صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن جاوز الخارج الموضع المعتاد فإن كان غائطا فخرج إلى ظاهر الألية لم يجز فيه إلا الماء ; لأن ذلك نادر فهو كسائر النجاسات ، وإن خرج إلى باطن الألية ولم يخرج إلى ظاهرها ففيه قولان ( أحدهما ) أنه لا يجزئ فيه إلا الماء لأنه نادر فهو كما لو خرج إلى ظاهرة الألية ( والثاني ) يجزئ فيه الحجر ; لأن المهاجرين رضي الله عنهم هاجروا إلى المدينة فأكلوا التمر ، ولم يكن من عادتهم ، ولا شك أنه رقت بذلك أجوافهم ولم يؤمروا بالاستنجاء بالماء ، ولأن ما يزيد على المعتاد لا يمكن ضبطه فجعل الباطن كله حدا ، ووجب الماء فيما زاد ، وإن كان بولا ففيه طريقان . قال أبو إسحاق : إذا جاوز مخرجه حتى رجع على الذكر أعلاه أو أسفله لم يجز فيه إلا الماء ; لأن ما يخرج من البول لا ينتشر إلا نادرا بخلاف ما يخرج من الدبر ، فإنه لا بد من أن ينتشر . ومن أصحابنا من قال : فيه قولان ( أحدهما ) لا يجوز فيه إلا الماء ، نص عليه في البويطي ، ووجهه ما قال أبو إسحاق ( والثاني ) يجوز فيه الحجر ما لم يجاوز الحشفة ، نص عليه في الأم ; لأنه لما جاز الحجر في الغائط - ما لم يجاوز باطن الألية لتعذر الضبط - وجب أن يجوز في البول ما لم يجاوز الحشفة لتعذر الضبط ) .


( الشرح ) قال أصحابنا : إذا خرج الغائط فله أربعة أحوال : ( أحدها ) أن لا يجاوز نفس المخرج فيجزئه الأحجار بلا خلاف .

( الثاني ) أن يجاوزه ، ولا يجاوز القدر المعتاد من أكثر الناس ، فيجزئه الحجر أيضا ، لأنه يتعذر الاحتراز من هذا القدر ، ونقل المزني أنه إذا جاوز المخرج تعين الماء ، ونقل البويطي نحوه ، فمن الأصحاب من جعله قولا آخر ، وقطع الجمهور بأنه ليس على ظاهره ، بل يكفيه الحجر قولا واحدا ، ثم منهم من غلط المزني في النقل ، وهذا قول العراقيين وجماعة من الخراسانيين ونقل البندنيجي والمحاملي اتفاق الأصحاب على تغليطه ، ومنهم من تأوله على أنه سقط من الكلام شيء ، وصوابه إذا جاوز المخرج وما حوله ، وهذا - وإن [ ص: 143 ] سموه تأويلا فهو - بمعنى التغليظ ، ثم إن جمهور الأصحاب قالوا : الاعتبار بعادة غالب الناس وذكر الدارمي وجهين في أن الاعتبار بعادة الناس أم بعادته .

( الحال الثالث ) أن ينتشر ويخرج عن المعتاد ، ولا يجاوز باطن الألية ، فهل يتعين الماء أم يجزئه الحجر ؟ فيه قولان ( أصحهما ) يجزئه الحجر ، وهو نصه في الأم وحرملة والإملاء ، كذا قاله البندنيجي وغيره وصححه الأصحاب ( والثاني ) يتعين الماء نص عليه في المختصر والقديم . وقد ذكر المصنف دليلهما . وهذا الذي استدل به من قصة المهاجرين صحيح مشهور ، واستدل به الشافعي في الأم والأصحاب .

( الرابع ) أن ينتشر إلى ظاهر الأليتين ، فإن كان متصلا تعين الماء في جميعه كسائر النجاسات لندوره ، وتعذر فصل بعضه عن بعض ، وإن انفصل بعضه عن بعض تعين الماء في الذي على ظاهر الألية ، وأما الذي لم يظهر ولم يتصل فهو على الخلاف والتفصيل السابق إن لم يجاوز العادة أجزأ الحجر ، وإن جاوزه فقولان أصحهما : يجزئه أيضا . هكذا ذكر هذا التفصيل الشيخ أبو محمد في الفروق والقاضي حسين والمتولي وآخرون . ونقله الروياني عن الأصحاب . وفي الحاوي وغيره وجه مخالف لهذا وليس بشيء . ولو انتشر الخارج انتشارا معتادا وترشش منه شيء إلى محل متصل قريب من الخارج بحيث يكفي فيه الحجر لو اتصل ; تعين الماء في المترشش . صرح به الصيدلاني ونقله عنه إمام الحرمين ولم يذكر غيره والله أعلم . وأما البول فإن انتشر وخرج عن الحشفة متصلا تعين فيه الماء ، وإن لم يخرج عنها فطريقان ذكرهما المصنف والأصحاب ، اختلف في الراجح منهما ، فقطع الشيخ أبو حامد والماوردي بأنه يتعين الماء لندوره وقال الجمهور : الصحيح أنه على القولين في انتشار الغائط إلى باطن الألية ، وقطع المحاملي في المقنع بإجزاء الحجر ما لم يجاوز الحشفة ، وصححه الرافعي . قال البندنيجي : " وهو ظاهر نصه في حرملة " وهذا هو الأصح لأن البول ينتشر أيضا في العادة ، ويشق ضبط ما تدعو الحاجة إليه ، فجعلت الحشفة فاصلا ، فعلى هذا حكمه حكم الغائط إذا لم يخرج عن باطن الألية على التفصيل والخلاف السابق والله أعلم .

[ ص: 144 ] وقول المصنف . قال أبو إسحاق إذا جاوز مخرجه حتى رجع على الذكر أعلاه وأسفله ، كذا قاله أبو إسحاق وكذا نقله الأصحاب عنه .

( أما اللغات ) وقوله : " أعلاه وأسفله " مجروران على البدل من الذكر . تقديره حتى رجع على أعلا الذكر وأسفله ؟ ويقال الأليان والأليتان بحذف التاء وإثباتها ، وحذفها أفصح وأشهر ، والله أعلم . والمراد بباطن الألية ما يستتر في حال القيام وبظاهرها ما لا يستتر .

التالي السابق


الخدمات العلمية