صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( : والمستحب أن يتوضأ من الضحك في الصلاة ومن الكلام القبيح لما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما أنه قال : " لأن أتوضأ من الكلمة الخبيثة أحب إلي من أتوضأ من الطعام الطيب " ، وقالت عائشة رضي الله عنها : " يتوضأ أحدكم من الطعام الطيب ولا يتوضأ من الكلمة العوراء " . وقال ابن عباس رضي الله عنهم : " الحدث حدثان حدث اللسان وحدث الفرج ، وأشدهما حدث اللسان " ) .


( الشرح ) الأثر المذكور ، عن ابن عباس مشهور ، رواه البخاري في كتاب الضعفاء ، وأشار إلى تضعيفه ، وقول عائشة : ( الكلمة العوراء ) أي القبيحة ، قال الهروي قال ابن الأعرابي : تقول العرب للرديء من الأمور والأخلاق أعور والأنثى عوراء ثم إن المصنف حمل هذه الآثار على الوضوء الشرعي الذي هو غسل الأعضاء المعروفة ، وكذا حملها ابن المنذر وجماعة من أصحابنا ، وقال ابن الصباغ : الأشبه أنهم أرادوا غسل الفم ، وكذا حملها المتولي على غسل الفم ، وحكى الشاشي في المعتمد كلام ابن الصباغ . ثم قال : وهذا بعيد بل ظاهر كلام الشافعي أنه أراد الوضوء الشرعي . قال : والمعنى يدل عليه ; لأن غسل الفم لا يؤثر فيما جرى من الكلام وإنما يؤثر فيه الوضوء الشرعي ، والغرض منه تكفير الخطايا كما ثبت في الأحاديث فحصل أن الصحيح أو الصواب استحباب الوضوء الشرعي من الكلام القبيح ، كالغيبة والنميمة والكذب والقذف وقول الزور والفحش وأشباهها . ولا خلاف في استحبابه إذا ضحك في الصلاة ولا يجب شيء من ذلك . [ ص: 73 ] قال ابن المنذر في كتابيه ( الأشراف والإجماع ) وابن الصباغ : أجمع العلماء على أنه لا يجب الوضوء من الكلام القبيح ، كالغيبة والقذف وقول الزور وغيرها ونقل الروياني عن الشيعة إيجاب الوضوء من ذلك . والشيعة لا يعتد بخلافهم . واحتج الشافعي ثم ابن المنذر ثم البيهقي وأصحابنا في المسألة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { من قال في حلفه باللات والعزى ، فليقل : لا إله إلا الله ، ومن قال لغيره : تعال أقامرك فليتصدق } " رواه البخاري ومسلم .

( فرع ) قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله وما أوجب الطهارة فلا فرق فيه بين ما وجد منه بتعمده واختياره ، وما وجد بغير تعمد واختيار ، كالساهي والمكره على الحدث ومن سبقه الحدث ودليله الكتاب والسنة قال الله تعالى : { وإن كنتم جنبا فاطهروا } والجنابة تكون باحتلام وغيره . والاحتلام بغير قصد واختيار وأمر النبي صلى الله عليه وسلم في المذي بالوضوء ، وهو يخرج بلا قصد . وقد سبق في اللمس والمس ساهيا وجه شاذ ضعيف أنهما لا ينقضان .

( فرع ) قال أبو العباس بن القاص في التلخيص ، " لا يبطل شيء من العبادات بعد انقضاء فعلها إلا الطهارة إذا تمت ثم أحدث فتبطل " قال القفال في شرح التلخيص قال غير أبي العباس لا نقول بطلت الطهارة بل نقول انتهت نهايتها . فإن أطلقنا لفظ " بطلت " فهو مجاز وذكر جماعة غير القفال أيضا الخلاف ، والأظهر قول من يقول : انتهت ، ولا يقول : بطلت إلا مجازا . كما يقال : إذا غربت الشمس انتهى الصوم ولا يقال بطل . وإذا مضت مدة الإجارة يقال : انتهت الإجارة لا بطلت ، وقوله : " لا يبطل شيء من العبادات بعد انقضائها " يستثنى منه الردة المتصلة بالموت فإنها تحبط العبادات بالنص والإجماع والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية