صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( والاستنجاء واجب من البول والغائط لما روى أبو هريرة رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وليستنج بثلاثة أحجار } " ولأنها نجاسة لا تلحق المشقة في إزالتها غالبا فلا تصح الصلاة معها كسائر النجاسات ) .


[ ص: 111 ] الشرح ) حديث أبي هريرة هذا صحيح رواه الشافعي وأبو داود وغيرهما بأسانيد صحيحة ، وسأذكره بكماله إن شاء الله تعالى . قوله : " وليستنج " هو هكذا بالواو معطوف على ما قبله ، كما سأذكره بكماله إن شاء الله تعالى . وقول المصنف " لا تلحقه المشقة في إزالتها " احتراز من دم البراغيث ونحوه . وقوله " فلم تصح الصلاة معها " عبارة حسنة فإنه لو قال فوجب إزالتها لانتقض بنجاسة على ثوب لا يصلى فيه ، والغائط معروف وتقدم في هذا الباب بيان أصله .

( أما حكم المسألة ) فالاستنجاء واجب عندنا من البول والغائط ، وكل خارج من أحد السبيلين نجس ملوث ، وهو شرط في صحة الصلاة ; وبه قال أحمد وإسحاق وداود وجمهور العلماء ورواية عن مالك . وقال أبو حنيفة : هو سنة ، وهو رواية عن مالك ، وحكاه القاضي أبو الطيب وابن الصباغ والعبدري وغيرهم عن المزني وجعل أبو حنيفة هذا أصلا للنجاسات ، فما كان منها قدر درهم بغلي عفي عنه وإن زاد فلا ، وكذا عنده في الاستنجاء إن زاد الخارج على درهم وجب وتعين الماء ولا يجزيه الحجر ولا يجب عنده . الاستنجاء بالحجر . واحتجوا بحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " { من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن ، ومن لا فلا حرج } " رواه الدارمي وأبو داود وابن ماجه ; وهو حديث حسن ; ولأنها نجاسة لا تجب إزالة أثرها فكذا عينها كدم البراغيث ، ولأنه لا تجب إزالتها بالماء فلم يجب غيره ، وقال المزني : ولأنا أجمعنا على جواز مسحها بالحجر فلم تجب إزالتها كالمني .

واحتج أصحابنا بحديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " { إنما أنا لكم مثل الوالد ، فإذا ذهب أحدكم إلى الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بغائط ولا بول وليستنج بثلاثة أحجار ، ونهى عن الروث والرمة وأن يستنجي الرجل بيمينه } " حديث صحيح رواه الشافعي في مسنده وغيره بإسناد صحيح ، ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه في سننهم بأسانيد صحيحة بمعناه ; قال البيهقي في كتابه معرفة السنن والآثار : قال الشافعي [ ص: 112 ] في القديم : هو حديث ثابت .

وعن سلمان رضي الله عنه قال : " { نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار } " رواه مسلم . وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن ، فإنها تجزي عنه } " حديث صحيح رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارقطني ، وقال إسناده حسن صحيح . واحتج الأصحاب بحديث ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال : إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير . أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستنزه من بوله } " وروي " لا يستبرئ " رواه البخاري ومسلم وفي الاستدلال به نظر . واحتجوا من القياس بما ذكره المصنف ، والجواب عن حديثهم أنه لا حرج في ترك الإيتار ، وهو محمول على الإيتار الزائد على ثلاثة أحجار جمعا بينه وبين باقي الأحاديث الصحيحة لحديث سلمان وغيره . والجواب عن قياسهم على دم البراغيث أن ذلك مشقة عظيمة بخلاف أصل الاستنجاء ، ولهذا تظاهرت الأحاديث الصحيحة على الأمر بالاستنجاء ، ولم يرد خبر في الأمر بإزالة دم البراغيث . وقياس المزني على المني لا يصح لأنه طاهر والبول نجس ، والله أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية