صفحة جزء
[ ص: 70 ] قال المصنف رحمه الله تعالى ( وكذلك لا ينتقض الطهر بقهقهة المصلي لما روي عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الضحك ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء } ) .


( الشرح ) حديث جابر هذا روي مرفوعا وموقوفا على جابر ورفعه ضعيف قال البيهقي وغيره : الصحيح أنه موقوف على جابر ، وذكره البخاري في صحيحه عن جابر موقوفا عليه ، ذكره تعليقا ، والضحك معروف ، وهو بفتح الضاد وكسر الحاء ، هذا أصله ، ويجوز إسكان الحاء مع فتح الضاد وكسرها ، ويجوز كسرهما فهي أربعة أوجه واختلف العلماء في الضحك في الصلاة إن كان بقهقهة ، فمذهبنا ومذهب جمهور العلماء أنه لا ينقض ، وبه قال ابن مسعود وجابر وأبو موسى الأشعري ، وهو قول جمهور التابعين فمن بعدهم . وروى البيهقي عن أبي الزناد قال : أدركت من فقهائنا الذين ينتهى إلى قولهم سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وأبا بكر بن عبد الرحمن ، وخارجة بن زيد بن ثابت ، وعبد الله بن عبيد الله بن عتبة ، وسليمان بن يسار ومشيخة جلة سواهم يقولون : الضحك في الصلاة ينقضها ولا ينقض الوضوء قال البيهقي : وروينا نحوه عن عطاء والشعبي والزهري ، وحكاه أصحابنا عن مكحول ومالك وأحمد وإسحاق وأبي ثور وداود .

وقال الحسن البصري وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وأبو حنيفة : ينقض الوضوء . وعن الأوزاعي روايتان ، وأجمعوا أن الضحك إذا لم يكن فيه قهقهة لا يبطل الوضوء ، وعلى أن القهقهة خارج الصلاة لا تنقض الوضوء واحتج للقائلين بالنقض في الصلاة بما روي عن أبي العالية والحسن البصري ومعبد الجهني وإبراهيم النخعي والزهري : " { أن رجلا أعمى جاء والنبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة ، فتردى بماء في بئر ; فضحك طوائف من الصحابة ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من ضحك أن يعيد الوضوء والصلاة } " . [ ص: 71 ] وعن عمران بن الحصين عن النبي صلى الله عليه وسلم " { الضحك في الصلاة قرقرة تبطل الصلاة والوضوء } " ولأنها عبادة يبطلها الحدث فأبطلها الضحك كالصلاة واحتج أصحابنا بحديث جابر المذكور في الكتاب وقد بيناه ، وبأن الضحك لو كان ناقضا لنقض في الصلاة وغيرها كالحدث ; لأنها صلاة شرعية فلم ينقض الضحك فيها الوضوء ، كصلاة الجنازة فقد وافقوا عليها . وذكر الأصحاب أقيسة كثيرة ومعاني ، والمعتمد أن الطهارة صحيحة ونواقض الوضوء محصورة ، فمن ادعى زيادة فليثبتها ، ولم يثبت في النقض بالضحك شيء أصلا . وأما ما نقلوه عن أبي العالية ورفقته وعن عمران وغير ذلك مما رووه فكلها ضعيفة واهية باتفاق أهل الحديث قالوا : ولم يصح في هذه المسألة حديث وقد بين البيهقي وغيره وجوه ضعفها بيانا شافيا ، فلا حاجة إلى الإطالة بتفصيله مع الاتفاق على ضعفها . وأما قياسهم فلا يصح ; لأن الأحداث لا تثبت قياسا ; لأنها غير معقولة العلة كما سبق ولو صح لكان منتقضا بغسل الجنابة فإنه يبطله خروج المني لا يبطله الضحك في الصلاة بالإجماع . قال ابن المنذر بعد أن ذكر اختلاف العلماء فيه : وبقول من قال لا وضوء نقول : لا ; لأنا لا نعلم لمن أوجب الوضوء حجة . قال : والقذف في الصلاة عند من خالفنا لا يوجب الوضوء فالضحك أولى والله أعلم

( فرع ) قدمنا في أول الباب أن الردة لا تنقض الوضوء عندنا على الصحيح وبه قال جمهور العلماء . وقال الأوزاعي وأحمد وأبو ثور وأبو داود : تنقض واحتجوا بقوله تعالى ( { : ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله } ) ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم " { لا وضوء إلا من صوت أو ريح } " وهو حديث صحيح سبق بيانه أول الباب . [ ص: 72 ] والجواب عن الآية الكريمة أن المراد بالإحباط من مات على الردة كما قال سبحانه وتعالى : { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم } .

التالي السابق


الخدمات العلمية