صفحة جزء
[ ص: 97 ] باب في فصول مهمة تتعلق بالمهذب ويدخل كثير منها وأكثرها في غيره أيضا فصل .

إذا قال الصحابي قولا ولم يخالفه غيره ، ولم ينتشر فليس هو إجماعا ، وهل هو حجة ؟ فيه قولان للشافعي ، الصحيح الجديد : أنه ليس بحجة والقديم : أنه حجة ، فإن قلنا : هو حجة ، قدم على القياس ، ولزم التابعي العمل به ، ولا يجوز مخالفته . وهل يخص به العموم ؟ فيه وجهان ، وإذا قلنا : ليس بحجة فالقياس مقدم عليه ، ويسوغ للتابعي مخالفته . فأما إذا اختلفت الصحابة رضي الله عنهم على قولين فينبني على ما تقدم ، فإن قلنا بالجديد لم يجز تقليد واحد من الفريقين ، بل يطلب الدليل ، وإن قلنا بالقديم فهما دليلان تعارضا فيرجح أحدهما على الآخر بكثرة العدد ، فإن استوى العدد قدم بالأئمة ، فيقدم ما عليه إمام منهم على ما لا إمام عليه ، فإن كان على أحدهما أكثر عددا وعلى الآخر أقل إلا أن مع القليل إماما فهما سواء .

فإن استويا في العدد والأئمة إلا أن في أحدهما أحد الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وفي الآخر غيرهما ففيه وجهان لأصحابنا ، أحدهما : أنهما سواء . والثاني : يقدم ما فيه أحد الشيخين . وهذا كله مشهور في كتب أصحابنا العراقيين في الأصول وأوائل كتب الفروع . والشيخ أبو إسحاق المصنف ممن ذكره في كتابه اللمع ، هذا كله إذا لم ينتشر قول الصحابي ، فأما إذا انتشر فإن خولف فحكمه ما ذكرناه ، وإن لم يخالف ففيه خمسة أوجه ، الأربعة الأول ذكرها أصحابنا العراقيون أحدهما : أنه حجة وإجماع ، قال المصنف الشيخ أبو إسحاق وغيره من أصحابنا العراقيين : هذا الوجه هو المذهب الصحيح ، والوجه الثاني : أنه حجة وليس بإجماع قالالمصنف وغيره : هذا قول أبي بكر الصيرفي والثالث : إن كان فتيا فقيه فسكتوا عنه فهو حجة ، وإن كان حكم إمام أو حاكم فليس بحجة . قال المصنف وغيره : هذا قول أبي علي بن أبي هريرة . والرابع : ضد هذا أنه إن كان القائل حاكما أو إماما كان إجماعا ، وإن كان فتيا لم يكن إجماعا ، حكاه صاحب الحاوي في خطبة الحاوي ، والشيخ أبو محمد الجويني في أول كتابه الفروق ، وغيرهما . قال صاحب الحاوي : هو قول أبي إسحاق المروزي ، ودليله أن الحكم لا يكون غالبا إلا بعد مشورة ومباحثة ومناظرة ، وينتشر انتشارا ظاهرا ، [ ص: 98 ] والفتيا تخالف هذا . والخامس : مشهور عند الخراسانيين من أصحابنا في كتب الأصول ، وهو المختار عند الغزالي في المستصفى : أنه ليس بإجماع ولا حجة . ثم ظاهر كلام جمهور أصحابنا أن القائل القول المنتشر من غير مخالفة لو كان تابعيا أو غيره ممن بعده ، فحكمه حكم الصحابي على ما ذكرناه من الأوجه الخمسة . وحكي فيه وجهان لأصحابنا ، منهم من قال : حكمه حكمه . ومنهم من قال : لا يكون حجة وجها واحدا . قال صاحب الشامل : الصحيح أنه يكون إجماعا ، وهذا الذي صححه هو الصحيح . فإن التابعي كالصحابي في هذا من حيث إنه انتشر وبلغ الباقين ، ولم يخالفوا فكانوا مجمعين ، وإجماع التابعين كإجماع الصحابة ، وأما إذا لم ينتشر قول التابعي فلا خلاف أنه ليس بحجة ، كذا قال صاحب الشامل وغيره ، قالوا : ولا يجيء فيه القول القديم الذي في الصحابي ; لأن الصحابة ورد فيهم الحديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية