صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ويجوز الاستنجاء بالحجر وما يقوم مقامه ، قال أصحابنا : ويقوم مقامه كل جامد طاهر مزيل للعين وليس له حرمة ، ولا هو جزء من حيوان ) .


( الشرح ) اتفق أصحابنا على جواز الاستنجاء بالحجر وما يقوم مقامه ، وضبطوه بما ضبطه به المصنف قالوا : وسواء في ذلك الأحجار والأخشاب والخرق والخزف والآجر الذي لا سرجين فيه وما أشبه هذا . ولا يشترط اتحاد جنسه ; بل يجوز في القبل جنس وفي الدبر جنس آخر ، ويجوز أن يكون الثلاثة حجرا ، وخشبة ، وخرقة . نص عليه الشافعي واتفق الأصحاب عليه ، هذا مذهبنا . قال الشيخ أبو حامد : وبه قال العلماء كافة إلا داود فلم يجوز غير الحجر ، وكذا نقل أكثر أصحابنا عن داود ، قال القاضي أبو الطيب : هذا ليس بصحيح عن داود بل مذهبه الجواز . واحتج الأصحاب بحديث أبي هريرة قال : " { اتبعت النبي صلى الله عليه وسلم وخرج لحاجته فقال : ابغني أحجارا أستنفض بها ، أو نحوه ولا تأتني بعظم ولا روث } " رواه البخاري ، وبقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة الآخر : " { ليستنج بثلاثة أحجار ، ونهى عن الروث والرمة } " . قال أصحابنا : فنهيه صلى الله عليه وسلم عن الروث والعظم دليل على أن غير الحجر يقوم مقامه وإلا لم يكن لتخصيصها بالنهي معنى . وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : " { أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار ، فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجده ، فأخذت روثة فأتيته بها ، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال : هذا ركس } " رواه البخاري قال أصحابنا : موضع الدلالة أنه صلى الله عليه وسلم علل منع الاستنجاء بها بكونها ركسا ولم يعلل بكونها غير حجر . واحتج الأصحاب أيضا بحديث رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ ص: 131 ] { الاستنجاء بثلاثة أحجار أو ثلاثة أعواد ، قيل فإن لم يجد ؟ قال : ثلاث حفنات من تراب } " وهذا ليس بصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال البيهقي : الصحيح أنه من كلام طاوس . وروي من حديث سراقة بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ضعيف أيضا . قال البيهقي : وأصح ما روي في هذا ما رواه يسار بن نمير قال : كان عمر رضي الله عنه إذا بال قال : ناولني شيئا أستنجي به ، فأناوله العود والحجر ، أو يأتي حائطا يتمسح به أو يمسه الأرض ، ولم يكن يغسله . وأما قوله صلى الله عليه وسلم : " { وليستنج بثلاثة أحجار } " وشبهه . فإنما نص على الأحجار لكونها غالب الموجود للمستنجي بالفضاء ، مع أنه لا مشقة فيها ولا كلفة في تحصيلها . وهذا نحو قول الله تعالى : { ولا تقتلوا أولادكم من إملاق } وقوله تعالى : { فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم } ونظائر ذلك ، فكل هذا مما ليس له مفهوم يعمل به لخروجه على الغالب ، والله أعلم .

( فرع ) ورد الشرع باستعمال الحجر في الاستنجاء ورمي جمار الحج ، وباستعمال الماء في طهارة الحدث والنجس ، وباستعمال التراب في التيمم وغسل ولوغ الكلب ، وباستعمال القرظ في الدباغ . فأما الحجر فمتعين في الرمي دون الاستنجاء ، لأن الرمي لا يعقل معناه بخلاف الاستنجاء ، وأما الماء في الطهارة والتراب في التيمم فمتعينان ، وفي التراب في الولوغ قولان ، وفي الدباغ طريقان تقدما ، المذهب أنه لا يتعين القرظ ، والثاني : قولان كالولوغ ، والفرق أن الولوغ دخله التعبد والفرق بين الدباغ والاستنجاء أن الاستنجاء مما تعم به البلوى ويضطر كل أحد إليه في كل وقت وكل مكان ولا يمكن تأخيره ، فلو كلف نوعا معينا شق ، وتعذر في كثير من الأوقات ووقع الحرج ، وقد قال الله تعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } والدباغ بخلافه في كل هذا ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية