمي عن حكاية ابن عبد الحكم ويونس جميعا ، فمن الأصحاب من أنكر كون هذا قولا للشافعي . وقال : مذهبه أنه لا ينقض بلا خلاف ، وإنما حكاه الشافعي عن عطاء . قال المحاملي : لم يثبت أصحابنا هذا قولا للشافعي . وقال البندنيجي : رد أصحابنا هذه الرواية وذهب الأكثرون إلى إثباته ، وجعلوا في المسألة قولين . قال الدارمي : ولا فرق في هذا بين البهائم والطير ، ثم الجمهور أطلقوا الخلاف في فرج البهيمة ، وظاهره طرد الخلاف في قبلها ودبرها . وقال الرافعي : القول بالنقض إنما هو بالقبل ، أما دبر البهيمة فلا ينقض قطعا ، لأن دبر الآدمي لا يلحق على القديم بقبله فدبر البهيمة أولى . وهذا الذي قاله غريب وكأنه بناه على أن القول الضعيف في النقض قول قديم كما ذكره الغزالي ، وليس هو بقديم ، ولم يحكه الأصحاب عن القديم وإنما حكوه عن رواية ابن عبد الحكم ويونس ، وهما ممن صحب الشافعي بمصر دون العراق . فإذا قلنا بالمذهب وهو أن مس فرج البهيمة لا ينقض فأدخل يده في فرجها ففي الانتقاض وجهان مشهوران ، وحكاهما إمام الحرمين عن الأصحاب أصحهما بالاتفاق لا ينقض . صححه الفوراني والإمام والغزالي في البسيط والروياني وغيرهم . هذا حكم مذهبنا في البهيمة ، وحكى أصحابنا عن عطاء أن مس فرج البهيمة المأكولة ينقض وغيرها لا ينقض وعن الليث ينقض الجميع لإطلاق الفرج والصواب عدم النقض [ ص: 44 ] مطلقا ; لأن الأصل عدم النقض حتى تثبت السنة به ولم تثبت ، وإطلاق الفرج في بعض الروايات محمول على المعتاد المعروف وهو فرج الآدمي والله أعلم .

( فروع ) " الأول " اللمس ينقض سواء كان عمدا أو سهوا . نص عليه الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى ، وحكى الحناطي والرافعي وجها أنه لا ينتقض بمس الناسي وهذا شاذ ضعيف .

( الثاني ) إذا مس ذكرا أشل أو بيد شلاء انتقض على المذهب وفيه وجه سبق بيانه ، ولو مس ببطن أصبع زائدة أو كف زائدة انتقض أيضا على المذهب ، ونقله أيضا الشيخ أبو حامد عن نص الشافعي وقطع به الجمهور ، وفيه وجه مشهور وهو ضعيف ثم الجمهور أطلقوا الانتقاض بالكف الزائدة ، وقال البغوي إن كانت الكفان عاملتين انتقض بكل واحدة ، وإن كان العامل إحداهما انتقض بها دون الأخرى ، وأطلق الجمهور أيضا الانتقاض بالأصبع الزائدة . قال المتولي والبغوي وغيرهما : هذا إذا كانت الزائدة نابتة على وفق سائر الأصابع فإن كانت على ظهر الكف لم ينقض المس ببطنها ، قال الرافعي : إن كانت الأصبع الزائدة على سنن الأصابع الأصلية نقضت في أصح الوجهين ، وإلا فلا في أصح الوجهين .

( الثالث ) قال أصحابنا : لا ينقض مس الأنثيين وشعر العانة من الرجل والمرأة ، ولا موضع الشعر ، ولا ما بين القبل والدبر ، ولا ما بين الأليين وإنما ينقض نفس الذكر وحلقة الدبر وملتقى شفري المرأة ، فإن مست ما وراء الشفر لم ينقض بلا خلاف . صرح به إمام الحرمين والبغوي وآخرون ولو جب ذكره قال أصحابنا : إن بقي منه شيء شاخص - وإن قل - انتقض بمسه بلا خلاف ، وإن لم يبق منه شيء أصلا فهو كحلقة الدبر فينتقض على الصحيح ، وإن نبت في موضع الجب جلدة فمسها فهو كمسه من غير جلدة ، قاله إمام الحرمين وغيره وهو واضح ، هذا تفصيل مذهبنا . وحكى أصحابنا عن عروة بن الزبير أن مس الأنثيين والألية والعانة ينقض ، وقال جمهور العلماء : لا ينقض ذلك كمذهبنا . [ ص: 45 ] واحتج لعروة بما روي " { من مس ذكره أو أنثييه أو رفغيه فليتوضأ } " وهذا حديث باطل موضوع إنما هو من كلام عروة ، كذا قاله أهل الحديث ، والأصل أن لا نقض إلا بدليل والرفغ بضم الراء وإسكان الفاء وبالغين المعجمة وهو أصل الفخذين . ويقال لكل موضع يجتمع فيه الوسخ رفغ .

( الرابع ) اتفق أصحابنا ونصوص الشافعي أن المس بغير بطن الكف من الأعضاء لا ينقض ، إلا صاحب الشامل فقال : لو مس بذكره دبر غيره ينبغي أن ينتقض لأنه مسه بآلة مسه . وحكى صاحب البحر هذا عن بعض أصحابنا بالعراق ، وأظنه أراد صاحب الشامل ، ثم قال : هذا ليس بصحيح لأن الاعتماد على الخبر ، ولم يرد بهذا خبر ، وصرح الدارمي ثم إمام الحرمين بأنه لا ينقض فقالا في باب غسل الجنابة : إذا أجنب من غير حدث بأن أولج ذكره في بهيمة أو رجل أجزأه الغسل بلا خلاف . فهذا تصريح بأن إدخال الذكر في دبر الرجل لا ينقض الوضوء ، فوضعه عليه أولى فالصواب أنه لا ينتقض بمسه به ولا بإدخاله لأن الباب مبني على اتباع الاسم ولهذا لو قبل امرأة وعانقها - فوق حائل رقيق - وأطال وانتشر ذكره لا ينتقض ولو وقع بعض رجله على رجلها - بلا قصد - انتقض في الحال لوجود اللمس ، مع أن الأول أفحش . بل لا نسبة بينهما ووافق صاحب الشامل على أنه لو مس بذكره ذكر غيره لم ينقض والله أعلم .

( الخامس ) لو كان له ذكر مسدود فمسه انتقض وضوءه على الصحيح المشهور وفيه وجه حكاه الصيمري وصاحبا البحر والبيان .

( السادس ) إذا كان له ذكران عاملان انتقض بمس كل واحد منهما بلا خلاف . صرح به الأصحاب ، وإن كان العامل أحدهما فوجهان ، الصحيح الذي قطع به الجمهور أنه ينتقض بالعامل ولا ينتقض بالآخر ، ممن قطع به الدارمي والماوردي والفوراني والبغوي وصاحب العدة وآخرون . ونقله الروياني عن أصحابنا الخراسانيين وقال المتولي : المذهب أنه ينتقض أيضا بغير العامل لأنه ذكر ، وشذ الشاشي عن الأصحاب فقال في كتابيه : ينبغي أن لا ينتقض بأحد العاملين كالخنثى . وهذا غلط مخالف للنقل والدليل . [ ص: 46 ] قال الماوردي ولو أولج أحد العاملين في فرج لزمه الغسل ، ولو خرج من أحدهما شيء وجب الوضوء قال : ولو كان يبول من أحدهما وحده فحكم الذكر جار عليه ، والآخر زائد لا يتعلق به حكم في نقض الطهارة . قال الدارمي : ولو خلق للمرأة فرجان فبالت منهما وحاضت انتقض بكل واحد وإن بالت وحاضت من أحدهما فالحكم متعلق به .

( السابع ) الممسوس ذكره لا ينتقض وضوءه على المذهب الصحيح وبه قطع العراقيون وكثير من الخراسانيين أو أكثرهم ، وقال كثيرون من الخراسانيين : فيه قولان كالملموس ، والفرق - على المذهب - أن الشرع ورد هناك بالملامسة ، وهي تقتضي المشاركة إلا ما خرج بدليل وهنا ورد بلفظ المس ، والممسوس لم يمس .

( فرع ) في مذاهب العلماء قد ذكرنا أن مذهبنا انتقاض الوضوء بمس فرج الآدمي بباطن الكف ولا ينتقض بغيره ، وبه قال عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وابن عباس وأبو هريرة وعائشة وسعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح وأبان بن عثمان وعروة بن الزبير وسليمان بن يسار ومجاهد وأبو العالية والزهري ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور والمزني . وعن الأوزاعي : أنه ينقض المس بالكف والساعد وهو رواية عن أحمد ، وعنه رواية أخرى أنه ينقض بظهر الكف وبطنها ، وأخرى أن الوضوء مستحب وأخرى يشترط المس بشهوة ، وهو رواية عن مالك .

وقالت طائفة : لا ينقض مطلقا ، وبه قال علي بن أبي طالب وابن مسعود وحذيفة وعمار ، وحكاه ابن المنذر أيضا عن ابن عباس وعمران بن الحصين وأبي الدرداء وربيعة ، وهو مذهب الثوري وأبي حنيفة وأصحابه وابن القاسم وسحنون ، قال ابن المنذر : وبه أقول . وقال بعض أهل العلم : ينقض مسه ذكر نفسه دون غيره ، واحتج لهؤلاء [ ص: 47 ] بحديث طلق بن علي رضي الله عنه { : أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن مس الذكر في الصلاة فقال : هل هو إلا بضعة منك } " وعن أبي ليلى قال : " { كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل الحسن يتمرغ عليه فرفع عن قميصه وقبل زبيبته } " ولأنه مس عضوا منه فلم ينقض كسائر الأعضاء . واحتج أصحابنا بحديث بسرة وهو صحيح ، كما قدمنا بيانه ، وبحديث أم حبيبة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " { من مس فرجه فليتوضأ } " قال البيهقي : قال الترمذي سألت أبا زرعة عن حديث أم حبيبة فاستحسنه ، قال ورأيته يعده محفوظا . وعن زيد بن خالد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { من مس ذكره فليتوضأ } " . قال القاضي أبو الطيب : قال أصحابنا : روى الوضوء من مس الذكر بضعة عشر نفسا من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قيل : قال يحيى بن معين : ثلاثة أحاديث لا تصح . أحدها : الوضوء من مس الذكر ، فالجواب أن الأكثرين على خلافه فقد صححه الجماهير من الأئمة الحفاظ ، واحتج به الأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وهم أعلام أهل الحديث والفقه ولو كان باطلا لم يحتجوا به ، فإن قالوا : حديث بسرة رواه شرطي لمروان عن بسرة وهو مجهول . فالجواب أن هذا وقع في بعض الروايات ، وثبت من غير رواية الشرطي ، روى البيهقي عن إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة قال أوجب الشافعي الوضوء من مس الذكر لحديث بسرة ، وبقول الشافعي أقول ; لأن عروة سمع حديث بسرة منها ، فإن قالوا الوضوء هنا غسل اليد ، قلنا هذا غلط ، فإن الوضوء إذا أطلق في الشرع حمل على غسل الأعضاء المعروفة هذا حقيقته شرعا ولا يعدل عن الحقيقة إلا بدليل ، واحتج أصحابنا بأقيسة ومعان [ ص: 48 ] لا حاجة إليها مع صحة الحديث وأما الجواب عن احتجاجهم بحديث طلق بن علي فمن أوجه أحدها : أنه ضعيف باتفاق الحفاظ وقد بين البيهقي وجوها من وجوه تضعيفه .

الثاني : أنه منسوخ فإن وفادة طلق بن علي على النبي صلى الله عليه وسلم كانت في السنة الأولى من الهجرة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبني مسجده ، وراوي حديثنا أبو هريرة وغيره ، وإنما قدم أبو هريرة على النبي صلى الله عليه وسلم سنة سبع من الهجرة ، وهذا الجواب مشهور ذكره الخطابي والبيهقي وأصحابنا في كتب المذهب .

والثالث : أنه محمول على المس فوق حائل لأنه قال " سألته عن مس الذكر في الصلاة " والظاهر أن الإنسان لا يمس الذكر في الصلاة بلا حائل .

والرابع : أن خبرنا أكثر رواة فقدم .

الخامس : أن فيه احتياطا للعبادة فقدم .

وأما حديث أبي ليلى فجوابه من أوجه : أحدها : أنه ضعيف بين البيهقي وغيره ضعفه .

الثاني : يحتمل أنه كان فوق حائل .

الثالث : أنه ليس فيه أنه مس زبيبته ببطن كفه ولا ينقض غير بطن الكف .

الرابع : أنه ليس فيه أنه صلى بعد مس زبيبته ببطن كفه ، ولم يتوضأ ، وعلى الجملة استدلالهم بهذا الحديث من العجائب وأما قياسهم على سائر الأعضاء فجوابه من وجهين : أحدهما : أنه قياس ينابذ النص فلا يصح .

الثاني : أن الذكر تثور الشهوة بمسه غالبا بخلاف غيره والله أعلم

( فرع ) مس الدبر ناقض عندنا على الصحيح ، وهو رواية عن أحمد ، وقال مالك وأبو حنيفة وداود وأحمد في رواية : لا ينقض [ ص: 49 ] ولا ينقض مس فرج البهيمة عندنا ، وبه قال العلماء كافة إلا عطاء والليث ، وإذا مست المرأة فرجها انتقض وضوءها عندنا وعند أحمد ، وقال أبو حنيفة ومالك : لا ينتقض .

التالي السابق


الخدمات العلمية