صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ولا يجوز التيمم إلا بالتراب لما روى حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { فضلنا على الناس بثلاث : جعلت لنا الأرض مسجدا وجعل ترابها لنا طهورا ، وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة } " فعلق الصلاة على الأرض ثم نزل في التيمم إلى التراب ، فلو جاز التيمم بجميع الأرض لما نزل عن الأرض إلى التراب : ولأنه طهارة عن حدث فاختص بجنس واحد كالوضوء ) .


( الشرح ) حديث حذيفة صحيح رواه مسلم وقال فيه : " جعلت لنا الأرض كلها مسجدا وتربتها طهورا " قال الخطابي : معناه أن من كان قبلنا لم تبح لهم الصلاة إلا في البيع والكنائس . [ ص: 246 ] والتراب معروف وله خمسة عشر اسما ذكرتها مفصلة في تهذيب الأسماء ، ثم الصحيح المشهور أنه اسم جنس لا يثنى ولا يجمع إلا إذا اختلفت أنواعه . ونقل أبو عمر الزاهد عن المبرد أنه جمع واحده ترابة ، وقوله : " لأنه طهارة عن حدث " احتراز من الدباغ . ( أما حكم المسألة ) فمذهبنا أنه لا يصح التيمم إلا بتراب ، هذا هو المعروف في المذهب وبه قطع الأصحاب وتظاهرت عليه نصوص الشافعي وحكى الرافعي عن أبي عبد الله الحناطي ( بالحاء المهملة والنون ) أنه حكى في جواز التيمم بالذريرة والنورة والزرنيخ والأحجار المدقوقة والقوارير المسحوقة وأشباهها قولين للشافعي ، وهذا نقل غريب ضعيف شاذ مردود ، وإنما أذكره للتنبيه عليه لئلا يغتر به ، والصحيح في المذهب أنه لا يجوز إلا بتراب ، وبه قال أحمد وابن المنذر وداود .

قال الأزهري والقاضي أبو الطيب : هو قول أكثر الفقهاء وقال أبو حنيفة ومالك : يجوز بكل أجزاء الأرض حتى بصخرة مغسولة ، وقال بعض أصحاب مالك : يجوز بكل ما اتصل بالأرض كالخشب والثلج وغيرهما ، وفي الملح ثلاثة أقوال لأصحاب مالك .

( أحدها ) : يجوز ، ( والثاني ) : لا .

( والثالث ) - وهو عندهم أشهرها - أنه إن كان مصنوعا لم يجز التيمم به وإلا جاز . وقال الأوزاعي والثوري : يجوز بالثلج وكل ما على الأرض . واحتجوا بقول الله تعالى : { فتيمموا صعيدا } والصعيد ما على الأرض وبقوله صلى الله عليه وسلم : { جعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا } " رواه البخاري ومسلم ، وبحديث أبي الجهيم السابق في التيمم بالجدار ، وبحديث عمار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إنما كان يكفيك هكذا ، ثم ضرب بيديه ثم نفضهما ثم مسح وجهه وكفيه } " رواه البخاري ومسلم . وفي رواية لمسلم [ ص: 247 ] { إنما يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك } " قالوا : فهذا يدل على أنه لا يختص بتراب ذي غبار يعلق بالعضو كما قلتم ، قالوا : لأنه طهارة بجامد فلم يختص بجنس كالدباغ .

واحتج أصحابنا بقوله تعالى : { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } وهذا يقتضي أن يمسح بما له غبار يعلق بعضه بالعضو وبحديث حذيفة ، وروى البيهقي عن ابن عباس قال : { الصعيد الحرث حرث الأرض } وبالقياس الذي ذكره المصنف . وأما قولهم : الصعيد ما صعد على وجه الأرض فلا نسلم اختصاصه به ، بل هو مشترك يطلق على وجه الأرض وعلى التراب وعلى الطريق ; كذا نقله الأزهري عن العرب وإذا كان كذلك لم يخص بأحد الأنواع إلا بدليل ومعنا حديث حذيفة وتفسير ابن عباس ترجمان القرآن بتخصيص التراب . وأما حديث : " جعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا " فمختصر محمول على ما قيده في حديث حذيفة . وأما التيمم بالجدار فمحمول على جدار عليه غبار ، لأن جدرانهم من الطين ، فالظاهر حصول الغبار منها ، وحديث النفخ في اليدين محمول على أنه علق باليد غبار كثير فخففه ، ونحن نقول باستحباب تخفيفه . ورواية مسلم ثم ينفخ محمولة على ما إذا علق بهما غبار كثير ولا يصح أن يعتقد أنه أمره بإزالة جميع الغبار ، والفرق بين التيمم والدباغ أن المراد بالدباغ تنشيف فضول الجلد وذلك يحصل بأنواع ، فلم يختص ، والتيمم طهارة تعبدية فاختصت بما جاءت به السنة كالوضوء والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية