صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وأما إذا ولدت المرأة ولدا ولم تر دما ، ففيه وجهان ( أحدهما ) يجب عليها الغسل لأن الولد مني منعقد ( والثاني ) لا يجب لأنه لا يسمى منيا ) .


( الشرح ) هذان الوجهان مشهوران ، والأصح منهما - عند الأصحاب في الطريقتين - وجوب الغسل ، وقطع به جماعة من أصحاب المختصرات ، وشذ الشاشي فصحح عدم الوجوب . ثم من الأصحاب من ذكر المسألة هنا ومنهم من ذكرها في كتاب الحيض ، ومنهم من ذكرها في الموضعين ، قال الماوردي في كتاب الحيض : القول بالوجوب هو قول ابن سريج ومذهب مالك ، وبعدمه قول أبي علي بن أبي هريرة ومذهب أبي حنيفة . وعن أحمد روايتان كالوجهين ، وهذا التعليل الذي ذكره المصنف للوجوب وهو كون الولد منيا منعقدا ; هو التعليل المشهور في الطريقتين ، وذكر القاضي حسين هذا التعليل وعلة أخرى وهي أن الولد لا يخلو عن رطوبة وإن خفيت . قال الماوردي : وتوجد الولادة بلا دم في نساء الأكراد كثيرا . قال أصحابنا : فإذا قلنا : لا غسل عليها فعليها الوضوء ، ولو خرج منها ولد بعد ولد وقلنا : يجب الغسل فاغتسلت للأول قبل خروج الثاني وجب الغسل للثاني . اتفق عليه أصحابنا . ولو ألقت علقة أو مضغة ففي وجوب الغسل الوجهان الأصح الوجوب ، ذكره المتولي وآخرون ، وقطع القاضي حسين والبغوي بالوجوب في المضغة ، وخص الوجهين بالعلقة ، قال الماوردي : وهل يصح غسلها بمجرد وضعها أم لا يصح حتى تمضي ساعة ؟ فيه وجهان ، بناء على الوجهين في أن أقل النفاس محدود بساعة أم لا ؟ والصحيح الذي يقتضيه إطلاق الجمهور صحة الغسل بمجرد الوضع ، والصحيح أن النفاس غير محدود والله أعلم .

[ ص: 171 ] فرع ) إذا ولدت في نهار رمضان ولم تر دما ففي بطلان صومها طريقان : ( أحدهما ) لا يبطل سواء أوجبنا الغسل أم لا ، وبه قطع الفوراني في كتاب الحيض .

( والثاني ) فيه وجهان بناء على الغسل إن أوجبناه بطل الصوم ، وإلا فلا وبهذا الطريق قطع الماوردي والبغوي وغيرهما ، وأنكره صاحب البحر ; وقال : عندي أنه لا يبطل لأنها مغلوبة كالاحتلام وهذا - الذي قاله - قوي في المعنى ، ضعيف التعليل ، أما ضعف تعليله فلأنه ينتقض بالحيض فإنه يبطل الصوم وإن كانت مغلوبة ، وأما قوته في المعنى فلأن الذي اعتمده الأصحاب في تعليل وجوب الغسل أن الولد مني منعقد وهذا يصلح لوجوب الغسل لا لبطلان الصوم ، فإن خروج المني من غير مباشرة ولا استمناء لا يبطل الصوم والله أعلم .

( فرع ) إذا حاضت ثم أجنبت أو أجنبت ثم حاضت لم يصح غسلها عن الجنابة في حال الحيض ; لأنه لا فائدة فيه ، وفيه وجه ضعيف ذكره الخراسانيون أنه يصح غسلها من الجنابة ويفيدها قراءة القرآن إذا قلنا بالقول الضعيف : أن للحائض قراءة القرآن ، وقد تقدم هذا قريبا عن صاحب العدة .

( فرع ) قال أصحابنا وغيرهم : أعضاء الجنب والحائض والنفساء وعرقهم طاهر وهذا لا خلاف فيه بين العلماء ، ونقل ابن المنذر الإجماع فيه ، وحكى أصحابنا عن أبي يوسف أن بدن الحائض نجس فلو أصابت ماء قليلا نجسته ، وهذا النقل لا أظنه يصح عنه ، فإن صح فهو محجوج بالإجماع ، وبقوله صلى الله عليه وسلم : " { حيضتك ليست في يدك } " وقوله صلى الله عليه وسلم : " { إن المسلم لا ينجس } " رواهما البخاري ومسلم ، وسنبسط المسألة في آخر كتاب الحيض إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية