صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ويستحب أن لا ينقص في الغسل من صاع ولا في الوضوء من مد لأن النبي صلى الله عليه وسلم : " { كان يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد } " فإن أسبغ بما دونه أجزأه لما روي " { أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بما لا يبل الثرى } " قال الشافعي رحمه الله : وقد يرفق بالقليل فيكفي ويخرق بالكثير فلا يكفي ) .


( الشرح ) الثرى مقصور وهو ما تحت وجه الأرض من التراب الندي ، والصاع أربعة أمداد بلا خلاف والصحيح أن الصاع هنا خمسة أرطال وثلث بالبغدادي كما هو في زكاة الفطر خمسة وثلث بالاتفاق ، وذكر الماوردي والقاضي حسين والروياني فيه وجهين : ( أحدهما ) هذا ( والثاني ) : أنه ثمانية أرطال بالبغدادي ، والمشهور الأول . وقد سبق بيان رطل بغدادي في مسألة القلتين وقوله : أسبغ أي عمم الأعضاء ومنه ثوب سابغ أي كامل .

( أما حكم المسألة ) فأجمعت الأمة على أن ماء الوضوء والغسل لا يشترط فيه قدر معين ، بل إذا استوعب الأعضاء كفاه بأي قدر كان ، وممن نقل الإجماع فيه أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، وقد سبق في باب صفة الوضوء أن شرط غسل العضو جريان الماء عليه قال الشافعي والأصحاب : ويستحب أن لا ينقص في الغسل من صاع ولا في الوضوء من مد . قال الرافعي : والصاع والمد تقريب لا تحديد ، وفي صحيح مسلم عن سفينة رضي الله عنه " { كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد } " وفي مسلم أيضا عن أنس " بالصاع إلى خمسة أمداد " وفي البخاري اغتساله صلى الله عليه وسلم بالصاع من رواية جابر وعائشة ، ويدل على جواز النقصان عن صاع ومد مع الإجماع حديث عائشة : { كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم في إناء واحد يسع ثلاثة أمداد وقريب من ذلك } " رواه مسلم . ويدل على أن ماء الطهارة غير مقدر بقدر للوجوب . حديث عائشة " { كنت [ ص: 220 ] أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد تختلف أيدينا فيه من الجنابة } " رواه البخاري ومسلم وعن أنس " { كان النبي صلى الله عليه وسلم والمرأة من نسائه يغتسلان من إناء واحد } " وعن ابن عباس " { أن النبي صلى الله عليه وسلم وميمونة كانا يغتسلان من إناء واحد } " رواهما البخاري وفي صحيح مسلم نحوه عن أم سلمة وميمونة ، وفي سنن أبي داود والنسائي بإسناد حسن عن أم عمارة الأنصارية " { أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بإناء فيه قدر ثلثي مد } " وأما الحديث الذي ذكره المصنف : " توضأ بما لا يبل الثرى " فلا أعلم له أصلا والله أعلم .

( فرع ) اتفق أصحابنا وغيرهم على ذم الإسراف في الماء في الوضوء والغسل ، وقال البخاري في صحيحه : كره أهل العلم الإسراف فيه . والمشهور أنه مكروه كراهة تنزيه ، وقال البغوي والمتولي : حرام ومما يدل على ذمه حديث عبد الله بن مغفل بالغين المعجمة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء } رواه أبو داود بإسناد صحيح

التالي السابق


الخدمات العلمية