صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ويستنجي قبل أن يتوضأ ، فإن توضأ ثم استنجى صح الوضوء ، وإن تيمم ثم استنجى لم يصح التيمم . وقال الربيع : فيه قول آخر أنه يصح . قال أبو إسحاق : هذا من كيسه ، والأول هو المنصوص عليه في الأم ، ووجهه أن التيمم لا يرفع الحدث وإنما تستباح به الصلاة من نجاسة النجو ، فلا تستباح مع بقاء المانع ، ويخالف الوضوء فإنه يرفع الحدث فجاز أن يرفع الحدث والمانع قائم ، وإن تيمم وعلى بدنه نجاسة في غير موضع الاستنجاء ففيه وجهان : ( أحدهما ) أنه كنجاسة النجو ( والثاني ) أنه يصح التيمم لأن التيمم لا تستباح به الصلاة من هذه النجاسة ، فصح فعله مع وجودها بخلاف نجاسة النجو ) .


( الشرح ) إذا توضأ أو تيمم قبل الاستنجاء ثم استنجى بالحجر أو بالماء لافا على يده خرقة أو نحوها بحيث لا يمس فرجه ، فقد نص الشافعي رحمه الله في البويطي : أنه يصح وضوءه ولا يصح تيممه ، ونقل المزني في المنثور عن الشافعي في صحة التيمم والوضوء جميعا قولين . ونقل ابن القاص أنه يصح الوضوء وفي التيمم قولان . ونقل الربيع أنه لا يصح التيمم ، قال : وفيه قول آخر أنه يصح ، فحصل في المسألتين ثلاثة أقوال : ( أحدها ) يصح الوضوء والتيمم ( والثاني ) لا يصحان : ( والثالث ) يصح الوضوء ولا يصح التيمم . وهذا الثالث هو الصحيح عند الأصحاب ، وقطع به أكثر المتقدمين والمتأخرين وصححه الباقون . قال القاضي أبو الطيب : غلط من ذكر الخلاف في الوضوء . وقال إمام الحرمين : نقل الخلاف في [ ص: 114 ] الوضوء بعيد جدا ، ولولا أن المزني نقله في المنثور عن الشافعي لما عددته من المذهب . وقال الشيخ أبو حامد : قال أصحابنا : هذا الذي ذكره الربيع في صحة التيمم ليس بمذهب الشافعي . وقال المحاملي غلط أصحابنا الربيع في ذلك ، وهذا معنى قول المصنف : قال أبو إسحاق : هذا من كيس الربيع وهو بكسر الكاف ، معناه : ليس هذا منصوصا للشافعي ، بل الربيع خرجه من عند نفسه . وأما قول صاحب الإبانة : الأصح صحة التيمم فغلط مخالف للأصحاب ونصوص الشافعي والدليل ، أما إذا كان على موضع من بدنه نجاسة في موضع الاستنجاء فتيمم قبل إزالتها ففي صحة التيمم الوجهان اللذان ذكرهما المصنف وهما مشهوران ونقل ابن الصباغ أن الشافعي نص في الأم على أنه لا يصح تيممه حتى يزيلها . واختلف الأصحاب في الأصح فصحح الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وابن الصباغ والشيخ نصر والشاشي وآخرون من العراقيين بطلان التيمم . وصحح إمام الحرمين والبغوي صحته وبه قطع أبو علي الطبري في الإفصاح ، ودليله ما ذكره المصنف . وقال إمام الحرمين : ولأنه لا خلاف أنه لو تيمم وهو مكشوف العورة صح تيممه ، وإن كان هذا التيمم لا يستعقب إباحة الصلاة حتى يستر عورته . وذكر القاضي أبو الطيب نحو هذا . وهذا الذي أورداه من ستر العورة إشكال قوي . ويمكن الفرق بأن ستر العورة أخف من إزالة النجاسة ، ولهذا تصح الصلاة مع العري بلا إعادة بخلاف النجاسة ، والله أعلم .

ثم صورة المسألة أن يكون مع هذا التيمم من الماء ما يكفيه لإزالة النجاسة من غير زيادة ، كذا صورها إمام الحرمين وغيره وهو الصواب ، وتتصور أيضا فيمن تيمم لجراحة أو مرض ، بحيث لا يجب استعمال الماء في الحدث ويجب في النجس لقلته . وقال البغوي : الوجهان فيمن ليس معه ما يغسل به النجاسة ، فأما من معه ما يكفيه للنجاسة فلا يصح تيممه قبل إزالتها ، والصواب ما سبق .

[ ص: 115 ] ولو تيمم وليس عليه نجاسة . ثم حدثت نجاسة وقلنا النجاسة المقارنة تمنع صحة التيمم ففي الحادثة وجهان حكاهما الروياني . قال : وهما كالوجهين فيما إذا تيمم ثم ارتد ; لأن النجاسة تمنع الصلاة كالردة ، وقال القاضي حسين : إن تيمم عالما بالنجاسة صح تيممه لأن طلبه الماء للتيمم يكفيه له وللنجاسة ، وإن تيمم وعليه نجاسة لا يعلمها أو حدثت بعد التيمم بطل التيمم لأنه يجب طلب الماء لإزالتها والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية