صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ولا يجب الغسل من المذي ، وهو الماء الذي يخرج بأدنى شهوة ، والدليل عليه ما روى علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : " كنت رجلا مذاء ، فجعلت أغتسل في الشتاء حتى تشقق ظهري ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : { لا تفعل ، إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة ، فإذا فضخت الماء فاغتسل } " ولا من الودي ، وهو ماء يقطر منه عند البول ، لأن الإيجاب بالشرع ، ولم يرد الشرع إلا في المني ) .


( الشرح ) حديث علي رضي الله عنه صحيح ، رواه أبو داود والنسائي والبيهقي بلفظه في المهذب إلا أنهم قالوا : " فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم أو ذكر له " . ورواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن علي قال : " كنت رجلا مذاء فأمرت المقداد أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فسأله فقال : { توضأ واغسل ذكرك } " وفي رواية لهما : " فأمرت رجلا " وفي رواية للنسائي : " فأمرت عمار بن ياسر " . وفي رواية لمسلم : " توضأ وانضح فرجك " وفي رواية " منه الوضوء " ووقع في بعض نسخ المهذب : " فإذا نضحت الماء فاغتسل " بالنون والحاء المهملة ، وفي بعضها ( فضخت ) بالفاء والخاء المعجمة ومعناهما دفقت . وقوله : " كنت مذاء فهو بفتح الميم وتشديد الذال وبالمد ، ومعناه كثير المذي كضراب . وقوله : " أمرت المقداد " وفي الرواية الأخرى ( عمارا ) محمول على أنه أمر أحدهما ثم أمر الآخر قبل أن يخبر الأول . وقوله في رواية صاحب الكتاب ومن وافقه : " فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم " أي أمرت من ذكر ، كما جاء في معظم الروايات وفي رواية لمسلم وغيره : " فاستحييت أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته فأمرت رجلا فسأله " ومعنى " استحييت لمكان ابنته " أن المذي يكون غالبا لمداعبة [ ص: 164 ] الزوجة وقبلتها ونحو ذلك ، والأدب أن لا يذكر الرجل مع أصهاره ما يتضمن شيئا من ذلك ، والله أعلم .

( وأما حكم المسألة ) فأجمع المسلمون على أن المذي والودي لا يوجبان الغسل ، وقد سبق بيان هذا وبيان حقيقة المذي والودي ولغتهما قريبا ، وأشار المصنف بقوله : ( لأن الإيجاب بالشرع ) إلى مذهب أهل الحق أن الأحكام إنما تثبت بالشرع ، وأن العقل لا يوجب شيئا ولا يحسنه ولا يقبحه . والله أعلم .

( فرع ) في حديث علي رضي الله عنه هذا فوائد : منها : أن المذي لا يوجب الغسل ، وأنه نجس ، وأنه يجب غسل النجاسة ، وأن الخارج من السبيل إذا كان نادرا لا يكفي في الاستنجاء منه الحجر ، بل يتعين الماء ، وأنه يجب الغسل من المني ، وأن المذي وغيره من النادرات يوجب الوضوء ، وأنه يجوز الاستنابة في الاستفتاء ، وأنه يجوز العمل بالظن وهو خبر الواحد هنا ، مع القدرة على اليقين بالمشافهة ، وأنه يستحب مجاملة الأصهار والتأدب معهم بترك الكلام فيما يتعلق بمعاشرة النساء أو يتضمنه ; وأنه يستحب الاحتياط في استيفاء المقصود ، ولهذا أمر بغسل الذكر ، والواجب منه موضع النجاسة فقط ، هذا مذهبنا ومذهب الجمهور ، وعن مالك وأحمد رواية أنه يجب غسل كل الذكر ، وعن أحمد رواية أنه يجب غسل الذكر والأنثيين . دليلنا ما روى سهل بن حنيف رضي الله عنه قال : " { كنت ألقى من المذي شدة وعناء فكنت أكثر من الغسل ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنما يجزئك من ذلك الوضوء } " رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح . وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { من المذي الوضوء } " قال الترمذي : حديث حسن صحيح . وأما الأمر بغسل الذكر في حديث المقداد فعلى الاستحباب . أو أن المراد بعض الذكر ، وهو ما أصابه المذي . وأما حديث عبد الله بن سعد الأنصاري [ ص: 165 ] رضي الله عنه قال : " { سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يوجب الغسل ، وعن الماء يكون بعد الماء ، فقال : ذلك المذي ، وكل فحل يمذي ، فتغسل من ذلك فرجك وأنثييك وتوضأ وضوءك للصلاة } " رواه أبو داود وغيره بإسناد صحيح ; فمحمول على ما إذا أصاب الذكر والأنثيين ، أو على الاستحباب لاحتمال إصابة ذلك ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية