صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ويجوز أن يتوضأ الرجل والمرأة من إناء واحد ، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال : { كان الرجال والنساء يتوضئون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد } : ويجوز أن يتوضأ أحدهما بفضل وضوء الآخر ، لما روت ميمونة رضي الله عنها قالت : " { أجنبت فاغتسلت من جفنة ففضلت فيها فضلة ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل منه فقلت إني قد اغتسلت منه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : الماء ليس عليه جنابة واغتسل منه } " ) .


( الشرح ) حديث ابن عمر رواه البخاري قال : " { كان الرجال والنساء يتوضئون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا } " وحديث ميمونة صحيح أيضا رواه الدارقطني بلفظه هنا ، ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم بمعناه عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسموا ميمونة . قال الترمذي حديث حسن صحيح والجفنة - بفتح الجيم - وهي القصعة بفتح القاف ، وقوله : ففضلت - هو بفتح الضاد وكسرها - [ ص: 221 ] لغتان مشهورتان - أي بقيت ، واتفق العلماء على جواز وضوء الرجل والمرأة واغتسالهما جميعا من إناء واحد لهذه الأحاديث السابقة واتفقوا على جواز وضوء الرجل والمرأة بفضل الرجل .

وأما فضل المرأة فيجوز عندنا الوضوء به أيضا للرجل سواء خلت به أم لا ، قال البغوي وغيره : ولا كراهة فيه للأحاديث الصحيحة فيه ، وبهذا قال مالك وأبو حنيفة ، وجمهور العلماء ، وقال أحمد وداود : لا يجوز إذا خلت به ، وروي هذا عن عبد الله بن سرجس والحسن البصري ، وروي عن أحمد كمذهبنا ، وعن ابن المسيب والحسن كراهة فضلها مطلقا . واحتج لهم بحديث الحكم بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة } " رواه أبو داود والترمذي والنسائي وروي مثله عن عبد الله بن سرجس ، قال الترمذي : حديث الحكم حسن . واحتج أصحابنا بحديث ميمونة المذكور في الكتاب ، وهو صحيح صريح في الدلالة على الطائفتين ، وقد سبق في الفصل الماضي أحاديث كثيرة صحيحة يستدل بها للمسألة ، وإذا ثبت اغتسالهما معا ، فكل واحد مستعمل فضل الآخر ، ولا تأثير للخلوة .

وأما حديث الحكم بن عمرو ، فأجاب أصحابنا عنه بأجوبة ( أحدها ) : جواب البيهقي وغيره أنه ضعيف ، قال البيهقي ، قال الترمذي : سألت البخاري عنه فقال ليس هو بصحيح ، قال البخاري : وحديث ابن سرجس الصحيح أنه موقوف عليه ومن رفعه فقد أخطأ ، وكذا قال الدارقطني : وقفه أولى بالصواب من رفعه وروي حديث الحكم أيضا موقوفا عليه ، قال البيهقي في كتاب المعرفة : الأحاديث السابقة في الرخصة أصح فالمصير إليها أولى .

( الجواب الثاني ) جواب الخطابي وأصحابنا أن النهي عن فضل أعضائها وهو ما سال عنها ، ويؤيد هذا أن رواية داود بن عبد الله الأودي عن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم " { أنه نهى أن تغتسل المرأة بفضل الرجل ، أو يغتسل الرجل بفضل المرأة } " رواه أبو داود والنسائي والبيهقي بإسناد [ ص: 222 ] صحيح وداود وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في رواية ، وضعفه يحيى في رواية ، قال البيهقي : هذا الحديث رواته ثقات إلا أن حميدا لم يسم الصحابي فهو كالمرسل إلا أنه مرسل جيد ، لولا مخالفته للأحاديث الثابتة الموصولة ، وداود لم يحتج به البخاري ومسلم . قلت : جهالة عين الصحابي لا تضر لأنهم كلهم عدول ، وليس هو مخالفا للأحاديث الصحيحة ، بل يحمل على أن المراد ما سقط من أعضائها ، ويؤيده أنا لا نعلم أحدا من العلماء منعها فضل الرجل ، فينبغي تأويله على ما ذكرته ، إلا أن في رواية صحيحة لأبي داود والبيهقي : " وليغترفا جميعا " وهذه الرواية تضعف هذا التأويل ، ويمكن تتميمه مع صحتها ويحملنا على ذلك أن الحديث لم يقل أحد بظاهره ومحال أن يصح وتعمل الأمة كلها بخلاف المراد منه .

( الجواب الثالث ) ذكره الخطابي وأصحابنا أن النهي للتنزيه جمعا بين الأحاديث والله أعلم .

( فرع ) قال الغزالي في الوسيط : وفضل ماء الجنب طاهر وهو الذي مسه الجنب والحائض والمحدث خلافا لأحمد ، فأنكر عليه في هذا أربعة أشياء أحدها قوله خلافا لأحمد ، فمقتضاه أن أحمد يقول بنجاسته وهو عند أحمد طاهر قطعا ، لكن إذا خلت به المرأة لا يجوز للرجل أن يتوضأ به على رواية عنه .

( الثاني ) أنه فسر فضل الجنب بفضل الجنب والحائض والمحدث .

( الثالث ) قوله فضل الجنب طاهر فيه نقص والأجود مطهر .

( الرابع ) قوله : ( وهو الذي مسه ) فيه نقص وصوابه وهو الذي فضل من طهارته ، أما ما مسه في شربه أو أدخل يده فيه بلا نية فليس هو فضل جنب . وما أفضله من طهارته وإن لم يمسه فهو فضل جنب ، فأوهم إدخال ما لا يدخل ، وإخراج ما هو داخل ، ويمكن أن يجاب عن الأول بأنه أراد فضل الجنب مطهر مطلقا ، وخالفنا أحمد في بعض الصور ، وعن الثاني بجوابين ( أحدهما ) : أن المراد بالجنب الممنوع من الصلاة ثم فسره بالثلاثة .

( والثاني ) أنه أراد فضل الجنب وغيره فحذف قوله ( وغيره ) لدلالة التفسير [ ص: 223 ] عليه واقتصر على الجنب اقتداء بالشافعي والمزني والأصحاب فإنهم ترجموا هذا بباب فضل الجنب ثم ذكروا فيه الجنب وغيره . ويجاب عن الثالث : بأنه لم ينف كونه مطهرا ، وقد علم أن الماء الطاهر مطهر إلا أن يتغير أو يستعمل ، وهذا لم يثبت فيه تغير ولا استعمال ، وعن الرابع : أن المراد مسه في الطهارة واكتفى بقرينة الحال والمراد مسه في استعماله والله أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية